|
الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 00:19
المحور:
المجتمع المدني
الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
أنا من هواة الأفلام على اختلاف أنواعها، و تستهويني منها بالأكثر أفلام الخيال العلمي فلسفية الطابع، و أستمتع أيضا ً بتلك التي يطبعها الأكشن بصبغة تشويقية، و من ضمن هذه الأفلام تلك المختصة بتوصل المجتمعات إلى صيغة أخلاقية كبيرة لا تسمح و لا تقبل بوجود العنصر الإجرامي فيها و تقوم بنفي عتاة المجرمين إلى كواكب بديلة عن الكوكب الأم تخدم كسجون لهم لا يستطيعون الخروج منها و بذلك تتخلص من أذاهم دون قتلهم حافظة ً إنسانيتهم.
و بعض الأفلام تقدم لنا وصفا ً لهذه الكواكب الساجنة حيث يـُكون المجرمون فيها مجموعات تحميهم من بعضهم البعض و تتخصص كل مجموعة منها بمنطقة و تتميز بأسلوب و طريقة عمل و لها كبير و أتباع تتنوع مهاراتهم الإجرامية ما بين التخطيط و السرعة و مهارة التنفيذ و الوحشية.
الجنون السابق حقيقي على أرض الواقع، و هو يأخذ شكله و أبعاده كاملة ً في الوطن العربي، لدينا هؤلاء المجانين بالفعل و هم فاعلون و مؤثرون و يجبرون مجتمعاتنا على تغير قناعاتها و هوياتها و طرق معيشتها لتحمي نفسها منهم أو تسقط في أيديهم، هؤلاء الناس يعيشون إرهابين و قتلة في العراق و سوريا و سيناء و ليبيا و تونس و الصومال، هنا على الكوكب المسمى "الوطن العربي".
حق لنا أن نقول أنه كوكب آخر، قريب من كوكب الأرض، لأن هناك على مقربة ٍ منا في كوكب الأرض دول تعيش بسلام لا تعرف القلاقل و لا النزاعات و لا الحروب، لا تسأل موطنيها من أين أصولهم التاريخية و ما هي دياناتهم و مذاهبهم داخل الدين الواحد، لا تُعرِّفهم بخصائصهم الإثنية أو المذهبية لكن بحقوق المواطنة، هناك على كوكب الأرض دول ٌ تفهم أن البشري البنيآدم هو شئ واحد اسمه: إنسان، و أن هذا الإنسان له نوعان هما:ذكر و أنثى، و النوعان هما إنسان، لا يعلو نوع فوق الآخر و لا يضطهده و لا يقمعه و لا يشعره بدونيته و لا يُشرِّع له ضد الآخر.
على كوكب الأرض القريب منا هناك شعوب ٌ لديها شئ ٌ غريب اسمه: الحرية، هذا الشئ العجيب معناه أنه يمكنك أن تفكر بكل حرية و تقول رأيك في كل شئ بكل حرية و أن تعيش بكل حرية فلا يتدخل فيك أحد، و معناه أنه يمكنك أن تكتب في أي موضوع و تؤلف أي كتاب و تنتقد أي فكرة، و توفر لك الدولة الأمان و الحرية و حق النقد و حق الاختلاف، و يمكنك أيضا ً أن لا نؤمن بشئ إن أردت، و يمكنك أن تنتقد الإله و الدين و الحاكم و السلطة و القانون دون أن تُسجن أو تحاكم بتهمة ازدراء الأديان.
على كوكب الأرض القريب منا الناس مشغولة بعقيدة اسمها: الإنتاجية. هذه العقيدة معناها أن المجتمع يتوقع من الإنسان أن يكون له مُخرج يُساهم في بناء المجتمع و الدولة، و حتى يستطيع هذا الكائن البشري على ذاك الكوكب الأرضي القريب منا أن يُنتج تعطي الدولة هذا الكائن البشري الفضائي حقوقه في التعليم و الصحة و السكن و تسخر نفسها له حتى يستطيع أن يسخر نفسه لها.
على نفس الكوكب المتاخم لنا و هو كوكب الأرض هناك صناعات و هناك اختراعات و هناك اكتشافات في العلم و الطب تساعد على فهم الحياة و جعلها أفضل و أسهل و أحلى ذات مذاق ٍ أروع، و هناك أدباء و فنانون و كتاب و رواة و منتجون سينمائيون يفعلون بالمؤثرات السينمائية ما يرويه لنا رواة قصصنا التي ورثناها عن السحرة و الجن و العفاريت.
أما على كوكبنا هنا فنحن نُتقن فن الأنساب و نسأل الجار عن دينه و عن مذهبه و عن مسقط رأسه و مكان ولادته و المسجد أو الكنيسة التي يصلي فيها، و نستعلم عنه من خلال معرفتنا بأبيه و أخيه و أمه و جده و عمه و خاله و أقربائه و أنسبائه فهذه الأشياء على كوكبنا العربي لها أهمية كبيرة.
