|
المغرب والانفصام الاجتماعي، كمغرِبَيْن
حمودة إسماعيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 01:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ليس النمو (الاقتصادي) هو الذي يخلق فرص العمل , بل إن فرص العمل المتزايدة هي التي تخلق النمو ¤ ماينهارد ميغيل
عندما نتحدث عن المغرب فإننا نتحدث عن مغربين. مغرب الأحياء الراقية، من يسمعون أصوات العصافير وأمواج الشاطيء، المولوعين بأغاني جاك بريل وبياف وأزنافور، من يقرؤون باولو كويلو مترجما للفرنسية ويحفظون "عناوين" مسرحيات موليير وكتب هيغو وبلزاك وزولا، من يعانون من أعراض عقدة الخصاء التي سببتها فرنسا منذ عهود الحماية، التي تركت لهم (أو استبطنوا) نموذج/نمط عيش يكنون له احتراما ـ بغرض التماهي مع رمز الأب/البطل/المتفوق الذي يثير الدهشة/الاعجاب ـ وكما تقول العرب "إن القرين إلى المقارن ينتمي" كمغلوب يتبع الغالب بتعبير ابن خلدون.
الأمر الذي يحقق رفعة وقطيعة مع المغرب الآخر، مغرب الأحياء الشعبية، مغرب "قلة الصواب والآداب"، مغرب "لازين لامجي بكري" (من وجهة نظر مغرب ماري-أوليمب دو كوج) !! .
المغرب الأول أو الراقي بالمثال هنا، يدرك أن الاقتصاد أهم من الدين(كهدف يشغل ذهن المغرب الآخر)، لدى يركز كافة خلاياه العصبية حتى تولد شحنات تمكنها من فهم اللغة الأكثر تداولا بالعالم والتحدث بها بطلاقة ـ وهي لغة المال وليس الإنجليزية ! ـ فدَوْري الاقتصاد يتطلب ذلك، لتكوين فرق تلعب/قادرة على المشاركة فيه بمهارة.
المغرب الثاني أو الشعبي يشارك كذلك بالدَوْري، لكن كجمهور ومشجعين ـ متأبطا أحلام وأماني بأنه يوما ما سيشترك بفِرَقه كذلك بالدوري/ويتشبّه باللاعبين ـ لكن هذا لايتحقق إلا لقلة، الباقي يظل مشجعا يساهم في انجاحه. فيعود المشاركين إلى بيوتهم (كل يوم) بالجوائز، ويعود المشجع إلى بيته بصوتٍ جاف.
رغم ذلك يسعى المغرب الشعبي لتحقيق أحلامه ولو حتى الصغيرة منها.. لذلك تقبّل الوظائف برواتب أقل (ونصفها يذهب للضرائب)، تقبّل قذفه ككرة من مدينة إلى منطقة نائية يشتغل بها (دون تعويضات مادية أو نفسية)، تقبّل صدمة عدم وجود مهنة عند انتهاء مساره التعليمي/التكويني. لكنه لم يتخلى عن ذلك الحلم، وبسبب الصعوبات التي بدأت تعترضه، خَلَق الرشوة و"الساعات الإضافية" (بالتعليم) و"الفرّاشات" المسببة لأزمات السير ـ كحل بديل ـ والتي حوّلت بعض الأحياء والأماكن العمومية لجحيم. ضجيج وصراخ ومشاجرات بالنهار، وروائح وغازات ـ لم تصنّف بالكيمياء بعد ـ تنبعث روائحها بالليل. فلك أن تتخيل خلط الروائع الناتجة عن بقايا السمك والبطيخ والطماطم مع رائحة البول والمحروقات. بل إن الأمر تزايد عندما تغاضت السلطات عن الأمر خوفا من دفع هؤلاء بالانضمام للجماعات التي سارت على خطى الحراك السياسي الذي عرفته المنطقة العربية ـ كانتفاضات/ثورات ـ إن تم الضغط عليهم. وكثير هم من تساءلوا حول سبب عدم حدوث ثورة ؟
والسبب ليس لأن المغرب لايقاسي ماتقاسيه الدول الأخرى، وليس لأن شعبه جبان، وليس بسبب الاصلاحات التي عرفها موخرا (كتفسيرات مقدَّمة)، بل لأن المغرب لازالت لديه النزعات القبلية، ليس لديه حس وطني موحد. فهُمْ مغاربة في الظاهر/الشعور لكنهم على مستوى الباطن/اللاشعور قَبَليّين، لازال الولاء للقبيلة.. هذا يدين به للأمازيغ والآخر للشرفاء وهذا للشماليين والآخر للصحراويين "وزيد وزيد" .. فطالما أن هذه المصطلحات لازالت متداولة، فهذا يخفي مغربا مُقسّما تحت السطح (الذي يبدو فيه موحداً) يهدده أي تغيير اجتماعي أو اقتصادي، لأن كل طرف مهدد أن يصب الإصلاح ضد مصلحته (ضد قبيلته كاضطهادها أو اتلافها من قبل الاطراف الآخرين أو يلتهم المغرب الشعبي الآخر الفولتيري !). فالولاء القبلي يعود لنزعة بالعقل البدائي ـ لازالت متوارثة ـ تفيد الحماية، لدى نجدها تساهم بأكبر نسبة (كأسباب) للحرب والصراعات الدينية والسياسية (التفرقة).
