أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في وداع سورية... مؤقتا














المزيد.....


في وداع سورية... مؤقتا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 15:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بذلت ما أستطيع من جهد طوال عامين ونصف للبقاء في البلد. كان هذا مهماً لي ككاتب يريد أن يعيش الأوضاع التي يكتب عنها، ومهما لي كمثقف يريد أن يعيش بين الناس ومثل الناس الذين هو منهم، ويحاول فهم أحوالهم. أردت أن أبقى ليس لأني أقوم بعمل لا غنى عنه، ولكن لأن هذا مكاني الذي لا غنى لي عنه. أريد أن أرى سورية وهي تتغير، بعد أن قضيت نصف قرن من عمري وهي لا تتغير.
اقتضى البقاء في البلد جهدا كبيرا أيضا لتجنب الوقوع في القبضة الإجرامية للنظام الأسدي. وبعد نحو عامين من الثورة اقتضى أيضا أن أترك دمشق التي عشت فيها أكثر بقليل من 12 عاما، متواريا في العامين الأخيرين. قصدت الغوطة تهريبا، ثم بعد نحو 100 يوم اتجهت نحو الرقة، المدينة التي عشت فيها سنوات من الطفولة والمراهقة، ويقيم فيها إخوتي، أو من بقي منهم.
كانت الرحلة نحو الرقة شاقة جدا. ليس لأنها استغرقت 19 يوما في عز الصيف، وكانت محفوفة بالمخاطر، ولكن لأني قبل بداية الرحلة، ثم وأنا على الطريق المتعدد المراحل، كنت أتابع ابتعاد محطتي الأخيرة، الرقة، التي وقعت تحت احتلال قوة أجنبية عدائي، "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو "داعش"، الاسم الذي يبدو مناسبا جدا لغول في إحدى الخرافات التي كنا نسمعها صغارا. قبل مغادرة الغوطة بأيام قليلة علمت أن الغول اعتقل أخي أحمد. وفي الرحيبة في منطقة القلمون علمت، وأنا أتصل للاطمئنان على أحمد، أن الغول اختطف فراس أيضا. هذا زائد على الحد.
لم يعد للرحلة معنى، لكني ما كان بوسعي إلا المضي فيها. كنت راغبا في انتهاء رحلة شاقة، كان يخفف من مشقتها رفقة مقاتلين شبان منشقين، وصديق شاب مصور، كان يوثق جوانب من رحلتنا بكاميرته.
لكن لم تعد نهاية الرحلة غاية شخصية، ولم يعد لانتهاء المشقة بهجة خاصة.
قضيت في الرقة شهرين ونصف متواريا. ولا معلومة واحدة عن فراس خلالها.
لا شيء يمكن أن يكون أسوأ. بدل أن أصلها محتفلا، أعيش متواريا في مدينتي "المحررة" بعد عامين ونصف من الثورة. هذا بينما يتحكم أغراب فيه وبحياة سكانها، فيحطمون تمثالا متواضعا لهرون الرشيد، ويعتدون على كنيسة، ويستولون على أملاك عامة، ويعتقلون بشرا ويغيبونهم في سجونهم، ومن الناشطين السياسيين حصرا، وليس أبدا من خدم النظام السابقين وشبيحته. وعدا هذا العدوان على البشر والرموز والأشياء، لا يبدو أن القوم يعرضون شيئا من روح المسؤولية العمومية التي يفترض أن تقع على عاتق من يشغل موقع السلطة.
أردت أن أبقى في الرقة أطول وقت ممكن لأفهم كيف جرت الأمور على هذا النحو، ولأكون فكرة عن المتحكمين الجدد. عرفت أشياء مفيدة، لكن ليس بقدر ما ينبغي لأني لم أستطع التجول ماشيا في شوارع المدينة، وسماع القصص من الناس، دع عنك مقابلة أمراء "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وعموم "مجاهد"ـيها.
ألا أمشي في شوارع الرقة في الخريف... ليس هذا سببي للرحيل، لكنه كبير وحده.
في مطلع الثورة كنت أقول مازحا لأصدقائي: أريد إسقاط النظام كي أحصل على جواز سفر! كنت أريد جواز سفر كي أشعر أني حر، أسافر حين أريد.
اليوم أترك ورائي أصدقاء مستمرون في الكفاح، كان وجودنا في الداخل يؤنس ويشد أزر كل واحد منا.
لست مريرا، غاضب بعض الشيء. أدرك كم حالنا مستحيلة، لكن كلما ظننت أني فهمت شيئا أو استطعت إضاءة شيء أشعر بانتصار صغير على الوحش البهيم متعدد الرؤوس الذي يريد أن نبقى في الظلام، ألا نملك الكلام، وألا نريد غير ما يريد.
أكثر ما أخشاه الآن هو ألا أفهم خارج سورية. أن تستبهم علي الأمور. كنت أفهمُ في سورية. كانت وطني.

لا أعرف بالضبط ماذا سأفعل في "المنفى". طالما شعرت بالضيق في السابق من هذه الكلمة. كانت تبدو أشبه بسخرية من الباقين في البلد. اليوم ربما تغير معناها، لتتضمن تجربتنا المهولة، تجربة الاقتلاع واللجوء والتشتت، وأمل العودة.
لا أعرف ما سأفعل، لكني جزء من هذا الخروج السوري الكبير، ومن العودة السورية المأمولة.
وإن يكن أشبه بمسلخ اليوم، وطننا هذا ليس لنا غيره، وأعرف أنه ليس ثمة بلد أرأف بنا من هذا البلد الرهيب.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاع عن الحياة قبل الخبز والحرية
- مع أعداء مثل أعدائنا، كان يلزم أصدقاء ليسوا مثل أصدقائنا
- حوار حول سورية ، أميركا، روسيا
- كيف الحال في سورية؟
- أصل القصة في سورية
- الحجي
- أبو أيهم الدرزي
- المعضلة الغربية حيال الصراع السوري
- أبو نجم القدموسي
- أبو قصي الغزلاني: صورة مقاتل
- أبو ياسين الميداني: بورتريه مقاتل
- أبو خالد الغزلاني: صورة مقاتل
- لا جديد في المذبحة، إنها النظام
- إصابات بسلاح كيميائي في الغوطة الشرقيّة
- جريمة قتل طفل باسم دين!
- صورة الطفل الذبيح من بانياس
- حوار في شأن الدين والسياسة والإصلاح الديني. أسئلة ريتا فرج
- حوار في شأن ألإسلام والتطرف والإرهاب والتسامح/ أسئلة محمد ال ...
- حوار في شؤون الثورة السورية/ أسئلة جواد صايغ
- حوار في شؤون شخصية وعامة، من الغوطة الشرقية/ أسئلة غسان المف ...


المزيد.....




- -أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س ...
- فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر ...
- الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
- تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
- مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن ...
- -فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات ...
- مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني ...
- بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب ...
- أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
- كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في وداع سورية... مؤقتا