|
أبناء الكادحين ضحايا دائمون للسياسة التعليمية الرجعية
حزب الكادحين في تونس
الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 15:22
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
سجل شهر سبتمبر 2013 انطلاق السنة الدراسية 2013 ـــ 2014 بالتحاق حوالي مليوني تلميذ وتلميذة بمقاعد الدراسة ، إلى جانب مئات الآلاف من الطلبة والطالبات إضافة لآلاف المدرسات والمدرسين والإطارات التربوية في ظلّ أزمة اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة خانقة من شأنها أن تنعكس سلبا على أوضاع التلاميذ والطلبة والمدرّسين لتزيد في تفاقم مشاكلهم العالقة والتي لم تجد طريقها للحلّ . سننطلق في البداية من استعراض أهمّ المشاكل التي يتعرّض لها التلاميذ في الأرياف خاصّة بالجهات التي ظلّت إلى حدّ الآن مهمّشة من شمال البلاد إلى جنوبها . هذه الجهات التي تنعدم فيها البنية التحتيّة وكذلك وسائل النقل، يضطر فيها التلاميذ وفي ظروف مناجيّة صعبة إلى قطع ما بين سبعة إلى عشرة كيلومترات للوصول إلى المدرسة التي تكون في أغلب الأحيان آيلة للسقوط نتيجة لانعدام الصيانة وغالبا ما تكثر بجدرانها الشقوق وتكون أبواب فصولها غير قابلة للغلق ، أمّا زجاج بلورها فأغلبه مهشّم، إضافة لعدم توفّر النور الكهربائي والماء الصالح للشرب وبالقدر الذي يمكّن من توفير النظافة المطلوبة . إنّ انعدام الماء في العديد من المدارس والالتجاء إلى توفيره عبر الصهاريج يجعل من تنظيف الفضاء المدرسي أمرا مستحيلا ممّا ينتج عنه ظهور العديد من الأمراض المعدية مثل مرض " البوصفير " الذي ظهر في السنة الدراسية الماضية في عدد من الجهات ومرض " الجرب " الذي سجل حضوره الغير منتظر بإحدى المدارس الإعداديّة بالقصرين وبماطر من ولاية بنزرت فضلا عن داء "الكلب" وهي أمراض اعتبرناها قد انقرضت وولّت دون رجعة . إنّ البنية التحتيّة المهترئة بالأرياف وفقدان وسائل النقل المنتظمة وكثرة الغابات والأودية ترهق التلاميذ الذين يلتحقون بفصولهم متأخرين ممّا يؤثّر سلبا على مستواهم الدراسي وكذلك الشأن بالنسبة للمدرّسين الذين يضطرون في العديد من الحالات للتغيّب أو مباشرة أعمالهم بشيء من التأخير ممّا يحدّ من مردودهم البيداغوجي . إضافة لذلك، فإنّ هؤلاء التلاميذ لا يتمتّعون بنفس الحظوظ التي يتمتّع بها بقيّة زملائهم في الجهات الأخرى، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، نجد أنّ الإعلامية هي من بين المواد المبرمجة للتدريس، غير أنّ عدم تجهيز بعض المدارس بالكهرباء وعدم توفّر أجهزة الإعلاميّة وكذلك الأنترنات لا يمكّنهم من دراسة هذه المادّة ، زد على ذلك الاكتظاظ المسجل في بعض المدارس وعدم توفر المقاعد اللازمة في الفصل ( جلوس 4 تلاميذ جنبا إلى جنب في طاولة واحدة مما يعيق حركتهم ) أو تدريس مستويين من التعليم بواسطة مدرس واحد وفي نفس الفصل ( السنة الأولى مع الثانية ، السنة الثالثة مع الرابعة والسنة الخامسة مع السادسة ) و يتنتج عن ذلك تدني المستوى التعليمي لهؤلاء التلاميذ الذي يكون سببا مباشرا في حرمان العديد منهم من الالتحاق