أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قوة العلم















المزيد.....


قوة العلم


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4246 - 2013 / 10 / 15 - 20:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وهي القوة الثالثة الناطقة وتحتل المرتبة المتوسطة بين الأخلاق والمعرفة فالفكر والذاكرة من جهة والحلم والنباهة من الطرف الثاني يشكلان جناحين معنوي ومادي للنفس الناطقة يتوسط الجناحين القلب وهو العلم ويقول الإمام علي عليه السلام في موضوعة العلم نصا يستغرق كل المعنى ويحتوي كل الحكمة منه((مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ وَ مَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ)) فالاعتبار فكر بالمعنى السابق وهذا الاعتبار لا بد له من استبصار عقلي متعلق بالتجربة الفكرية العقلية المستقاة من الذاكرة السليمة وفق فهمنا لها سابقا هذا يوصل للفهم الكلي الذي هو من مقدمات العلم وليس العلم بذاته فإن قلت الفهم هو العلم فأي حاجة له إلى أن يقول و من فهم علم قلت الفهم هاهنا هو معرفة المقدمات على النحو الذي يجعل منها مقدمة للعلم بالصورة أو الحالة الحقيقية القابلة للتصديق والأبرام وهو العلم عينه, و لا بد أن يستعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة فمعرفة النتيجة هو العلم كما قلنا فكأنه قال من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالى و من تنور قلبه عقل المقدمات البرهانية و من عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون,فالعلم سواء أكان علم كلي يتعلق بالوجودية الشاملة أو علم موضوعي متصل بالحاجات الوجودية الكونية كلاهما لابد له من مقدمات فكرية متصلة بالموضوع العقلي ابتدأءً وانتهاءً بالفهم, فلا خير في عقل لم يزينه علم كما قال الإمام عليه السلام,منه نستنتج أن العقل السليم الكامل عند الإمام ما كان مستهديا بعلم ومسترشدا به من خلال القاعدة التي يفهمها النص لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ أي ليس من الأعتدال أن أن نبني علما على ما لانفهمه لان ذلك يعني الحصول على المجهول الذي هو ضد العلم ومناقض لفهمنا عن صورته الحقيقية.
هذا مثل قول أصحاب أصول الفقه لا يجوز نسخ القرآن و السنة المتواترة بخبر الواحد لأن المضنون لا يرفع المعلوم. و لفظ الثقة هاهنا مرادف للفظ العلم فكأنه قال لا يجوز أن يزال ما علم بطريق قطعي لحقه التصديق على وجه الاغتقاد الجازم الأكيد لأمر ظني الأحتمالي فلو حظر الأحتمال لبطل الأستدلال أي سقط مصدر العلم بالدلالة المؤكدة وهو قطع طريق العلم الخاص. فإن قلت أليس البراءة الأصلية معلومة بالعقل ومع ذلك ترفع بالأمارات الظنية كأخبار الآحاد. قلت ليست البراءة الأصلية معلومة بالعقل مطلقا, بل مشروطة بعدم ما يرفعها من طريق علمي أو ظني ألا ترى أن أكل الفاكهة و شرب الماء معلوم بالعقل حسنه و لكن لا مطلقا بل بشرط انتفاء ما يقتضي قبحه فإنا لو أخبرنا إنسان أن هذه الفاكهة أو هذا الماء مسموم لقبح منا الإقدام على تناولهما و إن كان قول ذلك المخبر الواحد لا يفيد العلم القطعي.
