لينين-تروتسكي...العلاقة والخلاف/ الارشيف الملعون!!!(13)

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 17:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

حملت سنة1921نوعا من السلام النسبي لروسيا السوفييتية،فقد تفككت الجيوش البيضاء،واختفت،وانسحبت قوات التدخل الامبريالية،في نفس العام اندلعت انتفاضة في المانيا،وقد استثارها زينوفييف،رئيس الاممية،وبيلاكون،قائد ثورة المجر الفاشلة عام1919،اخمدت الانتفاضة الالمانية بالدم،وقطع بول ليفي،زعيم الحزب الشيوعي الالماني علاقته بالاممية،ساخطا ومنحيا باللائمة عليها.اجبرت انتفاضة كرونشتات البلاشفة على التخلي عن شيوعية الحرب،واعتماد سياسة(النيب)-السياسة الاقتصادية الجديدة-.سبع سنوات من الحرب العالمية والثورة والحرب الاهلية والتدخل الخارجي وشيوعية الحرب،كل هذا هز المجتمع الروسي جذريا الى درجة لم تعد فيه النظريات والافكار والشعارات ذات معنى او جدوى.وفي ربيع نفس العام بعد انتفاضة كرونشتات مباشرة،حلت كارثة الجفاف،والعواصف الرملية،وجيوش الجراد،واجتاحت منطقة الفولغا والمقاطعات الجنوبية والجنوبية الشرقية من روسيا،وفي نهاية العام اصابت المجاعة ملايين الفلاحين الذين هاموا على وجوههم يائسين في السهول المجدبة،وكأن الطبيعة تسخر من الاحلام والمثل التي تطلعت لها بتروغراد وموسكو!والطبقة العاملة التي كان يجب ان تمارس ديكتاتوريتها،باتت معدمة وذابلة،فالعمال الاكثر وعيا وتكوينا سياسيا،مات معظمهم،ومن تبقى احتل مراكز المسؤولية في الادارة الجديدة،ولم يعودا عمالا،فقد انسلخوا من طبقتهم،واندمجوا بالوسط البيروقراطي المتنامي كالطاعون!وتوقفت حكومة لينين شيئا فشيئا عن ان تكون تمثلية لطبقة عاملة لم تعد موجودة!وبالرغم من استنادها للسوفييتن الا انه شتان مابين سوفييت1917 وسوفييت1921-1922والذي خلقه الحزب!فغدا السوفييت هو الذي يستمد سلطته من الحزب لاالعكس!كما كانت تدعي حكومة لينين!كان البلاشفة يعتبرون انفسهم اوصياء على الطبقة العاملة،فهم من يعرف مصلحتها،ويفكر بدلا منها،ويقررون عوضا عنها!هذا الموقف،كان تروتسكي"الشاب" قد اتهم البلاشفة بسببه،انهم يريدون احلال حزبهم محل الطبقة العاملة!ويتجاهلون رغبات وطموحات العمال،كان ذلك في عام1904،لقد استبق تروتسكي الزمن والوقائع كثيرا،عندما ارهص بهذا قبل سنين!ومن الديمقراطية البروليتارية المزعومة الى التسلط والمركزية المتفاقمة والمهيمنة.في مؤتمر السوفييتات كانونالاول/ديسمبر من نفس العام،قال لينين مهاجما الذين يقدمون انفسهم ك"ممثلين للبروليتاريا":"اعذروني،ولكن ما الذي تعنون بكلمة بروليتاريا؟تعنون طبقة الفلاحين هذه التي تعمل في الصناعة الكبرى؟لكن اين صناعت(كم)الكبرى؟بأي نوع من البروليتاريا يتعلق الامر؟اين صناعتكم؟لماذا تسترخي وتنعس؟"وفي اذار/مارس1922 عاد لينين في المؤتمر الحادي عشر للحزب الى نفس مساجلته فقال:"منذ الحرب ليس اناس الطبقة العاملة هم الذين ذهبوا للمعامل،بل الكسالى،هل يسمح الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي في البلاد للبروليتاريين الحقيقيين بالذهاب الى المصانع؟كلا!