بعد مخاض عسير صدر قرار مجلس الأمن ، ما يهم الشعب العراقي في هذا القرار هو تفعيل قرار مجلس الأمن 688 ، حيث يفسر الإشارة إلى تطبيق هذا القرار ضمن القرار الأخير من أن القرار اليتيم الذي ينصف الشعب العراقي قد اصبح ضمن المادة الفصل السابع من الميثاق الدولي ، و بذلك يصبح القرار ملزما ، مما قد يؤدي إلى محاكمة رموز النظام أمام محكمة دولية .
وينعقد بعد أيام اجتماع المعارضة العراقية ، والمنطقة مقبلة على أحداث جسام وتطورات قد تخلط أوراق كثيرة ، وقد يسبق هذه كلها حدوث تطورات دراما تكية داخل العراق كانقلاب القصر أو تنازل الدكتاتور عن السلطة لولده ، و تشير كل الدلائل بان الطاغية سوف يستجيب للقرار الأخير فقط من جهة التفتيش عن الأسلحة حتى و إن جرى تفتيش مخادعه ، لأنه يحب الحياة على حساب شعبه لذا نجده جبارا على العراقيين و جبانا أمام الآخرين .
في هذا الظرف العصيب يستوجب فتح كافة الملفات الملتهبة لأن ممارسات السلطات العراقية المتعاقبة ، والتدخلات الإقليمية في الشأن العراقي ومن أخطرها التدخل التركي ، التي تعتبر (ولاية) الموصل من ضمن ممتلكاتها وتخصص لها في ميزانيتها السنوية ( ليرة واحدة ) ، لها مدلولاتها الخطيرة على مستقبل العراق ووحدة شعبه ، والبعض منا ما زال يجامل ويطلب التروي والحذر ، أحقا لا يستطيعون المقصرين منا ذكر المسميات بأسمائها و على حقيقتها ، كأنهم لا يرون الخطر الجاثم فوق رؤوسنا وبعد أن دخلوا في بيوتنا وفي ثيابنا يطالبنا هذا البعض بالسكوت .
إن الظروف الصعبة التي مرت بالعراق وخاصة في عهوده الأخيرة ، وكذلك الأطماع المحدقة بالعراق من بعض دول الجوار، كل هذه العوامل أفرزت جملة من المشاكل والعقبات الكثيرة والعديدة والمتنوعة أثرت سلبا في مسيرة شعبنا ، وتركت بصماتها في مختلف مجالات حياة شعبنا ، ففي المجتمع العراقي هناك تعثر في الحالة الاجتماعية ، وحصل نوع من التفكك في النسيج الاجتماعي للفرد والمجتمع ، نتيجة التوزيع غير العادل للفرص بين المواطنين ، وفي المسألة السياسية هناك القصور الكبير في المشاركة الديمقراطية ، لذا يكون من الضروري على المعارضة العراقية والقوى الحية في المجتمع العراقي ، أن تأخذ هذه المسائل حيزا واسعا من جهودهم ، ولا ننسى تعثر المسألة الاقتصادية وما يعانيه المواطن من ظروف معيشية صعبة جدا ، ناهيك عن تحطم البنية التحتية للاقتصاد العراقي ، وهناك أيضا التعثر في المسألة الوطنية وكذلك القصور في المسألة الحضارية ومتطلبات القرن الواحد والعشرين .
إن ما دار و يدور من جدل حول هذه الأوضاع على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي ، فيه معاني عديدة ومتنوعة لذا يجب أن نكون حذرين ، ويجب أن لا تجعلنا الاجتهادات في الرأي خارج الشعور بالمخاطر الجدية ، والخطورة تكمن كما أسلفنا في قراءة مزدوجة للتدخلات الإقليمية والتهرب من العمل لإسقاط تبريرات حجج هذه التدخلات ، ويجب أن نبتعد في المسائل المصيرية عن ضيق التفكير وعن المصلحية أو التشفي من الآخر لأسباب تكتيكية ، فالذي يرفض التدخل الإيراني عليه أن يرفض بنفس القوة التدخل التركي ، وآلا تصبح هذه الحالة ظاهرة خطيرة في مستقبل بلدنا ، قد تتصور غدا إيران أن من حقها الدفاع عن الشيعة ، ويكون على هذا القياس من حق الدول العربية المجاورة التدخل للدفاع عن السنة ، فإذا لم يتم ردع التدخلات ، سوف تخلق جرحا وشرخا عميقا في الفسيفساء العراقية ، و تكون نتائجها كارثية على بلدنا وعلى مستقبله كوطن وككيان موحد ، ويجب أن يخرج صوتنا عاليا ومدويا و برؤية واضحة المعالم ونقول أن التدخل في الشان العراقي خط احمر لا يجوز السكوت عنه ، وترجمة ذلك إلى خطوات عملية وتحريك الرأي العام لنستطيع إزالة الألغام الموجهة ضد شعبنا ومؤسسات دولتنا ، ونعترف بان هناك توجهات ومطامع خطيرة تتشابك على ارض العراق ، حيث ربط النظام العراقي مصالح بلدنا مع بعض القوى الإقليمية والدولية لغرض الاستمرار في الحكم ، بحيث أصبحت بعض الدول راس رمح للدفاع عن النظام ، لذا يجب العمل اليوم قبل الغد سد كل الثغرات التي يمكن الآخرين التدخل من خلالها في شؤوننا .
إن إدعاء الساسة الأتراك وجود هواجس لديهم من إقامة دولة كردية ، أو التدخل لحماية الاخوة التركمان ، هي حجج واهية لا تستند على أسس واقعية ومنطقية ، الأكراد يجاهرون ليل نهار بأنهم ليسوا مع إعلان الدولة الكردية في العراق ، واختاروا الحل الفيدرالي والعيش المشترك في العراق مع الأطياف العراقية ، ودخلوا في اتفاقيات وتحالفات عديدة مع قوى عراقية على أساس هذا الطرح ، والاخوة التركمان تعرضوا للاضطهاد والتهجير من على يد النظام العراقي أسوة ببقية الشعب العراقي ، ولم تتحرك الحكومة التركية للدفاع عنهم ، بل وأصبحت علاقاتها امتن وأقوى مع النظام العراقي ، لذا نعتبر بان النظام التركي لها غايات ومطامع أخرى حينما تسوغ مثل هذه الحجج ، ولا يمكن درأ الخطر إلا بتكاتف الجهود و بالعمل الدؤوب وبالأفكار الخلاقة والنوايا الحسنة وعدم الانجرار وراء المخططات واتخاذ المواقف السليمة من القضايا الوطنية لما فيه خير الوطن والمواطن .
أوربا دخلت حربين ضروسين وفيها دول وشعوب ولغات وأجناس عديدة ، تعمل جاهدة لمزيد من التوحد ورفع الحواجز بين شعوبها ودولها ، بل هناك حوارات ثقافية وحضارية في مجتمعاتها لالتقاء الأديان والمذاهب ، فلماذا لا نتوحد نحن العراقيون ؟ ولا سيما العرب والأكراد ، وعلاقاتنا التاريخية المشتركة تزيد على 14 قرن ، ولنسأل أنفسنا كم دفنا معا جثث شبابنا ورجالنا وأطفالنا .
الحريص على شعبه ووطنه يبعد الرعب والخوف من أجواء مجتمعه ، ويصون كرامة الإنسان بتفعيل حقوقه ، لنتعلم كيف نقول ونتقبل الحقائق دون خوف ووجل ، ماذا نجني إن ملكنا الدنيا وخسرنا أنفسنا ؟ ، لنلغي الاستثناءات كلنا جميعا ومعا ، العلماني والديني القومي والوطني ، ليكون شعارنا المساواة لجميع الذين يعيشون تحت راية العراق ، ومن لا يؤمن براية العراق فانه ليس منا وليس له حصة في الخيمة العراقية ، ويجب أن يكون حوارنا متحضرا بعيدا عن أجواء المهاترات والتوترات والمبالغات ، ليكون هذا الحوار إدانة لكل ممارسة خاطئة حدثت وتحدث ومن أية جهة أتت ، لنشارك جميعا في المسؤولية وتحمل الواجب ليكون قياسا لوطنية العراقي ، والفيدرالية التي نريدها والمشاركة في حكومة المركز لنجعلها مصدر قوة للتوحد والبناء ، و حكومة المركز المشرفة على الفيدراليات يجب أن تجسد إرادة كل العراقيين ولتطبيق القانون على الجميع .
إن إزالة الألغام الاجتماعية تكون برؤية واضحة إلى عراق المستقبل ، والتمسك بالجماعية السياسية أي بالحرية السياسية للجميع ، والإيمان بالديمقراطية الحقيقية يكون في التحول من مجرد السماح بالرأي والتعبير إلى فتح القنوات القانونية من اجل الفعل والتأثير ، أما الألغام الاقتصادية فلا تزول إلا بالقضاء على الفساد الإداري ، الذي برز في اجل صوره في عهد النظام الحالي ، والقضاء على الفساد الإداري يكون بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، وبتفعيل العدالة الاجتماعية وبمحاربة المغالطات التي تقول بان القوة المادية تنشئ الحق و تحميه ، لان العدالة الاجتماعية هي ليست فقط للحاكم اوأمتياز أو صيانة لرجال السلطة أو للمتنفذين أو لطبقة معينه دون الآخرين ، بل هي عدالة لجميع أبناء الوطن ، وهي بالتالي قوة وثروة للوطن ، مع الأسف نجد في صفوف حزب السلطة وفي النظام وفي خارجه أيضا من يؤمن بان اغتصاب الفرص شطارة وظفر ، ليس من العدل أن نطالب المواطنين بتحمل شظف العيش ، في حين حسابات وأموال البعض من زبانية النظام والمحسوبين عليه والمدافعين عنه من أفراد وجماعات وأنظمة تخرج بألسنتها متحدية مشاعر ومعاناة شعبنا ، من الضروري العمل الجاد لدراسة كيفية إعادة هذه الأموال للعراق المستقبل ووضع قوائم بأسماء هذه الجهات والأفراد لمسألتهم ، لأنها بالأساس هي أموال الشعب التي سطى عليها عصابة مجرمة لا ذمة لها ولا ضمير، وان الشعب العراقي تحمل الكثير من العبء ، و إذا أردنا إزالة الإحباط الاجتماعي والخلاص من واقعنا المرير وزرع البسمة و الأمل ، لا يكون إلا بتطبيق القانون وإعادة الحق لأصحابه الشرعيين ، والقذف بالعملاء والمأجورين إلى مزبلة التاريخ .