فيكون العلم بموجب النصوص أعلاه وهي كلها من فيض علم الإمام عليه السلام قائد للعقل لاحق للفكر بمعنى (الفهم), المنبعث من الذكر والتذكر ليعطي ثمرة هي الحلم والنباهة لذلك قلنا إن قلب النفس الناطقة العلم لان خير الأمور أوسطها لا بمعنى التوسط الكيفي ولكن التوسط الوظيفي الترتيبي ومن هنا يمكننا أن نستنتج النقاط التالية:
1. إن العلم كمفهوم مجرد لا يولد من فراغ ولا بد له من مقدمات هذه المقدمات متصلة من جانبين أحدهما وجودي خارجي والأخر ذاتي تكويني(أن الله خلق الإنسان مفطورا على التفكير مستعدا لتحصيل المعارف بما أعطي من قوة عاقلة مفكرة يمتاز بها عن العجماوات)(المنطق ,للمظفر ,مصدر سابق), والوجودي الخارجي (الموضوعي) هو الفكر كما شرحنا في المبحث الأول ومنه يتولد الفهم فمن لا يفهم لابد أنه لم يفكر ومن لا يفكر لا يفهم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191,فربنا ما خلقت هذا باطلا هو الفهم النهائي المبني على ذكر الله (ذكر ألاء الله وآياته بطريق تذكر الحقائق كتجربة معاشة ومخزنة في العقل) أي استرجاع الحقائق الإلهية وربطها البعض بالبعض من خلال إعمال الذاكرة العقلية وما احتوت من بلاغ وإنذار ووحي والهام كلها مخزنة مكنونة في ذاكرة الإنسان عبر الزمن التاريخي الوجودي له سبقها ولحقها التفكر والتفكير بالعلة والسبب والغايات والنتائج هذه العملية هي التي توصل إلى الفهم الذي يكون مقدمة للعلم بالحقائق بالقبول أو الرفض فالمثال الأول حصول العلم بالقبول بعدم أمكانية تصور الباطل في مسألة الخلق بني عليه العلم من خلال امتحان الفهم مع حقائق العلم الوجودي الكوني ,أما حالة الرفض فنجدها في النص التالي {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219,فهنا العلم يرفض الخمر والميسر بناءً على نفس القواعد السابقة,فالعلم يكون هو الحاكم الذي يستعين به العقل للقبول والرفض بناءً على نتيجة الفعل أو الفكر أو السلوك إضافة للذاتية العقلية التي تستقبح القبيح وتستحسن الحسن.
2. وضيفة العلم هي إعانة العقل على وضع الأمور في مواضعها وإنصاف الحقيقة من خلال إحلالها في محلها وبعكس ذلك لا يكون للعقل من فائدة فالمتعلم ومن فوقه العالم من سلك هذين المسلكين والجاهل من خالف ذلك, ويقول الإمام علي عليه السلام في موعظة تتصل بهذا الجانب ((قِيلَ لَهُ صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ مَوَاضِعَهُ فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا الْجَاهِلَ قَالَ قَدْ قُلْتُ)) وهذا يذهب بنا إلى تلازم العقل مع العلم وتخلف الثاني يبطل الأول على وجه الاستواء لا على وجه التكوين فكم من يدعي العقل والتعقل وهو لا يعلم إلا كما يعلم الجاهل مثله ولكن لا يمكن تصور عالم أو متعلم تخلف عنه العقل فهو طريق للعلم وليس العلم طريق للعقل {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75,فقد أشار الله في النص على ترابط العقل وتقدمه على العلم في التكوين ولكن في الارتقاء والسمو تقدم العلم على العقل لان الأخير مسترشد به وتابع له على الصحة والاستواء التام.
3. إن اكتساب العلم من الوظائف التكوينية والصيرورية للعقل وهو الذي يدل ويستدل عليه لكنه في مرحلة اكتمال الأسس العلمية يعيد العلم تكيف وتشكيل العقل إلى بلوغ مرحلة النضج التراكمي ويصبح العقل وعاءً غير ذي نهاية لقبوله بعدما كان في الابتداء محصورا بحدود ضيقة تتسع مع ثبوت الأسس وتجذرها في الذاكرة وفي السلوك على حد سواء ((كُلُّ وِعَاء يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ)) ومعروف إن وعاء العلم هو العقل ولا غيره وفي هذا الكلام سر عظيم لا يدركه علماء النفس وخاصة من أشاروا إلى بواعث السلوك الإنساني وحصروها في الباعث النفسي الجنسي فمن كثرت علومه قلت نوازعه النفسية لأنه ينظرها من منظار العلم ومدى توافق العلم مع الخصائص الذاتية للفاعل و منه أخذ مثبتوا النفس الناطقة الحجة على قولهم و محصول ذلك أن القوى الجسمانية يكلها و يتعبها تكرار أفاعيلها عليها كقوة البصر يتعبها تكرار إدراك المرئيات حتى ربما أذهبها و أبطلها أصلا و كذلك قوة السمع يتعبها تكرار الأصوات عليها و كذلك غيرها من القوى الجسمانية وفي هذا يشير الإمام علي الى حقيقة تعب الحواس ومبعثها نتيجة التكرار فيقول((إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَ إِقْبَالِهَا فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ)) و لكنا وجدنا القوة العاقلة بالعكس من ذلك فإن الإنسان كلما تكررت عليه المعقولات ازدادت قوته العقلية سعة و انبساطا و استعدادا لإدراك أمور أخرى غير ما أدركته من قبل حتى كان تكرار المعقولات عليها يشحذها و يصقلها, فهي إذن مخالفة في هذا الحكم للقوى الجسمانية فليست منها لأنها لو كانت منها لكان حكمها حكم واحد من أخواتها و إذا لم تكن جسمانية فهي مجردة و هي التي نسميها بالنفس الناطقة.