عليهم وفقا لماركس ان يذهبوا اليها،ولكن ماركس لم يتكلم عن روسيا،بل للرأسمالية عموما،للرأسمالية كما تشكلت منذ القرن الخامس عشر،كان ذلك صحيحا خلال ستمائة سنة،ولكنه لم يعد كذلك في روسيا الحالية".وقد رد شليابنيكوف على لينين باسم المعارضة العمالية قائلا:"لقد قال فلاديمير ايليتش،ان البروليتاريا بما هي طبقة بالمعنى الماركسي للكلمة،ليست موجودة في( روسيا).دعوني اهنئكم بان تكونوا طليعة طبقة غير موجودة"كانت تلك الكلمات سخرية مريرة،تعبر عن حقيقة قاتمة.عندما دمر البلاشفة نظام تعدد الاحزاب،لم يكونوا يتوقعون ان نظام الحزب الواحد،سيقودهم الى التضيق واللجم داخل حزبهم نفسه!ومن المركزية الديمقراطية،وهو المبدأالاساسي للتنظيم البلشفي،لم يبقى سوى المركزية،والمزيد من المركزية،وبأكثر اشكالها تصلبا واحادية،لم يدركوا ان الغاء النقاش والتعددية خارج الحزب،لن يبقيه حيا داخله،وتلك مفارقة سوداء،فهم لايستطيعون الغاء الحريات الديمقراطية لمجمل المجتمع،والاحتفاظ بها لوحدهم!كان الحزب شديد الانضباط والمركزية،لكن بلا حرية او ديمقراطية،للرأي المختلف في داخله،فالحزب الواحد الذي يزيل خصومه السياسين والفكريين،لايمكنه الاستمرار الا بمزيد من القمع والاكراه الذاتي المتواصل.كانت اعداد المنتمين للحزب البلشفي تتزايد،ولكن على حساب النوعية!ليس عن اقتناع وايمان بمبادئه،بل لانه المنتصر والمتربع في السلطة!لم يعد البلاشفة المخضرمون سوى اقلية ضئيلة،وبات من الصعب في هذا الطوفان،تنقية القمح من الزؤان!فالبلاشفة الذين عملوا في الظروف السرية العسيرة والمؤلمة قبل شباط1917 لم يكن يتجاوز2%من اعضاء الحزب في عام1922،لذا قرر القادة ان يحموا الحزب من الاعضاء الانتهازين المتسللين لصفوف الحزب،فنظموا عملية تطهير واسعة،طالبت بها المعارضة العمالية في المؤتمر العاشر،وجرت العملية فيعام1921،وقد طرد من الحزب200الف عضو ،اي ثلث مجمل الاعضاء،وتم تصنيف المطرودين من قبل لجنة الرقابة:وصوليون،مبتذلون،اعضاء سابقون في احزاب معادية للبلشفية،ومناشفة،وبلاشفة افسدتهم السلطة والامتيازات!كان التطهير،وسيبقى دائما سلاحا ذاحدين،فهو من جانب ينقي الحزب من العناصر الفاسدة والخاملة والوصولية،ويمده بالقوة،ولكنه من الجانب الاخر،يصبح سيفا مسلطا فوق رؤوس الاعضاء الاكثر اخلاصا ونقدا للسلبيات والاكثر تمسكا بديمقراطية الحزب،فالتطهير اداة غير مباشرة للقمع الذاتي الاكثر رهبة داخل الحزب،لانه يزرع الخوف والشك والانكماش وموت المبادرةوابداء الرأي،والعداء والجبن الاخلاقي،وكل هذا لايخم الحزب بل يدمره-وهذا ماجرى على يد الرفيق العظيم ستالين فيمابعد!-.فما ان تفككت الطبقة العاملة كقوة اجتماعية حقيقية حتى حل الحزب محلها،ولكنه هو الاخر كان كيانا هلاميا وشبحيا،فالبرغم من تطهير ثلث اعضاء الحزب،لم يؤدي ذلك الى تقويته كما يفترض،بل لم يتغير شيء،وهذ يعني ان القاعدة والكوادر الوسطى في الحزب لم يعد لها تأثير في سياسة الحزب،والتي بات يقررها حفنة صغيرة من الحزب،حلت محله بكامله!من كانت تلك الحفنة التي تقرر سياسة الحزب؟!لينين نفسه اجاب على هذا السؤال في اذار/مارس1922 فقد كتب لمولوتوف،والذي كان في ذلك الوقت سكرتيرا للجنة المركزية:"اذا اردنا ان نفتح اعيننا،علينا ان نسلم بان الطابع البروليتاري لسياسة الحزب لايحدده الان الوضع الطبقي لاعضائه،بل السلطة الهائلة والحصرية بين يدي هذه الشريحة الضئيلة جدا من الاعضاء الذين يمكن تسميتهم الحرس القديم للحزب".