|
الطائفية السياسية تحركها ومخاطرها
أحمد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1211 - 2005 / 5 / 28 - 15:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
خلق المشروع السياسي الفاشي السابق مشاكل كثيرة وكبيرة ، هددت الوحدة الوطنية والمكونات الأساسية للوطن في الصميم ، ولم تتح الفرصة للآن لدراسة ومعالجة هذه الآثار والنتائج المدمرة ، فقد جاء المحتل ، ومعه الحل الخارجي بكافة عناصره وإستهدافاته ، ليغير منظومة العلاقات بين مكونات الشعب العراقي ، وفق ما يريده ، الى علاقة تقوم على التقسيم الطائفي والمحاصصة الطائفية والقومية التامة والعلنية . إن الطائفية التي يتم تمريرها اليوم هي من أخطر المشاكل التي يغذيها الأحتلال ، و التي تهدد وطننا ومجتمعنا ، أضافة الى مشاكل الأرهاب الجماعي الشامل ، والإنفلات الأمني التام ، والفساد والأزمات الأقتصادية والخدماتية والمعيشية الطاحنة ، وضياع الأفق في وطن يتعرض للأحتلال والنهب والتصفية المتسارعة . الطائفة والقبيلة والعشيرة من مكونات المجتمعات التقليدية ماقبل الحديثة ، وهي تتكون وتتحرك حسب الظروف والعلاقات والمصالح الإقتصادية والسياسية والإجتماعية للدولة والمجتمع ، والعلاقة بينهما، وحسب مستوى تطورأو تراجع المجتمع المعني ، خاصة قسمه المدني ، ودور وفعالية مؤسساته ، ومواقع وحجم تلك الطوائف والفئات ، وعلاقاتها الداخلية والخارجية ، وشكل العلاقات السائدة فيما بينها . يتفاوت حجم وتأثير المشكلة الطائفية في المجتمعات العربية التقلدية ، حسب الظروف التاريخية والإجتماعية لنشوء وتكون الطائفة وجحمها السكاني والإقتصادي والعسكري- التسليحي ، وشكل وطريقة تكون الدولة الحديثة ، وتطور وظائفها الوطنية والمدنية والخدماتية . والطائفية مشكلة قائمة ونائمة تحت السطح ، مبثوثة هنا وهناك ، ولها جذورها العميقة في كياناتنا، تتلاعب بها وتحركها أحيانا ظروف وعوامل ثقافية وإجتماعية ، وقوى داخلية وخارجية كثيرة حسب الحاجة والظرف السياسي ، وحسب الزمان والمكان . إن الطائفية السياسية نظام سياسي مقيت لايؤدي الى بناء مجتمعي حديث ، وهو يعرقل التطور الطبيعي ، وقبل كل شيء فالنظام الطائفي ، نظام غير مواطني ( من المواطنة ) ، وهو ليس للجميع ، لأنه لايعتمد الأسس الحديثة لبناء الدولة والمجتمع ، على أساس المواطنة والعلاقة السليمة بين الدولة والمواطنيين وحقوقهم الطبيعية العامة والخاصة ، التي ينص عليها ويتبناها دستور دائم يصوغه و يقرره الناس . وعلى الدولة أن لاتحمي الطائفية ، كي لاتنتج الطائفية السياسية عبر الإعتراف بها وقبولها كمكون سياسي موجود بذاته وبصفته السياسية ، فإذا كان الكل متساوين في الوضع القانوني ، والوجود الإجتماعي ، فماهي أهمية وضرورة التقسيم الطائفي ، وما يسمى بالحقوق الطائفية ؟؟ . عندما يتطور المجتمع الحديث ، فأن الطائفة ، وحاملها السياسي والأخلاقي الطائفية ، تنكشف وتتعرض الى الإضمحلال والإلغاء ، بسبب وطنية الدولة ، والحالة المجتمعية العامة ، المشتركة التي يعشها الناس ، لذلك فقيام الدولة ( المركزية ) الواحدة ( ولانقصد الأستبدادية ) الديمقراطية الحديثة يلغي الطائفية ، من حيث عدم ضرورتها ، وإنتفاء دورها وفعاليتها ، لإنها تتعارض مع المكون الجديد للدولة ، وجميع تشريعاته التي يشترك فيها الجميع ، من دون تمايز أو غلبة في الحقوق والواجبات العامة . لذلك فالدولة الطائفية ، هي دولة غير حديثة بالضرورة ، لإنها تعتمد هذه الشروط والمكونات القديمة ، وتقدمها على شرط المواطنة الحديثة ، الذي لا يسن الحقوق والواجبات على أساس الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس ، والطائفية تبدو غربية ومتعارضة مع النسق والعقل البشريين الحديثيين ، وهي تتعارض منذ البداية مع طبيعة الأنسان ، ووجوده وحاجاته . تتصاعد النزعات الطائفية كلما أختلت الوظائف الطبيعية للدولة ، وفشلت في إنجاز مهامها الديمقراطية والوطنية ، وتهددت أو ضعفت الوحدة الوطنية ، وظهرت تشققات في النسيج الإجتماعي الواحد ، الذي تجمع وترابط عبر تراكمات تاريخية طويلة ، ومصالح مشتركة ، وتداخل في التكوين الإجتماعي ، والأمكنه ، والآمال والتطلعات الوطنية الواحدة والجمعية. أبرز التجارب الطائفية في البلدان العربية هي التجربة اللبنانية التي كرسها الأستعمار الفرنسي ، وعموم القوى الخارجية التي كانت تتواجد وتعمل في لبنان ، وكذلك تجربة بناء الدولة العراقية الحديثة التي فرضها الأستعمار البريطاني . وتتحرك الطائفية في مصر وسورية وبعض البلدان العربية الأخرى ، بدرجات متفاوته ، ولأغراض وحاجات متعددة ، لكن التجربة العراقية الجديدة والمشكلة الطائفية الراهنة التي يريد أن يفرضها المحتل الجديد ، بحاجة الى رصد ومتابعة دقيقة ، لتحديد حجمها وشكلها ومخاطرها الكبيرة . إن المحتل الأمريكي يعيد إنتاج الفكر السياسي الإستعماري الكلاسيكي ، الذي طرحه المحتل البريطاني في بداية القرن العشرين ، وفي جميع التجارب الأستعمارية التي سبقته تقريباً ، والذي فشل وأنهار في نهاية المطاف ، إن تبديل المكونات الطائفية القديمة بأخرى جديدة ، سوف ينطوي على نفس الخطأ الكامن في أسس وجوهر البناء الدولتي والمجتمعي أيضاً ، وهو مايريدة ويقصده المشروع الراهن تحديداً ، لتخريب وتدمير البلد ، وعدم السماح له بالبناء الصحيح والنهوض الطبيعي ، وهذا واحد من أبرز أشكال الصراع الدائر بين أطراف متعددة الآن لتقرير مصير الوطن ، وتحديد شكل دولته ومستقبله ، وخاصة بين الإتجاه الوطني والأحتلال . أن التركيز هنا على دور العامل الخارجي في تحريك الطائفية بما يخدم مخططه الخاص ، لايعني أن الطائفية ليست مشكلة داخلية قديمة وعميقة الجذور ، لكنني أتحدث عن قضية إستغلالها المقصود لتخريب مجتمعاتنا ، وتهديد وحدتها ، وعدم السماح لها بإعادة بناء ذاتها على أسس حديثة ، حيث يلعب المحتل اليوم دوراً مقرراً وحاسماً في كل ما يجري ، أنه المحرك والمشرف على عملية قيام الطائفية الراهنة . ويبدو أن الخلط جلياً بين الحقوق الدينية والطقوسية للطوائف والمجموعات الدينية والمذهبية ، وبين ما يسمى بالحقوق السياسية للطائفة ، ولا نعتقد بوجود من يعارض ، ممارسة الشعائر الدينية ، في أماكنها وأوقاتها المحددة ، من دون تجاوز أو مبالغة مقصودة على حساب حقوق الناس الآخرين ، لكن الرفض والممانعة للفكر السياسي الطائفي وتفصيلاته ومخاطرة الماثلة اليوم في بلادنا . يجب علينا أن نقرر إن الطائفية في مجتمعنا كانت من النوع الكامن تحت السطح ، ولم يجر معالجتها بطريقة سليمة من الأساس ، وقد لعب الإستعمار البريطاني دوراً أساسياً في تثبيت هذا الشكل من العلاقات والأدوار ، لكي يستفيد منه ، وقت ما يريد ، ومارس النظام الفاشي سياسة طائفية وبدرجات وأساليب متفاوتة ومختلفة ، الى جانب السياسة القومية العنصرية. وقد كرر المحتل الأمريكي نفس اللعبة القذرة في وطننا من جديد ، رغم تغير وتبدل الزمن ، و أنصاعت أطراف طائفية وسياسية وشخصيات كثيرة لهذه اللعبة القذرة ، وهي تلهث وراء المحاصصة وتقسيم الأدوار، ولم تبد أي ممانعة أو أعتراض على هذه السياسة المقيتة التي تهدد النسيج الوطني الإجتماعي ، وتهدد الوحدة الوطنية ، وتنشر بذور الفرقة والإنقسام ، والتهميش المقصود لبعض المكونات ، وصولاً الى التصادم والحرب الداخلية الأهلية التي تطل بوجهها القبيح . لقد تساوقت بعض القوى الدينية و السياسية والقومية ، مع هذا المشروع منذ إن كانت في الخارج ، وبدأت التسريبات المدروسة والتدريجية لهذه المفاهيم والآراء في إجتماعات وكتابات صادرة في الخارج ، وكذلك في بعض الإجتماعات والنشاطات السياسية التي جرت قبل الحرب والإحتلال . اليوم يجري طرح الثقافة والمفاهيم والمفردات الطائفية بشكل علني ، وتسريبها عبر الصحف والمجتمع والحياة العامة والنشاط السياسي العام ، وبعض المؤسسات الحكومية والتعليمية والدينية ، كما يجري تطبيقها عبر تناهب المناصب والمكاسب الكبيرة والصغيرة والصفقات والسرقات بصورة محمومة ومكشوفة ، لتتوزع حسب اللون الطائفي ، ويتم الفرز في المدن والقرى على هذا الأساس ، وهي بدايات فرز وتقسيم طائفي ، لفرض هذه الحالة وتثبيتها والتعاطي ( الطبيعي ) معها ، وصولاً الى شرعنتها قانونياً تحت تسميات مباشرة وفجة ، أو مفاهيم طائفية مغلفة . الأمر الغريب البارزالذي يجري الترويج له و تداوله اليوم ، هو الأصرار على تقسيم العرب على أساس طائفي ، وهو أمر يجري إستخدامه بسهولة مقصودة ومبالغ فيها في الجلسات والأعلام الرسميين . وتدور صراعات وتصفيات خفية ، لكنها تتسع بسرعة منظورة وظاهرة ، ويمكن لها أن تتوسع أو تنفلت في أية لحظة أو في أية مرحلة من مراحل هذا الصراع والتكالب الأعمى ، في التوسع والإقصاء ، وكل ما تعنيه وتريده العقلية الطائفية وسياساتها ومقاصدها ، وهي تلجأ الى أقذر الأساليب لتحقيق أهدافها . أن التمسك بالوحدة الوطنية ، على أسس ومباديء ديمقراطية جديدة وسليمة ، هو الطريق الوحيد لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة ، وهو الذي يوقف مضاعفاتها الآنية والمستقبلية . وعلى عكس المحاصصة والتوافق الطائفي ، هناك مبدأ الأتفاق الوطني العام والتمسك بالوحدة الوطنية ، والتي يمكن لها أن توقف تراكم وتحرك الفتنة الطائفية التي تزحف رويداً رويداً ، وتغذيها عناصر متخلفة في الداخل ، بينما يرعى الإحتلال هذه النبتة الخبيثة من الخارج . إننا ندعو الجميع الى تكريس روح التسامح والتقارب الوطني ، على أسس ديمقراطية ، ونبذ الفرقة والممارسات الخاطئة والضيقة والخطيرة ، وإحترام مشاعر ومصالح جميع الناس ، لأن الوطن أكبر وأهم من كل الأطراف المتصارعة والمتناحرة ، وهي تتسابق لخطف وتحقيق المصالح الضيقة ، تحت تسميات وشعارات ملفقة ، لتقود الناس والوطن الى أخطر ما يمكن أن يواجهما من مصير رهيب ، لايبقي ولا يذر ، ولتسهيل مهمة الإحتلال في إعادة تشكيل خارطة العراق ، وربما الشرق الأوسط ، في سايكس بيكو طائفي متشرذم جديد . وعلى الفكر السياسي لليسار الوطني ، أن يتصدى بعمق وجدية لهذه الظاهرة الخطيرة ، بإعتبارها مهمة ملحة وعاجلة ، وخطر داهم تتجمع خيوطة وتتشابك بسرعة ملفتة وبائنة ، بما يملك من نظرة وطنية عامة ، وأفق مستقبلي واضح ، وقراءة تاريخية خاصة لهذه المشاكل المعقدة ، في أبعادها السياسية والإجتماعية والثقافية والنفسية ، مثلما فعل اليسار اللبناني ، واليسار المصري في تصديهما لهذه المشكلة .
#أحمد_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى السنوية لمجزرة بشتآشان
-
الصراع الطبقي ومفاهيم الحداثة
-
رحيل يوسف عبد الكريم البيض ( عبدول ) في مدينة هورن الهولندية
-
حول تأسيس الحركة الشيوعية العراقية / ملاحظات نقدية
-
عرض لبيان المبادرة الديمقراطية العراقية
-
منتصر لن تموت .. منتصر بيننا أبداً !!
-
عن الجريمة والأعمال الإرهابية ضد طلبة البصرة
-
بطاقة الى المرأة
-
الإنتفاضة الوطنية .. التجربة والدروس .- القسم الثالث والأخير
-
الانتفاضة ..التجربة والدروس - القسم الثاني
-
الانتفاضة الوطنية .. التجربة والدروس
-
توقعات كبيرة وأمنيات صغيرة في العام 2005
-
مدينة الموصل خط أحمر وطني وملتهب .
-
بطاقة للناس والوطن
-
الشهيدان الخالدان سحر أمين منشد وصباح طارش ( ثائر ) . نجمان
...
-
دعوة : من أجل كتابة وتوثيق تاريخنا الوطني اليساري ، من اجل ك
...
-
السجون والمعتقلات الرهيبة وبارقة أمل مغربية وسط الليل البهيم
-
تطورات الوضع السياسي والأمني بين الإرهاب والإنتخابات وحمى ال
...
-
نحو تدقيق المصطلحات والمفاهيم والمقولات السياسية . النظام ال
...
-
الإعداد والتحضير للعمل الفكري والسياسي في الماركسية . مهزلة
...
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|