4. العلم قوة نفسية تتبع قوانين القدرة والتحصيل مثلها مثل بقية القوى النفسية السابقة وتنطبق عليها قوانين القوة الفيزيائية من الحاجة إلى الطاقة والفعل وإحداث الفعل والأثر المترتب عليها وبذلك يكون العلم والتعلم من ضمن نطاقات القوى الإنسانية المسماة القوى النفسية المقتدرة على الإنتاج والتكوين الوجودي فهي من الوظائف الإنتاجية وبهذا الوصف يتحول الإنسان بالعلم من مستهلك تتحكم به العوامل الفيما حولية بمدى معين إلى متحكم بها بالإنتاج العلمي المبني على الحقائق التي يفهمهما ويعقلها ويمارسها بالتحصيل العلمي {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}العلق , فالعلم بالنفعية المترتبة عنه يخدم المصلحة الشمولية للوجود الكوني ورافد مؤسس ومنمي لها.
5. العلم قدرة تكوينية فالناس مستوون بهذه القدرة منذ خط الشروع فلا يولد إنسان عالم ولا يولد إنسان جاهل وإنما بالتحصيل والقدرة تبنى ملكة التعلم والتعليم وبما يحيط بالإنسان من الظروف الفيما حولية,فالأمشاج التكوينية(الجينات) تحتوي أصلا على مكونات تعليمية أساسية تمكن الإنسان من تنميتها وتنشيطها بما يتعلم وبذلك الاستواء التكويني لا يكون الله ظالما لأحد فيفضل أحد على أحد بالخلق وإنما جميعا في تكوين وتشكيل وتصوير واحد موحد وبذلك تسقط نظرية التفضيل الإلهي التي يدعيها البعض بدوافع عنصرية أو شيفونية {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }المائدة18,فالمعيار القرآني هنا هو الكسب والاكتساب الذاتي {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286,فالتكليف مقترن بالاكتساب كوعاء وبالحساب والعقاب كنتيجة فيكون الله عادلا لا متعديا على خلقه بوضعه المقدمات وتمكين المقدمات من العمل بالكسب والاكتساب فهو يلقي على خلقه الحجة بعد أن هيأ لها الأسباب والمسببات على خط واحد للجميع ولا يفضل مخلوق على مخلوق إلا لأسباب خاصة مخصوصة تتعلق بالوجودية الشاملة وضرورياتها الكلية والجزئية بحالات خاصة كالرسل والأنبياء ومن شمل بالعناية واللطف الرباني لما قلنا كسبب {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }الكهف65, {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }يوسف22, {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114,وحتى هذا العطاء الرباني لا يأتي كهبة مجانية وليس طريقا سهلا ولكنه بالتقدير التكويني سبب لعطاء وجودي{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28, {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7.
6. ارتباط العلم بالوجودية الكونية الشاملة ارتباط العلة بالمعلول والنتائج بالمقدمات,فلا علم حقيقي إلا وله ارتباط بما في الكون من آيات ودلائل تشير إلى خلق الله وقدرته وعلمه فلو تكن الجبال والسهول والأنهار لم يكن مثلا ضرورة لعلم الجيولوجيا ولو لم تكن النجوم والأفلاك وحركتها وضرورة فهم هذا الارتباط مع حياة الإنسان وحاجاته لم يكن لعلم الفلك من ضرورة وكذلك مع الطب والفيزياء والكيمياء وجميع فروع العلم إنما أسبابها الباعثة في الوجود التكويني {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164, {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191,هذا الخلق البديع في التكوين والترتيب والإنشاء الاعجازي باعث للتفكر العلمي ودافع لاستكشاف علة الخلق ومسبباته , وعلى الإنسان أن يفهمها بالحقيقة الكلية لا بالتجزئة والتفريد والتفريط بها وهذا هو دأب المضلين الذين لا يرون إلا أنفسهم وما أنفسهم بالمقارنة مع الخلق الكبير الكامل المتكامل إلا كقطرة في بحر {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25.