أما العمل الحزبي و السياسي ليس لباس يلبسه الإنسان ، أو قوالب جاهزة يفرض على الآخرين كما يقوم به البعثيون ، الحزب الحقيقي يؤمن بمصلحة الشعب ، من خلال خدمة شروط النجاح في خدمة حقوق إنسانية العراقي ، وبتحرك رحب الآفاق نحو الأمام بالتعاون والاتفاق مع المخلصين لمبادئ الوطن ، بحيث يصبح هذا التعاون قاعدة في ممارسة الديمقراطية ومن مفردات اليومية للعراقي في جميع مجالات حياته ، بذلك نصل إلى وضع حلول معقولة ومتوازنة ومطلوبة لمعالجة مشاكلنا ، التي تؤدي حتما إلى استقرار المجتمع والفرد اجتماعيا واقتصاديا والاهم نفسيا ، وهذا لا يتم إلا من خلال الحوار مع من يملكون القدرة على العطاء والفعل وليس مع الذين يختفون تحت يافطات غير عراقية ، والمبالغة في المطالبات لخدمة مصالح الآخرين ، المسؤولية السياسة يجب أن يتحمله من يكون نظيفا ونقيا ولديه صيانة ذاتية ضد الزلل والاغراءات ، أما الذي يريد أن يخدم في مجال صون مستقبل العراق وصنع مستقبل أجيالنا عليه تقديم ما يثبت نزاهته و حسن سلوكه وما هي تضحياته وحجمه ومقدرا ته وما يملك من الأموال والممتلكات ومصدرها قبل تحمل المسؤولية ، لان تسلم المنصب العام ليست عملية اعتباطية وجاه وتربع على الكرسي مدى العمر ، بل هي دورة ذات حلقات ديمقراطية ترفد بعناصر ودماء جديدة بين فترة وأخرى عن طريق العملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع ، أما الذين يركضون وراء الرياح الشمالية التي تهب على العراق ، فشعبنا يعرف جيدا غاياتهم .
إن بعض الأطراف الدولية والإقليمية تدفع البعض منا إلى توقعات حالمة ، والتي تصبح تربة خصبة لليأس والإحباط والخيبة ، لكي نغرق أنفسنا في حلول دون أن يكون هناك حصاد يذكر.
يجب أن نؤمن جميعا بأن المشكلات التي يدركها أصحابها ويتعاملون معها كحقيقة ودون خوف ومواربة ، هذه المشاكل سوف تحظى بالحلول المتوازنة والواقعية مهما كانت حجمها ، وقد تكون الحلول ضمن الإمكانيات وضمن الواقع المعاش ، لكنها تكون قابلة للتحقيق .
حينما نتذكر شهدائنا وقرانا المدمرة ومدننا المهدمة وحسينياتنا وجوامعنا ومزاراتنا المحطمة واهوارنا المجففة وانفالاتنا ، نتذكر مع كل هذه المآسي الذين ساهموا في تعميق جراحنا من العرب والعجم ، لذا نقول لمن في الداخل والخارج أن نكران الذات وقبول الآخر من لدن شعبنا ، ليس معناه إننا لا نستطيع أن نطلق الأسماء على الصفات ، وليس معناه إننا لا نميز الأشياء والتداعيات والغايات .
لنرسخ معا دولة القانون ليكون للقضاء كلمته ، ولنعمل سوية بإرساء الديمقراطية و حقوق الإنسان والحريات وإعلاء بنائها ، لنشيع العدالة لتكون حياتنا جميلة ، و لأن الإنسان هو جوهر الحياة ، لنوحد صفوفنا ونبني مستقبل وطننا و أجيالنا وننقذ بلدنا من الأخطار المحدقة بها ، لتتفتح الورود ولتتشابك الأيدي ولتتضامن القلوب في محبة العراق ومحبة بعضنا البعض ، لنزيل جميعا و معا البقع السوداء من على ثوب العراق الأبيض الناصع ، لكي يحتفظ عرا قنا برونقه وبريقه التاريخي ، عراق التعايش على مر العصور والقرون ، عراق العرب والأكراد وأطيافه المتحابة والزاهية ، لنثبت ذلك أمام الأصدقاء ( مع ندرتهم ) قبل الأعداء ( وما أكثرهم ) وأمام شعوب العالم ، هل نحلم ؟ كلا و ألف كلا لأننا نؤمن بإرادة الشعوب ، والشعوب هي التي تصنع سعادتها ، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون .