|
هل هي مقايسة أم مسايفة ؟؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 14:30
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لم يحدث مرة أن ذهبت لشراء سلعة ما , فوجدت أن ثمنها قد انخفض عن آخر مرة اقتنيتها فيه ؟ وأجزم أن لا أحد مر بهذه التجربة ولو مرة في حياته ، لأن سياسة الاسعار وتحرير الأسواق ، استقرت على الارتفاع المطرد في أثمنة جميع السلع وبلا هوادة , وبلا سبب منطقي مقنع ، رغم تأثيراتها البارزة الضرر على المواطنين , ذوي الدخول المحدودة من صغار الموظفين والمياومين وكاسبي الأجور وأصحاب المعاشات ، لأن ما ارتفع سعره من السلع ، لا ينخفض ثمنه أبداً مع مصطلح " المقايسة " الجديد/القديم ، الذي يحاول به أصحاب الحال إيهام الناس بعكس ذلك ، بينما حقيقة أمر المصطلح تعني أن أسعار المحروقات ستتغير نحو الارتفاع أو نحو الانخفاض كلما تغيرت الأسعار في السوق العالمية ، بمعني أن سعر المحروقات سيخضع لتقلبات أسعار السوق العالمية ، واعتمادها كسعر مرجعي للأثمان المحلية ، أي أن الحكومة ستخفض ، نظريا ، من ثمن المحروقات إن تم ذلك دوليا ، وذلك ما كان معمولا به نسبيا قبل سنة 2004 ، وتخلت عنه من الناحية الواقعية الحكومة السابقة ، لأن الظرفية الدولية كانت تتسم باعتدال في اسعار النفط ، أما اليوم فإن جميع المؤشرات تؤكد على أن أسعار النفط لن تتوقف عن الارتفاع نتيجة لعدة عوامل ، وهذا ما يمكن من القول أن حظوظ تراجع أثمان المحروقات محليا تبقى ضئيلة ومستحيلة ، وحتى وان حدث تراجع في اسعار برميل النفط دوليا بعد ارتفاع أسعار النفط محليا والذي يؤدى الى ارتفاع كافة الاسعار الأخرى ، فإن تخفيض سعر استهلاك المحروقات محليا لن يواكبه تخفيض باقي الاسعار. إذن فنظام المقايسة هو طريقة ذكية لمراجعة مختلف الاسعار دوريا لصالح البرجوازية المهيمنة ، وحتى وإن ظهر بأن مصطلح المقايسة ، اجراء لن يمس إلا الطبقة الوسطى ، حسب وعود الحكومة باتخاذ اجراءات اجتماعية وقائية ، فإن انعكاساته الوخيمة ستشمل مختلف الطبقات الشعبية الدنيا ، التي ليس لها ألا أن تمارس رياضة المسايفة مع غلاء المواد الأساسية التي لا تتوقف عن ارتفاعها في ظل برنامج المقايسة التي ، وكما هو معروف في اساسيات علم الاقتصاد ، أن الغلاء الجامح يتسبب في التضخم الجامح ، الذي هو أحد ، بل وأخطر سبل الإفقار الأكيدة للفئات الضعيفة ، والذي يكون له انعكاسات عميقة على واقع ومستقبل المجتمع , خاصة مع ضعف آليات الحماية الاجتماعية التي من الصعب جدا أن نتصور اليوم أو غد أي إصلاح لصندوق المقاصة بدون حدوث انعكاسات اقتصادية واجتماعية كارثية على الشعب المغربي ، مما يدفع إلى الاعتقاد أن الحكومة عندما عجزت في تمرير خطة إصلاحها اللاشعبي واللاديموقراطي والمفروض من طرف المؤسسات المالية الدولية ، لجأت إلى استخدام الخطاب الديماغوجي المتعدّد النّكهاتِ والمبطن بالمصطلحات الاجتماعية المدسوسة ، لإعطاء لخطة الحكومة طاقةً وديناميكيّةً أكبرَ ، كما هو الحال في تصريح نجيب بوليف أو ادريس اليازمي المؤكدة بأن أهداف كل الزيادة التي أقدمت عليها حكومة الإسلاميين ، سواء في أسعار الحليب أو المحروقات ، إنما هي أهداف اجتماعية محضة ، وتخدم مصلحة الفقراء فقط ، نافين أن تكون من أجل التماثل مع التزامات الحكومة اتجاه صندوق النقد الدولي ، وتفادياً لمواجهة المواقف الدولية التي لا تتسامح أو تتعامل بسهولة مع التابعين إذا هم خالفوا الأوامر. أما مضاعفات تلك المقايسة الاجتماعية والاقتصادية الكارثية على المستضعفين ، فقد حاولوا تلبيسها بضبابية تلك المصطلحات الغامضة التي يتيه المواطن المغبون في سراديب ظلمات التساؤلات الملتوية وأدغالِ الواقعِ المُتشابِكِ الأطرافِ والمتشعب الدّوافعِ ، التي