على كوكبنا العربي ظاهرة مُبهرة و هي ازدواجية ولائنا، فإلهنا له قانون ديني و دستور إلهي و مجتمعنا له قانون آخر و دستور ثاني و نحن بعبقريتنا نستطيع أن ندمج بين ولائين الأول لإلهنا و الثاني لدولتنا، و هما لا يتناقضان NO أكيد لأ، لكن هما يتكاملان، أما حينما يتناقضان فنحن نعلن الولاء لكليهما، فنزور المسجد أو الكنيسة و نؤكد لله الولاء، و نخضع للدولة في كل شئ آخر و نؤكد لها الولاء، و لا تناقض، هذه الخاصية العبقرية ننفرد فيها نحن و لا يستطيع المساكين في كوكب الأرض القريب منا أن يمتلكوها فهم لا يفهمونها أصلا ً.
هنا في كوكب الوطن العربي ميليشيات ترفع السلاح في وجه الدولة و تجد لها مؤيدين، لأن المشايخ قالوا أن دستور الله يقول أن هؤلاء الناس يعملون لخير المجتمع حتى عندما يفجرون الناس و الأسواق و ييتمون الأطفال و يرملون النساء و يشوهون الشيوخ و يقتلون الرجال. و مؤيدوهم أشخاص وطنيون حتى النخاع يزمجرون إذا اتهمتهم بأنهم خونة أو غير وطنيون، فكيف يكونون خونة و هم المخلصون لله و الوطن و أتباع المشايخ و السلف الصالح؟
في كوكب الوطن العربي ينتشر الفصام الثنائي أو الثلاثي أو العشريني لا فرق، فكل شخصية و قناعتها هي صحيحة خاصة قائمة بحد ذاتها لا علاقة لها بالشخصيات الأخرى و لا تتعارض معها في شئ، هنا الهذيان الذهاني و تشويه الواقع أمور طبيعية يمارسها أشخاص ٌ طبيعيون هلاوسهم البصرية و السمعية و الفكرية مُباركة بفتاوى تؤكد حلالها و زلالها.
في كوكب الوطن العربي المرأة سلعة لا شأن لها بنفسها أو مستقبلها، و هي تحت الوصاية الدائمة و يتحدد سعرها بحسب قدرة الوصي على رعايتها، و مع ذلك هي أشرس مدافعه عن سجانها و بائعها، و تشعر أنها الجوهرة المصونة و الدرة المكنونة، و لوثتها العقلية هي ختم عفتها و شهادة جودتها أيزو عشر ملاين و شحطة.
ماذا نقول، هل بقي شئ، هل أبقيتم لنا شئ؟
هل غضبتم، إشربوا من الهندي و الأطلسي و الأسود و الأحمر و المتوسط و الميت و قزوين، ثم اضجعوا في أسرتكم و أحكموا الغطاء على أمخاخكم و رددوا قبل النوم "إحنا أحسن ناس" مئة مرة و ستشعرون بتحسن بمجرد أن تنغلق أجفانكم.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نجيب محفوظ – ما بين الفينامولوجيا و الأنثروبولوجيا الدينية و
...
-
حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً
-
-أعطني لأشرب- – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.
-
ثرثرة في الثورة المصرية
-
ظاهرة التحرش بالفتيات – بين نظرة المجتمع، التشخيص و الحلول.
-
التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية
...
-
التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية
...
-
عقل العربي – جولة في مساحة الاطمئنان كردة فعل على العجز
-
نظرة للإعلانات التسويقية المتلفزة و علاقتها بالنمط الاستهلاك
...
-
السلطان شرف الدين – احتكار الله و استعباد البشر – بين الانفص
...
-
مسيرة المسجد الحسيني– خليط التعاطف المذهبي و تجاوز الدولة كم
...
-
المرأة كملكية ذكورية – ما بين جرائم الشرف و إعفاء المُغتصب ش
...
-
تمثيل ُالوحي داخل الحواس – رحلة الله و الناس
-
فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما
المزيد.....
-
وزير الاقتصاد: القطاع الخاص الفلسطيني ركيزة أساسية في تنفيذ
...
-
فيديو.. أسرى محررون يروون ثلاثية -التعذيب والتجويع الإذلال-
...
-
المغرب.. اعتقال منفذي عملية اختطاف سيدة بطريقة -هوليودية-
-
سوريا.. إلقاء القبض على مسئول أمني سابق ارتكب جرائم قتل وتعذ
...
-
معاناة الأسرى المفرج عنهم بسبب التعذيب والتنكيل داخل سجون ال
...
-
الجزيرة نت تفتح ملف المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني
...
-
المرسوم الرئاسي وملف الأسرى
-
عدالة القضية الكردية وتطلعاتها المشروعة
-
صمود المقاومة أركع العدو الصهيوني الأميركي مجددا في صفقة الأ
...
-
وكالة الاونروا: 40 ألف فلسطيني اجبروا على مغادرة منازلهم بال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|