|
مقتطفات من: أوراق في الزمن الثوري - الورقة الثالثة: في مسألة الثقافة وفي معنى أن يكون المثقف ثوريا.
عادل بتكمنتي
الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 08:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تـمهيــــــد: المثقف جندي، السياسة رصاص، وقد تكون الثقافة بندقية.. أن نكون ماركسيين لينينيين ليس معناه أن نقيم ديرا لماركس أو انجلز أو لينين أو ستالين أو ماو أو بليخانوف أو تشي غيفارا أو أنور خوجا أو مهدي عامل أو غرامشي...، ونتعبّد فيهما من خلال ترديد ما أبدعاه من فكر انساني ثوري بكل المقاييس، فما كانت يوما الماركسية اللينينية انجيلا للتعبد، وما ينبغي لها ذلك وإلا ما صدق عليها النظرية الثورية ، ولا كان الرفاق كهنة أو تابعين لمريد وما ينبغي لهم ذلك، وإلا ما صدق عليهم الشيوعي إنسان مبدع ، لكن فهمنا للماركسية اللينينية هو امتلاكنا لمنهج عملي، أداة الفهم العلمي للواقع واستخدامه في تحليل واقع مجتمعنا بخصوصياته الجزئية في ترابطها بما هو أممي في عمومياته والعمل على تغيير هذا الواقع تغييرا ثوريا. قيل: الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل شيئ (1). .. لم يكن للمثقف في عالم كهذا سوى أن يختار بين اثنتين بين الاستتباع أو الموت، بين أن ينطق بلغة الاستبداد ونظامه، أو أن ينطق بلغة الصمت، أعني بلغة المكبوت ورموزه، هكذا كانت الثقافة تجري في صراع بين اثنتين، واحدة هي ثقافة الأسياد بتياراتها المختلفة المتباينة وأخرى هي ثقافة المقهورين بأنواعها المتعددة، لم تكن الثقافة يوما واحدة، وليس من الجائز حصرها في ثقافة رسمية أو مسيطرة أو معلنة، كانت ثقافة مناهضة لهذه مكبوتة مستترة لعلها أكثر شيوعا من الأولى وأصدق تعبيرا عن ضمير الناس وطموحاتهم .. (2) لست من أتباع روما الساهرين على دروب الملح. لكني أسدد نسبة مئوية من ملح خبزي مرْغما، وأقول للتاريخ: زين شاحناتك بالعبيد وبالملوك الصاغرين، ومر لا أحد يقول الآن: لا . .. فاصمدْ يا حصاني . لم نعدْ في الريح مختلفين أنت فتوتي وأنا خيالك. فانتصب ألفا(3)، وصك البرق. حك بحافر الشهوات أوعية الصدي. واصعد، تجدد ، وانتصب ألفا ، توتر يا حصاني وانتصبْ ألفا ، ولا تسقط عن السفح الأخير كراية مهجورةٍ في الأبجدية .. (4)
مقدمة: لم يعد للثقافة اليوم – كما لم يكن لها ذاك من قبل- موقع الحياد، في خضم احتدام الصراع الاجتماعي عالميا إقليميا ووطنيا، كما لم يعد هناك مبرر للمثقف للاختباء وراء وهم الموضوعية أو الأكاديمية أو إعادة تلك الأسطوانة اللاإديولوجيا أو فوق الإديولوجيا، عدى إذا سلمنا بوجود طبقة اجتماعية فوق المجتمع نفسه?!!