|
الميديولوجيا في خدمة السياسة والثورة
نديم منصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 08:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- توضيح المصطلحات
أ-الميديولوجيا أو (الإعلامياء) هو مصطلح جديد، استعمله ريجيس دوبريه Regis Debray في كتابه (علم الإعلام العام، باريس (1) 1991، بيروت (2) 1996)، أي علم دراسة الوسائط المادية التي يتجسد عبرها الكلام. ويقسّم ريجيس دوبريه بيئة التواصل الإعلامي للبشرية، إلى ثلاثة عصور ميديولوجية هي:
- عصر الإنتاج الخطي، وركيزته المخطوطة. - عصر الإنتاج المطبوع، وركيزته الكتاب. - عصر الإنتاج السمعي البصري، وركيزته الصورة المتمثلة في السينما والتلفزيون والكمبيوتر.
إلا أن العصور الميديولوجية لم تتوقف عند الحد الذي وصل إليه ريجيس دوبريه، حيث أننا نشهد عصراً ميديولوجياً جديداً ظهر مع حضور الانترنت القوي في العالم (ملياري مستخدم)، نسميه بـ عصر الإنتاج السايبري وركيزته الانترنت(3) المتمثل بالمجتمعات الافتراضية والفضاء السايبري.
يشرح لنا دوبريه في كتابه المذكور عن هذه العصور(4) :
• العصر الأول يطلق عليه اسم المجال الكلامي Logosphere أو الدائرة الكلامية. وهو "عصر لاهوتي تأتيه الكتابة من الله، "الله يملي والانسان يدوّن ويملي بدوره". والديانات الكبرى مع التوراة والإنجيل والقرآن ثبّتت الوحي الشفهي كتابةً. وهنا يبرز مكانة الكلام المقدس والأزلي، "العقل البشري لا يخترع، فهو ينقل حقيقة تلقاها".
• ويطلق على العصر الثاني اسم المجال الخطّي Graphosphere أو الدائرة الخطية، و"فيه تبعية الصورة للنص"، وضمان الحقيقة عبر الانتاج الخطي ووفرته وفتح المجال للاختراعات والابداعات.
• أما العصر الثالث يسميه المجال التلفازي Videosphere أو الدائرة التلفازية، حيث انتقلت سلطة الإعلام إلى المرئي والمسموع، ونزول الكتاب من منصته الرمزية.
أما العصر الميديولوجي الذي نتحدث عنه نسميه بالمجال الانترنتي Internetsphere أو الدائرة الانترنتية، وما يميز هذا العصر أنه يضم العصور الميديولوجية السابقة كلها، فهو يحتوي على المجال الكلامي، لكن الكلام في هذا العصر لم يبق حوارات بشرية لنقل ما هو إلَهي، إنما اتخذ شكلاً جديداً من الكلام اعتمد على الحوار الالكتروني بين إنسان-وآلة، ينقل من خلالها كل ما يريده من معلومات وكل ما يحتاجه من تواصل. كما يحتوي على المجال الخطّي، حيث تبرز الصحيفة الالكترونية والكتاب الالكتروني e-book والمواقع الالكترونية التي اعتمدت على النص المكتوب، والاهتمام بالقراءة الالكترونية على حساب القراءة الورقية التي من المتوقع أن تزول مع ارتفاع سيطرة هذا العصر الميديولوجي الجديد. وكذلك يحتوي على المجال التلفازي من خلال ما يقدمه من إمكانية مشاهدة الأفلام والأخبار والرياضة والفيديوكليب وغيرها من خلال المواقع الالكترونية الكثيرة ولا سيما موقع يوتيوب YouTube الشهير.
ويتميز هذا العصر الميديولوجي بنشوء المجتمعات الافتراضية التي سمحت للمشتركين في تكوين المجتمع الذي يرغبون به والتواصل ضمن الفضاء السابيري الرحب دون أي حواجز مكانية وزمانية. هذا ما أدى إلى ولادة نيوميديا متقدمة عن الميديا التقليدية التلفزيونية، لتحضر المجتمعات الافتراضية، لا سيما الفايسبوك Facebook، وتترك أثرها البالغ في نقل الخبر بالصوت والصورة والكلام والتعليقات وردود الفعل وتفاعلات الجمهور بسرعة فائقة ومذهلة مما ساهم في تحريك ثورات وانتفاضات واحتجاجات شعبية شهدها العالم العربي في الآونة الأخيرة.
ب- السياسة أو البوليتولوجيا أي علم السياسة وهو مصطلح قديم. اشتقّت كلمة سياسة من اليونانية من كلمة بولس polis وتعني الدولة المدنية، ويقصد بها القلعة في قلب المدينة، وهي ترمز أيضاً إلى ساكني الضواحي الذين يشاركون في تلك المدينة وأعمالها. ومن تعاريف السياسة أنها جزء من محاولة الانسان المستمرة لفهم نفسه ومحيطه، وعلاقاته بالآخرين الذين يتعامل معهم. وهي دراسة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها والمهام التي تقوم بها هذه المؤسسات والأجهزة والغايات التي أنشئت من أجلها. وهي أيضاً البحث عن العدالة. وهي مفهوم القوة والنفوذ والسلطة.
قرأنا عن السياسة في فلسفات الكبار مع أفلاطون، أرسطو، سان توما، ومونتسكيو، فيخته، هيغل... لكن هذه الفلسفات كانت تدرس "ما يجب أن يكون" وليس على أساس "ما هو كائن". وهذا ما اتجهت إليه العلوم الاجتماعية إلى شد المسألة السياسية من الاطار الفلسفي إلى الاطار التقني الذي يلحظ الواقع الكائن وليس الواقع المفترض. والاتجاه نحو تفسير السياقات السياسية الفعلية لا تفسير خطاب مبني على أحكام القيم.
هذا لا يعني أن عمل كل هؤلاء العظماء قد تمحور حول الخطاب التأمّلي فقط، فإن لدى أرسطو وكذلك مونتسكيو الكثير من الملاحظات التجريبية الدقيقة، لكنها لم تعُد لتصبح منهجاً فكرياً متبلوراً كما فعلت العلوم الاجتماعية، وكما استطاع علم الاجتماع السياسي فيما بعد إنجازه في رسم قواعد منهجية محدّدة تجعل من الموضوع السياسي إطاراً أساسياً مستنداً إلى المجتمع المدروس، مثل دراسات توكوفيل و ماركس و ويبر و دوركهايم و ريمون آرون.
وكل علم اجتماع هو سياسي. فهل يمكننا دراسة المجموعات البشرية وسلوكياتها بمعزل عن سلوكها السياسي؟ الجواب لا. لأن دراسة المجتمع تبقى منقوصة إذا تجاهلت القضايا السياسية، وقد أدرك معظم علماء الاجتماع المعاصرين هذه الحقيقة. حيث يقول تشارلز رايت ميلز C.Wright Mills في كتابه (الخيال السوسيولوجيThe Sociological Imagination (5)):"وبأي حال من الأحوال لا يستطيع عالم الاجتماع أن يتجاهل الخيارات القيمة ويتجنب إدخالها في عمله. وعلى علماء الاجتماع أن لا يهملوا الاحتمالات لقرائن المفهوم السياسي لعملهم، وأن يتركوا هذا الأمر لغيرهم من الناس يتصرفون به حسب أهوائهم".
فعلم السياسة يدرس دينامية علاقات القوى السياسية التي تخترق المجتمع ككل، وهي دراسة ناتجة عن ملاحظة الممارسات والسلوكيات. ويهتم بدراسة كل من النتائج والاسباب الاجتماعية لعملية توزيع القوة داخل أو بين المجتمعات، كما يعالج أنماط الصراع السياسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى تغير عملية توزيع القوة.
