زاهر زمان
الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 10:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعالوا قبل أن ندخل فى الموضوع ننوه الى أن تعبير ( شديد المحال ) ورد فى الآية رقم 13 مما يسمونه سورة الرعد فى قرءآن محمد . وكالعادة ..احتار البغوى فى تفسير وتأويل معنى شديد المحال لأن قرءآن محمد حمال أوجه كما قال ابن عمه على بن أبى طالب ، فذكر الرجل بضعة تأويلات لتعبير ( شديد المِحال ) الذى يصف به محمد الاهه . واليكم ماذكره الرجل من تأويلات اجتهاديه لبعض الضالعين فى الديانة المحمدية : [ قال علي رضي الله عنه : شديد الأخذ ، وقال ابن عباس : شديد الحول وقال الحسن : شديد الحقد . وقال مجاهد : شديد القوة . وقال أبوعبيدة شديد العقوبة وقيل : شديد المكر .] الواحد محتار الحقيقة !! هل هو شديد الأخذ أم شديد الحول أم شديد القوة أم شديد العقوبة أم شديد الحقد ؟ الواحد محتار الحقيقة !! لما كلمة الحول هذه حمالة أوجه الى هذا الحد فمابالك بكل كلمات قرءآن محمد والبالغ عددها 77429 سبعة وسبعون ألفاً وأربعمائة وتسع وعشرون كلمة كما أحصاها المحمديون !! وبعدين .. شديد الحقد ؟؟!!! شديد الحقد هذه لا تشى بأى خير !!! اله !! وشديد الحقد !!! هل هو اله أم بشر ؟؟!! حتى يحقد ويكره ويحب ؟!! .. المهم تعالوا ندخل فى الموضوع .. أهدانى أحد المعلقين على مقالات المفكر الرائع سامى لبيب رابطاً لأحد المواقع التى لا هم لها الا شن حرب شعواء على الالحاد والملحدين ! ترددت قبل أن أفتح الرابط ولكن الفضول وحب الاستطلاع دفعانى الى فتحه للكشف عما وراءه ..فإذا بى أفاجىء أنه موقع اسلامى متخصص فى نشر الفكر الاسلامى وأحد أهم أولوياته هى[ الحرب ] على الالحاد والملحدين ، وكان ذلك واضحاً وجلياً فى المقال المنشور والذى أرسل الىَّ رابطه ذلك المعلق كما أوضحت آنفاً . هالنى مايحويه المقال من سذاجة وسطحية شديدة تنم عن جهل كاتب المقال بماهية الالحاد وأوضاع الملحدين لدرجة أنه عمم عليهم من الصفات مايظهر بوضوح انغلاق فكر الكاتب وجهله الفاضح بالطبيعة البشرية ، كما ينم بوضوح أكثر عن ضيق الأفق الفكرى لكاتب المقال . واضح أن كاتب المقال أحادى الفكر والمنهج ولا يعترف أو يقر بأن المنهج المحمدى ، يشكل بعض وليس كل أوجه النشاط البشرى ، نشأ فى زمن معين ومكان محدد هو جزيرة العرب ثم راح ينتشر ويتمدد خارج مكان نشأته وامتد تأثيره على حياة الشعوب والأجناس فى فترة ما من الفترات من الهند شرقاً الى المحيط الأطلنطى غرباً ثم انحسر ذلك الفكر وانحصر فى الشرق الأوسط الذى تلاقحت العديد من شعوبه مع الحضارية الانسانية الحالية والتى هى بلاشك نتاج عصر النهضة فى أوروبا بما نتج عنه من زلزلة للفكر المحمدى بشكل خاص والفكر الدينى بوجه عام فى العديد من أوجه الحياة فى الدول التى تسمى الدول الاسلامية وخاصة فى مصر التى تموج بكل أنواع الفكر البشرى من التراثى الى الحداثى !!
يقول الكاتب المحمدى الاقصائى الانغلاقى فى مقاله عن الالحاد : [ الإلحـاد ربمـا يبدو رائعـا لأول وهلة فهو يعطيك الحريـة .. يعطيـك مزيدا من الهواء والمـاء .. يعطيك صكـا مختومـا أن تفعل كل ما لا يخطر للشيطان على بال فالله غير موجود والدنيا فانية والمتعة هي أقصى غاية للإنسـان .] !!! الكاتب هنا ينطلق فى هذه العبارة من تقييم ساذج وغير واقعى ، فهو يقوم بتقديم الالحاد على أنه فوضى أخلاقية منبعها وأساسها قيام الملحد بفعل أى شىء فى سبيل التمتع بكل ماتشتهيه نفسه من متع وملذات فى الحياة من حوله ، حتى ولو قتل أو سرق أو زنى باحدى محارمه ، وذلك لأن الملحد لا يؤمن بوجود الله الذى هو من وجهة نظر كاتب المقال منبع الأخلاق الحميدة والسلوكيات القويمة التى يمارسها الكائن البشرى !!! أى أن الملحد – من وجهة نظر الكاتب المحمدى – شخص مجرد من كافة الأخلاق الحميدة والسلوكيات القويمة لأنه لا يؤمن بوجود الاله !!! الكاتب الانغلاقى يعتبر أن عدم اعتقاد الملحد بوجود اله ، هو صك مختوم – ولست أدرى مختوم من من ؟ - يتيح ويبيح للملحد القيام بكل مايتعارض مع حقوق الانسان والأعراف والقيم والمبادىء الانسانية التى توافقت عليها البشرية فى عصرنا الحاضر ، واتيان أية أفعال يرى أنها تحقق له المتعة الجسدية أو المعنوية !!! بالذمة ده كلام يقوله انسان عاقل ؟!! ناهيك عن أن ذلك الكاتب يعتقد فى نفسه أنه يدعو الى مكارم الأخلاق !!! للأسف ! معرفة الكاتب بالأخلاق ومنظومتها معرفة ضحلة وقاصرة !! الرجل لا يعرف عن نشأة الأخلاق غير أنها منظومة نزلت من السماء على موسى وعيسى ومحمد !! هذه فكرته عن منظومة الأخلاق والسلوكيات عند البشر كما لقنها له الوعاظ والشيوخ ومروجى الخزعبلات السمائية وخرابيط مؤسسى الديانات الابراهيمية الاعجازية كشق موسى للبحر بعصاه ومائدة بسلامته عيسى التى كان بها خمسة أرغفة وسمكتين فقط ، الا أنها أشبعت خمسة آلاف رجل بغير النساء , وتبقي منها بعدما شبعوا إثني عشر قفة مملوة ، وشق القمر عشان خاطر عيون محمد !!! الرجل لم يكلف نفسه يوماً قط ويتساءل أو يبحث فى كيفية تطور السلوك البشرى أو كيفية نشأة منظومة القيم الانسانية والأخلاقية عبر التاريخ البشرى ولا يعى أن تلك السلوكيات الناجمة عن معايير المنظومة الأخلاقية مرتبطة ارتباطاً تاماً بالمكان والزمان والمجتمع الذى يتبناها وأن تلك المنظومة الأخلاقية ، رغم تفاوتها من زمن الى آخر ومن مجتمع الى آخر ، الا أن هناك سمات عامة يتفق عليها كل البشر فى سائر أنحاء الكرة الأرضية ولا يشذ عنها الا معاق ذهنياً أو تربوياً أو حضارياً !!! نعم هناك قيم أخلاقية عالمية طورتها البشرية عبر أجيالها المتعاقبة ولعل أعظمها مابلوره الاعلان الأممى لحقوق الانسان الصادر فى 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 !! هناك أخلاقيات عامة لا يتجاهلها ولا يهضمها حقها سوى معاق فكرياً أو تربوياً أو حضارياً ، كحب غالبية البشر للصدق والأمانة واتقان العمل والرأفة بالبشر واحترام حقوقهم كاملة فى الحياة الحرة الكريمة وعدم فرض الوصاية عليهم أو التدخل أو التطفل أو التجسس على حياتهم الشخصية أو اضطهادهم بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة الدينية أو المذهب السياسى أو غير ذلك من الأمور التى كفلها الاعلان الأممى لحقوق الانسان !! ومن القيم الأخلاقية والتى هى واجبات حتمية ، مسئولية الآباء والأمهات عن الحرص على تربية أبنائهم وبناتهم تربية سليمة تصنع منهم ومنهن شخصيات سوية جسدياً ومعنوياً ونفسياً دون فرض وصاية فكرية عليهم أو عليهن ، ووفق مناهج تربوية تمكنهم وتمكنهن من استعمال العقل فى التفكير بحرية مطلقة دون ترهيب أو ترغيب خادع ومزيف ومعوق لاستخدام ملكة العقل فى التفكير النقدى النابع من التعامل مع العالم بواقعية موضوعية تعتمد العلم أداة لتحقيق التقدم فى شتى نواحى الحياة !!!