، يمكن آنذاك للمتكلمين من محترفي السياسة أو الخطابة ومتقني السفسطة... أن يصنعوا لأنفسهم موقعا وسطا ويتبنوا موقفا وسطا بين الجبهتين المتصارعتين، وهنا أقصد الطبقات و/أو الفئات المشكلة لقوى التغيير الثوري والطبقات و/أو الفئات المشكلة لقوى النظام الرجعي، ليعيشوا أوهامهم حول الموضوعية والحياد. وما يجعل هذه الظرفية التاريخية بالذات أو الزمن الراهن باعتباره زمنا سياسيا/ثوريا بامتياز لا يحتمل ذاك الحياد المصطنع هو ذاك الفعل السياسي للجماهير في البُنية الاجتماعية برمتها(5) من خلال الحراك الثوري الذي ارتفعت وثيرته عالميا وبشكل خاص اقليميا، مما فتح لجماهير شعوب شمال افريقيا والشرق الأوسط أفقا جديدا في صنع غدها وكتابة تاريخها وتحقيق أحلامها المكبوتة منذ زمن ليس بقريب بفعل الشعارات الدغمائية أحيانا وبفعل القمع أحايين أخرى. إن الحركة الاجتماعية المشكّلة تاريخيا في المنطقة من خلال الصراع السياسي بين حفنة من الحكام العملاء ومريديهم لاسحي موائد أسيادهم من قوى الهيمنة العالمية الذين أبرموا صفقة الحكم من خلال بيع أوطان بأكملها أو خلفائهم بالنسب (توريث الحكم) أو الرصاص (الانقلابات) وبين الجبهة الثورية بمختلف مكوناتها سواء الحاملة للمشروع الثوري الحقيقي أو حتى الرافعة لشعارات التغيير عاطفيا فقط، هذه الجبهة التي وجدت في شرارة البوعزيزي الحدث التاريخي لانطلاق انفجاراتها المعبرة عن الأزمة المادية العميقة لهذه الشعوب، بالرغم من عفويتها وهلاميتها وانتكاستها المؤقتة التي تجد تبريراتها في العديد من الأمور، ولسنا بوارد تحليل هذا الاخفاق المؤقت للحركة الاجتماعية في تحقيق مشروعها البديل - رغم وضوح بعض ممهدات ومقدمات هذا البديل، أقصد وضوح الإطار العام والخطوط العريضة التي يمكن أن تؤطر أي برنامج عملي سيؤدي إلى تحقيق المراد فعليا عبر ثورات وطنية ديمقراطية شعبية مكونة من عملية هدم وبناء إلى أن يتكامل مشروعها - في هذا المقال. إن مرامي هذا المقال وحدوده هو فقط الوقوف على زاوية معينة من الموضوعات التي تثيرها قضية الثورة، وإذا كنا نريد فعلا تغييب السياسي واستحضار الجانب الفني الأدبي الجمالي لهذا الموضوع فإن حضور الأول ضرورة موضوعية تساوي أو تفوق آمانينا الذاتية في هذا التغييب. إنها مسألة الثقافة وفي معنى أن يكون المثقف ثوريا، وبشكل أكثر تحديد إنها العلاقة بين الثقافة والمثقف وعلاقتهما بالصراع السياسي وأفق الثورة، وموقف المثقف من الأشكال السياسية والقانونية والأخلاقية والدينية والفنية والفلسفية ومختلف المؤسسات والنظم والأفكار والتعبيرات الفوقية وبكلمة واحدة مختلف الأشكال الإيديولوجيا التي يدرك الناس في ظلها هذا الصراع (6) السائد، وعلاقة كل هذا بالقاعدة المادية –الاقتصادية- المتحكمة في تطور المجتمع. لنضع أسئلة ضرورية للانطلاق: ما المقصود بالثقافة(7) ؟ ومن هو المثقف(8) ؟