|
قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام رؤية غربية مقال في اربع حلقات
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 02:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام رؤية غربية ــــ 1 ـــ مراجعة وإعداد د. جواد بشارة
بلغ تعداد المسلمين في العالم اليوم حوالي مليار ومائتي مليون نسمة يعتقد أن 90% منهم من السنة و10% من الشيعة منهم 9% من الشيعة الإمامية الاثني عشرية و1% من باقي فروع الشيعة المنشقين عن الإمامية مثل السبعية والخوارج والإسماعيليين والزيديين والعلويين والدروز وغيرهم ممن لا يعترف بهم السنة كطوائف أساسية في الإسلام. يعود تاريخ المواجهة بين فرعي الإسلام الرئيسيين السنة والشيعة لسنة 632 ميلادية. وهو تاريخ وفاة النبي محمد الذي ترك ورائه معركة خلافة متوترة ومتأججة، وبالرغم من وجود قرآن واحد ونبي واحد هما أعمدة الاعتقاد الديني لدى السنة والشيعة على السواء، إلا أننا نرى ونلمس اليوم كأن هناك دينان أو وجهان مختلفان لدين واحد. إن الصراع المحتدم بين الشيعة والسنة في كل مكان في العالم حيث يتواجدون قد يقود إلى ما يشبه الحرب العالمية الثالثة كما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي من أصل لبناني أنطوان صفير لأن المواجهة تخاض باسم الاختلافات العقائدية والمذهبية لكلا الطرفين وهي مواجهة مشتعلة اليوم وغير قابلة للانطفاء في الزمن المنظور. ففي الباكستان على سبيل المثال لا يمر أسبوع بدون وقوع حوادث طائفية دامية بين الشيعة والسنة وبالأخص ضد أماكن العبادة العائدة للطائفتين المسلمتين. والعراق يعاني اليوم أكثر من أي وقت مضى، من مواجهات عنيفة ودامية بين الشيعة والسنة فيما يشبه الحرب الأهلية، التي تغذيها كل من إيران والسعودية وبعض دول الخليج كقطر. ونفس الشيء يحدث في لبنان ولكن بحدة أقل في الوقت الحاضر. وفي البحرين تستمر ثورة الشيعة الأغلبية على الأقلية السنة الحاكمة، وتدعمهم إيران في ثورتهم للتحرر من حكم الأقلية السنية، بينما تساعد المملكة العربية السعودية سنة البحرين بالمال والسلاح والجيوش لسحق الثورة الشيعية، هي إذن حرب إقليمية بالوكالة بين إيران والسعودية على أرض البحرين وبواسطة أبناء البحرين أنفسهم. وينتشر رذاذ الثورة وشرارتها في اليمن حيث توجد أقلية شيعية زيدية أو إمامية تساعدها إيران أيضاً في ثورتها ضد السلطات السنية المدعومة هي الأخرى بالجيش السعودي والمساعدات المالية السعودية وهي ساحة أخرى للصراع الإقليمي الشيعي السني بين إيران والسعودية بالوكالة كذلك على أرض اليمن منذ العام 2009. واليوم نرى نفس اللاعبين ونفس مفردات الصراع بين الشيعة والسنة على الأرض السورية حيث تساعد السعودية وقطر وتركيا المتمردين السنة وهم الأغلبية ضد حكم الأقلية العلوية، وهم فرع من فروع الشيعة، الذين تساندهم إيران في الحرب الأهلية الدائرة هناك اليوم. وتمتد ساحات الصراع بين المكونين الأساسيين للإسلام إلى الصين حيث يعيش أكثر من 50 مليون مسلم بينهم أقلية شيعية تتمركز في مناطق كسينج يانغ Xinjang الواقعة غرب البلاد وفي نينجكسيا Ningxia الواقعة في وسط البلاد. إنها إذن حرب لا تنتهي بين وجه للإسلام ضد وجه آخر للإسلام، الأول سني والثاني شيعي. فالصراعات التي تهز الشرق الأوسط والعالم العربي اليوم ليست بين الديموقراطية والدكتاتورية كما يظن البعض. فالديموقراطية هي حكم الشعب بنفسه ولصالحه، في حين أن الديموقراطية اختزلت اليوم بفكرة العدد والأغلبية والأقلية والحال أن قانون العدد لا يعمل و لا يصلح في الشرق الأوسط المكون من موزاييك من الأديان والطوائف والمذاهب والتجمعات الإثنية والعرقية والقومية وبالتالي يمكننا أن نفهم على نحو أفضل تلك الصراعات من خلال منشور المواجهة الأهم بين الشيعة والسنة وما يدور حولها من تحالفات، حيث تأخذ تلك المواجهات صبغة الحرب العالمية غير المعلنة إذ نلاحظ أن أمريكا تدعم السنة وروسيا تدعم الشيعة عدا الاستثناء العراقي حيث تحولت أمريكا من دعم السنة الى دعم الاكراد والشيعة في العراق لكنها لم تتخل كليا عن السنة وبالتالي فهو تحرك وقتي أو مناورة تكتيكية إلى أجل غير مسمى. لا بد من العودة إلى الوراء لمعرفة الجذور الثيولوجية والتاريخية لهذا التعارض السني الشيعي في الإسلام، وفهم الوضع الحالي بكل تعقيداته وخطورته المرتبط بطبيعة تكوينه ونمط هذا التكوين السياسي الشرق أوسطي. عند التمعن في ظروف الصراع السني الشيعي في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، وغموض ولغزية العلاقات بين الغرب والشرق الأوسط، وتوسع رقعة المواجهات الشيعية السنية في العالم الإسلامي اليوم، يجعلنا ذلك ندرك أنها تندرج في السياق السياسي الإقليمي على ضوء الغموض الذي يعتري العلاقات بين الغرب والعالم العربي، منذ انتهاء الإمبراطورية العثمانية واتفاقيات سايكس بيكو في أعقاب الحرب العالمي الأولى، وخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حافظت الدول العربية المستقلة حدثاً أو في طريقها للاستقلال، على علاقات متينة مع الدول الاستعمارية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا العظمى، حيث استمرت المواجهات والمنافسات فيما بينها بالوكالة عبر مستعمراتها العربية. حاولت الدول الاستعمارية القديمة تصدير رؤيتها لمفاهيم المواطنة والديموقراطية الغربية. لقد نجحت التجربة نسبياً على ما يبدو في لبنان وسورية ومصر بفضل المعلومات التي أوردتها بعض الأقليات الدينية في هذه البلدان وكانت هذه المفاهيم موجهة للنخبة في تلك البلدان وليس للطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية. كان إنشاء دول إسرائيل سنة 1948 في فلسطين وفي قلب العالم العربي من قبل الغرب قد زعزع استقرار الأنظمة القائمة والموالية للغرب. فلم يعد هذا الأخير يتذرع بتصدير وإدخال الديموقراطية والحداثة للبلاد العربية المستعمرة من قبله، بل للدفاع عن المصالح الحيوية للغرب في العالم العربي بسبب الدعم الذي يقدمه الغرب للدولة العبرية الوليدة. وفي سنة 1956 جاءت حرب السويس حول قناة السويس لتطيح بقامة ومكانة الدول العظمى السابقة فرنسا وبريطانيا لصالح الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. وسرعان ما نشبت بين القوتين الأعظمين حرباً باردة امتدت إلى الشرق الأوسط. ففي مصر جاء عبد الناصر بطل القومية العربية والداعي لوحدة الشعوب والثقافات العربية، بفكرة تأسيس الدولة الحديثة والعصرية على غرار النموذج الغربي للدولة. والحال أن الغرب لم يختر التحالف مع الدولة العصرية المصرية بقيادة ناصر بل فضل التحالف مع العربية السعودية المعادية للنظام المصري الجديد والتي يسودها النموذج القروسطي للدولة وتطبق حدود القرآن والشريعة ولا تمتلك دستورا عصرياً بل دستورها هو الشريعة الإسلامية فقط. وفي العربية السعودية تحكم التيارات الإسلامية السلفية والأصولية التي توجهها قيم المدرسة الفقهية الثيولوجية الحنبلية. والمذهب الحنبلي هو الذي أفرز الاتجاه الثيولوجي الوهابي المهيمن على العربية السعودية وقطر اليوم. كان التحالف الأمريكي السعودي قد أتاح للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة التامة على أول وأكبر منتج للنفط في العالم. ومن المفارقة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسيطر كذلك على ثاني أكبر منتج للنفط في العالم وهي إيران الشاهنشاهية الشيعية بزعامة الشاه محمد رضا يهلوي لغاية سنة 1979. تفاقم المواجهة الشيعية ـ السنية: أطاحت الثورة الإسلامية بنظام الشاه في إيران سنة 1979 وكان ذلك مؤشراً على ظهور إيران الشيعية على المسرح العربي والتي شكلت مع سورية الدبلوماسية المعارضة والمعترضة على الدبلوماسية السنية التي تقودها العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. لقد نجحت إيران في التمركز في العالم العربي باستغلالها للتشيع المنتشر في العالم العربي باعتباره الفرع الثاني للإسلام والتأثير على دبلوماسية العالم العربي بينما تولت السعودية قيادة الفرع السني في العالم العربي بعد عزل مصر إثر توقيعها لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في كامب دافيد سنة 1978. تصاعدت حدة المواجهات الشيعية ـ السنية وتأججت مرة أخرى منذ العام 1992 واتسمت بصبغة عالمية تعدت حدود العالم العربي. ففي سنة 1992 هاجم زعيم الحرب الأفغاني في المقاومة الأفغانية ضد السوفييت، القائد مسعود قبيلة الهازارا الأفغانية ذات الأغلبية الشيعية بنسبة 90 %والتي تعيش في وسط أفغانستان في إقليم باميان ويمثل الشيعة في أفغانستان نسبة 12 إلى 13% من مجموع السكان الأفغان وكانت قبيلة مضطهدة تاريخياً. كانت هذه الحادثة قد زادت من حدة التوتر والحقد لدى الشيعة إزاء السنة الذين لم يدينوا هذه الجريمة أو يستنكروها. لقد وقعت تلك الحوادث في ظرف غاية في الخصوصية والتميز حيث كانت أفغانستان آنذاك فريسة لحرب أهلية تدور رحاها منذ أربع سنوات 1992 ــ 1996 التي أعقبت مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية لمسرح الحرب الأفغانية بعد استسلام السوفييت وهزيمتهم في أفغانستان حيث انتهت تلك الحرب الأهلية بانتصار وهيمنة الطالبان على الحكم في أفغانستان. اعتبر أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة تخلي أمريكا وانسحابها بمثابة الخيانة بعد أن قدمت له الدعم والاسناد والتسليح والتمويل ووسائل الحرب والقتال. كان بن لادن قد جعل من أفغانستان مختبراً لمشروعه لإحياء الخلافة الإسلامية، لكنه شاهد حلمه ينهار بسبب اندلاع الحرب الأهلية فتحول من حليف وعميل إلى عدو لدود للولايات المتحدة الأمريكية. هناك ثلاث محاور تتركز حولها المواجهات الشيعية السنية في العالم والتي من شأنها أن تزعزع استقرار الإسلام برمته على لأمد المنظور. وهي محاور دينية وعرقية أو إثنية واستراتيجية وسياسية بحتة. فالمرحلة الأولى لحصول الانشقاق في الجسم الإسلامي سنة 632 ميلادية بعد وفاة الرسول وحدوث معركة الخلافة التي استمرت لعقود طويلة، انتهت باختفاء الخلافة في الأمة الإسلامية سنة 1924 على يد التركي أتاتورك، ولم تعد هناك أية سلطة دينية حقيقية قادرة على إطلاق أحكام عقائدية قطعية ملزمة من قبل جميع المسلمين حتى ولا من قبل ملوك يدعون انتسابهم للبيت النبوي مثل ملك المغرب أو ملك الأردن. لا يمكن الفصل بين فرعي الإسلام الرئيسيين عند البحث في تطور تاريخ الفكر السياسي للإسلام وتشكيل المدار السياسي للشرق الأوسط المعاصر: فالعائلة الصفوية الحاكم في إيران اختارت المذهب الشيعي كدين رسمي للدولة وفرضته بالقوة على الغالبية السنية التي كانت سائدة في إيران قبل الحكم الصفوي في الإمبراطورية الفارسية في القرن الخامس عشر الميلادي بهدف التمييز بين الفرس والعرب. وكان ذلك بمثابة المؤشر للجغرافيا السياسية للمنطقة لاحقاً حيث الجيوبولتيك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين. فالتداخل بين التاريخ الديني والتاريخ السياسي للشرق الأوسط هو الذي قاد باحث مثل أنطوان صفير Antoine Sfeir في كتابه الصادر باللغة الفرنسية وعنوانه: إسلام ضد إسلام الحرب الشيعية السنية التي لاتنتهي L’Islam contre l’Islam, l’interminable guerre des sunnites et des chiites " والذي يبحث في جذور التشيع Aux origines du chiisme " لكي يعتبر موشور الدين أساسياً لإجراء قراءة ملائمة وكاملة للشرق الأوسط المعاصر وللعالم الإسلامي تفادياً للسقوط في رؤية غربية مختزلة ومبتورة أو مقتضبة للأحداث التاريخية والحالية التي تعصف بالمنطقة. يتبع
قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام رؤية غربية ــــ 2 ـــ مراجعة وإعداد د. جواد بشارة
من المتفق عليه اليوم أن الانشقاق الذي حصل في الإسلام ليس عقائدي بل سياسي بالدرجة الأولى ويعود أساسه التاريخي إلى أواخر فترة حياة الرسول ووفاته حيث نشب صراع مستتر، في بداية الأمر بين فريقين من الصحابة، الأول يضم الارستقراطية والاغنياء والوجوه المعروفة من الوجهاء الذي تجمعوا حول عمر ابن الخطاب، والثانية تضم الفقراء وذوي الأصول المتواضعة الذي أحاطوا بالإمام علي إبن أبي طالب، صهر النبي وإبن عمه وربيبه ووارث علمه والمدافع الأول عن الإسلام في أحلك الظروف وأخطرها لا سيما معركة الخندق عندما برز للفارس المشرك عمر بن ود العامري ووصف النبي هذه المبارزة بقوله : " لقد برز الإسلام كله للشرك كله". الفريق الأول أراد أن تكون الخلافة خارج بيت النبوة وخارج عشيرة بني هاشم والفريق الثاني أرادها أن تبقى في بيت النبوة وفي شخص الوريث الشرعي الأنسب من وجهة نظرهم وهو الإمام علي، وعرفوا باسم شيعة علي أي أتباع وأنصار علي. وبسبب النزاع حول من هو الخليفة الشرعي للنبي انشق الإسلام إلى شطرين، ومن ثم ازداد الخلاف وتعمق وتحول إلى خلاف عقائدي بعد أن صار يمس طبيعة الخليفة ودور الخلافة وهل الخلافة شأن دنيوي أم سماوي منصوص عليه من الله؟ وانطلاقاً من تلك الأوضاع ظهر مفهومان للإسلام بعد موت مؤسس الرسالة سنة 632: الأول مفهوم الجماعة وهم الأغلبية والمقصود بهم أهل السنة والثاني مفهوم أهل البيت وهم الأقلية والمقصود بهم شيعة علي أو الإمامية. دام هذا الفرز خلال فترة الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولكن على نحو مستتر وغير معلن بيد أن الاستقطاب كان واضحاً بين الفريقين. تغيرت المعادلة عند مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان إبان أحداث الفتنة الكبرى وترسخ الانشقاق الطائفي بعد اغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب سنة 661 ميلادي والذي كان يقف على قمة الهرم الشيعي واعتبر بمثابة مفتاح التشيع السياسي والديني والعقائدي الذي تم توثيقه في الكتاب الذي عزي لعلي بن أبي طالب وهو نهج البلاغة الذي يجمع خطب وأحاديث وحكم ووصايا الإمام علي. مازال تصرف النبي محمد إزاء موضوع خلافته يشكل لغزاً كبيراً فلم يكن هناك من ينازعه أو ينافسه على السلطة لا دينياً و دنيوياً أو سياسياً، وكان يعرف توازنات القوى داخل مجمع الصحابة المحيطين به وامتداداتهم القبلية، فلماذا لم يحسم المسألة علنا في حياته ويصرح باسم خليفته؟ و كذلك بسبب غياب نص ديني إلهي مقدس صريح ينص على شخص بعينه ليخلف الرسول في مهمته، كما يقول أهل السنة والجماعة بينما يدعي الشيعة أن هناك نصوص وإشارات صريحة صدرت من قبل النبي بتولية علي بن أبي طالب خاصة في خطبة الوداع في غدير خم التي قال فيها:" من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه الخ..." وهكذا حدث في سنة 632، وهي سنة وفاة الرسول محمد، فراغ تشريعي وقضائي لعدم وجود مؤسسات بديلة لقيادته في حال غيابه. كانت التجربة الإسلامية في طور التوسع والتنامي عند وقوع الانقسام المميت في جسد الأمة. كانت بذور وجذور الانشقاق والانشطار موجودة حتى في حياة محمد لكنها لم تكن صريحة وعلنية بل خفية لكنها محسوسة. كان هناك إجماع بين المسلمين فيما يتعلق بسماوية الرسالة ومصدرها الإلهي باعتبارها منزلة من السماء، لكن الإجماع كان مفتقداً فيما يتعلق بشخص من سيخلف النبي وصلاحياته وشروط اختياره ومبايعته وحدود سلطته وهل هي دينية سياسية فقط أم دينية أيضاً؟ بمعني آخر، هل الخلافة أمر إلهي أم بشري؟ أعتبر قسم من المؤمنين أن الشرعية الإلهية مستمرة من خلال حقوق وشرعية آل بيت النبوة وعائلة النبي المتمثلة بابنته فاطمة وولديها الحسن والحسين وزوجها إبن عم النبي وربيبه ووارث علمه وتجربته وموضع أسراره، علي بن أبي طالب لذلك فمن البديهي والمنطقي أن يكون هو الخليفة الشرعي للنبي محمد لأنه أقرب الناس له وأول المصدقين والمؤمنين برسالته من الذكور، وأكثر المدافعين عنها بسيفه وجهاده وأفضل العرافين بأسرار الرسالة وعقائدها وتشريعاتها وظاهرها وباطنها، كما يعلن الشيعة. في حين اعتبر قسم كبير من المسلمين وهم الغالبية الساحقة، أن الجانب الإلهي من الرسالة قد انتهى بموت صاحب الرسالة وبات من الضروري تطبيق التقليد القبلي، أي اختيار من تنطبق عليه الأوصاف التي حددها النبي قبل وفاته والتي تتعلق بمكانة وشجاعة وحكمة من يتولى القيادة، وفقاً للتقاليد والعادات والأعراف القبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام وبناءاً عليه تم اختيار أبو بكر للخلافة وبويع من قبل المسلمين، عدا بنو هاشم عشيرة النبي وعلى رأسهم علي بن أبي طالب وزوجته ابنة النبي فاطمة بنت محمد وعدد من الصحابة الموالين لعلي بن ابي طالب. وهناك روايتان تناقلتهما كتب التاريخ والتراث الإسلامي عن حيثيات وتفاصيل اختيار الخليفة، وعما جرى في سقيفة بني ساعدة من مساجلات حادة، الأولى شيعية، وفيها تفاصيل كثيرة عن مؤامرة أعدت في الخفاء قبل وفاة النبي وأثناء احتضاره لعب فيها عمر بن الخطاب دور البطولة وقام بما يشبه الانقلاب العسكري بمواصفات عصرنا الحديث بغية الحصول على السلطة بالقوة المسلحة وبالمناورات السياسية، والثانية سنية تطعن بالكثير من المصادر التي استند إليها الشيعة وتختصر ما حدث في السقيفة وما بعدها بعملية اختيار طوعية وسلسة تمت بالمحاجة والاقناع بين الأنصار بقيادة سعد بن عبادة والمهاجرين بقيادة أبو بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح نجح فيها المهاجرون بإقناع الأنصار بصدقية حججهم فمالت الكفة لصالحهم وطلب عمر من أبو بكر أن يمد يده ليباعه وتقاطر الحاضرون من الأنصار لمبايعته ، على اعتبار أن مسألة الخلافة شأن دنيوي بحت يقرره المسلمون وحدهم دون الرجوع لكتاب الله ووفق حديث ردده المسلمون عن النبي أنه قال :" أنتم أدرى بشؤون دنياكم" وهو حديث قيل في ظروف مختلفة تماماً لا علاقة لها بمسألة اختيار الخليفة، وكان اختيار أبو بكر، لاعتبارات لا تمت بالشرعية بصلة عدا إمامة للصلاة في المسلمين بدل محمد عندما كان النبي مريضاً، ولأنه والد عائشة أحب زوجات النبي إلى قلبه، وأقرب أصدقائه وأخلصهم وأكبر الصحابة سناً بعد النبي، بينما لم يتجاوز عمر علي بن أبي طالب آنذاك الثلاثينات. وكان أبو بكر قد خرج على المسلمين خاطباً بعد إعلان وفاة النبي محمد قائلاً:" من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت" وتلى عليهم الآية التي تقول:" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين". لم يحكم أبو بكر كخليفة سوى سنتين كانتا مليئتين بحروب الردة وإعادة فرض هيبة وهيمنة وسلطة الدين على القبائل والشعوب المرتدة التي امتنعت عن دفع الزكاة والجزية. وكان أبو بكر يعمل على تهميش الإمام علي وبني هاشم وإبعادهم عن الشأن السياسي وحصرهم في مهمة الإرشاد والوعظ الديني البحت، بل وصادر بعضاً من حقوقهم وصادر أرض فدك من فاطمة التي ورثتها عن أبيها بحجة أنه سمع النبي يقول إن الأنبياء لا يورثون، وهو الوحيد من بين الصحابة الذي يدعي أنه سمع هذا الحديث، وإن آل بيته لا تحل عليهم الزكاة. عهد أبو بكر قبل وفاته بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب بوصية أخذن شكل الأمر القطعي الذي لا يقبل الاعتراض أو الطعن وذلك سنة 634 ميلادي، وانطلق في فتوحات في شمال أفريقيا، أي الجزائر وتونس والمغرب الحالية والشرق الأوسط، أي مصر والعراق وفلسطين والأردن وسورية ولبنان حالياً، وشبه القاره الهندية وبلا فارس أو إيران الحالية، وأسس جيشاً إسلامياً جراراً وحقق بعض الانتصارات وأغتيل سنة 644. واختار عمر ستة من الصحابة لخلافته قبل وفاته على أن يختاروا أحدهم وكان من بينهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان اللذين كانا يتمتعان بأفضل الحظوظ من بين باقي المرشحين، وفي لعبة محبكة تم استبعاد علي من الخلافة واختيار عثمان بن عفان من البيت الأموي الذي كان ألد أعداء الإسلام وكان زعيم الأمويين أبو سفيان العدو اللدود لمحمد، لأن علي رفض أن يحكم بالقرآن والسنة ونهج الشيخين، أي الخليفتين السابقين أبو بكر وعمر، وأصر على الاجتهاد بنفسه في الإدارة، في حين وافق عثمان على هذا الشرط التعجيزي بالنسبة لعلي بن أبي طالب. أحدث عثمان بن عفان تغييرات كثيرة في منهجية الإدارة والحكم فحابى أبناء عشيرته وقربهم ومن بينهم مروان بن الحكم الذي نفاه النبي لسنوات طويلة، وجعل منه مستشاره الأقرب بل وأكثر من ذلك حيث كان بمثابة رئيس الوزراء في التركيبة الهرمية لسلطة