عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 01:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الذهن الإرهابي ليس كما يدعي شجاعاً جسوراً لا يخاف الموت في سبيل قضية عادلة. في الحقيقة، الذهن الإرهابي مريض بالخوف والجبن الشديد من الموت إلى حد الإقدام على ’الانتحار‘ ليضع بنفسه نهاية لمعاناة نفسية قاسية. أحياناً، الشيء الزائد عن الحد قد ينقلب إلى الضد. كما أنه يصادف أحياناً أن بعض الآباء من ذوي العقول المريضة قد يقتلون أطفالهم من فرط الحب لهم والخوف عليهم من مواجهة مآسي ومصاعب الحياة وحدهم، كذلك العقول الإرهابية تقبل بصدر رحب على الانتحار ليس كما يزعمون تضحية بالنفس في سبيل قضية عادلة بقدر ما هو هرباً من مواجهة فشل ومصاعب ومعاناة ومخاوف وعقد نفسية ضخمة قد تراكمت عبر مشوار حياتهم المضطربة بين الناس. الذهن الإرهابي يعلق الأمل على أن يعوض في الحياة الآخرة ما فاته أن يشبع منه في الحياة الدنيا.
الذهن الإرهابي محب للحياة وملذاتها إلى حد الجنون. كل تصرفاته، في الإنجاب والزواج والعمل وتكوين الصداقات ومجمل تحركاته وسط بيئته المحلية والإقليمية والعالمية، تبرز شهوة عظيمة للكثرة والوفرة والنشاط الدءوب كما النحلة. مشكلة الذهن الإرهابي ليست في ’الحرمان‘ من الشهوات بقدر ما هي في ’الإدراك‘ الأعلى من الطبيعي لحتمية الموت في يوم ما وضرورة الفراق. لهذا السبب، الذهن الإرهابي حريص على أن يأخذ معه كل شهواته إلى حيث لن يستطيع شيء أن يجبره مرة ثانية على فراقها- إلى جنة النعيم والخلد. الذهن الإرهابي هو من النوع المرهف الحس والإدراك وذو الخيال الجامح، المحب للحياة إلى درجة الشهوانية. الدافع الأساسي وراء إقدام الذهن الإرهابي على الانتحار ليس نصرة أي قضية دنيوية مهما كانت بقدر ما هو الفرار بشهواته إلى حيث لا يستطيع يسلبها منه أي شيء على الإطلاق، ولا حتى الموت. لأن الحياة القصيرة لا تكفيه لإشباع شهواته، الذهن الإرهابي يريد دائماً أن ينجو بها إلى حيث الحياة الأبدية. إذا أردنا الدقة، الذهن الإرهابي الانتحاري، في تصوره المريض، حين يستشهد لا يفارق الحياة بقدر ما هو يدخل إلى الحياة- والشهوات- الحقيقية الأبدية.
اسألوا أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري أو إرهابيين أمثالهما: ما هي القضية العادلة بالضبط التي تقتلون أنفسكم والآخرين من أجلها؟ بعد حجج وكلام ساذج ومكرر إلى حد الملل، سوف يتبين بوضوح أن مشكلتهم الحقيقية هي مع الحياة نفسها وليس أي قضية بالتحديد، عادلة أو غير عادلة. الحياة لابد لها من موت. هذه هي مشكلة الإرهابيين الحقيقية؛ ولأنهم في الأصل جبناء وقد فشلوا في التكيف مع حياة ناقصة ومؤلمة بهذا الشكل، كان الحل السهل أمامهم في الانتحار هرباً من مواجهتها والإسراع بالانتقال إلى حياة آخرة من صنع خيالهم المريض.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