سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:29
المحور:
القضية الفلسطينية
تكمن المشكلة الأساسية في التفكير السياسي الفلسطيني والعربي الرسمي في ترسخ الوهم ، بأن مفتاح الحل لموضوع الصراع العربي ـ الصهيوني وفي الجوهر منه القضية الفلسطينية ، هو في يد الإدارة الأمريكية كدولة دون غيرها ، وبمعزل عن الأمم المتحدة أو غيرها من دول العالم ، ولذلك فإنها تقرر أن ما من سبيل آخر لتحقيق أي حل لهذا الصراع إلا عبر البوابة الأمريكية وفقط ، وعلى ضوء تلك القراءة تجري عملية التكيف مع هذا المتخيل الفكري السياسي .
في حين أن أي قراءة علمية لعلاقة الكيان الصهيوني بالمجتمعات الرأسمالية الغربية التي أنتجت هذه الظاهرة على امتداد القرن الماضي ، منذ أن كانت فكرة إلى أن تم تجسيدها في الواقع العربي ، لا يمكن النظر إليها إلا في سياق تلك العلاقة العضوية ، بين هذا الكيان الغاصب والدول الرأسمالية الغربية وفي المقدمة منها أمريكا ، باعتبارها منتجا غربيا استعماريا إحلاليا ، يمثل امتدادا للحالة الحضارية الغربية ، وجزءا من نسيج تلك المجتمعات فكرا وثقافة ومكونا أيديولوجيا ونمط عيش وحياة ومصالح .
هذا الجيب الاستعماري المتقدم لحضارة " رأس المال المتغول " في المنطقة العربية ، لا يمكن التعامل معه إلا في إطار هذه العلاقة ، وتلك المصالح في كليتها ، وذلك لا يعني عدم تشكل مصالح تخص هذا الجيب الاستعماري يفرضها تناقض هذه الحالة الاستعمارية المباشر مع خصوصية الجغرافيا والواقع الحقوقي والحضاري لأصحاب الوطن الفلسطيني الذي يحاول نفيه ، إلا أن تلك المصالح في جوهرها محتواه بالكامل في إطار مصالح المركز الرأسمالي وفي حالة اندغام كلي بحيث لا يمكن لنا أن نتعامل معها إلا ككتلة واحدة رغم بعض الفروقات التي لا تؤثر كثيرا إن في الشكل أو في الجوهر.
ومن ثم لا يمكن لنا أن نتعامل مع " كيمياء " هذه العلاقة بخفة فكرية وسياسية ، تحاول أن تتسلل من الباب الخلفي بحثا عن حكم نزيه وعادل ، من أجل أن يقف إن لم يكن على مسافة واحدة من قضية الصراع العربي ـ الصهيوني فعلى الأقل بشكل غير فاضح وأقل انحيازا ، وذلك كله بالطبع من طرف يقف بشكل موضوعي في الخندق المعادي لكل الحقوق الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية على مدى ما يقارب الستة عقود ، وهو الذي لا يمكن تصوره إلا في الوهم .
ومع كل " الرتوش " التي تحاول أن تظهر من خلالها إدارة بوش الابن قدرا من الحرص على لعب دور أقل انحيازا ، إلا أن كل تلك المحاولات تبقى مع ذلك فجة ومكشوفة ولا يمكن تغطيتها وتبريرها بالمعنى الإيجابي إلا من قِبَلْ من فقد القدرة على أن يستنطق التاريخ ، ليقارن الأقوال بالأفعال في الواقع .
ويبدو أن انعدام الثقة في الذات انطلاقا من عدم وجود يقينيات راسخة تتمثل الحقوق الثابتة ، ولا تراها إلا من زاوية وجوب تحققها ، تجعل موقف البعض منا ضعيفا ومتهافتا ورخوا رغم ارتفاع الصوت أحيانا ، الأمر الذي يجعل أولئك الذين يديرون عملية الصراع في جوانبها السياسية دائما في موقف الدفاع ، وعلى استعداد للهبوط بسقف مطالبهم ، وهو أمر يعود كما نعتقد إلى عدم ثبات اليقينيات باعتبارها حقائق مطلقة لا يمكن التعامل معها أو النظر إليها إلا من خلال هذه الرؤية .
ومن حقنا إذن نتساءل عندئذ هل يمكن التمييز بين مفهومي " سياسة أمريكية في إسرائيل ، أو سياسة إسرائيلية في أمريكا " ، أم أن كلا منهما يتماهى في الآخر ، والذي على ضوئه ينكشف ذلك التناقض الشاسع في الرؤى لموضوع الصراع العربي – الصهيوني بين ما نسعى إليه كأصحاب حق وبين ما تحاول فرضه الرؤية الإسرائيلية ـ الأمريكية المشتركة ، الأمر الذي يجعل من التعامل مع أو النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب الرأسمالي كحكم نزيه ، لا تعدو أن تكون مجرد " نكتة " وذلك لطبيعة العلاقة العضوية القائمة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية أولا ، ولأن هذا الغرب الرأسمالي وعلى رأسه أمريكا هم جزء من المشكلة ثانيا ، باعتبارهم موضوعيا في الجانب الآخر من المعادلة المنكر والمصادر لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والتي أقرتها قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية .
فالحقوق الثابتة التي شرعتها الأمم المتحدة بمعنى " الحل التاريخي " والذي يعني إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة كعنوان أول ، ( على الأراضي التي احتلت في الخامس من حزيران عام 1967 بما فيها القدس على الأقل ) ، لا مكان لها في السياسة الأوربية الأمريكية دون أن يعني ذلك عدم لحظ بعض الفروقات التي قد تظهر أحيانا والتي لا تؤثر في الجوهر، والتي لا تتعدى حدود الاختلاف الذي لا يمكن البناء عليه ، إذ سرعان ما يتحلق الجميع حول موقف واحد ، باتجاه ممارسة الضغط على الطرف الفلسطيني ، بل ويجند النظام الرسمي العربي أيضا للمشاركة في هذا الضغط ، من أجل أن يقدم الطرف الفلسطيني تنازلات جوهرية فيما يتعلق بالأراضي التي يجب أن يتم ضمها للجانب الإسرائيلي ، بذريعة توفير الأمن له تحت لافتة " الحدود التي يمكن الدفاع عنها " .
كل ذلك يجري بالتوازي مع تشريع وجود الكتل الاستطيانية وقطعان المستوطنين ، حسب رسالة ضمانات بوش الابن ، والمفارقة هنا هي أنه كيف يمكن الدفاع عن حدود بإمكان قذيفة مدفع أن تخترقها من أقصاها إلى أقصاها ، في ظل هذا التداخل بين الأراضي التي احتلت عام48 والأراضي التي تم احتلالها في العام 1967 ، ودون أن يتم الحديث بالمقابل عن أمن الفلسطينيين في مواجهة الدولة العبرية المدججة بالسلاح وبما تحويه ترسانتها العسكرية من أسلحة دمار شامل ، إلا إذا كان المقصود من مفهوم " توفير الأمن " هو إلغاء الشعب الفلسطيني بكاملة ؟
ولعل المجافاة الأساسية لما يمكن اعتباره حلا تاريخيا كعنوان ثاني هو التبني المشترك للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لنفي حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي أقرته الأمم المتحدة كشرط أساسي لإنتاج ما يسمى " بالحل التاريخي " وفق القرار 194، والذي يشكل " صاعق التفجير" المستمر الذي لا يستطيع أحد نزعه أو إبطال مفعوله ، دون أن يفجر كل ما يقع تحت عنوان " التسوية السلمية " ، حيث تنكر الإدارة الأمريكية والدول الأوربية هذا الحق ، بل وتسعى وبشكل حثيث من أجل إيجاد أماكن لجوء جديدة للفلسطينيين في أربعة أرجاء الدنيا ، في حين أن لا شيء يعادل لدى اللاجئ الفلسطيني بيته وأرضه التي هجِّر منها مهما عَظُم البديل ، ففلسطين الوطن دائما هي الأعظم .
ومن ثم إذا ما تم التنكر لحق العودة تحت تلك البدائل والمسميات المختلفة ، وهوّدت القدس ، وبقيت المستوطنات بقطعانها ، واستمر جدار الضم بما يعني ذلك من استيلاء على المياه والأراضي الزراعية ، فإن السؤال عندها ، ما الذي تبقى من قضايا الحل النهائي للتفاوض حوله ، وما الذي يمكن أن نجده لدى الدولة الراعية بعد أن تبنت وجهة النظر الصهيونية كاملة .
وعليه لا يمكن لأي قوة سياسية تحاول أن تبقي صلتها بالمستقبل قائمة أن تقبل بالتخلي عن أوراق قوتها ، رغم محدوديتها في الكم وعظمِها في الكيف إذا ما أحسنت استخدامها في مواجهة ميزان القوى المختل ماديا لغير صالحها وإلى شرط اللحظة ، لأن اللحظة ليست معزولة عن المساحة الزمنية الممتدة في المستقبل ، لأنه من العبث عندئذ أن تقرر المستقبل بشروط اللحظة الراهنة المجافية .
ولأن الذهاب باتجاه المستقبل وصنع التاريخ له أكثر من طريق ، فعلى الفلسطينيين أن لا يقفلوا أي طريق ، بل عليهم أن يبقوا خيارات تلك الطرق مفتوحة أمامهم رغم صعوباتها ، حـتى لا يجدوا أنفسهم في لحظة ما في ممر إجباري يأخذهم نحو المجهول وعلى كل الصعد ، ذلك أن هذا النوع من الصراع " التناقض " الذي يحاول فيه الكيان الصهيوني أن يلغي الشعب الفلسطيني ، مفتوح على المستقبل ، ومن ثم فإن أي رهان على اللحظة دون أن نمتلك أدواتها يشبه السير نحو المستقبل معصوبي الأعين .
وحتى لا نكون كذلك يجب أن لا نفرّط في أسلحتنا ، وأن نعض عليها بالنواجذ .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