بالمدارس والمعاهد النموذجيّة ، كما يتجلّى أيضا في نتائجهم الضعيفة والمتوسطة عند انتقالهم للدراسة في المدارس الإعدادية أو الثانويّة . و يعانى إطار التدريس أيضا من العديد من المشاكل العويصة في مثل هذه المدارس خاصة تلك التي لا يتوفر فيها النور الكهربائي والماء الصالح للشرب والسكن، فيصبح العمل فيها غير مرغوب فيه وغالبا ما يتمّ إرسال المنتدبين الجدد إليها مع افتقار هؤلاء في سنواتهم الأولى للتجربة التي تكسبهم حسن تأطير التلاميذ ممّا يؤثّر سلبا على المستوى التعليمي للتلميذ، فأغلب المدرّسين يعتبرون تواجدهم في مثل هذه المدارس مجرّة محطّة قصيرة تنتهي بنقلتهم إلى أماكن أخرى تكون فيها ظروف التدريس والإقامة أحسن. و الضحيّة في كلّ هذه الظروف الصعبة هم التلاميذ الذين يضطر العديد منهم إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة ليكون فريسة للبطالة أو لبعض الأعمال المهينة . تلك هي وضعيّة التعليم في الريف التونسي الذي مازال يعاني من مشاكل مزمنة لم يتمّ إلى حدّ الآن السعي بكلّ جدّية لحلّها أو الحدّ منها بما ييسّر عمل الإطار التربوي ودراسة التلاميذ . أمّا في المدن، فإنّ مشاكل عدم صيانة المدارس وغياب التجهيزات الضرورية (الكراسي والطاولات) بالقدر الكافي تسجّل حضورها في المدارس الابتدائية والإعداديّة والمعاهد الثانويّة على حد السواء، إلى جانب الاكتظاظ المبالغ فيه (ما بين 36 و40 تلميذ في الفصل الواحد) وإثقال كاهل التلميذ بالطلبات المجحفة خاصّة مع ارتفاع تكاليف مستلزمات الدراسة بارتباط بالزيادات في أسعار المواد المدرسيّة التي تمّ إقرارها في بداية هذه السنة إذ ذكرت بعض الإحصائيّات أنها تصل إلى 230 دينارا للتلميذ الواحد وكذلك النقص في إطار التدريس وهي مشاكل تمّس المدينة والريف ، إلى جانب الفوضى التي أصبحت تعمّ الفضاء التربوي والذي نتج عنه تعرض العديد من التلاميذ وكذلك المدرسين إلى الاعتداء بالعنف الشديد الصادر عن أطراف غريبة عن المدرسة أو المعهد . كما أن إنشاء العديد من المدارس الإعداديّة والمعاهد الثانويّة في أطراف المدن ساهم بدوره في استفحال المشاكل التي يتعرّض إليها التلاميذ و المدرسين والإطار التربوي بخصوص التنقل الذي يثقل كاهل الجميع بمصاريف إضافيّة مع افتقار جلّ المدارس الإعدادية والمعاهد الثانويّة لقاعات مراجعة تأوي التلاميذ في أوقات فراغهم وتجنبهم التسكّع خارج أسوار المؤسّسة التعليميّة وتحميهم من المتربّصين بهم . ورغم أن العديد من التوصيات أكّدت على ضرورة التقليص من الساعات الفارغة (les heures creuses) كحلّ لحماية التلاميذ من المخاطر التي تهددهم، فإنّ أغلب المؤسسات التربويّة لم تأخذها بعين الاعتبار ممّا جعل أغلب التلاميذ والتلميذات يقضون الساعات الطوال بين الأشجار في المدارس والمعاهد التي توجد في أطراف المدن وفي المقاهي وقاعات الألعاب بالنسبة للمؤسسات التي توجد داخل المدن ممّا يؤثّر سلبا على العديد منهم الذين يتمّ تجنيدهم من طرف بعض العصابات لترويج المخدرات والسرقة أو الالتحاق بصفوف التيارات الظلامية لدمغجتهم وتدريبهم ثمّ إرسالهم للقتال سواء في سوريا أو أيّ بلد آخر بينما يتم الدفع ببعض التلميذات إلى الانخراط المبكر في البغاء والإدمان على الكحول والمخدرات أو الالتحاق بجهاد النكاح . أمّا بخصوص البرامج التعليميّة وخاصة المتعلّقة منها بالتعليم الابتدائي فهي الفوضى بعينها إذ لا رابط بينها سوى إثقال كاهل التلميذ بكثرة الكتب والكراسات التي يجهد نفسه يوميّا في جرّها ما بين البيت والمدرسة دون أن يفقه مضامينها ومحتوياتها ، وقد يعتريه في بعض الحالات شعور بالغربة وهو يدرس خاصّة مادّة الفرنسيّة ، هذه المادّة التي لا تصوّر له واقعه المعاش بل تقحمه في واقع آخر (الواقع الفرنسي ) وتسوّغه له على أنّه الطريقة المثلى للعيش . وكذلك الشأن بالنسبة للغات الأخرى وبالتحديد الأنقليزيّة . كما أنّ البرامج التعليميّة الحاليّة بحكم كثافتها لا تمكّن التلميذ من إجادة القراءة والكتابة بل تقدّم له خليطا من المعلومات سرعان ما تغيب عن ذاكرته بانتهاء السنة الدراسية إذ يصبح بمثابة الآلة في تعامله مع دروسه، بينما يعاني كثيرا وعلى مدى كامل مراحل تعليمه من بعض الأبجديات ( مثل رسم الهمزة والتاء المفتوحة والمربوطة وغيرها من الأخطاء الشائعة...) . إنّنا لم نتمكن من استعراض كافة المشاكل لتعدّدها وتنوّعها بل أتينا على البعض منها والتي نعتبر أنّها تمثل السبب الرئيسي لانقطاع حوالي 100 ألف تلميذ وتلميذة عن الدراسة في السنة الفارطة وربما كان العدد أكبر ممّا تمّ التصريح به خاصّة في ظروف اتّسمت بظهور العديد من الأصوات الداعية لمقاطعة التعليم بالمدارس والمعاهد والجامعات لأنّ البرامج التي يتمّ تدريسها تتنافى حسب زعمها مع تعاليم الدين الإسلامي والشريعة عدم الفصل بين الذكور والإناث في المؤسسات التعليميّة . أمّا التعليم العالي ، فإنّ أغلب المشاكل التي يعاني منها أبناء الكادحين هي السكن باعتبار تخلّي السلطة عن دورها في توفير السكن لكل الدارسين بالمراحل العليا من التعليم، وهو ما نتج عنه ازدهار لسوق المضاربات الخاصّة بالسكن الجامعي ارتفعت معه معاليم الكراء سواء بالنسبة للمبيتات الخاصة أو المحلات السكنيّة الأمر الذي مثل عائقا تمام التحاق العديد من الطلبة والطالبات بمعاهدهم العالية أو بكلياتهم لمواصلة دراستهم مما دفع بعضهم إلى المرابطة يوميّا بديوان السكن الجامعي أملا في الظفر بمبتغاهم ومنهم من أصبح يقضي لياليه بالحدائق العموميّة . إنّ المهدّدين بالانقطاع عن الدراسة نتيجة عدم تمكنهم من الحصول على سكن جامعي هم بالتحديد أبناء الكادحين والمفقرين والجهات المحرومة التي ازدادت تهميشا إثر انتفاضة 17/12/2010، فأبناء الأغنياء أغلبهم يدرسون في أوروبا وأمريكا ومن بقي منهم في تونس إمّا أنّه يزاول دراسته بالمعاهد والكليات الخاصة التي توفّر له السكن من فئة أربع نجوم أو متسوّغ لمحلاّت سكنيّة فاخرة ما دامت إمكانياته الماديّة تسمح له بذلك . وبنات و أبناء الكادحين هم وحدهم من يتجرّعون المرارة تلو المرارة نظرا للصعوبات الكثيرة التي تعترضهم والتي تكون في الغالب سببا مباشرا في انقطاعهم عن دراستهم وحتّى من توصّل منهم إلى مجابهة هذه الصعوبات والتغلّب