تفرقت ردود فعل المواطن حولها ، بين مستسلم مفوض أمره لله ، متأثر بالمثل الدارج "آشنو عند الميت ما يدير قدام غسالوا "، وبين رافض للزيادة تحت أي مسمى , وبين سالك (المواطن المؤطر سياسيا ونقابيا) أسلوب الضغط المتبع ، في حل مثل هذه الزيادات الضاربة للقدرة الشرائية للمواطن البسيط على المدى القصير والبعيد . وإذا كانت المآسي تولّد حسّ الفكاهة لدى الشعوب ، فإن مأساة المقايسة تركت المواطن المغربي عرضة لتقلبات السوق العالمية للمواد النفطية وما ترتب عليها من غلاء مروع في كل شيء ، فقد ولّدت لديه وعاصفة من التعليقات الساخرة مما تمر به الحكومة في ظل الفوضى العارمة ، التي خلفها انسحاب حزب الاستقلال من ائتلافها الذي افقدها بوصلة تدبير شؤون البلاد.. كما خلق لديهم تخوفهم المنطقي من أن تظل أسعار المحروقات مرتفعة على المستوى الوطني على الرغم من انخفاضها في السوق الدولية ، فكاهة مرة ونكات سوداء أصبحت خبزهم اليومي .. اجراء المقايسة المشؤوم هذا ، فضح عجز حكومة عبد الإله بنكيران ، في محاربة الريع والفساد والحيتان السمينة ، واستئساده على الفقراء ، وشجاعته وإقدامه على بإفقار الفقير وإثقال كاهله بالزيادات ، ليس في ثمن المحروقات فقط -التي تحاول اقناع (عفواً) استحمار المواطن بأنها زيادة خاصة بأصحاب السيارات فقط ، ولا علاقة لها بالفقراء – بينما هي زيادة شملت كل السلع والخدمات المخصص للفقراء ، من ثمن النقل العمومي ، إلى ثمن الخضر والفواكه والأسماك ، وذلك لأن البترول هو عصب الحياة ، والكل متأثر بأثمنته ومشمول بزيادة الحكومة الفاضل فيه ، حتى انطبق عليه ما قاله الشاعر عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني الوائلي: أَسدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ رَبداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ ..
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربتي مع التعليم .
-
لا مصالحة مع من خان وطنه !!
-
عيد المعلم
-
ومن شر البلية ما أضحك .4 الجزء الرابع
-
الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !
-
ومن شر البلية ما أضحك !الجزء الثالث .
-
ومن شر البلية ما أضحك !.الجزء الثاني
-
ومن شر البلية ما أضحك !.
-
حقيقة شعار - الأصابع الاربعة- ؟؟
-
أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
-
ردا على أصوات ناشزة !
-
النصر الناتج عن العنف مكافىء للهزيمة !
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .
-
ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
-
لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
-
الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
-
كلام غير مقبول من وزير سابق !
-
الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري
...
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
المزيد.....
-
كيف ستؤثر التعريفات الجمركية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي؟
...
-
بعد زيارة أمير قطر لدمشق والشرع للرياض.. الليرة السورية تعزز
...
-
بايكار التركية تتصدر سوق الطائرات المسيّرة عالميا بـ1.8 مليا
...
-
موقع إيطالي: هكذا تحرك المصالح الاقتصادية الحرب في الكونغو
-
اليوم الياباني في معرض بغداد الدولي: مساعي لتعزيز العلاقات ا
...
-
الهند تقدم إعفاءات ضريبية بقيمة 11.5 مليار دولار لحماية الاق
...
-
انخفاض مستويات الفقر في روسيا وخبراء يشككون
-
حرب ترامب الجمركية.. الصين تتمهل وكندا ترد والمكسيك تفعّل ال
...
-
قرارات ترامب الاقتصادية تشعل حربا تجارية عالمية
-
منافسة شرسة بين تايلور سويفت وبيونسيه على جائزة أفضل ألبوم
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|