الخلافة، وبيده ختم الخلافة. وعين معاوية ابن أبي سفيان والياً على الشام، أي سوريا الحالية وفلسطين ولبنان. وتصرف بحرية وبدون قيود برأس مال المسلمين أي بخزينة الدولة، وعامل بقسوة معارضيه من أجلاء الصحابة كعمار ابن ياسر وغيره. ثم قام بجمع القرآن في كتاب واحد واختار صيغة واحدة هي صيغة زيد وأحرق باقي الصيغ كصيغة ابن مسعود وغيره من كتبة القرآن وحافظيه، من باقي الصحابة. وبالطبع تجاهل صيغة القرآن التي جمعها وأعدها الإمام علي، وهذه قصة طويلة ومعقدة تحتاج لعدة مجلدات لدراستها وتحليلها. وبالطبع كان الهدف من جمع القرآن سياسياً أكثر من دينياً. لقد تنامت ضده حركة الاحتجاج ووصلت الى حد التمرد المسلح حيث طوق المتمردون على حكمه قصر الخلافة و اقتحموه وقتلوه بداخله سنة 656 ميلادي. اتهم الأمويون الإمام علي بتحريضه على قتل عثمان أو التستر على قاتليه وعدم الكشف عنهم ومحاكمتهم، ويشاع أن من بين الثوار محمد ابن أبو بكر شقيق عائشة زوجة النبي. بل إن هذه الأخيرة نفسها كانت تحرض الناس على قتل الخليفة وتقول:" اقتلوا نعثلاً فقد كفر" وتقصد به عثمان بن عفان. والحال أن الإمام علي لم يستخدم العنف والقوة قط ضد أي من معارضيه ممن سبقه من الخلفاء الثلاثة. وبعد مقتل عثمان اختار الناس ومعهم كثير من الصحابة الإمام علي كخليفة على المسلمين وهو الخليفة الراشدي الرابع بعد مضي 24 عاماً على وفاة الرسول. وحكم أربع سنوات وتسعة أشهر 656-661 كانت مليئة بالحروب والاضطرابات التي يمكن وصفها بأنها أول حرب أهلية بين المسلمين. كان الإمام علي محارباً شديد البأس، شجاعاً وكريماً وزاهداً وتقياً وعالماً فذاً ومتكلماً بليغاً، لكنه لم يكن سياسياً ناجحاً. أسلم في عمر العاشرة ورافق النبي منذ طفولته حتى مماته وكان يعتبر نفسه الخليفة الشرعي والمنطقي للمرشد الذي رباه وعلمه وزوجه ابنته وجعل منه منبع آل بيت النبوة ولم يكن يرغب بالسلطة من أجل السلطة بل كان يرغب بمواصلة نهج الرسالة المحمدية وتوحيد الأمة. كان يرى أن مهمته دينية لأنه يمتلك ناصية العلم المحمدي وكان النبي محمد يردد أنا مدينة العلم وعلي بابها. وخلال حكمه كان يحاول تفادي الصراع المسلح مع خصومه والمعترضين على خلافته وكان يعتبر كافة المسلمين متساوين في الحقوق والواجبات وإن الانتماء للإسلام يأتي فوق أي انتماء آخر للقبيلة أو العشيرة أو العائلة وكانت أولوية علي بن أبي طالب إيجاد نوع من المواطنة الإسلامية أو الدينية كأساس لا بد منه لنشر دين محمد وتوطيد أركان الرسالة الإلهية. كان يهتم بتنظيم شؤون الأمة أكثر من اهتمامه وحرصه على السلطة فالدولة ليست غاية بل وسيلة لتوحيد المؤمنين وكان متحمساً لدين محمد ونشره ولم يكن متحمساً لممارسة السلطة السياسية أو راغباً بتحقيق غايات ومصالح شخصية من خلال استغلال سلطة الخلافة. لم يكن هناك إجماع على خلافته لكنه كان يحظى بتأييد ومبايعة الغالبية العظمى من المسلمين في المدينة. تفاقمت التوترات الداخلية في جسد الأمة الإسلامية وتزايدت الصدامات والتمردات ونقض البيعة في عهده والطعن بشرعية خلافته من قبل عدد من الصحابة تتقدمهم زوجة النبي عائشة بن أبي بكر وكانت لديه ثلاثة أهداف رئيسية وهي فرض السلام على حدود الدولة الإسلامية وهيبتها وتأمين الاستقرار السياسي وكشف قتلة عثمان ومحاكمتهم وهذا هو تسلسل أولياته. كان أبرز الصحابة المتمردين على خلافة علي بن أبي طالب هما طلحة والزبير بن العوام في شتاء 656 حيث شكلا جيشاً كان على رأسه عائشة وهي تحرض المقاتلين ضد علي وجيشه في البصرة من على ظهر جمل محمي بالرجال والسلاح المحيطين بهودجها. كانت عائشة تكره علي منذ سنوات طويلة بسبب رأيه بتطليقها من النبي في أعقاب الشبهات التي حامت حولها في حادثة الأفك الشهيرة في تاريخ الإسلام، وظلت تحقد عليه وتتآمر ضده بل وحاربته عسكرياً عندما أصبح خليفة على المسلمين في موقعة الجمل الشهيرة التي راح ضحيتها آلاف المسلمين الذين كان يتحاربون ضد بعضهم البعض وهم من نفس العشيرة بل ومن نفس البيت ونفس العائلة. انتصر علي في هذه الحرب الأهلية وأعاد عائشة الى المدينة معززة مكرمة، وعفا عن بقية المقاتلين المتمردين ضده مما اثار حفيظة جزء من مقاتلي جيشه. انتقل علي من المدينة الى الكوفة في العراق التي نقل اليها مقر الخلافة ليكون في أقرب نقطة ممكنة من قوات معاوية ابن أبي سفيان الأموي والي أو حاكم سورية والمتمرد الآخر على خلافة علي بحجة الأخذ بثأر عثمان باعتباره من عشيرته بنو أمية. ولقد سبق لمعاوية أن اتهم علياً بمعرفة قتلة عثمان وإخفائهم والتستر عليهم بل وتحريضهم على قتل عثمان، وبهذه الذريعة الواهية أعلن معاوية الحرب على علي بن أبي طالب الخليفة الشرعي بعد فشل كل المفاوضات بين الاثنين وتعنت معاوية ووقعت المواجهة المسلحة سنة 657 بعد عام من واقعة الجمل في صفين بالقرب من منطقة الرقة الواقعة على الحدود العراقية السورية. تجمع أكثر من 70000 مقاتل ودارت حرب شعواء بين الجانبين وقع فيها كثير من القتلى والجرحى لا سيما بين صفوف جيش معاوية وكاد النصر أن يتحقق لعلي لولا اللجوء الى الخديعة عندما رفع المقاتلون الشاميون صفحات القرآن على الرماح وطالبوا بالتحكيم والقبول بالهدنة والاحتكام لكتاب الله ولم يتمكن علي من منع وقف المعركة ومواصلة القتال واضطر للقبول بالتحكيم مما أثار امتعاض جزء كبير من جيشه. غادر جزء لا بأس به من الجيش معسكر علي وجزء آخر من معسكر معاوية ممن لم يقبلوا بالتحكيم وشكلوا ما عرف فيما بعد بحركة الخوارج وكان ذلك بمثابة أول انشقاق صريح في الإسلام ورفعوا شعار لا حكم إلا لله. وكانوا متشددين ومتعصبين سياسياً وعقائدياً، لم يبق منهم الكثير في أيامنا هذه سوى عدد قليل في سلطنة عمان وقليل منهم يعيش في تونس والجزائر. وكان ممثل علي في التحكيم أبو موسى الأشعري قد تنازل عن خلافة علي وخلعه فيما تشبث فيها عمرو بن العاص ممثل معاوية في التحكيم وثبت معاوية خليفة للمسلمين ومن ثم سيطر معاوية على مصر ووضع عمرو بن العاص والياً عليها وتابعاً له، فيما ظل علي خليفة على باقي الولايات الإسلامية في المدينة ومكة واليمن والعراق وشمال افريقيا الخ.. نظم الخوارج ثلاث عمليات إرهابية انتحارية ضد علي ومعاوية وعمرو بن العاص في نفس الوقت ففشلو ضد عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان الذي تعرض لجروح طفيفة ونجحوا في اغتيال علي لأن قاتله عبد الرحمن ابن ملجم ضربه على رأسه بسيف مسموم وتوفي الإمام الخليفة بعد ثلاثة أيام متأثراً بجراحه. أختار أتباع علي الحسن بن علي ابن ابي طالب خلفاً لأبيه لمنصب الخلافة ولكن من دون توصية من قبل علي، ومن وجهة نظر شيعية يكون الحسن قد ورث عن أبيه الإمامة والمنصب الديني وقبل باختيار المسلمين له للمنصب السياسي أي الخلافة. زحف معاوية بجيش جرار على الكوفة مقر خلافة الحسن لكن موازين القوى عسكرياً لم تكن تميل لصالح الحسن بعد تخلي جزء كبير من جيشه عنه ورفضهم القتال معه ضد جيش معاوية المدجج بالعدة والسلاح والخيل فوافق الحسن على الصلح مع معاوية والتنازل عن الخلافة مقابل مردود مادي منتظم ووعد بأنه سيصبح الخليفة القادم بعد وفاة معاوية. استمرت خلافة معاوية من 661 الى 750 ميلادية وكان رجل دولة وداهية ومتأثراً بنمط الحكم البيزنطي والروماني وقام بنقل مقر الخلافة من الكوفة الى دمشق والحط من قيمة مدينة النبي يثرب العاصمة الإسلامية الأولى سابقاً فأسس دولة حديثة مبنية على الملكية الوراثية وصك النقود وفرض الضرائب وشكل جيشاً محترفاً. وكان يضع كل السلطات الدينية والمدنية والعسكرية والاقتصادية بين يديه، أي كان حاكماً مطلقاً على غرار القياصرة. وقبل وفاته قام بتسميم الحسن على يد زوجته جعدة التي وعدها بتزويجها لابنه يزيد ثم تنصل عن وعده وقتلها بعد أن قتلت الحسن بالسم. وصار يراقب آل البيت ويحصي عليهم أنفاسهم ويضيق عليهم الخناق ويطارد اتباعهم بالقتل والتعذيب والتشريد ويشتم الامام علي من على منابر المساجد ويحط من قيمته ودوره ويشوه تاريخه وكان اتباع علي يتنكرون لمعتقداتهم باستخدام التقية واخفاء مشاعرهم ومواقفهم الحقيقية خوفاً من بطش معاوية. توفي معاوية سنة 680 ميلادية بعد أن أخذ البيعة لولده يزيد بالقوة وبالاغراءات المالية والمادية للصحابة والتابعين وهنا بدأت المرحلة الثانية من تكون التشيع ككيان متميز داخل الإسلام، خاصة عندما أعلن الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب رفضه مبايعة يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان خليفة للمسلمين وأعلن الثورة عليه من المدينة التي غادرها الى مكة ، في البداية، ومن ثم من العراق التي وصلها بصحبة 72 من أتباعه المخلصين وآل بيته. حوصر من قبل جيش يزيد في منطقة تسمى كربلاء في العراق وخير بين الموت أو الاستسلام ومبايعة الخليفة يزيد إلا أنه رفض وقاوم حتى قتل هو وأصحابه وأفراد عائلته فيما عدا الأطفال والنساء وأحد أبنائه الذي كان مريضاً هو علي بن الحسين السجاد. اعتبر الشيعة موقف الحسين نموذجاً للثورة ضد الظلم ورمزاً للمقاومة والإباء والحفاظ على الكرامة وصيانة الرسالة النبوية. لكن تخطيطه العسكري لم يكن موفقاً ولم يأخذ بالاعتبار توازنات القوى والخلل في الميزان العسكري بين جيشه وجيش خصمه يزيد بن معاوية، حتى لو فسر الشيعة ذلك على نحو بطولي وتراجيدي بأنه كان يعرف مصيره مسبقاً وأنه سيستشهد لا محالة ومع ذلك لم يتردد أو يذعن أو يتنازل. وهكذا بني الفكر الشيعي على سيرة شخصيتين محوريتين هما الإمام علي والإمام الحسين وصارت الأماكن المقدسة الشيعية هي مراقد الشهداء في العراق، علي في النجف والحسين في كربلاء. وابتعدت الشعائر والطقوس الدينية الشيعية رويداً رويداً عن الممارسات السنية وصار الشيعة يستذكرون بألم وأسى ذكرى موقعة الطف في كل سنة في عاشوراء بينما لا يعيرها السنة نفس الاهتمام. ثم دخل مفهوم التقية والاجتهاد عند الشيعة وهما مفهومان دينيان غريبان وغير محبذان عند أهل السنة. وتمكن الشيعة من تأسيس مؤسسة دينية منظمة ومستقلة أشبه بالفاتيكان الكاثوليكي المسيحي ألا وهي مؤسسة المرجعية الدينية الشيعية وهي غير موجودة في الممارسات والمؤسسات الدينية السنية، ويقابلها الجامع الأزهر الشريف في مصر والذي أسسه الفاطميون الشيعة في الأساس. وعلينا أن نتذكر أن الاجتهاد قد توقف عند السنة في القرن الحادي عشر الميلادي عند أربعة مدارس فقهية في المذهب السني وهي المالكية التي أسسها مالك إبن أنس ومنتشرة في شمال أفريقيا ومصر والسودان، والشافعية التي أسسها الإمام الشافعي المتبعة في مصر وأندونيسيا وماليزيا واليمن وسلطنة بروناي، والحنبلية التي أسسها أحمد إبن حنبل والمتبعة في العربية السعودية وقطر ومنها انبثقت المدرسة الوهابية المتشددة والمدرسة الحنفية المنتشرة في العراق. وكلتا الطائفتين الرئيسيتين في الإسلام تدعيان أنهما الفرقة الناجية التي تحدث عنها النبي محمد في حديث مشكوك في صحته. بلغت عدد صفحات الكتاب 250 صفحة وصدر في أواسط عام 2013 عن منشورات غراسيه وتضمن ثلاثة أقسام حيث كرس القسم الأول لأصول وجذور التشيع تاريخياً وهو الذي عرضناه أعلاه في مقالتين ، بينما كرس القسم الثاني لبحث الخلافات العقائدية ولخصوصية التشيع باعتبار التشيع تيار رئيسي وفي نفس الوقت أقلية في المجتمع الإسلامي وتميزه بممارسات وشعائر وطقوس خاصة مثل التعزية وطقوس عاشوراء وغير ذلك مع لمحة سريعة لتطور التشيع تاريخياً منذ الأصول إلى يومنا هذا. أما القسم الثالث فقد خصصه المؤلف لجيوبولتيك التشيع في الوقت الحاضر من خلال الحديث عن الثورة الإسلامية في إيران وتنامي الفكر الشيعي وانتشاره وتوزعه الجغرافي وطبيعة السلطة الإيرانية وهل يجب أن نخشى إيران. مع مجموعة من الوثائق والخرائط والمصطلحات. وسنكرس المقالات القادمة لعرض القسمين الثاني والثالث من الكتاب. يتبع
قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام رؤية غربية ــــ 3 ـــ خلافات عقائدية وخصوصية التشيع
مراجعة وإعداد د. جواد بشارة أهم ما يميز الفكر الشيعي عقائديا وسياسياً هو مفهوم الإمامة التي جعلها الشيعة من الأصول و كذلك طبيعة الإمام الذي اعتبروا أنه منصوص عليه من الله بالنص وبالتالي فهو معصوم عن الخطأ، أي أضافوا مفهوم العصمة، وإن الإمامة متوارثة حيث ينص كل إمام على من سيخلفه بالاسم الصريح تفاديا للإشكال الذي حدث بعد وفاة النبي وادعاء اهل السنة والجماعة ان النبي لم يسمي احداً بالاسم الصريح وبالنص المكتوب لكي يخلفه، وإن الأمر يبقى محصوراً بنسل النبي وذريته من فاطمة ابنته وعلي صهره زوج ابنته وابن عمه وربيبه ويستمر في نسل الحسين بن علي حصراً وهذا ما ثبته منظر الشيعة واشهر أئمتها جعفر الصادق 703-765 وهو ابن محمد الباقر ابن علي ابن الحسين السجاد ابن الحسين بن علي ابن ابي طالب، وهو الإمام السادس من الأئمة الإثني عشر الذي قال إن النص ووراثة الإمام ناجم عن إرادة إلهية خفية أو مستترة لا يعرفها إلا الأئمة المعنيين أنفسهم، بينما لا يعني الإمام في الفقه السني سوى الشخص الذي يؤم الناس في صلاة الجماعة فهو الذي يقود صلاة الجماعة يوم الجمعة. كما أضاف الشيعة مبدأ التقية، أي إخفاء إيمانهم وإظهار ما يخالفه علناً حماية للنفس من القتل والأذى، ولقد مارسوا هذا المبدأ منذ وفاة علي الخليفة الراشدي الرابع، وذلك خوفا من بطش معاوية وباقي الخلفاء الأمويين الممارس ضد الشيعة. وهناك مبدأ البداء ومفهوم الغيبة وهي جزء جوهري من عقائد الشيعة وغير موجودة عن أهل السنة. فالبداء يعني أن