، نجيب رأسا دون الدخول في السجالات التي أحدثها تعريف الثقافة بين بعض علماء الأنثربولوجيا وعلم الاجتماع الذين لا يرون أو يتعامون على رؤية مظهر الصراع الطبقي فيها ويسعون حثيثا إلى تركها تلك البنية المسالمة عبر اعتبارها ذاك الكل المعقد (الوعاء) الذي يعتمد في ملئه على مراكمة السلوك التعليمي الذي يتضمن المعرفة والمعتقد والفن والخلق والقانون والعادات الاجتماعية (9) ولكن إذا كان هذا التعريف المدرسي/البيداغوجي يصدق على الثقافة كشكل أي كصورة جامدة منعزلة عن السياسة بشكل خاص والايديولوجيا بشكل عام فإنه لا يصدق عليها بمجرد الغوص في مضمونها الذي سطرنا ملامحه أعلاه، وهذا المضمون هو الذي يجرنا إلى اعتبار الثقافة كشكل اديولوجي انعكاس للسياسة والاقتصاد في مجتمع محدد، ولكن تمارس بدورها فعلا ملحوظا على السياسة والاقتصاد في هذا المجتمع (10) . إذن لا يمكن عزل الثقافة عن السياسة والاقتصاد والإديولوجيا كما لا يمكن الحديث عنها خارج المجتمع. يبقى لنا أن نجيب عن المثقف، الذي بدوره لم يخل من سجالات، إلا أن الأمر هنا أكثر تعقيدا، عموما سنتجاوز تحديد المثقف لنجيب عن المثقف الثوري في متن مقالنا هذا، ونكتفي هنا بالقول بأن المثقف من جهة هو تلك الذات الفاعلة في الثقافة ذاتها من خلال أدواته الفكرية، ومن جهة أخرى هو الحامل لها والمعبر عن الواقع من خلال أشكالها المحددة في قوالب فنية وأدبية وهذا ما يفرض على كل مثقف وعيه بالثقافة وأدواتها وأشكالها ووعيه بالواقع والبنية الاجتماعية ومكوناتها. من هنا فالمثقفون ليسوا كلا موحدا بل هم أنواع يتعددون بتعدد مضمون ثقافتهم والثقافة ليست كلا متجانسا بل أنواع كذلك تتعدد بتعدد مواقفها من الكائن –السياسي، الاقتصادي، الفكري- ونظرتها إلى الممكن – السياسي، الاقتصادي، الفكري-، فالمثقف والثقافة كامنة في جوهر المجتمع ولبه مخترقة لكل مستوياته ومجالاته، فكل مثقف ينتج ثقافة معينة وكل ثقافة تؤطر مثقفا معين. إلا أن هذا الصراع داخل الثقافة ليس محض صراع ثقافي، بل إنه صراع اقتصادي بين طرفين نقيضين، إنه صراع سياسي يمارس بين قوى تسييد القائم وقوى تثوير الواقع ، يتمظهر في صور فنية وأدبية ويمارس كذلك بأدوات فنية وأدبية، يبقى للفكر في هذا الصراع السياسي الكائن في الثقافي وبالثقافي بشكله المبطن المكبوت تارة أو بشكله المصرح المفضوح تارة أخرى، الدور المركزي في توجيه هذا المثقف أو ذاك إلى إنتاج/ و/أو الدفاع عن هذه الثقافة أو تلك، وهذا الفكر في غالب الأحيان ينضبط في عملية انتاجه هذا إلى قاعدته المادية المتحكمة في وعيه، أي موقعه في عملية الانتاج/و/أو موقفه من علاقات الانتاج السائدة، منتجته ابتداء. أو تنضبط تلك العملية إلى القالب الموضوع فيه من خلال الهيمنة الإديولوجية المسيطرة على وعيه ذاك، من خلال تقمصه الفكري لما هو نقيض لواقعه المادي، أو تصديقه لوهم حياد الثقافي عن السياسي و/أو الاديولوجي. فالثقافة بهذا المعنى ساحة أخرى للصراع الدائرة رحاه في مجتمع محدد يتمظهر فيها الوعي الطبقي من خلال لغة فنية ارتقى ويرتقي بها الفكر الثوري ليشكل منها أعظم التعابير الفنية دقة وشاعرية فتستحيل المعاناة حياة، وتصير الآلام رحم لولادة جمال الغد الآتي لا محال، ويصبح الحزن منبعا للفرح الكوني، إن الثقافة الحقيقية بهذ المعنى، هي التي تنتصر للجديد وترنو لولادته وترفض كل قديم يأبّد القائم و يمجده. إذن آن الأوان للفكر المناضل الثوري، بما أنه الوعي المتقدم لجموع جماهير الشعب أيا كان هذا الفكر أن يوجه السؤال إلى ذاته سؤال الماهية ( أي مثقف أنا؟) وسؤال الضرورة ( عمن أدافع؟)