7. بناء العلم السليم المشتمل على الحقيقة بمعناها الكلي يستوجب دائما الإيمان بالوجود الكلي الشامل وبعكس ذلك يتخبط العلم الوجودي الكوني بالظواهر التي لا يمكنه من تفسيرها وهي مجرد من أصولها التكوينية ((في عام 1974م قدم الفيزيائي الفلكي البريطاني براندن كارتر ملاحظات حول الدقة المذهلة للثوابت الكونية مثل ثابت الجاذبية، وسرعة الضوء وشحنة وكتلة الإلكترون والبروتون والنيوترون وغير ذلك، هذه الدقة تشير إلى أن اختيارها تم لكي تظهر الحياة الإنسانية العاملة في الوقت بالضبط، وأن أي اختلاف مهما بلغ من الصغر سوف يؤدي إلى اختلاف النتيجة تمامًا وغياب ظاهرة الإنسان ومن هنا ظهر ما يسمى بالمبدأ الإنساني الكوني .{The Anthropic Cosmological Principle} وهكذا عاد التفسير بالغايات للظهور بعد أن ظن كثير من علماء الفيزياء أنهم قد تجاوزوا هذه المرحلة، وبدأ العلم الحديث يضع أقدامه على الطريق الصحيح((مجلة المعرفة العدد (61) ربيع الآخر 1421هـ.).),ونحن توسيعًا لهذا المبدأ، وبناء على فهمنا للأبعاد الفلسفية لمبدأ الشيئية وتعميمه ليشمل الكون والحياة الإنسانية العاملة نعرّف مبدأ مهمًا ونسميه: «المبدأ الديني الكوني»والمبدأ الإنساني الكوني الذي في ملخصة العام الاعتقاد بالغيب على انه من الحقائق العلمية الوجودية لان ما من وجود بموجب الثنائية الشيئية إلا وله مقابل مناقض أو مضاد أو مبين {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الذاريات49, {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3,هذه الثنائية الشيئية ثابتة بالعلم والعقل والمنطق فأي مجافاة لها إنكار للضروريات العلمية والعقلية والمنطقية وهذا هو مضمون المبدأ الديني الكوني.
8. العلم كقوة نفسية يتبع النفس ذاتها وتنعكس سلامتها على سلامة العلم وحيويتها عليه فالنفس الكاملة بنسبة عالية الملتزمة بالثوابت الوجودية الشاملة من أخلاق وقيم إعدادية تنتج علما أخلاقيا سليما والعكس صحيح فالنفوس المريضة العاجزة من التحرر من النزوات والشهوات ولم تتبع العقل تراه تنتج علما زائفا قاصرا زائغا عن الموازين الإلهية المنشئة لها فهي تعيش أزمة أخلاقية إنسانية مدمرة ترتكز مثلا عند الوجوديين على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيهم ، ولا يوجد شيء سابق عليه، ولا بعده، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته ، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته وبالتالي فالعلم الذي ينشأ عنها علم قاصر غير أخلاقي نتج عنه أمراض اجتماعية ونفسية منها على سبيل المثال القلق والهجران واليأس: القلق نتيجة للإلحاد وعدم الإيمان بالقضاء والقدر .. ونبذ القيم الأخلاقية والسلوكية . والهجران الذي هو إحساس الفرد بأنه وحيد لا عون له إلا نفسه . واليأس الذي هو نتيجة طبيعية للقلق والهجران ، وقد حاول سارتر معالجة اليأس بالعمل ، وجعل العمل غاية في ذاته لا وسيلة لغرض آخر ، وحسب الوجودي أن يعيش من أجل العمل وأن يجد جزاءه الكامل في العمل ذاته وفي لذة ذلك العمل .