الله أراد شيئاً وبداء له بعد ذلك شيئاً آخر فالإمام السادس جعفر الصادق عين ابنه البكر إسماعيل إماماً يخلفه حسب نص إلهي عليه كما أخبر أتباعه إلا أن إسماعيل توفي قبل أبيه جعفر الصادق ومن المفروض أن تبقى الإمامة في نسل إسماعيل لذلك انشق الشيعة بعد وفاة جعفر الصادق وظهرت الطائفة الإسماعيلية، نسبة لإسماعيل ابن جعفر الصادق وابنائه واحفاده ونسله، احتجاجاً على اختيار جعفر الصادق 703-765 بديلاً لإسماعيل في شخص موسى الكاظم 745-799 الذي حبسه الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد سنين عديدة ومن ثم اغتاله بالسم، واعتبر الشيعة الإثني عشرية موسى الكاظم بمثابة الإمام المعصوم السابع بينما اعتبر الإسماعيليون إسماعيل المتوفي قبل والده هو الإمام السابع وتوقفوا عنده وسموا بالشيعة السبعية واعتبر بعضهم ان إسماعيل هو المهدي المنتظر. فبعد استشهاد الإمام الحسين في كربلاء على يد جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، تعاقب تسعة أئمة وشكلوا القاعدة الإيمانية والعقائدية للشيعة الإثني عشرية. وتنتهي سلسلة الإمامة عند الإمام الثاني عشر محمد المهدي ابن الحسن العسكري الذي اختفى وغاب عن الأنظار بأمر إلهي سنة 874 ميلادية. ويعتقد الشيعة بضرورة وجود الإمام، حاضراً أم غائباً لإدارة شؤون الأمة الإسلامية والعالم. ولقد كان هناك انشاق طائفي آخر في نسيج المذهب الشيعي عند وفاة الإمام السجاد علي ابن الحسين 658-713 فانحاز بعض الشيعة نحو ابنه زيد ابن علي الثائر ضد الحكم الأموي الذي اعتبره بعض اتباعه انه لم يستشهد بل غاب وانه هو الامام المنتظر، بينما التفت الأغلبية حول شخص الإمام محمد الباقر 676-743 الذي اختاره السجاد خلفاً له. وسمي اتباع زيد بن علي بالزيدية الذين ما يزالون الى اليوم متواجدون في اليمن الحالي. وخلف الإمام علي الرضا 765-818 والده موسى الكاظم وأعقبه ابنه محمد الجواد 810-835 باعتباره الإمام التاسع ومن بعده علي الهادي 827-868 باعتباره الإمام العاشر وخلفه في الإمامة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري 846-874 ، الذي يتبعه العليون من خلال ابن نصير لذلك سموا النصيرية، وأخيرا الإمام الثاني عشر محمد المهدي الذي يدور حوله لغط كبير وغموض، حتى أن البعض أنكر وجوده وإنه لم يولد أصلاً في حين اعتبره الشيعة الإثنا عشرية الامام الغائب الذي سيعود في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن ملئت ظلماً وجورا. يقول الشيعة الإثني عشرية أن الإمام الثاني عشر المهدي غاب مرتين الغيبة الصغرة والغيبة الكبرى وبين الغيبتين كان يتصل بسفراء له كان عددهم طيلة الغيبة الصغرى أربع سفراء. وبوفاة آخر السفراء غاب غيبته الكبرى التي ما تزال مستمر الى يوم الناس هذا، منذ سنة 874 ميلادية. يستند الشيعة في عقائدهم الى نفس المصادر الأساسية للدين ألا وهي القرآن والسنة النبوية والأحاديث ولكن مصادرهم ورجالات الحديث عندهم يرجعون للأئمة ولآل البيت النبوي أكثر من رجوعهم للصحابة ناقلي أحاديث النبي وبالتالي لهم صحاحهم الخاص الذي يختلف عن صحاح أهل السنة، وعنوانه الكافي. فتجسد الله ورؤيته يوم القيام يكون مجازياً عند الشيعة وواقعياً عن السنة، كما يعتقد الشيعة أن الإنسان حر في اختياراته ومسؤول عن أفعاله، عكس مقولة القضاء والقدر بصيغتها الأورثوذوكسية الإسلامية. وهناك طوائف شيعية أخرى انسلخت عن الجسد الشيعي على مر الأزمان كالفاطميين والدروز والعلويين الخ.. ترسخ الخلاف الفقهي والعقائدي بين السنة والشيعة في الإسلام أكثر فأكثر خاصة بعد أن أغلق السنة باب الاجتهاد وتركه الشيعة مفتوحاً إلى يومنا هذا وظهرت طبقة من علماء الدين الشيعة، بدرجات ومراتب هرمية من طالب حوزة إلى ملا ومن ثم حجة الإسلام والمسلمين ومن ثم مجتهد، وهناك مجموعة كبيرة من المجتهدين وحولهم الكثير من المقلدين ومن بينهم برزت مجموعة من العلماء يحملون مرتبة آية الله وآية الله العظمى ومن بين هؤلاء تكونت المرجعية الدينية الشيعية التي تضم عدة مراجع ومن بين هؤلاء في هذه التركيبة الهرمية المراتبية يتم اختيار المرجع الأعلى بما يمكن مقارنته بمؤسسة الفاتيكان المسيحية الكاثوليكية ويمارس الفقهاء والعلماء ورجال الدين الشيعة بدرجة آية الله العظمى والمرجع أغلب مهام وصلاحيات الإمام الغائب وليس كلها. وكانوا في غالبيتهم الساحقة يرفضون ممارسة السلطة السياسية الدنيوية لأنها من حق الإمام الغائب المهدي المنتظر فقط ولا يعترفون بشرعية السلطات والأنظمة الدنيوية التي تحكم العالم الإسلامي. إلى أن ظهر مرجع كبير هو آية الله العظمى روح الله الخميني الذي قلب هذه المعادلة ونادى بسلطة الولي الفقيه في نظرية ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية التي يقودها مراجع الدين تمهيداً لظهور الإمام المهدي، وانقسم رجال الدين الشيعة بين مؤيد لهذه النظرية ومعارض لها. ولا وجود لمثل هذه المؤسسة الدينية المستقلة في الفقه السياسي والديني السني، هناك بعض الشيوخ المتخرجين من جامعة الأزهر ومثيلاتها في العالم الإسلامي يجري تعيينهم من قبل الأنظمة الحاكمة كموظفين في الدولة للقيام بمهماد الارشاد والتوجيه الديني ولإمامة صلاة الجمعة وإلقاء الخطب والمواعظ. ولا يوجد عالم مجتهد سني اليوم فهم جميعاً مقيدون بالنص القرآني حرفيا وبالأحاديث والتفاسير الموجودة لأن باب الاجتهاد أغلق منذ نهاية القرن الحادي عشر الميلادي. يتحسس السنة من بعض الممارسات الطقوسية والشعائرية الشيعية والممارسات الاجتماعية مثل التعزية التي تقام في عاشوراء لمدة عشرة أيام ويجري فيها تسيير مواكب عزاء ولطم الصدور وجلد الظهور بالسلاسل وضرب الرؤوس بالسيوف الخ.. وإباحة ما يسمى بالزواج المؤقت أو زواج المتعة التي يحرمها أهل السنة ويعتبرونها نوعاً من البغاء المشرع والتي حرمها عمر كما يقولون بينما يعترض الشيعة على تحريمها ولكنهم وضعوا لها الضوابط والقيود والتشريعات اللازمة. يشكل الشيعة نسبة 10% من عدد المسلمين في العالم، أي أن هناك 90% من المسلمين من أهل السنة. يشكل الشيعة أكثر من 98% من سكان إيران و70% من سكان البحرين و65% من سكان العراق ويعتقد أن عدد الشيعة في الخليج يصل إلى 70% منهم 10% في السعودية وفي الكويت تصل نسبتهم الى 25% وفي قطر 20% من مجموع سكان البلدين، وهم أكثر من ثلث السكان في لبنان وتوجد نسبة كبيرة منهم في اليمن وسورية وفي الهند والباكستان وأفغانستان والصين وأذربيجان وتركيا لكنهم ليسوا فقط من الشيعة الاثني عشرية بل من طوائف شيعية متنوعة كالزيدية والاسماعيلية والعلوية والدرزية. وبعض الشيعة في دول الخليج مضطهدين كما في السعودية والبحرين وقطر، إلا أن ظروفهم وأحوالهم أفضل قليلاً في الإمارات العربية المتحدة