الحرس القديم هو المرجع الوحيد للمثل الاعلى الاشتراكي-وكيل الحزب-وفي النهاية البديل للطبقة العاملة!وفي رأي لينين،كان الجمهور العريض للحزب،ليس سوى نبات فطري معرض لكل التأثيرات المفسدة في مجتمع مفكك ومضطرب وتعمه الفوضى،ولكن حتى هذا الجزء من الحزب-الحرس القديم-لم يكن في منجى من التأثيرات المفسدة واغراءات الادارة والسلطة،والتي هي اس الافساد،وهذ ماصدع تماسك الحرس القديم.كان (النيبمان) يزدهر في المدن الجائعة،ويتهكم على الثورة،وفي الريف،كان الكولاك،وزبائنه هم الذين يهيمنون على السوفييتات الريفية،واولادهم قادة للفروع المحلية للشبيبة الشيوعية،ولم يعد هنالك شيوعيا مثاليا ومبدئيا،الكل يتندر ويسخر،وغرق الرفاق في مستنقع الفساد والبيروقراطية.كان لينين وتروتسكي هما العملاقان ا لباقيان كصوت رئيسي واللسان الاكثر هيبة للحزب في تلك السنوات،السنوات الاخيرة من حياة لينين،وكان تروتسكي متوحدا في موقفه مع لينين في مسألة الانضباط الحديدي داخل الحزب،واتهم المعارضة العمالية بنشاطاتها المناوئة لقيادة الحزب،فقد كان شليابينكوف وكولونتاي يتهمان الحكومة بتشجيع مصالح البرجوازية الجديدة والكولاك،وهضم حقوق العمال،وخيانة الثورة،ولما كانا قد ادينا منذ المؤتمر العاشر،وهددهما لينين بالطرد،فقد استأنفا ضده امام الاممية الشيوعية،وترافع تروتسكي ضدهما،وحصل على رفض الاستئناف،وفي المؤتمر الحادي عشر عام1922،والذي كان عليه الحكم في في القضية،لعب تروتسكي ايضا دور الاتهام مرة اخرى،-بالرغم من تعاطفة مع تلك المعارضة-.لم تكن المعارضة العمالية هي الوحيدة التي عبرت عن استيائها ومعارضتها،ففينفس المؤتمر الذي حضره لينين،تعرض هو وتروتسكي لهجوم من رفاق حميمين،فقد تكلم انطونوف-اوفسنكو عن استسلام الحزب للكولاك،والرأسمالية الاجنبية،ولغلغ صوت ريازانوف ضد الاحباط السياسي العام،والاعتباطية التي كان المكتب السياسي يدير بها الحزب!واحتج لوزوفسكي،وسكريبنيك المفوض الاوكراني ضد المركزية القصوى للحكم،والتي تذكر بروسيا الماذي:"الواحدة وغير القابلة للقسمة"،وندد بوبنوف بخطر"الانحطاط البرجوازي الصغير" للحزب،واحتج ايضا بريوبراجنسكي هو الاخر،وكان من المنظرين الاقتصاديين الكبار،وسكرتيرا سابقا للجنة المركزية،اغلب هؤلاء سيكونوا فيما بعد،اعضاء بارزين في المعارضة"التروتسكية".وسيأتي اليوم الذي سيستأنف فيه تروتسكي نفسه،مثل شليابينكوف وكولونتاي ضد اللجنة المركزية امام الاممية الشيوعية،ولكنه الان وبدعم من لينين،واجه المعارضة،كناطق رسمي يأسم الحرس القديم مطالبا بالانضباط،الانضباط الان،ودائما،والذي سيكون احد الاسلحة الاشد مضاءا،التي ستستعمل ضده،وسيغدوا واحدا من ضحايا الانضباط، التي ستسحقه اولا وسيعقبه الاخرون!!............................................
..............................................................................................................................
يتبع...
وعلى الاخاء نلتقي...

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات