|
قراءة في رواية -حزن الحرب-
سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 09:17
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ليست ككل الروايات، "حزن الحرب" او بالانكليزية "The Sorrow of War" واحدة من تلك الروايات التي لا يمكن ان ينساها القارئ بسهولة. انها تحكي قصة جندي من شمال فيتنام شارك في تلك الحرب الطويلة ضد فيتنام الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر. فبالرغم من ان الكاتب "باو نينه" قد اطلق اسم "كين" على شخصية ذلك الجندي الاساسية في روايته، الاّ انه ثمة ايحاءات كثيرة تدل على انه كان يتحدث عن نفسه هو وليس عن احد غيره، سيما وهو الجندي الذي شارك ايضاً في تلك الحرب وقتئذ. بصراحة لم استسغ طريقة كتابة الرواية في البداية. تلك الرواية التي طُبعت في فيتنام عام 1990 اول مرة وحازت على ارفع جائزة ادبية عالمية وقتها. لقد كتب نينه روايته باسلوب غريب بدا وكأنه غير مترابط اطلاقاً. كانت الرواية التي قرأتها باللغة الانكليزية (لا توجد ترجمة عربية لها حتى الآن) عبارة عن 235 صفحة من النص المتواصل. لا فصول ولا اقسام ولا عناوين ولا حتى عناوين فرعية تقسّم ذلك العمل الجبار الى نص يسهل قراءته. لم يكن هناك فاصلاً يريح النظر بل كانت احداثاً تتلوها احداث ونصاً واحداً كاملاً مكتوباً على صفحات بيضاء. تعمّد الكاتب في عدم تقسيم روايته بعناوين او فصول، بل تعمّد ايضاً الى الغموض والانتقال السريع ما بين احداث الماضي والحاضر والمستقبل دون تنبيه القارئ الى ذلك، حتى انني في بعض الاحيان فقدت التركيز ولم اعد اعرف هل "كين" يتحدث عن حدث ماض ام عن لحظته الراهنة. ليس هذا فحسب، بل تعمّد الكاتب ايضاً الى عدم اكمال قصصه المتعددة عن معارك "كين"، اذ كلما بدأ "كين" بسرد قصة ما، قطعها بعد هذا وانتقل الى اخرى دون ان يكمل اياً منها. عملية مملة ومزعجة كدت اترك قراءة الرواية بسببها حتى وصلت الى منتصفها تقريباً لارى الكاتب قد عاد الى اكمال كل تلك القصص شيئاً فشيئاً. تركها غير مكتملة ليعود لها في النهاية وينهي تلك القصص واحدة بعد الاخرى وبنفس تسلسلها. انه اسلوب ما بعد الحداثة في كتابة الرواية. اسلوب يبدو مملاً لكن نينه وظّفه بشكل رائع في صناعة الحبكة وتقديم سرد محترف عما كان يجري في جبهات القتال اثناء الحرب الامريكية الفيتنامية.
لا يمكن تصنيف الرواية على انها رواية سياسية لان الكاتب لم يتطرق ابداً الى السياسة. لم يمجّد تواريخ معينة ولا اشخاص محددين. حتى "هو شي منه" الزعيم التاريخي الفيتنامي اثناء تلك الحرب، لم يأت الكاتب على ذكره اطلاقاً. لم يتغنَّ بانتصار "ابريل 1975". ذلك الانتصار التاريخي الذي حققته حكومة فيتنام الشمالية الشيوعية بدخولها عاصمة الجنوب "سايغون" وتوحيد البلاد في دولة واحدة موحدة بعد انسحاب القوات الامريكية منها. ربما هذا هو السبب وراء منع الرواية من التداول في تسعينيات القرن المنصرم من قبل الحكومة الشيوعية. ربما ايضاً لان باو نينه لم يستخدم تلك اللغة الايديولوجية التي يستخدمها الفيتناميون حتى الآن، لغة تمجيد الحرب والانتصار على امريكا. لغة الانتشاء بروح النصر دون النظر الى كلفة الحرب. ما كان يهم نينه هو "الحزن" والاسى التي تركتها تلك المعارك في نفوس الفيتناميين ومقاتليهم. اشباح واحلام ورؤى وامراض نفسية ترافق اليوم ذلك الجيل من المحاربين. لم يعد كل منهم طبيعياً مثلما كان. الكل اسير للحظات العنف وضرب الخناجر في غابات فيتنام المترامية. صورة بشعة وعنف دموي مخيف حاول نينه تصويره ببراعة ونجح. من اجل ماذا؟ لا شيء سوى القتال بالنيابة عن معكسر شيوعي روسي لمواجهة المعسكر الرأسمالي الامريكي. الشيوعيون في شمال فيتنام والليبراليون في جنوبه. تدعم امريكا وبريطانيا وفرنسا الجنوب "سايغون"، في حين تدعم روسيا والصين الشمال "هانوي". تلك هي الرواية عند نينه، وما هؤلاء المقاتلون الابطال الاّ وقود حرب لهذين الطرفين فقط.
كانت الحرب التي يراها الفيتناميون "مقدسة"، مجرد فائدة وربح للسياسيين واصحاب الكروش الكبيرة في اعين باو نينه. لا شيء يهمهم سوى الاموال والدفاع عن ايديولوجيا دولة مجاورة. لا شيء يهمهم من هذا سوى جني الالقاب والاوسمة. تباً "لمهنة القتل" التي اصبحت وظيفة ملازمة للانسان. هكذا يسمّيها باو نينه.
لقد خسر "كين" العائد من الجبهة امه واباه، واصحابه ورفاقه واصدقاء طفولته، وفوق كل هذا خسر الاجمل في حياته وهي حبيبته "فونغ" التي كان يعشقها حد الثمالة. خسر نفسه ايضاً لانه فقد حياته في صورة الماضي الدموي. كل هذا بسبب تلك الحرب البائسة.
ثيمة البؤس والحزن والمعاناة تطغى على ذلك السرد القصصي الجميل الذي لم يجرؤ نينه على ان يكتب روايةً اخرى بعدها. لقد قالها بصراحة لا استطيع ان اكتب رواية بمستوى "حزن الحرب" مجدداً. بالفعل لم يكتب اي عمل بعد هذا العمل اطلاقاً. هي رواية واحدة فقط جعلت من اسم المؤلف "باو نينه" عَلَمَاً في سماء الادب الفيتنامي والعالمي.
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باب علي وضلع الزهراء
-
بَعْلَزْبول برلماني
-
في قضية مقاهي الكرادة
-
سلطة اللاسلطة
-
لماذا احمد وليس محمد؟
-
اشكالية الحَسَد بين الخرافة والقرآن
-
بين الاخْوَنة والدَعْوَنة
-
محمد حنش .. سطر جديد في كتاب الدراما العراقية
-
ديمقراطية الطوائف
-
في قضية البند السابع
-
نصوص التأويل والعنف الرمزي
-
الحكيم .. سلالة عقل
-
شعراء -القنادر-
-
لو كان هنا اويس لعَرَفَ كيف يدعو
-
اختلاف ابراهيم الصميدعي ومغايرة سرمد الطائي
-
كيف فاز المالكي مرة اخرى
-
شندلر لست
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - ا
...
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 5
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 4
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|