عليها وإنهاء دراسته بنجاح فإنّ سوق البطالة في انتظاره لينضاف إليها كرقم جديد . إنّ التعليم العمومي يتعرّض اليوم إلى العديد من المعضلات كانت بداياتها ظهور التعليم الخاص الذي انتشر بصفة لافتة للنظر إذ شمل كل المراحل التعليميّة من الابتدائي إلى الإعدادي فالثانوي وصولا إلى التعليم العالي مع أفضليّة في تشغيل خرّجيه، بينما غزت المدارس القرآنية العديد من الفضاءات وأصبح التعليم الزيتوني مستقلا بذاته رغم وجود كلية الشريعة وأصول الدين . و لن تجد مشاكل التعليم القديمة والجديدة الحل الجذري لأنّه ليس من مهام الحكومة الحاليّة ولا الحكومة التي يتمّ التحاور بشأنها ولا أيضا الحكومة التي سيتمّ تكوينها إثر الانتخابات المرتقبة طالما لم يتغير النظام القائم وتتغير بذلك السياسات الحاليّة المتبعة في مجال التعليم. غير أنّه بالإمكان حلّ البعض منها شريطة تكوين حركة تلمذيّة مناضلة وقادرة على تجميع كافة التلاميذ وتأطيرهم وقيادتهم للدفاع عن مطالبهم المشروعة وأهمها مجانيّة التعليم في كامل مراحله وكذلك الشأن بالنسبة للطلبة الذين عليهم أوّلا افتكاك الإتحاد العام لطلبة تونس من القوى الإصلاحية التي تهيمن عليه منذ سنوات وتطهيره من الانتهازية ورص صفوف الطلبة وتوجيهم في اتجاه الدفاع عن مطالبهم المشروعة وأهمها توفير السكن الجامعي لكل الدارسين مع تمكين الجميع من استكمال دراستهم في مراحلها العليا وإحداث المعاهد العليا والكليات في كل الولايات وتوفير المطاعم الجامعيّة بالقدر الكافي مع تحسين الأكلة المقدّمة للطلبة والترفيع في المنح الجامعيّة في ارتباط بارتفاع الأسعار وتوفير النقل بصفة منتظمة . و لا شك إنّ عمليّة التنسيق بين الحركة التلمذية والحركة الطلابيّة أصبحت من بين المهام الملحة التي على الجميع الوعي بأهميتها فلتتضافر الجهود ولتتحد الإرادة لإنجاز هذه المهمّة التي من شأنها أن تعطي دفعا معنويا لنضالات الشبيبة التلمذية والطلابية .
صدر بجريدة طريق الثورة عدد أكتوبر 2013
#حزب_الكادحين_في_تونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداعا فون غوين جياب
-
بيان حول - مؤتمر الحوار الوطني - في تونس
-
اضراب الاعلاميين في تونس
-
من قضايا الفلاحين الفقراء في تونس
-
افتتاحية العدد الجديد من جريدة طريق الثورة / سبتمبر 2013
-
عربدة أمريكية في المتوسط استعدادا لغزو سوريا
-
هل ماتت الجبهة الشعبية التونسية ؟
-
الامبرياليون يستعدون للعدوان على سوريا فليستعد العرب للمقاوم
...
-
مصر : تصدعات في بيت الإخوان المسلمين
-
شرعية السلطة و شرعية الشعب
-
الوضع في تونس الآن و بعض متطلباته .
-
بيان حول الوضع في تونس
-
بيان حول اغتيال محمد البراهمى
-
دروس متبادلة بين تونس و مصر / افتتاحية العدد الجديد من جريدة
...
-
تونس : أحداث و دلالات
-
هل يعود حزب ابن على الى السلطة في تونس ؟
-
انتفاضة في تركيا
-
دروس أول ماي / جريدة طريق الثورة
-
تونس : ماذا يحدث في جبال الشعانبي ؟ افتتاحية جريدة طريق الثو
...
-
بيان حول الاعتداء الصهيونى على سوريا
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|