الالحاد ليس موقفاً عدائياً لمنظومة الأخلاق والقيم الانسانية كما يحاول كاتب المقال أن يوحى لقرائه ممن هم على شاكلة تفكيره الانغلاقى الاقصائى ، وليس صكاً مختوماً يبيح للملحد التحرر والتحلل من منظومة الأعراف والقيم الانسانية التى تحكم سلوكيات الانسان السوى تربوياً وحضارياً وانسانياً كما يزعم كاتب المقال فى عبارته اللاأخلاقية عن الالحاد . الالحاد موقف عقائدى يتمحور حول عدم فعالية أو جدوى فرض قيم أخلاقية ومعايير سلوكية على الكائن البشرى من خارجه ، بايهامه - على غير الحقيقة - بوجود رقيب عليه من خارجه يسجل عليه كل سلوكياته الخير منها والشرير ، وانما بتنشئته تنشأة تربوية سليمة تطلق ملكاته العقلية فى التفكير فى كيفية القيام بالأفعال التى تتفق والمعايير الأممية لحقوق الانسان ، وذلك وفق مناهج تربوية وضعها متخصصون فى كل فروع التربية السليمة للانسان ، لا وفق معايير تعتمد أساليب المجتمعات التى عاشت فى زمن البدو ورعاة الأغنام الذين عاشوا فى قرون ماقبل عصر النهضة !! هناك مناهج تربوية فى كل الدول المتقدمة وضعها وصاغ محتوياتها التربوية علماء فى شتى مجالات العلوم الانسانية نهنم بكيفية تنشئة الانسان الطفل وفق المعايير الدولية لحقوق الطفل وحقوق الانسان بوجه عام وتغرس فيه مجمل القيم والمثل والمعايير الأخلاقية بأساليب وطرق تدريس تنمى فى الانسان الضمير الذاتى النابع من داخله هو فيصبح صادقاً فى أقواله وفى أفعاله احتراماً لذاته هو بغض النظر عن وجود رقيب على تصرفاته من عدمه ! يغرسون فى النشىء حب العمل كقيمة للارتقاء فى الحياة تعود على الفرد وعلى المجتمع من حوله بالنفع ! يغرسون فى النشىء حب الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة للأفراد ! يغرسون فى أطفالهم كل القيم الأخلاقية والاجتماعية بواسطة أحدث المناهج التعليمية والأساليب التربوية التى تجعل تلك القيم نابعة من ذات الفرد ومنعكسة فى تصرفاته وسلوكياته تجاه نفسه وأسرته وأصدقائه وصديقاته ووطنه بأكمله وليس بواسطة قال الله وقال الرسول !! لذلك لا أعتقد أنك يمكن أن تجد مدارس حكومية فى تلك الدول المتقدمة تعتمد التربية الدينية ضمن المواد التى تقوم بتدريسها !! فنظرية التربية على أساس ( قال الله ) و( قال الرسول ) تعتمد على التراث الدينى ، والتراث الدينى كما فيه أشياء رائعة وجميلة وتتفق مع المعايير الأممية لحقوق الانسان ، فيه أيضاً أشياء تتناقض مع المعايير الأممية لحقوق الانسان ولعل أبرزها حق الانسان وحريته فى اعتناق دين ما من الأديان أو عدم اعتناقه لأى دين من الأديان ، والذى مازال موضع خلاف بين أتباع الدين الواحد والمذهب الواحد !! لكن أتباع الأديان الابراهيمية اتفقوا جميعاً على وصم الالحاد والملحدين بكل الصفات الشريرة التى تتفتق عنها أذهانهم !! لن أخوض فى بقية عبارات الكاتب الخاصة بالالحاد فهى لا تعدو كونها خرابيط تفتقد أية صلة بالموضوعية أو الواقعية أو المنطق !!!
بقلم / زاهر زمان
#زاهر_زمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