|
هويةٌ في مأزق
مازن مرسول محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 06:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما تكون صلات الارتباط والتماسك مع الجذور في الرقعة التي وُلدَّت بها وتُعد مهد تاريخ حياتك بكل ما تضمَّها من افكار وسلوكيات وميراث عميق ، بحالةٍ تدعو للارتجاج والاختلال وعدم الثبوت ، فالأمر يُنَّذر بكارثةٍ على مستوى بقاء الهوية رسماً ومعنىً ، اذ ان تفرَّعات الهوية لا تأتي بمحض الصدفة وما تماسك هذه الفروع وتغلغلها في حياة الفرد الا دليل على عمق الانتساب وقوة الروابط التي ما تنفك ان تنقطع بسهولةٍ لتعرضها الى تأرجح وربما الانهيار . ولا يمكن بأي حالٍ من الاحوال خلق هويةً راسخة تفصح عن ما في مكنوناتها دون الاعتماد على المعطيات التي تجعلها تبدو بهذه الصورة ، اذ ان لها بيئة تبدأ منها لتسير في حياتها ولتسموا وتصل الى مراحلٍ عالية ، وعند عدم توفر هذه البيئة او اختلالها في مفصلٍ من مفاصل المسيرة هذه تتقزَّم الهوية وتُصاب بالاختلال الذي قد يكون مؤشرٍ لنهايةٍ محتومة تقضي على جذورٍ تاريخية كانت قد نشأت في مكانٍ ما . انك ان تولد في مجتمعٍ ما وتريد ممارسة حقك وتفعيل حياتك وفق ما دأبت عليه المجتمعات والحياة البشرية ، فالأمر يحتاج الى مسالك يُفترض ان تكون ملائمة على الاغلب لعدة مقتضيات ، منها ما يناسب تفاعل الآخرين مع الثقافة التي نشأت عليها ، وكيف ستُحدد لك طريقاً لبناء ذاتك وتاريخك ومن ثم الاتكاء على هويةٍ تحمل في طياتها عمق ميراثي وحضاري يُشكَّل انطلاقة وقاعدة اساسية للحياة ، ولكن الامر لا يتوقف على حتمية توافر مثل هذه المسالك ، فقد يشذ الامر عن ذلك ويبتلي الانسان بكل ما يُخالف قواعد العيش والحياة بكرامةٍ ، فتتصدَّع حياته وذاته وتتأرجح هويته بين الثبوت والحركة غير المستقرة ، الامر الذي يجعل منه مُهدداً بالإقصاء وفق مقاسات ومعايير الحياة المعتادة للإنسان . لعل اكثر ما يُعرَّض المجتمعات الى المرض الذي ان لم يُعالج سيؤدي الى اندثار تلك المجتمعات ، هو اصابته في واحدة من الركائز الرئيسة التي تبني خريطة ومعالم واضحة للمجتمع الا وهي الهوية ، فما بالنا بهوية ممزقة تعاني ويلات وآهات تأن منها بسبب تداعيات ثقافية واجتماعية وسياسية تتوزع بين العوز للثقافة التعايشية ووجود الازمات السياسية التي غيَّرت ملامح المجتمع لتصنع منه مجتمعاً مصمماً وفق مقاسات الواقع الذي يعيش فيه ، وتداخلات تربط بين العمق الثقافي للفرد ونظرته للحياة وتصرفه حيال يومه وحاضره ومستقبله ، وعدم القدرة على لملمة شتات الكل لربط الاجزاء وجعلها وحدة تكاملية . كل هذه التفصيلات ستكون كفيلة بجعل الهوية في مأزق ، فلا يوجد اجتماعاً واضحاً لكل ما يُرسخ ثبوتها كهوية صلدة ذات عمق اصيل ، وانما تناوبت على تمزيقها ما سلف ذكره من هذه الامراض ، لتخلق للفرد هوية مأزومة تعاني ضغوطات الحضور بدورها كأساس لبقاء المجتمع وتعزيز صلاته بالآخرين ، ومحن ما اصبحت عليه بفعل الضربات القوية التي ادخلتها في موازين الهويات السائرة نحو الاندثار . ان مجتمعاتنا العربية وبدون ادنى شك تعاني من عدة أزمات تعتري الهوية المجتمعية ، بفعل مسببات كثيرة منها ما خلقتها هذه المجتمعات بنفسها ومنها ما شجعت ظروف عيشها ونهوجها في الحياة على التعاطي معها ، فأصبحت هوياتنا بحاجة الى اصلاحٍ جذري شامل ، ولا ينفع مع ذلك ترقيعاً او ترميماً وإنما محاولات التشخيص الصحيح وايجاد العلل ووضع أسس صحيحة لهوية متعافية من أي مرض. اننا بحاجة الى ان نعتز بعمق تراثا الحضاري ، لكن دون ان نغالي به كثيراً وجعله ملائما لمعطيات حياتنا دون ان يؤدي ذلك لنسف اسسنا التي وجدنا عليها ، كما اننا بحاجة لان نتصالح مع انفسنا بتفكيرنا وسلوكياتنا ، مع فهمٍ وبعمقٍ كبير ما هو الآخر ، وكيف نبني ذاتاً قادرة على خلق هوية معطاء لا يشوبها أي نقص وغير قابلة للتعرض للانتهاك او التصدَّع . ويجب علينا ان نعي ماذا تعني الهوية بالنسبة لنا واين تكون محاور قوتها وما فائدتها لكل مجتمع ولكل فرد ، لكن يبدو ان الكثير من مجتمعاتنا قد نسيت ماذا تعني الهوية ليس رسماً وانما تحقيقاً فعلياً على ارض الواقع بما تحمله في طياتها من مضامين تشكل البنى الرئيسة لحياة وديمومة المجتمع .
#مازن_مرسول_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأساة مجتمع
-
اغتراب الذات
-
فن السوسيولوجيا
-
عقلنة العقل
-
هل من عودةٍ للعقل ؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|