وقد اختلف علماء الاجتماع السياسي في تحديد إطار ومجال الدراسة لهذا العلم، فمنهم من اعتبر أنه علم مرتبط "بمفهوم الدولة"، وعليه لا بد من دراسة كل ما له علاقة بالدولة وكيفية إدارتها للحكم وعلاقاتها بالدول الأخرى، وهذا ما دفع ماكس فيبرMax Weber للقول "إن السياسة هي إدارة تجمّع سياسي نسميه الدولة". ومنهم من اعتبر أنه علم مرتبط "بمفهوم السلطة" مثل انطونيو غرامشي Antonio Gramsci الذي يرى ضرورة دراسة الآلة الحكومية وآلة الاكراه، والوسائل والتنظيمات الخاصة التي تستطيع الطبقات المهيمنة من خلالها إقامة سلطتها والحصول على رضى المحكومين(6).
ومن خلال دراسة الموضوع الاجتماعي السياسي نلحظ انصباب الاهتمام نحو المجموعات الاجتماعية أي دراسة المؤسسة الاجتماعية التي تشكل إطار الفرد، ويشكل الفرد أساساً يستحيل من خلاله فصله عن وسطه الاجتماعي على حد تعبير دوركهايم.
المجتمع هو الذي يجلب الحروب والمعتقدات والعبودية... والفرد هو المكون الذي يتفاعل مع الاطار الاجتماعي، لكنه لا يبقى عنصراً مستقبلاً لكل ما يفرضه المجتمع بل إن ديناميته وعقله وتفكيره وثورته تجعل المجتمع يأخذ أشكالاً غير التي انطلق منها، لأن الفرد بطبيعته يسعى نحو تحقيق سعادته وتحسين أوضاعه المجتمعية، فيشكل بذلك عنصراً أساسياً لكتلة التناقضات الاجتماعية التي يعمل عالم الاجتماع على فك رموزها. وعليه يمكن أن نعتبر أن معرفة الفرد لا تتم إلا من خلال شرح المحيط الاجتماعي الذي يحيط فيه. ج- الثورة أو الثورالوجيا أي علم الثورة: هو مصطلح مبتكر، نضعه بين يدي القراء ضمن هذه الدراسة. إن التاريخ السياسي للنظم والشعوب حافل بالثورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية... أليس التغير الذي تحدثه الثورة في المجتمعات يستحق علماً جديداً يدرسه؟
فكلمة تكنولوجيا ولدت عام 1777 على يد الالماني بيكمان Beckmann، وكلمة بيولوجيا ولدت عام 1802 على يد لامارك Lamark، وكلمة سوسيولوجيا في العام 1837 على يد اوغست كونت Auguste Comte، وكلمة ميديولوجيا عام 1991 على يد ريجيس دوبريه Regis Debray كما ذكرنا... فإنتاج العلوم لا يتوقف، طالما أن الحاجة تبرر المصطلح، ونحن اليوم في العالم العربي أحوج من أي وقت سبق إلى علم يفسّر ما يحدث على الساحة العربية من ثورات واحتجاجات.
في كلمة ثورالوجيا، هناك الثورة التي تعني التغيير المفاجىء والسريع من خلال قوى شعبية تعمل على إعادة تنظيم وبناء النظام السياسي والاجتماعي بناءً جذرياً واستلام السلطة بدل السلطة القائمة. ويعرّف غي روشيه الثورة "هي ذلك النهوض الشعبي المفاجىء والعنيف الهادف إلى قلب السلطة أو النظام وتغير الوضع القائم"(7). أما الثورة بالنسبة إلى كارل ماركس (Karl Marx) كما يوردها في كتابه رأس المال، فهي حتمية يسودها الوعي الطبقي للتغيير وهي موقف نتاج ثوري ينتج من تفاعل عدة عوامل أهمها: أ- تذمر مزمن لدى طبقات المجتمع تجاه الوضع القائم. ب- انقسام بين أعضاء الطبقة الحاكمة وهو انفصال قطاعات مهمة عن بعضها. ج- تكرار الأزمات وبشكل متزايد. د- حدوث اضطرابات وشغب وتظاهرات. هـ- انهيار النظام القائم نهائياً.
ويستخدم مصطلح ثورة في سياقات ومعان عديدة، إذ قد يكون إشارة إلى تغيرات جذرية وأساسية في حقل من حقول العلم والمعرفة، كالقول بالثورة الصناعية، أو الاقتصادية أو الثقافية. أو قد يكون إشارة إلى تحولات رئيسة في البنى الاجتماعية والسياسية. وغالباً ما يشير مفهوم الثورة إلى تغيرات تحدث عن طريق العنف والانقلاب في شكل حكومة بلد ما، لكن التغيرات السياسية التي تنتج عن قيام الثورات تتخذ أشكالاً واتجاهات مختلفة؛ فالثورات الفرنسية والروسية والصينية قد أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية. فالثورة الفرنسية عام 1789م، على سبيل المثال، قد أنهت حكم الملك لويس السادس عشر وحولت الحكم إلى نظام جمهوري، ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، كما استندت إلى دستور ينص على حقوق الأفراد وواجباتهم، وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مؤكدة على حق الأفراد في التنظيم وحريتهم في الاعتقاد. وكذلك الثورة الروسية في عام 1917م التي لم تكتف بعزل القيصر، بل عملت على إحداث تغييرات اجتماعية أساسية، كإلغاء نظام الملكية الفردية. وبشكل قريب من نموذج الثورة الروسية، قامت الثورة الشيوعية الصينية عام 1949م بانتزاع الأراضي من الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين، وحققت مجانية التعليم والعلاج.
في حين اتخذت الثورة الأمريكية (1775- 1783م) طابع حركة التحرير الوطني إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني دون إحداث تغييرات رئيسة في البنية الاجتماعية.
وتتفاوت الفترة الزمنية التي يتمكن فيها الثوار من السيطرة على الحكم من ثورة لأخرى. فقد حارب الشيوعيون الصينيون لمدة 22 عاماً قبل أن يتمكنوا من هزيمة حكومة الصين الوطنية عام 1949م. وقد استخدموا في سبيل إنجاح تلك الثورة تكتيكات واستراتيجيات عديدة. واعتمدوا على قوة التنظيم وشن حرب عصابات في عديد من مناطق الصين. وفي الجزائر قادت الثورة الجزائرية نضالاً مسلحاً ضد الاستعمار الفرنسي استمر سبع سنوات قدم فيه الجزائريون أكثر من مليون شهيد.
ويمكن أن نشير إلى دور العديد من الحركات السياسية في أمريكا اللاتينية كنموذج آخر من نماذج الثورات التي تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين، دون أن يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في أنظمة الحكومة أو في البنية الاجتماعية للدولة. ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة، لكونها ذات هدف محدود هو إطاحة الحكومة القائمة. وفي عديد من الحالات تم انتقال هذه الثورات إلى مراحل أعلى، فتحولت إلى ثورات سياسية أو اجتماعية.
وعلى صعيد الثورات العلمية، فإنها لا تؤدي إلى تغيرات سياسية مباشرة، ولكنها تحقق بشكل تراكمي انتقال المجتمع من حالة إلى أخرى. فقد غيرت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر الطبيعة الأساسية للمجتمع الأوروبي من الحياة الريفية إلى الحياة المدنية. كما أدى اختراع الهاتف والتطورات الأخرى في مجال التقنية والاتصالات في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى إحداث ثورات في مجال الصناعة والحياة اليومية للمجتمعات.
كما أن كثيراً من الثورات، وبخاصة في دول العالم الثالث، كانت موجهة مباشرة إلى الاستعمار وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال، ويطلق على هذا النوع من الثورات "الثورات الوطنية". وأخيراً ما شهدته الساحة العربية من ثورات لا سيما في مصر وتونس احتجاجاً على الحكم المنفصل عن مطالب الشعب.
ومن خلال هذا الاستعراض لبعض الثورات في العالم ألم يكن للميديولوجيا خدمات جمة وإن بنسب متفاوتة للسياسة وللثورة؟ اليس هناك ارتباط وثيق بين العصر الميديولوجي والتقنيات المستخدمة للتغيير؟
2- الميديولوجيا بدل الايديولوجيا
بعد شرح المصطلحات (الميديولوجيا، البوليتولوجيا، الثورالوجيا)، كيف خدمت الميديولوجيا البوليتولوجيا والثورالوجيا في عصر غابت عنه الايدولوجيات لمصلحة الميديولوجيات؟
علم الإعلام (الميديولوجيا) هو سيد الصورة، المتحكم في إنتاجها لينتج من خلالها الأفكار، لكن تبقى الأفكار يتيمة إلى أن يأتي من يتبناها. لكن كيف؟ فإذا كان لكل منا بنات أفكاره، لماذا نبحث عن أفكار جديدة بالتبني؟ هنا تكمن القدرة، وهنا تظهر التقنية. تستخدم الميديا بتقنياتها المتنوعة وفنونها كل الوسائل لتجعلك أبا أفكارها. أليست وسائل الاعلام أشبه بمراكز أيتام لأفكار بائسة لا تلبث أن تصبح أفكاراً سيدة؟ وهناك مثل اسباني يقول:"من يدفع للأوركسترا يمتلك الموسيقى". بهذه المعادلة، فإن معظم السياسيين، موسيقيين بامتياز، وهم يملكون أجمل الألحان بالرغم من جهلهم بالنوتة الموسيقية؛ هنا تكمن أهمية وسائل الاعلام السياسية بالنسبة إلى السياسي لأنها تخلق له الجمهور بالرغم من الحانه الشاذة أو الساذجة الخارجة عن الايقاع في معظم الحفلات السياسية. وهنا تبرز أهمية الميديا للتواصل بين الثوار وتعبئتهم بأفكار الثورة وإطلاق الحس الثوري في نفس الجماهير.
منذ أن وضعت السياسة الفلسفة والايديولوجيات جانباً، أصبحت الميديولوجيا تصنع السياسة. عَمِلَ الفلاسفة على تفسير العالم، ووضع الاطر النظرية لتغييره، لكن النظري لا يمكن أن يصبح تطبيقياً إلا من خلال وسائل محددة، وهذا ما ينقص الفلسفة. بقيت تنظّر بالايديولوجيات وسقط من جرائها الكثير من القتلى مجاناً.
إلا أن أهمية الميديولوجيا أنها تملك طريقة استعمال الايديولوجيا لتحقيق التغيير دون خسائر تذكر، بل هي تستغل أي قتيل أو شهيد أو حدث لتصنع منه رمزية تؤجج من خلاله المشاعر والوجدانيات فتحقق الفكر بالعاطفة وتنجز السياسة بالصور، وتحقق الثورة من خلال دعوة من الفايسبوك.
"هل صنعت الكتب الثورات؟؟" يطرح دوبريه هذا السؤال. ويجيب:"إنه سؤال قديم، أقلّه في فرنسا، حيث عمره من عمر الثورة. فهذه الأخيرة تختلف عن الانتفاضات والفتن وعاميات الفلاحين، تلك الحركات الغاضبة العفوية المتجهة نحو الماضي والمحرومة من التطلع الشمولي بقصد تعميم فكرة عن المستقبل وعن الانسان. من هنا الدور الأولي الذي لعبه فيها المفكرون، محترفو الفكر، حاملو المقدس الاجتماعي الذي تجهله الاشكال القديمة الفجة أو التقليدية للعنف الشعبي. إن الثورة مهما كانت لغتها، ليبرالية، اشتراكية أم إسلامية، هي الالتقاء بين فكرة وسلطة، هي رأي يجد له محراباً"(8).
لكن ولّى عصر الكتاب لنستقبل عصر الميديا. لا وفاء بين الأجيال، الواقع يفرض نفسه. وأصبحت الميديا تصنع الشعارات والثورات وتحقق ما عجزت عنه ملايين الأوراق المكتوبة من حبر الفلاسفة وأصحاب الايديولوجيات مقابل توك شو أو وثائقي أو أغنية راب، أو فيديو من خلال اليوتيوب!
بالأمس كانوا يسمون التلفزيون "الصندوق السحري"، وما لبث أن استطاع هذا الصندوق أن يستوعب ملايين الرؤوس من كل أنحاء العالم ويوحّد لهم أفكارهم وأحكامهم وسلوكهم. لكن المسألة تكمن بمن يملك أو يسيطر على هذا الصندوق الذي يخضع اليوم لمنطق رأسمالي/براغماتي هدفه مخاطبة عقول سلبية تتلقى هذه الصور، بشكل جاهز، وتتقبلها، كما هي، لتبني على أساسها أحكامها وتقويمها للأشياء والأحداث من دون رؤية نقدية.
ذلك أن الرؤية النقدية تحتاج إلى فكر، وعصر الأفكار لم يعد موجوداً، أو خف تأثيره على أحسن تقدير.
لقد كتب ميكافيلّي "الأمير والسياسة" لأنه كان مغضوباً عليه من قبل الأمير والسياسة، وكتب كارل ماركس "الرأسمالية" لأنه كان يعاني من ظلم الرأسمالية. إن وليد الفكر هو المعاناة والحاجة الاجتماعية للحلول. إلا أن الاعلام لا يولد فِكراً بل فكرة، وهذه الفكرة تتمظهر وتتبلور بحسب الكذابين الناجحين وقدرتهم في التأثير في جمهورهم.
يحتاج الفكر إلى وجود اجتماعي قد لا نجده في كل العصور، أم الفكرة فتحتاج إلى وجود جمهور مُستقبل تجده في كل العصور.
لكن ما يتميز به عصرنا أنه أصبح عالماً مختصراً بشاشة (التلفزيون، الكمبيوتر)، وعليه تصبح السيطرة على الجمهور في قبضة من يسيروا الاعلام لمصلحتهم.
السياسي يحرص على تلبية حاجات مشاهديه؛ إن الفكرة بعد المشاهدة مثل الخدمة بعد البيع، السياسي يبيع كلاماً ووعوداً، هي السلعة التي يمتلكها ويحرص على إقناع جمهوره بجودة كلامه، ليحصل منهم فيما بعد على صوتهم الانتخابي.
أما الجيل الجديد من الثوار فقد سئم من خطابات لينين وإرشاداته، ولم تعد المناشير السرية هي اسلوب ناجح للتواصل. في العصر الميديولوجي الرابع، أصبح للمجتمعات الافتراضية كلمتها، وهنا لا نقرأ كلاماً إيديولوجياً بل كلاماً فايسبوكياً، أي تعليقات من الشباب من مختلف الفئات العمرية، يشوبها الكثير من السخرية والضحك، لكن يرافقها أيضاً الكثير من الوعي والمثابرة. هم يحرصون على استقطاب بعضهم البعض، لذا هم مجتمع متفاعل تجمعهم قضية مشتركة.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تخدم الميديولوجيا السياسيين والثوار ليحقق كل منهما أهدافه؟
3- خدمات الميديولوجيا للسياسة والثورة
أ- خدمات الميديولوجيا للسياسة: يكثر الطلب على هذه الخدمات في موسم الانتخابات، حيث تصبح الميديا وسيلة اتصال تربط الناخبين بالمرشحين. إلا أن المرشح سيطرح على نفسه سؤالين أساسيين هما: من هو الجمهور المستهدف؟ وما هي الرسائل التي يجب توجيهها إلى هذا الجمهور، وعبر أي قناة، وأي قالب فني، وما هي التقنية؟
يجب أن تكون خطوات السياسي هنا مدروسة في توقيت الاعلان والوسيلة المستخدمة (صحيفة-تلفزيون-إنترنت..) والمضمون (الرسالة)...
والاعلانات السياسية تصنف إلى صنفين:
1- إعلان إيجابي: لماذا يجب أن تصوت لمرشح ما؟ 2- إعلان سلبي: لماذا يجب الا تصوت لمرشح آخر؟
من الأمثلة على الاعلان الايجابي ما أظهرته وسائل الاعلام خلال حملة جورج بوش Georges Bush وتصويره على أنه "الرئيس القلب والروح والقيادة" حيث عرضت صورة عائلية مشرقة له تعبر عن كونه أباً للجميع، ثم تظهر فتاة صغيرة ترتدي فستاناً أزرق (اللون الذي يرمز إلى المستقبل في أميركا)، تجري من اليسار إلى اليمين (تستهدف زرع هذه الفكرة بشكل تلقائي، ذلك أن القراءة والكتابة في اللغة الانكليزية تبدأ من اليسار إلى اليمين)، وتم استخدام عنصر الموسيقى في بداية الاعلان بما يوحي للمشاهد بإحساس التعاطف مع بوش.
ومن الأمثلة على الاعلان السلبي حملة بيل كلينتون Bill Clinton الانتخابية 1992، فقد تضمنت الاعلانات السلبية في هجومها على خصمه جورج بوش بطريقة مباشرة، وهو ما يسمى الأساليب الخطرة... وفي هذا الصدد، ظهر إعلان يردد اقتباسات عن وعود بوش السابقة، وظهر على الجماهير وهو يلقي خطاباً يتضمن وعده بتوفير 10 ملايين فرصة عمل، وبعد ذلك مباشرة، تظهر صورة معبرة تكشف زيف هذا الوعد.
وفي مثل هذه الاعلانات وغيرها تستخدم تقنيات الصوت والصورة والحركة بكل أبعادها الفنية والعلمية والتكنولوجية بهدف إكساب المشاهد الفكرة التي تعزز موقع السياسي كشخص دون التطرق كثيراً إلى فكره. وهنا يقول دانييل يانكلوفيتش Daniel Yancovitshالذي أمضى عشرات السنين في دراسة الفروق بين رأي الجماهير والقرار العام، "دور الخبير(الاعلامي) هو نقل المعلومات إلى الجمهور ببراعة وكفاءة، أما دور المواطن فهو اإمتصاص هذه المعلومات وتكوين رأي مبني عليها(9)".
أما باراك أوباما Barack Obama، الذي صُنفت حملته الانتخابية بأنها الأغلى في التاريخ، فإنه لم يترك أي وسيلة ميديائية إلا واستخدمها. بدءاً من الإعلانات التلفزيونية التي أنفق عليها هو ومنافسه جون ماكين John McCain في المتوسط 1.4 مليون دولار يومياً، وصولاً إلى الحملات الانتخابية الالكترونية واستغلال خدمات الويب بأقصى شكل ممكن، والتي لعبت الدور الأبرز في إقناع الرأي العام لوصوله إلى البيت الأبيض.
هذا انتخابياً، لكن خدمات الميديولوجيا لا تقف عند هذا الحد أبداً بل هي اليوم الوسيلة الأولى للدول المهيمنة لتشكيل نمط إدراكي جديد يساهم في تغيير دفة الرأي العام باتجاه القضية التي تريدها، وما يراعي سياستها ومصالحها.
كيف يحصل ذلك؟
في عصر الميديا اليوم، نحن نعيش حرب المعلومات الاعلامية Neocortical Warfare بعد أن وصل حكام الدول إلى استنتاج، أن الحروب العسكرية غير كافية وحدها لبسط سيطرتها ونفوذها، فبدأت باستخدام نسق مفاهيمي للإعلام يؤثر في مشاعر وانفعالات المشاهد وتوجه عقله من خلال جملة من النشاطات الاعلامية والمعلوماتية لترسيخ أو إلغاء بعض الأفكار عنده. يرتكز هذا النسق المفاهيمي للحروب الاعلامية المعلوماتية على نظرية الموجة الثالثة Third wave التي جاء بها الباحث الاميركي الفين توفلر Alvin Toffler (10)، والتي تفترض مرور العالم بثلاث موجات من الثورات التقنية، جاعلة تقنية المعلومات الموجة الثالثة التي تعد البؤرة الحيوية التي ترتكز فيها جل التغييرات الحاسمة، التي نجح الانسان في تحقيقها ضمن سجله العلمي والتقني على الارض. لقد أحدثت تقنية المعلومات وأدواتها الرقمية تغييراً جوهرياً في طبيعة الآليات المعرفية والإعلامية التي يمارسها الانسان المعاصر، بعد أن منحته فرصة جمع كم هائل من البيانات في بيئة رقمية توفر له فرصة تحليلها إلى عناصرها الأولية، وإعادة تشكيل مادتها بالطريقة التي يريد، مع توافر فرصة زج الوسائط المتعددة المفعمة بالمؤثرات السمعية والبصرية.
نشأت هذه المسائل داخل وزارة الدفاع الامريكية في عام 1995 تحديداً، وبدأ الاهتمام في التأثير في الفص الأيمن من الدماغ حيث توجد القشرة المتكونة حديثاً Neocortical التي يمكن تشبيهها بمنظومة إعلامية تستقبل المؤثرات الخارجية، وتساهم في إحداث تأثيرات عميقة في العقد العصبونية Neural Nodes للعقل البشري.
وما لبثت هذه الفرضيات العلمية أن تطورت وتحوّلت إلى نظريات تؤكد وجود تأثيرات حقيقية على المشاهد، مثل نظرية جون بويد John Boyd(11) الذي أكد وجود حلقة تأثيرية تتألف من أربعة عناصر يرمز إليها بالرمز OODA والتي تلخص أربع آليات يمارسها الذهن البشري هي:
أ- يراقب Observe ب- يوجه Orient ج- يقرر Decide د- يفعل Act .
وتعمل الميديا خلال حروبها الاعلامية في إحداث خلل في حلقة OODA بهدف إحداث تأخير في نمطها الدوري، وبث الخطاب الاعلامي الذي يحتوي على المفردات المراد إيصالها واستقبالها والاستجابة إليها في الوقت المناسب. ولعبت تقنيات المعلومات الرقمية وتقنيات البث المرئي ومواقع الانترنت.. دوراً أساسياً في خلق مفاهيم جديدة في العالم تصب في مصلحة سيد الميديا والمسيطر عليها.
بعض الأمثلة
اذا نظرنا إلى الأحداث والنزاعات التي عصفت بالمنطقة العربية أو في البوسنة أو الصومال.. فقد كانت وسائل الاعلام هي الأداة الأساسية في المعركة، والتي بات الغرب يعتبرها ركناً أساسياً في إدارة المعركة.
ففي حرب الخليج الأولى على العراق كانت عدسات "قناة سي أن أن" (CNN) قد حسمت المعركة لمصلحة قوات التحالف. وفي حرب العراق الثانية حرصت القنوات الفضائية الغربية على استخدام المصطلحات التي تتوافق مع سياستها. فهي قد تبنت اصطلاح "عملية تحرير العراق" لتقنع المشاهد أنها تنشر الديمقراطية في العالم.
كما أنها تحرص على استخدام التعابير التي تتوافق دائماً مع منهجها السياسي وذلك لترسيخ مفاهيمها في ذهن المشاهد. مثلاً عندما تذكر الأراضي الفلسطينية فهي تقول "الاراضي المتنازع عليها"، وعن المستعمرات الصهيونية تذكر "المستوطنات"، وعن المقاومة في العراق وأفغانستان والشيشان ولبنان تعتبرهم "الارهابيون"، وعن العراقيين أو الفلسطينيين في سجون العدو الاسرائيلي تعتبرهم "المحتجزون"!!....
هذا المشهد المتضارب في نقل الصورة الاعلامية الخادمة للمصلحة السياسية لم تعد حصراً ما بين الغرب والشرق، فقد بدأنا نتابع ونشاهد الاختلاف العلني الواضح بين المصطلحات المستخدمة بين الاعلام الغربي والاعلام العربي، وتبايناً أوضح ما بين الاعلام العربي- العربي بحسب الاختلاف والانقسام السياسي الناشىء بين الدول ومصالحها.
ففي خلال الحرب التي عرفت بـ "الشتاء الساخن" على غزة انقسمت الفضائيات العربية في استخدام مصطلحاتها، فقد تبنت قناة "الجزيرة" عنوان "الحرب على غزة" بينما شاهدنا على قناة "العربية" "الحرب في غزة"، وبينما تشدد قناة الجزيرة على مصطلحات مثل "العدو الاسرائيلي أو الشهداء أو المقاومة أو الاعتداءات" فقد كانت قناة "العربية" تستخدم مصطلحات مقابلة مثل "الجيش الاسرائيلي أو القتلى أو مقاتلو حماس أو الاشتباكات".
كذلك شاهدنا التباين في الاعلام العربي بين محطاته في نقل الثورات العربية الأخيرة، لا سيما بين الوسائل الاعلامية التابعة للسلطة وبين المحطات الأخرى، حيث يصبح الثوار "بلطجية" في مكان، وأبطالاً في محطة أخرى!
وهنا لا يخضع الأمر للتقويم بل للتصويب، لأنّ لكل قناة توجهات وارتباطات وجدول أعمال تنطلق من الصورة السياسية إلى الصورة الشاشية (الشاشة).
أما لبنانياً، فقد استخدمت الأحزاب اللبنانية والتيارات السياسية وسائل الاعلام بأشكالها كافة بهدف طرح خطابها الثقافي أو السياسي ضمن مادة إعلامية، بغرض تشكيل صورة نَظِرة لممارساتها وتعميق وعي المشاهد بأهدافها وبرنامجها.
أبرز المحطات التلفزيونية في لبنان التي تتقاسمها السياسة أصلاً هي: LBC ، المستقبل، المنار، الجديد، MTV، nbn، OTV. وبحسب التفاعل السياسي تنقسم هذه المحطات التلفزيونية وما يتبعها من مواقع الكترونية وإذاعية وصحف ومجلات.. إلى فريقين أو أكثر بحسب اللعبة السياسية. فتأتي الميديا ثانيةً لخدمة السياسة بلباسها المحلي.
الأمثلة كثيرة في هذا الاطار عن توظيف كل فريق سياسي إعلامه -لأنه لا يوجد إعلام واحد في لبنان بل إعلاميات- بحسب الموجة السياسية.
على سبيل المثال لا الحصر، في تموز 2006، انقسم الاعلام في استخدام مصطلحاته، فاستخدمت قناة المنار مصطلح "عدوان تموز" بينما عبرت بعض المحطات الأخرى بـ "حرب تموز"، كما شاهدنا كيف عرج الانقسام السياسي بين ما عرف بـ 8 آذار و 14 آذار حول إذا كان ما قام به حزب الله هو مغامرة غير محسوبة أم شجاعة غير مسبوقة، وبعد الحرب، إذا كان انكساراً أم انتصاراً.
كما تابعنا جميعاً الانقسام الحاد بين الفريقين الآذاريين في الخطابات والتظاهرات وصولاً لما سمته المعارضة في حينه "الاعتصام في الوسط التجاري" وما صورته الموالاة بـ "احتلال وسط بيروت".
وصولاً إلى 7 أيار وما صُور من قبل قنوات المعارضة أنه "يوم مجيد"، وبين ما صورته محطات الموالاة على أنه "يوم أسود".
ولا ننسى المحكمة الدولية ومصطلحاتها المختلفة ما بين كل فريق ووجهة نظره منها، وكيف أن كل منهما يصوب جمهوره حسب مزاج السياسة التي يتبع لها. لا سيما بعد صدور القرار الاتهامي بحق أربعة عناصر من "حزب الله".
فعند كل مفترق سياسي نلحظ بشكل واضح التوجيه السياسي- الاعلامي للجمهور. فبعد خطاب السيد حسن نصر الله في 02-07-2011 تعليقاً على القرار الاتهامي بحق حزبه وعناصره انعكس هذا التوجيه السياسي – الاعلامي على الصحف اللبنانية (الورقية والالكترونية) الصادرة في اليوم التالي.
فعنونت صحيفة المستقبل(12) :"اعترف بأن المطلوبين للمحمكة "مقاومون" في حزبه مؤكداً أن أحداً لن يتمكن من توقيفهم، ونصر الله يغطي ميقاتي والمتهمين باغتيال الحريري". كما أن صحيفة النهار(13) قد عنونت: "نصر الله: المتهمون لن يُسلموا ولو بعد 300 سنة. و14 آذار: حزب الله يتحدى الدولة والحكومة رهينة". كما عرضت الصحيفة صورة في الصفحة الاولى لرجال يجلسون في مقهى في الضاحية الجنوبية يلعبون الورق ويتابعون خطاب السيد نصر الله من خلال التلفزيون المعلق أمامهم، في إشارة إلى عدم اهتمام مناصريه بما يصرح به.
في المقابل ركزت صحف أخرى مثل الديار(14) في عنوانها: "نصر الله يوصّف المحكمة أميركية-إسرائيلية ويقدم وثائق، ولتنحي القاضي أنطونيو كاسيزي الصديق الكبير لاسرائيل". لقد ساهمت الميديا بأشكالها المتنوعة في إحداث التغير المفاهيمي الذي أرادته الادارة السياسة مهما كان مصدرها، وتحول النزاع إلى نزاع إعلامي- مفاهيمي أكثر منه سياسي-ايديولوجي، وصار الاعلاميون هم الذراع اليمنى لنزاعات السياسيين وللمعارك المحلية والدولية.
ب- خدمات الميديولوجيا للثورة: لا بد من الاشارة أولاً أن الثورة ليست شيئاً منفصلاً عن السياسة، بل على العكس تماماً هي الزمن الحار في التاريخ السياسي، وهي لحظة فاصلة في مسار مجتمع ما، وحدث تاريخي يحدث تغيرات سياسية واجتماعية عميقة. إنها لحظة سياسية مميزة أرادها الثوار لقلب الواقع القائم، كونه لم يعد محتملاً أو يستحيل استمراره.