، آن له أن يختار إلى أي جانب يصطف، فكما يقول الشهيد مهدي عامل فلتتوضح كل المواقف ولتتحدد كل المواقع ولتكن المجابهة في الضوء (11)، فالزمن السياسي الثوري وما يعنيه ذلك من مركزة لكل وعي فكري كيفما كان الشكل المادي لهذا الفكر وبأي صيغة وقالب حنّط فيه سواء كانت خطابا دينيا(12) أو ثقافيا أو معرفيا أو حتى لغويا في جانبه المعجمي يستحيل خطابا سياسيا بامتياز ولما كان كذلك فلا بد لهذا الخطاب كمنظومة فكرية يبرز فيها وعي الذات، كذات متقدمة طليعية واعية لذاتها ولطبقتها التي تُطعّم بُنية تفكيره كان لابد لهذا الخطاب من أن يتخذ موقفا واضحا من الثقافة والمثقف فيه يضمر موقفا أكثر وضوحا عن السلطة والنظام السائد، وبالتالي فهو يختار ويتموقف ومن ثم يتموقع إلى جانب أحد الطرفين المتصارعين سياسيا. إذن لا مبرر للمثقف أن يدعي أو يتوهم ولو للحظة أن ثقافته المنتجة غير محكومة بالسياسي أو أن موقفه السياسي محكوم بالثقافة السائدة(13)، صحيح أن عموم الجماهير قد تكون كذلك في شروط تاريخية محددة إذ تتنمّط عبر قنوات صرف الاديولوجية فتتيه في لحظات معينة من التاريخ عن معرفة واستحساس بوصلة مصالحها، لكن الحديث الآن عن المثقف وهو -أو المفترض فيه - أنه ذاك الوعي المتقدم ذاك التعبير الثقافي الابداعي الأدبي الفني أو الشعري أو المسرحي أو غيره من الأشكال والأدوات المعبرة عن كل ما هو ثقافي في مجتمع ما.. إنه المُضمر لمواقف سياسية وهو في إضماره هذا إن عن وعي أو بدونه ينحاز لأحد الطرفين المتصارعين. إنه المعبر عن معاناة تلك الجماهير عن آلامهم وأمالهم أو المهرج والمنشط لجلسات المتلذذين بمعاناة غيرهم ومستلذي الاستغلال ومخدري وعي الجماهير. إذن كيف للمثقف اليوم أن لا يختار موقف؟، أن لا يتخذ موقع؟، بل كيف للمثقف أن يساوم عن هذا الموقف أو ينتقل إلى ذاك الموقع أو يستبدله بمال أو منصب؟، كيف للمثقف أن يبرر خيانته لجماهير الشعب بل لطبقته الكادحة أصلا؟، كيف للمثقف أن لا ينسجم بأدواته الفكرية مع واقع طبقته الكادحة بأدوات انتاجها المادية؟. إنطلاقا من كل هذه التساؤلات، يتضح لنا محورها الناظم الذي يمكن تلخيصه في: ما مدى الترابط الكائن يين الثقافة والمثقف في علاقتهما بالثورة؟ ... يتبع... ---------------------------------------------------------------------------------- 1- يرجع هذا التعريف إلى إدوارد هيرييو:E.Herriot مؤرخ و رجل سياسي فرنسي توفي سنة 1957 2- مقتطف من محاضرة الشهيد مهدي عامل، الثقافة و الثورة 3- سيبقى هذا الحرف شاهدا على حدث جلل كشهادته الأولى على الحروف الأبجدية، فما أحوجنا اليوم لنعود ونقرأ أ لفنا من جديد حتى ننتصب من جديد. 4- من جدارية محمود درويش. 