إن انطلاق العلم من قيم وأخلاقيات تتبع الفطرة الإنسانية والعقل السوي خالية من الأمراض النفسية وحُجُب العقول هو طريق الإنسان المستهدف بنظرية الاستخلاف والخلق وبه تتم الرسالة الإنسانية في الكون والتكوين يقول أحد الباحثين مشيرا إلى الصراع بين العلم الحقيقي وبين الزائف منه بالتالي(كلها تعمل على التفكيك ألإتلافي لهذا الدين والعمل على تسويته بالأرض. المدهش في الأمر إن الإسلام يبدو عصياً على هذا النوع من التفكيك، فهو مرن قابل للانضغاط، يتشكل ولا يتكسر، ينضغط ويتمدد لكنه لا يتفكك، ينتقل بالاتصال والحمل والإشعاع، وينتشر في القلب وفي الدم وان بدا أنه قد توارى عن الأنظار. هذا الدين يستقوي بالضربات، ويتغذى وينمو بالانتقادات، وقد يدخل في نوبات من الكمون، لكنه ما يلبث أن يستفيق وينهض فيعيد التوازن الدينامكي للوجود بأكمله. ولكن ما سبب هذه المواجهة يا ترى؟ إنها المقابلة ما بين الإسلام والعلمانية وتمهيد الطريق للعولمة. فالإسلام هو الممثل الشرعي العالمي للوحي، وهو المنافس الوحيد القادر على مواجهة العولمة المتعلمنة، بما هو نظام حياة ودولة ونظرة صادقة للآخرة. إن ما يقلق العولمة حقاً هو القدرة الفائقة للإسلام على الإشعاع والانتشار، ولا تستبعد هذه العولمة أن يستفيق هذا الدين من بين ثناياها مستفيداً منها منقلباً عليها. لا غرابة إن حصل هذا، فإن من ميزات هذا الدين انه ينتصر بغيره! إذا كان الإسلام يتحفز ذاتياً وينتصر بغيره)(( عزيز محمد أبو خلف 10 محرم 1429 هـ باحث – جامعة الملك سعود ))
إن من المستنتجات أعلاه يتضح منها إن العلم كقوة نفسية إنسانية موجود ذاتي تكويني أصلي من تكوينات الإنسان الابتدائية خلقت معه بالأمشاج دون أن نضن أنها من الملحقات اللاحقة أو المتحصلة فملكة العلم كملكة الجذب في النفس النباتية وكملكة السمع في النفس الحيوانية ولذلك أمر الله بالعلم والتعلم كما أمر بتناول الطيب من الطعام وكما أمر بالسمع والبصر إلا إن الإنسان والقيم التي صنعها هو لا عن أوامر إلهية هي تجعل من هذه الملكة منزوية عن العمل والتنشيط وهذه المسئولية إنسانية لا علاقة للموجد بها وهي من الاكتساب الضال{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة75 ,فالتحريف وإبعاد الناس عن العلم والتجهيل المتعمد هن من السياسات التي يتبعها الضالون عن خط الوجودية الإنسانية الشاملة يريدون به الضلال والإضلال ليس إلا فيقول الإمام علي عليه السلام في إحدى مواضعه يصف فضل النعمة الربانية ومنها نعمة العقل والعلم وأهمية مراعاة النعمة لأنها لابد منها وهو سر الإنعام الرباني(إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ نِعْمَة حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ) فحق النعمة أن نعطيها الإنصاف منا ونستعملها بالوجهة الموجهة إليها لان بذلك نحفظها ونستديم بالتمتع بمنفعتها فنعمة العلم والتمكين له بما ينفع الناس تتم من خلال مراعاتها والاهتمام بها وبعكس ذلك نضيعها ونضيع معها{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164, {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }الرعد1.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصالة الكينونة
- ما هو التأريخ ج1
- ما هو التاريخ ج2
- أزمة الفهم وتجسيد الأزمة
- البرغماتية الكهنوتية
- دور الفلسفة في التغيير
- أساسيات التغيير الفكري في أوربا
- كل النساء في مدينتي خالاتي
- أنسنة الوجود الكوني
- أغنية لبغداد ,بين نعمانك وكاظميك
- المال العام بين النزاهة والابتزاز
- ضياء الشكرجي والخروج من الشرنقة.
- ام هاشم
- الورود لا تنمو بين الصخور .
- أدلجة الأختلاف وشرعنة التبديل
- قسما يا وطني بحروفك الأربع
- دكان جدي _ قصة قصيرة
- الدين والضرورة
- أعترافات ما بعد الموت
- كلام على ورق


المزيد.....




- محاكمة مؤسس ويكيليكس: أسانج ينهي الأزمة مع أمريكا بعد الإقرا ...
- عيد الغدير.. منشور نوري المالكي وتعليق مقتدى الصدر وتهنئة مح ...
- مصر.. تقرير رسمي يكشف ملابسات قتل طفل وقطع كفيه بأسيوط
- السعودية تقبض على سوري دخل بتأشيرة زيارة لانتحال صفة غير صحي ...
- القضاء الأمريكي يخلي سبيل أسانج -رجلا حرا-
- القضاء الأمريكي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- رئيس ناسا: الأمريكيون سيهبطون على القمر قبل الصينيين
- في حالة غريبة.. نمو شعر في حلق مدخّن شره!
- مادة غذائية تعزز صحة الدماغ والعين
- نصائح لمرضى القلب في الطقس الحار


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قوة العلم