التعليم وحده هو القادر على اعلاء قيمة الوطن على الولاء القبلي(القبيلة). ورغم أنها نزعة يصعب التخلص منها، إلا أنه في ظل تعليم وتشجيع على الحس الاجتماعي والقيم الانسانية، فإن المصلحة المشركة تطفو على الولاءات القبلية كسعي لخدمة الجميع. وليس لخدمة تقاليد وأفكار بالية ! تأخد أهمية بالوعي أكثر من الإنسان ! .
ونحن هنا لا نشير إلا أن ماذكرنا هو السبب الوحيد، لا ! فهناك عوامل تاريخية وسوسيوبوليتيكية ـ تتعلق بكل بلد ـ تساهم كذلك. ولا نحرض على ثورة كما يمكن أن يفهم ذلك المغفلون المتحمسون، فالثورة ـ كإصلاح اجتماعي/سياسي/اقتصادي ـ تلزمها ثقافة، كثورة على الفكر الرجعي وانتصار للتقدمي، والثقافة يلزمها تعليم بمستوى، والتعليم تلزمه سياسة محكمة.. وليس مواقف هزلية وأحزاب عاجزة لأنها لا تتوفر على خطط وبرامج سياسية واقعية.
فعندما فشلت الأنظمة الشيوعية والاشتراكية فإن الماركسيين لم يرجحوا الأسباب لضعف المنظومة الأيديولوجية بل لتخلف الشعب، حتى أن لينين رأى (على إثر ذلك) أنه لم يكن الوقت قد حان بعد لكشف الأفكار الناشئة للثورة، لأن العامة عجزت عن فهمها، أي يلزمها ثقافة ومعرفة قبل التعاطي معها ! . وللعلم أنه كان يحكي عمن ثاروا اعتمادا على قراءات لكتاباتهم (ماركس وانجلز كذلك) .. فما بالك بمن يتظاهرون وهم لم يقرؤا يوما كتابا (بل يعجزون عن قراءة اسمهم اذا رأوه)، هذا ليس بثورة بل انتفاضة غضب (سيتغير الأشخاص والأسماء طبعاً لكن الفكر/النظام لن يتغير). فالثورات التاريخية دائما سبقتها أفكار ملهمة (وتزعمها قادة)، وليس عدوى جماهيرية بدون أهداف سوى خطب رنانة غير مفهومة ! (وقد تناول غوستاف لوبون هذا الأمر كموضوع بكتاب لقي انتشارا واسعا) .
استخدام الشيوعية هنا للشرح كمثال وليس "بروموسيون" لها (فقد أكل عليها الزمن وشرب).
فيا ليت لو تشبه المغرب بفرنسا من جميع جوانبها (وليس التشبه بالمظاهر) ـ فالتشبه بالبطل من جميع جوانبه قد يساعد على تجاوزه أو التفوق عليه ـ . ولكان على الأقل لديه وعي سياسي شعبي (لاحظ الانتخابات كيف تمر وتعليقات الشعب ومشاركته بالحدث وقارن بينهما)، وليس سلسة سياسية كوميدية..
وعي سياسي يُمكّن أفراده من نقد سياسي للأفكار والبرامج والقرارات، وليس تشبيه أعضاء الحكومة بالحيوانات (ودعوة هذه الحيوانات "الحقيقية" للحضور بالمظاهرة !) . فما هذا ؟!
كل شيء ينطلق من التعليم، وكما يقول غاندي "علينا أن نبدأ بالأطفال" حتى لا يكرروا مهازل آبائهم ! .. فالتعليم هو "فن جعل البشر أخلاقيين" بتعبير هيغل. أي ألا يتصرفوا كالحيوانات ويحوّلوا الأحياء إلى أسواق مكسيكية، إنما يطالبوا السلطة بتوفير مكان مخصص لذلك، حفاظا علي كرامة البائع والشاري والمواطنين (وأمثلة أخرى لاتكفي المساحة هنا لذكرها). بغرض توفير جو يساعد على تحقيق الأحلام.. جو/مجتمع صحي نفسيا واجتماعيا وسياسيا، لا يشوبه الكثير من العقد والتعقيد !
#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة بين الخاضع والمُخضِع
-
استقطاب جِهادي
-
هل نفى المسيح نبوة محمد ؟
-
تربية الأنثى أو إنتاج شخصيات عُصابية
-
10 أسئلة محيّرة
-
عندما تُفهم النظرات بشكل خاطئ - تحايل لغة الجسد
-
عندما تتناقل الجرائد أغلاطا صُحفية
-
اختبار كشف نوع الشخصية
-
الإنسان بين الدين والإلحاد والولاء القبلي
-
10 تصرفات تكشف عن نفسيات أصحابها
-
أنا الوطن
-
أشهر 20 تخريفاً في العالم !
-
جلسة مع مؤرخ
-
لعنة الجمال
-
إعجابي..
-
لمحة تاريخية عن فستان الزفاف : لماذا الأبيض ؟
-
دراسة الحزن
-
ما الحب ؟
-
وجع الثقافة
-
عقلية الزفت
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|