5- لم يعد بخاف خصوصا قبيل انفجار الحركة الاحتجاجية سنة2011 التي اتخذت لنفسها مسمى(20 فبراير) وأثنائها وما أعقبها، ما أحدثته في الوعي الجمعي للشعب المغربي مثقفا كان أو غير ذلك من زعزعت و خلخلة للبُنى الفكرية و حتى العاطفية لجماهير الشعب، فلا تكاد تخلو منطقة أو ركن أو مقهى أو حافلة أو مدرسة أو جامعة أو طريق.. إلا و كان النقاش دائرا حول تلك الحركة حاضرا، وإن اختلفت مضامين النقاشات و طرقه و غاياته، والمؤكد كذلك هو حضور السياسي من خلال استحضار نقاش السلطة وأشكال الحكم، والموقف من الدستور والبرلمان والحكومة، الموقف من الخطابات الرسمية، الموقف من الاصلاحات ، الموقف من الواقع المعيش، بشكل عام إنه التفكير فيما هو كائن والسبيل إلى بلوغ الممكن، ودور المثقف في هذا النقاش لم يغب من خلال الأشكال الابداعية المختلفة سواء المسرحية أو الأغنية أو القصيدة أو المقالة الأدبية المحضة أو السياسية..، إذن 20فبراير2011 كان بالفعل الزمن السياسي بامتياز بالمغرب وعليه فبالرغم مما قيل في هذه الحركة وما سيقال – إذ لنا عودة إلى حركة 20 فبراير من خلال مقال مستقل سنحاول من خلاله منقاشتها واستنطاقها كي نضعها في العربة لتأخذ رقمها الحقيقي في قطار الصراع الطبقي بالمغرب الذي لا زال مستمرا في مسيره حتى تتحقق ضرورته التاريخية إما وصولا إلى محطته الممكنة أي الضرورية أو التلاشي في مكان ما بمن فيه- سيبقى فعلها السياسي والثقافي حاضرا في فكر ووجدان المناضل والمثقف وباقي جماهير الشعب المغربي. 6- كارل ماركس، نقد الاقتصاد السياسي. 7- تعددت تعريفات الثقافة كما تعددت تقسيماتها: - يقول بوعلي ياسين" إن المثقف الأديب أو الفنان لايقدم مضمونا أو شكلا، بل يقدم نفعا و/أو إمتاعا. ولايمكن أن يكون هناك عمل فني دون مضمون، تثقيفي أو إمتاعي. إنما الخلاف على الأولوية بين المضمون والشكل. لولا وجود الصراع الطبقي، أي لو لم يكن الاستغلال والاضطهاد من مكونات مجتمعنا، لما اختلفنا مع أحد حول أن الشكل هو المقياس الوحيد في النقد الفني أو الأدبي، والأصح أن نقول: لولا الصراع الطبقي، لما كان ثمة فرق بين المضمون والشكل، ولكانت مقاييس الجمال في جوهرها واحدة في تقييم الأعمال الفنية لدى كل مجتمع أو لدى كل جماعة بشرية في مرحلة زمنية معينة". بوعلي ياسين: ينابيع الثقافة ودورها في الصراع الاجتماعي، الناشر الملتقى، المطبعة Infoedition، الطبعة الثانية المغرب، سنة 2006، ص:26. 8- تعددت أيضا تعريفات المثقف و تقسيماته: - يقول بوعلي ياسين، عند دراسة المثقف لابد من ربط كل انتاجه الثقافي والفني والجمالي بالبُنية التحتية /المرجعية الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والنفسية والرؤى الإيديولوجية. ولابد من تحديد مجموعة من الضوابط أثناء دراسة المثقف وتحديده، ويمكن أن ترد هذه العناصر أو المحددات إلى: أ- الأصول الطبقية للمثقف، ب- وضع المثقف الطبقي، أي وضعه الاجتماعي في الحاضر والمستقبل الذي قد لا يكون مطابقا لأصله الطبقي، ج- الوعي الطبقي/ الوعي السياسي للصراع الطبقي للمثقف وموقفه منها، د- الموقف أو الموقع الإيديولوجي الذي يكون مرتبطا بالوعي الطبقي، أو يكون مستقلا عنه، إنما نابعا من تجربة طبقية راسخة في النفس وفاعلة فيها. وحدد أصناف المثقفين في سبعة، مرجع نفسه. - فمثلا عند محمد أركون، وانطلاقا من غوصه في الفكر العربي الاسلامي، نجده يقول بانقسام المثقف داخل تلك المنظومة الفكرية العربية المتسمة بالاسلام إلى اتجاهين رئيسيين أصحاب المعارف الدينية النقلية أو الأصيلة، وأصحاب المعارف العقلية التي اعتبرت دخيلة، وإن كانت الغلبة في هذا الصراع تميل دومًا للفاعل التقليدي، الذي ظل يراقب ويتحكم في الحقل الثقافي برمته. الفكر الاسلامي نقل واجتهاد . - وعند أنور عبد الملك نجده يميز بين المثقًّفين والمثقِّفين. الفئة الأولى هم المتعلمون العاديون الذي يشتغلون بكل ماهو ذهني ابتداء من المربي والقارئ العادي إلى المرؤوس والمنفذ. أي كل من يعرف القراءة والكتابة، ولكن غير قادر على قيادة المجتمع وتنويره ثقافيا بسبب عجز هذا المثقف عن الإبداع والإنتاج الفكري. أما الفئة الثانية فالمقصود بها الذين يشتغلون في أعمال تسعى لنشر الثقافة بين الجماهير الواسعة من الناس أو إلى تكوين فئة المثقفين العاديين. أنور عبد الملك، دراسات في الثقافة الوطنية، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 1967. - وهناك من يقر بصعوبة الجزم بوجود مفهوم المثقف في فترات تاريخية سابقة، مما يجعل هذه العبارة تحيل إلى مفهوم حديث للكاتب صانع الأفكار ومروجها"، وبكون المثقف، هو صاحب موقف نقدي من قضايا المجتمع، وفاعل اجتماعي قادر على التأثير في الواقع. هذا إضافة إلى كونه أسس لنسق من المعارف الجديدة، اتخذت من الانقلابات العلمية الحديثة قاعدتها في إثبات نسبية الحقائق، لم يظهر إلا حديثًا بعد أن ارتبط بتحول عميق في الوعي لدى الكاتب ذاته، وأصبح يعبر بالفعل عن قاعدة اجتماعية من القراء تدعم مواقفه وسلطته الفكرية، وهذا ما لم يتحقق في الواقع العربي الإسلامي، على حد تعبير:علي أمليل،السلطة السياسية والسلطة الثقافية، ص:9. - أما محمد عابد الجابري فالملاحظ في كتابه المثقفون في الحضارة العربية، نجده ينحت المثقف العربي على شاكلة المثقف الغربي معتمدا في ذلك أسلوب التنقيب في التراث العربي والاسلامي عن شخصيات يمكن أن تكون هي المثقف العربي ص:10 وما بعدها. - أما عبد الله العروي، فقد صنف المثقفين إلى ثلاثة فئات، المثقف السلفي، المثقف الليبرالي، المثقف التقني، معتمدا في تصنيفه هذا على الوعي الإديولوجي للمثقف. راجع الايديولوجية العربية المعاصرة. - أما لدى أنطونيو غرامشي، فنجد له تصنيفا آخر: المثقف العضوي من جهة والمثقف التقليدي من جهة أخرى - في حين أن الشهيد مهدي عامل، يصنف المثقفين إلى صنفين، معتمدا في ذلك على السياسي وموقف المثقف من السياسة/ الثورة وبالضرورة الاقتصادي و الاديولوجي. الثقافة و الثورة . - سيكون لنا عودة إلى كل هاته