ولكل ثورة وسائطها الميديولوجية، تختلف باختلاف الزمان والعصر الميديولوجي الذي انتمت إليه الثورة. فالثورة الاسلامية مثلاً انتمت إلى عصر الإنتاج الخطي، وهو عصر لاهوتي كما ذكرنا تأتيه الكتابة من الله، "العقل البشري لا يخترع، فهو ينقل حقيقة تلقاها".
اندلعت الثورة الاسلامية على الحياة القبلية ونظمها ومؤسساتها حين نزل الوحي بالقرآن الكريم على الرسول الأمين وهو في الأربعين من عمره أثناء تعبّده في غار حراء، فكان نزوله ثورة اجتماعية ودينية ضد الاتجاهات القبلية ونظمها ومؤسساتها التي تركزت في مكة، وداعياً إلى إقرار نظم جديدة في سبيل بناء مجتمع متحرر من النظرة القبلية الطبقية وقائم على أساس العدالة العالمية. وتمت تنظيمات الرسول أثناء نشر الدعوة على مرحلتين هامتين مترابطتين.
المرحلة الأولى: استهدف فيها الرسول الكريم نشر تعاليم الإسلام بما ينظم حياة الفرد في مكة للتخلص من قيود العصبية القبلية في هذا المعقل القبلي.
المرحلة الثانية: عمل فيها الرسول الكريم بعد هجرته إلى المدينة على تنظيم جماعة المؤمنين منها لإعلاء شأن المجتمع الإسلامي الوليد وإعداد أبنائه لحمل رسالة الإسلام إلى سائر أرجاء العالم، وأرسى الرسول الكريم في مكة القواعد التالية وفق ما جاء به القرآن الكريم: أولاً: الدعوة إلى وحدانية الله. ثانياً: تقرير فكر البعث والحساب بعد الموت. ثالثاً: اتخاذ التقوى بدلاً من العصبية القبلية أساساً لبناء قيم أخلاقية سامية تتعدى مجالاتها القبلية وتتسع لتشمل العرب وجميع الأمم المجاورة لهم أيضاً. رابعاً: التأكيد على وحدة الرسالات السماوية(15).
أما مع الثورة الفرنسية فقد سيطر العصر الميديولوجي الثاني "عصر الإنتاج المطبوع، وركيزته الكتاب"، من خلال فلسفة الانوار وهي الحركة الفكرية التي ظهرت في النصف الأول من القرن الثامن عشر وأعادت الاعتبار للعقل، وجعلت منه الموجه الأساسي للفكر منتقدة هيمنة الكنيسة و الاستبداد ونادت بالحرية والمساواة. كما اعتمد فكر الأنوار على فصل السلطات (التشريعية، التنفيذية، والقضائية). بدأ هذا العصر التنويري الأوروبي من الفكر والقلم والكتابة. هو وريث جمهورية الآداب والأكاديميات والبحوث العلمية والصالونات الفكرية والأدبية. وتحولت معه اوروبا إلى فضاء إعلامي حقيقي، فقد استخدم وسائل اتصال متنوعة تضاهي وتكمل بعضها بعضاً، وحشد عشرات من المحترفين ومن العاملين بانتظام أو بصورة متقطعة في حقل الاعلام، ورعى ونمى استراتيجيات مراقبة وتوجيه - أو تضليل- للإعلام من قبل الدول والمكاتب الوزارية، الموحدة بروابط معقدة وعلاقات مترابطة. وعن طريق الصحف كان القراء الاوروبيون يستعلمون عن الاصدارات الاجنبية وعن تطور الذوق، ويبنون تصوراتهم عن الكتاب الأساسيين. ومن بين أهم ملامح هذا الفكر كتابات كل من مونتسكيو (Montesquieu) في (روح القوانين) سنة 1748، وفولتير (Voltaire) في (القاموس الفلسفي) سنة 1771، و جان جاك روسو ( Jean Jack Rosso) في (العقد الاجتماعي) سنة 1762… فقد كان الكتاب والصحافة(16) المكتوبة المساهمين الأساسيين في بث الفكر والوعي عند الشعب لتحقيق التغيير. ويذكر بيار- إيف بوروبير(Pierre-Yves Beaurepaire) في خلاصة كتابه "أوروبا التنوير" ( L’Europe des Lumières): "إن تسليط الضوء على "الانتقال الثوري" الذي حصل في سنوات (1770-1830) يسمح لنا اليوم أن نركز على حالات الاستمرار والتبدلات المتدرجة. لقد شغلت الأنوار المدى الاوروبي في القرن الثامن عشر وأسهمت في تكييفه على الصعيد المادي والثقافي والجغرافي، وواجهت، بفعل تعددها وتنوعها، منذ البداية معارضات ومقاومات وأزمات، وأدى الاحتكاك بها إلى تطورها ونضجها، أُطلقت من جمهورية الآداب، فتفتحت أحياناً مملكة الذوق والعادات الأوروبية، في كل مكان، وبأشكال متفاوتة، في إنضاج الرأي العام وفي تحديث البنى التربوية والدينية والاجتماعية والسياسية"(17).
أما مع الثورة الايرانية فلم تكن الوسائل الإعلامية كثيرة أمام مناهضي نظام الشاه الإيراني، فقد اعتمدت على وسائط العصر الميديولوجي الثالث: عصر الإنتاج السمعي البصري، حيث اعتمد الثوار على أشرطة كاسيت، وعرفت ثورتهم بثورة الكاسيت في العام 1978 التي قادها وبثّها الإمام الخميني من فرنسا إلى إيران. وكان لشباب ما عرف آنذاك بالجبهة الإسلامية لتحرير البحرين دور غير عادي في تهريب كاسيتات خطب الإمام الخميني إلى داخل إيران، وإسقاط الشاه في العام 1979.
كما اعتمدت الثورة الجزائرية في كفاحها على الاذاعة كوسيط ميديولوجي في توجيه جماهيرها، فبعد تعذر البث من الجزائر بسبب الاستعمار الفرنسي المهيمن، لجأت مجموعة من الطلبة في جامعات دمشق إلى بث برنامج خاص عبر إذاعة دمشق عرف بـ"صوت الجزائر من دمشق"، يتضمن أنباء الكفاح المسلح الجزائري والتعليقات السياسية والاخبارية. كما اعتمد الثوار لاحقاً على بث برنامجهم من بغداد بعد استلام اللواء عبد الكريم قاسم الحكم في العراق والسماح بفتح "إذاعة بغداد الثورية لصوت الجزائر الثائرة".
بالمقابل اعتمدت السلطات الفرنسية الوسيط الميديولوجي نفسه للرد على الثوار من خلال الاعلام المضاد، بفتح إذاعة خاصة مركزها مدينة تولوز، مستعينة بأصوات شبيهة بأصوات معلقي البرامج الجزائرية كعملية تمويه على الجماهير العربية والجزائرية، وتبث برنامجها يومياً وتنقل الأخبار المضللة والتي تنتهي دائماً بحسب روايتها بانسحاب المجاهدين من الميدان!.
كذلك لعب التلفزيون الوسيط البارز في العصر الميديولوجي الثالث دوراً مهماً في نقل الثورة الجزائرية إلى الجماهير تمثل بالبعثة التلفزيونية الايطالية التابعة لقناة RAI، التي نقلت تظاهرات 11 كانون أول 1960 التاريخية التي كانت بحق آخر مسمار في نعش الدعاية الفرنسية المضللة. والتي أظهرت بأن الثورة الجزائرية هي ثورة شعبية جماهرية. وقد عبر عن ذلك الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في خطابه في 23 كانون اول 1960 عند قوله: "إنني أنحني بإجلال أمام هؤلاء الأطفال والنساء في شوارع الجزائر، هؤلاء الأبطال الذين رأيناهم على شاشة التلفزيون وأيديهم عزلاء من كل سلاح وصدورهم عارية إلا بالايمان. رأيناهم يتصدون لجحافل الاستعمار المدججة بدباباتهم، يصرخون في وجه المعتدي أن أخرج من أرضنا هؤلاء جديرون بالحياة الكريمة"(18).