المؤلفات بمزيد من التدقيق والمناقشة فيما سيأتي من المقال، في محاولة لتحديد مفهوم الثقافة والمثقف بشكل دقيق. 9- يلتقي العديد من المهتمين بعلم الاجتماع حول هذا التعريف 10- هذا التعريف يعود إلى ماوتسي تونغ. ولعل الكاتب الأمريكي أوديتس (1906/1963) عبر عن هذه الحقيقة في تصريح له أمام لجنة الكونغرس للنشاط الأمريكي حينما قال حاولت دائما أن أكتب، ليس انطلاقا من أية موضوعات ترتبط بجانب واحد من نفسي، بل انطلاقا من موضوعات محورية وثيقة الصلة بحياتي ذاتها{هنا يمكن أن نطلق على هذه الجملة محدد الثقافة}. وأذكر أنني قررت في لقائنا الأخير أنني إذا كنت قد انفعلت تجاه مواقف معينة من الفقر{هنا أحد مواضيع الثقافة و موقف المثقف منها} ، فهذا لأن أمي كانت تعمل في مصنع جوارب{ هنا الجذور الطبقية للمثقف} في فيلادلفيا في سن الحادية عشرة وماتت امرأة محطمة- وعجوزا- في سن الثامنة والأربعين عندما أكتب، ياسيدي، انطلاقا من الشيوعية {هنا تداخل الايديولوجي بالثقافي/ منظار المثقف إلى العالم}" ما بين معقوفتين من إضافتي. 11- كلمات مأخوذة من محاضرة الشهيد بعنوان: الثقافة والثورة . 12- و من الامثلة الواقعية القريبة، ما نشهده مؤخرا في مصر وسوريا، فهاهو الخطاب الديني ينشطر إلى قسمين قسم مدافع عن الأنظمة القائمة في شخوص حكام البلدين يألهانهما – فالمفتي السابق للأزهر الشريف يقول مثلا في خطابه أمام قيادات الجيش والأمن المصري أن الله معهم وأنه حلم بالرسول (ص) وهو معهم و الصحابة رضوان الله عليهم معهم ..، كما نسمع في ذات الوقت أئمة وخطباء وعلماء دين يقولون بأن الله مع مرسي وأن الإخوان مؤيدون به..، وفي سوريا نفس الشيئ، وهذا إن كان يدل على شيئ فعلى آخر ما أبدع فكر الشهيد حسن عبد الله حمدان وما خطّت أنامله، فقد جاء في آخر مسوداته التي حرر فيها كتابه نقد الفكر اليومي هل يمكن نقض الاسلام الزمني بإسلام زمني آخر؟ هل يمكن نقض اسلام البرجوازية بإسلام الطبقة العاملة؟ المشكلة ليست إسلامية. ليست في الإسلام. ليست في أن يكون ثوريا أو مضادا للثورة. المشكلة سياسية تاريخية مادية طبقية. ليست في الاسلام بل في المجتمع. مع الدولة أم ضدها؟ مع البرجوازية أم ضدها؟ مع الثورة أم ضدها؟ مع التغيير أم ضده؟ و الثورة والتغيير لا يتحددان اسلاميا بل ماديا. إذن ما هو موقف الإسلام من ذلك؟ يكون ثوريا أو مضادا للثورة. يكون الإسلام بقدر ما يكون مع الثورة والتغيير كما كان أصليا حين جاء. هكذا يستعيد أصالته. يكون نقيضا للاسلام بقدر ما يكون ضد الثورة. 13- نجد في هذا الصدد مفهوم الهيمنة الثقافية عند، أنطونيو غرامشي، ولنا عودة من خلال هذا المقال لهذا المفهوم.
#عادل_بتكمنتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقتطفات من: أوراق في الزمن الثوري الورقة الأولى: الورقة الفل
...
-
مقتطفات من: أوراق في الزمن الثوري الورقة الثانية : الشهادة و
...
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|