أما مع الثورتين المصرية والتونسية وما تبعهما من انتفاضات واحتجاجات في دول عربية أخرى، فقد اعتمدوا على العصر الميديولوجي الرابع "عصرالانتاج السايبري وركيزته الانترنت المتمثل بالمجتمعات الافتراضية والفضاء السايبري". تمثل في الدور البارز للمجتمعات الافتراضية لا سيما الفايسبوك في تحريك الثورة ودفعها إلى تحقيق نتائجها.
ففي الثورة المصرية مثلاً أنشأ الشباب نحو 32 ألف مجموعة وأكثر من 14 ألف صفحة على الفيسبوك للتواصل فيما بينهم(19) أبرزها صفحة "كلنا خالد سعيد" التي أنشأها وائل غنيم والتي وصل عدد مشتركيها إلى مليون ونصف مشترك.
لقد مارست الأنظمة العربية، المتكونة بمعضمها من انقلابات عسكرية وحكم استعماري قديم، كل أنواع القمع للأصوات المعارضة، وأغلقت منافذ التعبير المغايرة لرؤيتها، واحتكرت وسائل الإعلام ودجنت أثيرها بطرح أيديولوجي أحادي الجانب. هذا الاحتكار حوّل "الدولة الحاكمة" إلى "الدولة الظالمة" التي تتحكم بمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة وفق مصالحها، بحيث تصبح المواطنة مشروطة بدرجة الولاء والقرب من السلطة وهياكلها (حزب السلطة- مؤسسات السلطة- إعلام السلطة- مثقف السلطة...) في مقابل التهميش والملاحقة والمصادرة والبطالة والفقر والجوع. كل هذه الازدواجية خلقت حالة من الرفض عبّر عنها الجيل السابق ايديولوجياً، فجاوبته السلطة بقمع شرس روضت من خلاله معظم المعارضين عبر القتل أو السجن أو النفي.. لكن مواقع التواصل الاجتماعي منحت الجيل الجديد فضاء كونياً لممارسة الرفض والتعبير بعيداً عن آليات المنع والقمع، فتحول الرفض الصامت إلى رفض صارخ، ممنهجاً ولو افتراضياً، متحولاً بذلك من المعارضة الإيديولوجية إلى المعارضة الميديولوجية التي أثمرت في حركة وعي جديد قاد الثورة وأسقط الاستبداد الذي استخف بقدرتها. فكانت المادة الإعلامية في تونس أول الأمر مادة حقيقية واقعية من صناعة الشعب نفسه ثم تبعتها ثورة مصر واستطاعوا تخطي كل الحصار الإعلامي الذي فُرض عليهم من قبل حكومتهم وتعلم الشباب الدرس واقتنعوا أنهم يستطيعون أن يكون كل فرد منهم ناقلاً للخبر وربما صانعاً له.
إن الاعلام المهيمن من السلطات العربية دفع الشباب نحو الوسائط الاعلامية البديلة، وهذا ما يفسر سبب استخدام الفايسبوك في العالم العربي لأهداف ثورية بينما في المجتمعات الغربية أو الاميركية (منشأ الفايسبوك) اقتصر استخدامه لأهداف ترفيهية.
إن الشباب الغربي لا يعاني من القمع والاستبداد من قبل أنظمته، بل على العكس تماماً هو متمتع بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وذلك متوافر ليس لمواطنيه وحسب، بل لجميع الجاليات العربية وغير العربية القاطنة في تلك البلدان.
لقد اعتمد الشباب عبر تواصلهم مع بعضهم البعض على نشر الوعي وإيصال الرسائل لتفعيل الحماس وتأجيج العواطف، هذا الوعي الضروري لتحقيق التغيير والوصول إلى الحقوق الانسانية المطلوبة. لقد حاولوا الخروج من عبوديتهم تجاه التسلط الذي مورس عليهم على قاعدة ما وصل إليه الفتى الاشتراكي إتيان دلابويسي في القرن السادس عشر "أن كل البشر أحرار، لكن بعضهم يختار بنفسه عبوديته"(20). فهم اختاروا التحرر. لذا تم استخدام كل الوسائط التي تساند تحركهم والتي تمثلت كذلك في المشاهد الحية التي نقلت من الهواتف النقالة إلى موقع يوتيوب، ليتفاعل جمهور المجتمع الافتراضي ويبدي التعليقات والردود والدردشات المطولة افتراضياً، حتى يصار فيما بعد إلى التعبير عنها في الميادين والشوارع عند ساعات الحسم وفي مواقيت التظاهرات الحاسمة جماهيرياً. وبهذه المعادلة حقق الشعب ثورته من خلال التظاهرات الافتراضية والتظاهرات الواقعية.
والواقع أن الثورتين التونسية والمصرية قد حققتا نمطاً جديداً من المواجهة الاعلامية الافتراضية التي غيرت من مفهوم الميديا التقليدية (التلفزيون) إلى مفهوم النيوميديا الحديثة (الانترنت)؛ هذا ما توقعه باحثان اميركيان هما جون اركيلا (21) ( John Arquilla) ودايفيد روزنفلت (22) (David F. Ronfeldt) في كتابهما المعنون "انبثاق سياسة المعرفة" The Emergence of Noopolitik: Toward an American Information Strategy الصادر عام 1999 خلال عرض نظرية "الحـرب المعرفية الافتراضية". والمفهوم الرئيسي فيها أن حروب المستقبل يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية العميقة في بنى المجتمعات. وعليه فإن إدارتها الرئيسة ستكون متمثلة بالإعلام وليس بالأسلحة التقليدية أو بأسلحة الدمار الشامل أو حتى بالأسلحة الذكية. وعلى هذا الأساس يرى الكاتبان أن الإعلام هو ميزة فيزيائية مثله مثل الطاقة والمادة. وبذلك يصبح من السذاجة الاستمرار في قبول التعريفات التقليدية للإعلام على أنه مرسل ورسالة وأداة اتصال ومستقبل. ومفهوم الكتاب يحيل كلاً من الُمرسِل والمستقبِل وأداة الاتصال (ارسال واستقبال) إلى مجرد عناصر. أما القيمة الرئيسة فهي للرسالة. فعن طريق الرسالة يمكن خوض الحرب عبر الشبكات (Netwar). فحروب الغد لا يكسبها من يملك القنبلة الأكبر، بل يربحها ذلك الذي يخبر الرسالة (الرواية) الفضلى! بهذا يطرح الكتاب وبجرأة مفهوماً جديداً للقوة. إذ يتنبأ بتحول القوة من عسكرية (أسلحة وعتاد) إلى إعلامية (علاقات إنسانية). وبمعنى آخر فإن القوة ستتحول من مادية إلى لا مادية. ويصبح الصراع مرتكزاً على قطبي التنظيم/الإرباك (حيث النصر للطرف الأكثر تنظيماً والأقل إرباكاً). وعندها تصبح القدرة على إرباك العدو مساوية للقدرة على تدميره(23) .
وقد جاءت الثورتان التونسية والمصرية تطبيقاً لهذه النظرية، ونشير إلى الدور الذي لعبته قناة “الجزيرة” على أهميته، فإنه ينتمي إلى عصر ما قبل "سياسة المعرفة". ذلك أنّ "الجزيرة" تعتمد على مبدأ الالحاح الاعلامي والتكرار المركز، والمتابعة المستمرة وهي التقنية الاعلامية التقليدية التي لم تعد قادرة على مجاراة عصر الاعلام الجديد، لأنها تعاني من نقطة ضعف أساسية هي عدم قدرتها على التسبب بإرباك العدو. والإرباك هو سبيل الانتصار.
فالخبر الذي نشرته الغارديان Guardian البريطانية في 04-02-2011 حول ثروة الرئيس حسني مبارك التي تقارب ال 70 مليار دولار، كان له وحده تأثير يفوق كل ما تمكنت "الجزيرة" من إحداثه. كون الخبر تسبب بإرباك الرئيس مبارك وعائلته ومقربيه. وهو إرباك مضاعف بسبب الخوف من كشف سلسلة من الوثائق على غرار ويكيليكس (Wikileaks).
بدوره لم يقف موقع ويكيليكس (Wikileaks) محايداً بل انتهز الفرصة لتسريب مجموعة وثائق تخص علاقة اللواء عمر سليمان باسرائيل والمخابرات الاميركية واستعداده لتقبل تدخل عسكري اسرائيلي لإحكام الحصار على قطاع غزة... وهكذا فان تهديد الوثائق كان جدياً وغنياً ومربكاً.
وهكذا فإن عجز قناة "الجزيرة" عن اقتحام ميادين الوثائق يجعلها منتمية الى الاعلام العجـوز. فيما وسائل الاعلام القادرة على هذا الاقتحام تشكل الاداة الصالحة للتوظيف في الحروب الافتراضية الجديدة.
وعليه علينا أن نقدم الاعتذار للمارشال ماك لوهان Marshall Mcluhan الذي لفت الانتباه لوسائل الاتصال نفسها، وليس للرسائل، عند قوله "الوسيط هو الرسالة The Medium is the message"(24). نحن نعلم أن وسائل الاتصال ليست تقنيات حيادية بل لها التأثير البالغ في أفكارنا وإدراكنا للعالم المحسوس، وأنها تقدم الرسالة التي تريدها كما عرضنا سابقاً، إلا انّ العصر الميديولوجي الرابع عصر الانترنت والملتي-ميديا قد جعل الرسالة هي الأساس، وهذا ما استفاد منه صانعو الثورة أكانوا أفراداً أم أحزاباً أم دولاً.
في الختام، تتربع الميديولوجيا في عصرنا داخل مثلث من ثلاث زوايا: زاوية السياسة، زاوية الاقتصاد، زاوية الابداع. ويدخل في كل زاوية الوسطاء أي رجال وسائل الاتصال.
في الزاوية الأولى تعمل السياسة على صناعة العقول المؤيدة لها، وعلى حشد مؤيدي الثورة لتداول السلطة بالسبل اللاعنفية على أفضل تقدير. تحقق الميديا بأشكالها المتعددة ما يطلبه منها قائدها، فهي تملك قدرة وإمكانية واسعة لفرض ما تريده، ساعة تريد.
في الزاوية الثانية تعمل وسائل الاتصال في خدمة الاقتصاد وصوغ أفكار المستهلك بشكل لا يحتاج إلى تفسير، من خلال إعلاناتها المتكررة في مختلف وسائلها.
في الزاوية الثالثة تنتج الميديا إبدعات الفكر والخيال والخيال العلمي من خلال عروض السينما والتلفزيون والانترنت بما لا يترك لنا مجال التأثر بمضمونها والانبهار بسحرها.
لقد استطاعت الميديولوجيا عبر عصورها المتطورة لا سيما في عصرها الرابع أن توصلنا إلى حكم وسائل الاعلام أو ما يطلق عليه بـ "مدياقراطية" Mediacratie (25) حيث يصبح كل فرد صانعاً لإعلامه ومتأثراً به في آن معاً، ويعيش تحت سلطته وحكمه أيضاً.
لقد أستطاع العصر الرابع الميديولوجي أن يحقق سياسة إعلامية جديدة ستترك تأثيراتها في الوقت القريب على الزوايا الثلاث التي تحدثنا عنها، لأننا سنشاهد مستقبلاً سياسياً وثورات مختلفة بانت ملامحها أخيراً، واقتصاداً عالمياً جديداً، وإبداعات لا حصر لها.
قائمة المصادر والمراجع:
- اللغة العربية:
- بوروبير، بيار-إيف:أوروبا التنوير، ترجمة محمد علي مقلد، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2008. - جاندرو، شوميلييه و فوازييه، كور: مدخل إلى علم الاجتماع السياسي، ترجمة اسماعيل الغزال، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 2005، ط2. - خليل، خليل أحمد: محركات ذهنية الغرب وكابحات ذهنية العرب، بيروت، مجلة الحداثة، السنة الخامسة عشرة، العدد 115، 2008. - دوبريه، ريجيس:محاضرات في علم الإعلام العام، ترجمة فؤاد شاهين وجورجيت حداد، بيروت، دار الطليعة،1996. - يانكلوفيتش، دانييل:الديمقراطية..وقرار الجماهير: كيف تنجح الديمقراطية في عالم أكثر تعقيداً، ترجمة كمال عبد الرؤوف، القاهرة، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية،1993.
- اللغة الاجنبية:
- Albertus, P : Libertés et concentrations, essai sur les répercussions des modèles industriels dans les médias de presse français. Université du Québec à Trois-Rivières,2006. - Arquilla, John & Ronfeldt,David F. : The Emergence of Noopolitik: Toward an American Information Strategy (1999) (Rand Corporation//Rand Monograph Report) - Balle, Francis: Les Medias, Paris,Press Universitaires de France,2004. - Beaurepaire, Pierre-Yves: L’Europe des Lumieres,presses Universitaires de France,2004. - Byford, J.T.: Anchoring and objectifying (Neocortical Warfare):Re-presentationof a biological metaphor in Serbian conspiracy literature ,papers on social representations (online journal),vol.11,2002. - Debray, Regis: cours de mediologie generale,Editions Gallimard,paris.1991. - Gingras, A.-M. : La communication politique : état des savoirs, enjeux et perspectives. Sainte-Foy: Presses de l Université du Québec,2003. - Mattelart, A. : La mondialisation de la communication (3e éd. mise à jour. ed.). Paris: Presses universitaires de France,2002. - Mills, C.Wright: The Sociological Imagination, Oxford University Press, New York,1959. - Rocher, Guy: Introduction a la sociologie generale,3t,paris,HMH,1968,3t. - Toffler, Alvin & Toffler Heidi: Creating a new civilization: The Politics of the Third Wave,foreword by Newt Gingrich (Atlanta:Turner Pub,Kansas City,MO,1995.
- الصحف الورقية:
- صحيفة الديار – 03-07-2011- العدد 8055- الصفحة الأولى. - صحيفة المستقبل – 03-07-2011 – العدد 4044 -الصفحة الأولى. - صحيفة النهار- 03-07-2011- العدد 24436- الصفحة الاولى.
- المواقع الالكترونية:
http://www.asabia.com/Articles/ArticleDetails.aspx?ArticleID=43 http://www.masress.com/october/111253 محمد الشرقاوي: نزول الوحي بالقرآن ثورة اجتماعية ودينية، مركز دراسات العصبية القبلية، 16-05-2007. http://www.mokhtari.fr/
#نديم_منصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميديولوجيا في خدمة السياسة والثورة
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|