والكويت. لم يذق الشيعة طعم السلطة إلا لفترة قصيرة في عهد الدولة الفاطمية التي سقطت سنة 1171 ميلادي. ونزح الكثير منهم إلى المناطق الجبلية والنائية للاحتماء من بطش السلطات لهم كما فعل الدروز والعلويين في سورية ولبنان وتركيا. أما في إيران فوضعهم مختلف. ففي سنة 1501 ميلادية فرضت السلطة الصفوية، المنحدرة من قبائل تركية من آسيا الوسطى، والحاكمة في إيران ذات الأغلبية السنية، مذهب الشيعة الإمامية كدين رسمي للإمبراطورية الفارسية، في محاولة لخلق ثقل موازي للسنة المهيمنين على العالم الإسلامي وتم تشييع السكان بالقوة أحياناً وبالترهيب والترغيب أحياناً أخرى وبالإقناع والتبشير في كثير من الأحيان في حملات منظمة تقودها الدولة. وبقيت بعض الأقليات التركمانية والكوردية والبالوتشية على مذهبها السني وقاومت حملة التشييع. وفي القرن الثامن عشر الميلادي، بوصول سلالة القاجاريين للسلطة في إيران، تبلورت فكرة تأسيس المؤسسة الدينية المنظمة المتمثلة بالمرجعية وبالحوزات العلمية في قم ومشهد وفي النجف وكربلاء وسامراء والحلة وكلها تتمتع بالاستقلال التنظيمي والمالي، إلى درجة أنها شكلت قوة موازية ومنافسة لقوة الدولة خاصة في نهاية القرن التاسع عشر مع تآكل وانحسار سلطة القاجاريين ولقد نظمت المرجعية سنة 1890 انتفاضة شعبية ضد قرار الشاه بمنح امتياز احتكار تجارة التبغ لانجلترا وظهر مراجع الشيعة بصورة المدافعين عن مصالح الوطن والمسلمين. وفي بداية القرن العشرين نشب صراع على النفوذ بين السلطة الدنيوية الشيعية الحاكمة الممثلة بالشاه والمؤسسة الدينية الممثلة بالمرجعيات والحوزات أو المدارس الدينية وتراجع نفوذ رجال الدين سنة 1906 بفعل الإصلاحات الليبرالية التي سنها الشاه على غرار النموذج الغربي خاصة بعد انقلاب الشاه رضا خان بهلوي سنة 1921 وكان من المعجبين بمصطفى أتاتورك في حركة التحديث والعصرنة وإنهاء الخلافة الإسلامية السنية. التشيع العراقي: ولد التشيع، بمعناه الحديث والمنظم، في العراق، بعد أن كان موجوداً بصورة هلامية أو غير مباشرة في الأيام الأخيرة من حياة الرسول، وعلى نحو خفي أو مستتر، ثم برزت ملامحه في فترة الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، وتجذر في فترة الخليفة الراشدي الرابع على ابن أبي طالب الذي نقل عاصمة الخلافة إلى الكوفة في العراق وبذلك أصبح العراق هو موطن التشيع الأول منذ ذلك الحين. يبلغ عدد الشيعة في العراق اليوم ما يقارب الــ 65% من مجموع السكان الإجمالي الى جانب العرب السنة والاكراد السنة، هناك ايضاً أكراد شيعة يسمون الفيليين، وهناك تركمان شيعة وتركمان سنة وهناك مسيحيين آشوريين وكلدان وأزيديين وشبك وصابئة الخ. كان العراق خاضعاً للإمبراطورية العثمانية التي لم يعترف بحكمها الشيعة لأنهم كان يعاملون على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية أو تبعية فارسية. وبعد الحرب العالمية الأولى وتفكيك الإمبراطورية العثمانية أسس البريطانيون العراق الحديث بحدوده الحالية من جمع ولايات البصرة والموصل وبغداد في كيان سياسي واحد ووضعوا على رأسه أحد أبناء الشريف حسين شريف مكة وهو الأمير فيصل الأول الذي توجوه ملكاً على العراق، وهو سني رغم انحداره من العائلة الهاشمية التي تنتسب لبني هاشم قبيلة النبي والإمام علي وآل البيت. كان تأسيس العراق على يد بريطانيا هو لإتمام وتأمين الطريق البري نحو المستعمرات البريطانية الهندية ولكبح جماح آل سعود، وضم العراق الحديث فسيفساء سكاني متنوع المكونات الرئيسية الثلاثة فيه هي الشيعة والسنة والأكراد ومجموعة أخرى من الطوائف والأديان والقوميات المختلفة. في سنة 1920 ثار شيعة العراق ضد الاستعمار البريطاني لكن الانجليز أخمدوا الثورة بالحديد والنار بالتعاون مع حلفائهم الهاشميين ومنحوا العراق استقلالاً شكلياً سنة 1930 ونصبوا على العراق ملكاً هاشمياً من أبناء الشريف حسين هو الأمير فيصل الأول من أهل السنة ومعه أغلبية المراكز الرئيسية السيادية في الدولة الجديدة من الأقلية السكانية السنية العربية. لم يفلت العراق الجديد من لعبة المنافسات الدولية إبان الحرب الباردة بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية وتحول الى عنصر ضغط ومناورة لتطويق الاتحاد السوفيتي باعتباره أحد الموقعين على حلف بغداد سنة 1955. وفي سنة 1958 تفجرت أول ثورة على يد الجيش قلبت نظام الحكم وحولته من الملكية إلى الجمهورية بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم وتحالف هجيني بين عدد من الأحزاب والقوى السياسية العراقية المتنافرة من بينها الحزب الشيوعي وحزب البعث والحزب الوطني الخ. وفي تلك الفترة بدأت هجرة واسعة من الريف الى المدينة في جميع انحاء العراق قام بها الشيعة الفقراء بحثاً عن لقمة العيش وتشكيل طبقة من الفقراء والكادحين المهملين من قبل السلطة المركزية السنية الأمر الذي استثمره الحزب الشيوعي لتعبئة الشارع الشيعي وضمه لصفوف الحزب وتحويل هذه الأعداد الهائلة من البروليتاريا الى مناضلين اشداء مما أثار حفيظة المرجعية الدينية الشيعية في العراق وخشيتها من تغلغل الفكر الإلحادي الشيوعي بين صفوف الشيعة عبر عدة أجيال فبادرت النخبة الشيعية في الحوزة بقيادة آية الله محمد باقر الصدر بتأسيس حزب الدعوة الإسلامية سنة 1957 لبث الوعي السياسي الديني بين الشباب الشيعي. وتحالفوا مع حزب البعث لإطاحة الجنرال قاسم وحليفه الحزب الشيوعي العراقي سنة 1963. قام الجيش العراقي بقيادة الجنرال عبد السلام عارف بحركة انقضاض على حزب البعث أو على جناحه المدني وابعاده عن السلطة سنة 1964 ثم عاد حزب البعث الى السلطة بانقلاب عسكري سنة 1968 وناصب الشيعة العداء وحارب بشراسة وعنف لا مثيل له حزب الدعوة الإسلامية الشيعي وأعدم الآلاف من منتسبيه خاصة بعد احتكار صدام حسين لجميع السلطات والمناصب المدنية والعسكرية في الدولة سنة 1979. حاصر نظام صدام حسين الدكتاتوري ذو الطبيعة الاستخباراتية المجتمع الشيعي العراقي برمته وخاصة الحوزة الدينية والمرجعية، ثم قام بإعدام مؤسس حزب الدعوة المرجع الديني آية الله العظمى محمد باقر الصدر سنة 1980 وشن حرباً شعواء ضد إيران الشيعية بعد اندلاع الثورة الإسلامية بقيادة آية الله العظمى الإمام الخميني أستاذ المرجع الديني العراقي آية الله الصدر. لقد غيرت الثورة الإسلامية في إيران كافة المعطيات الجيوسياسية والجيواستراتيجية في المنطقة وكان تأثيرها كبيراً على توازنات القوى الاجتماعية في العراق. وخاف نظام صدام حسين من ظهور وعي سياسي ومطالبي لدى الشيعة في العراق على غرار من حدث في إيران فزج الشيعة في حرب تدميرية عبثية ضد إيران كان شيعة العراق هم وقودها وفي الصفوف الأولى في جبهات القتال.
قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام رؤية غربية ــــ 4 ـــ جيوبولتيك التشيع في الوقت الحاضر مراجعة وإعداد د. جواد بشارة
كانت سنة 1977 قد شكلت انعطافه في حياة الدولة الإيرانية يمكن أن نسميها ربيع طهران الذي انطلقت شرارته في أعقاب رسالة مفتوحة بعثها علي أصغر حاج سيد جوادي لشاه إيران، وكانت المفاجأة أن هذا الباحث الجريء لم يعتقل أو يسجن ولم يتعرض للتعذيب والملاحقة كما هو حال الآلاف من المثقفين الإيرانيين، مما شجعهم على التحدث والنقاش والنقد على خلفية وصول جيمي كارتر لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي تم انتخابه بفضل برنامجه لصالح حقوق الانسان. اسند نظام الشاه مهمة قمع المعارضين للبوليس السري السافاك وادعى أنه لم يكن يعلم بالتجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها هذا الجهاز القمعي الرهيب على يد عناصر منفلتة وغير منضبطة. وكلما تصاعدت وتيرة القمع والممارسات القمعية الدموية وعمليات التعذيب اللاإنسانية، كلما تفاقمت حركة الاحتجاجات الجماهيرية. وفي شهر شباط فبراير 1978 تعبأة الجماهير الشيعية في تبريز بمناسبة مراسم العزاء الدينية في عاشوراء وهوجمت مقرات السلطة ومؤسساتها الحكومية وأحرقت رموز النظام الامبراطوري الشاهنشاهي ورموز الحضارة الغربية المنحطة برأيهم كدور السينما ومحلات الموضة الفاخرة ومحلات بيع الكحول الخ..، وكانت بمثابة شرارة انطلاق الثورة الإسلامية. لم يستطع البوليس وقف التظاهرات والتمرد الجماهيري فاستعان بقوات الجيش الذي فتح النار على المتظاهرين وكانت الحصيلة سقوط مئات الضحايا من المدنيين والمتمردين من قادة التمرد الجماهيري. التحق البازار الإيراني وطبقة التجار بحركة التمرد وأعلنوا الإضراب العام احتجاجاً على القمع الدموي والفساد المستشري في جسد النظام الامبراطوري. اقتنص الإمام الخميني المعارض للشاه منذ العام 1963 والمنفي منذ ذلك الوقت في العراق الفرصة ليقود المعارضة من منفاه العراقي لكن صدام حسين أرغمه على مغادرة النجف حيث كان يعيش ويدرس في الحوزة فاتجه الى فرنسا في نوفل لوشاتو. أعلن النظام الإيراني حالة الطوارئ وفرض الاحكام العرفية وأطلق الجيش النار على المتظاهرين في الجمعة السوداء في 8 أيلول سبتمبر 1978. كانت الولايات المتحدة مرتبكة وتخشى فقدانها حليفها الاستراتيجي شرطي الخليج كما كانوا يسمونه. كانت الجمعة السوداء تمثل الضربة القاصمة بالنسبة لنظام الشاه ولم يعد ممكنناً العودة الى الوراء وتبلورت مطالب المتظاهرين وتصلبت وصارت تطالب بإسقاط الشاه وانتشرت حركة الاحتجاج وامتدت الى الطبقة الوسطى وهي العمود الفقري للنظام وأعلن الاضراب العام وتوقف صادرات النفط وهي تطورات شلت البلاد كلياً، وأمر الإمام الخميني الناس الصعود الى سطوح المنازل والبنايات في الساعة الثامنة مساءا والصراخ بنداء الله أكبر وليسقط الشاه فلبى الناس هذا النداء. شعر النظام بالهزيمة والخذلان داخليا وخارجياً ونزل للشوارع أكثر من ملوني متظاهر في شوارع طهران بمناسبة عاشوراء في 10 و11 ديسمبر 1978 وشعرت السلطة بعجز تام عن وقف هذا المد الجماهيري وتفاقم الوضع فغادر الشاه إيران ودخل الإمام الخميني منتصرا حيث استقبلته الملايين بحفاوة وهم يرددون استقلال حرية جمهورية إسلامية، وهي رسالة مبطنة للعلمانيين بأن العهد القادم سيكون إسلامياً بامتياز. هرب آخر رئيس وزراء للشاه وهو المعارض السابق شاهبور بختيار وحل محله أول رئيس وزراء للثورة الإسلامية وهو المهندس مهدي بزركان في ظرف بالغ الصعوبة والخطورة والتدهور اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً بعد تفكك الآلة العسكرية وهروب أو مقتل القادة العسكريين والأمنيين. وتم تأسيس حزب الجمهورية الإسلامية بعد الثورة مباشرة الذي صار يطارد أتباع الشاه ويصفيهم ثم التفت لمحاربة الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين ابتداءاً من عام 1980 وقتل منهم أكثر من 10000 شخص. ودفع الآلاف من اليهود والبهائيين والمسيحيين والسنة للهجرة والمنفى. تبنت إيران رسميا صفة الجمهورية الإسلامية في الأول من نيسان أبريل 1979 في أعاقب استفتاء شعبي أجري وكان مؤيداً بنسبة 98% وهكذا نشأت أول دولة شيعية رسمياً منذ 1501 سنة وتمت الموافقة في 12 ديسمبر من نفس العام على أول دستور للجمهورية الإسلامية عبر الاستفتاء العام. واستند النظام السياسي الإيراني الجديد على الإسلام الشيعي وحكومة يقودها الولي الفقيه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وهو آية الله العظمى المرجع الديني روح الله الخميني مع وجود مظاهر للنظام الجمهوري مثل الانتخابات العامة لرئيس الجمهورية، الذي حددت ولايته بأربع سنوات تجدد مرة واحدة، وانتخابات للسلطة التشريعية والبرلمان أو مجلس الشورى، إلا أن القائد الحقيقي للنظام هو المرشد الأعلى الولي الفقيه. وانتشر ممثلو الإمام القائد في كل مكان في الجامعات والمؤسسات الحكومية العامة وفي كل مفاصل الدولة وألغي الاختلاط بين الجنسين وفرض لبس الحجاب على النساء وتم تشكيل ميليشيات مسلحة بموازاة الجيش والشرطة تمثلت بحراس الثورة والباسيديج أو المتطوعين لحماية النظام وفرض أحكامه قسراً وبالقوة على الناس. وعلى صعيد السياسة الخارجية أعلنت إيران مبدأ لا شرقية ولا غربية إلا أن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق كانت طبيعية وودية في حين أنها تدهورت وتشنجت مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وإسرائيل ووصف الخميني الولايات المتحدة الأمريكية بالشيطان الأكبر وإسرائيل بالشيطان الأصغر. وفي 4 نوفمبر 1979 هاجمت مجموعة من الطلاب والشباب السائرين في خط الإمام مبنى السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 دبلوماسياً أمريكياً كرهائن. كان ذلك الحدث فريداً على صعيد العلاقات الدولية واستمرت محنة الرهائن لأكثر من عام وكانت بمثابة صفعة وإهانة كبيرة لهيبة الولايات المتحدة الأمريكية وللرئيس جيمي كارتر، ولقد قررت إيران إطلاق سراح الرهائن في يوم انتخاب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية خلفاً لجيمي كارتر. قطعت الجمهورية الإسلامية على الفور العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وكان أول زعيم سياسي تتم دعوته رسمياً من قبل النظام الإيراني الجديد هو ياسر عرفات وحولت السفارة الإسرائيلية الى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية. كانت الجمهورية الإسلامية في إيران تطمح في تصدير ثورتها للعالم الإسلامي برمته مما جعل دول الخليج العربية التي تضم أقليات شيعية بين صفوف شعبها، تخشى من عدوى النموذج الإيراني وشعرت بتهديد الثورة الإيرانية الشيعية عليها. مما دفعها لحث وتشجيع نظام صدام حسين السني على مهاجمة إيران في سنة 1980 ودعمه بالمال والسلاح ودعم وتشجيع وتأييد علني أو مبطن من قبل الدول الغربية. لكن العراق فشل في زعزعة نظام الجمهورية الإسلامية ناهيك عن إطاحته، ودامت الحرب الدموية ثمانية أعوام تسببت بمقتل مليون شخص وأكثر من ذلك من الجرحى والمصابين والمعوقين والأسرى واستنزاف للقدرات البشرية والاقتصادية للبلدين لكنه نجح في منعها من تصدير ثورتها للدول العربية ولم تنجح إيران في تعبئة الأقليات الشيعية الموجودة في دول الخليج ولا الأغلبية الشيعية في العراق وتلبية نداء المرشد الأعلى للثورة الإسلامية للثورة على الأنظمة القائمة في الوطن العربي ولم تنجح إيران سوى في تأسيس حزب الله اللبناني. اتخذ التنافس السني الشيعي في العالم الإسلامي في القرن العشرين الطابع السياسي الحزبي المنظم منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر في بدايات القرن المنصرم وانتشارها في سورية والعراق، وظهور الحركة الوهابية في العربية السعودية، بالرغم من وجود قضايا مشتركة بينهما كالقضية الفلسطينية، على الأقل ظاهرياً. وبالرغم من كون الشيعة أقلية في العالم الإسلامي، إلا أن لهم حضور ملموس ومتميز بالرغم من قلة عددهم الذي يقارب 140 مليون من مجموع مليا ر ونصف المليار مسلم في العالم. وهم لا يتجاوزون نسبة العشرة بالمائة، فهم يشكلون نسبة 98% من مجموع سكان إيران و 80% من سكان أذربيجان و 75% من سكان البحرين و 65% من سكان العراق من العرب والكورد والتركمان و 30% من سكان لبنان و 25% من سكان الكويت 20% من سكان تركيا ونفس النسبة في أفغانستان والباكستان و 10% من سكان العربية السعودية، بعضهم ثار وتمرد على أوضاعهم المزرية ومعاملته كمواطنين من الدرجة الثانية وربما أدنى من ذلك، والبعض الآخر يتحين الفرص وينتظر الوقت المناسب، وبعضهم وصل للسلطة في ظروف خاصة كما في العراق أو فرض وجوده بقوة السلاح كما في لبنان وثاروا على تهميشهم الاجتماعي والسياسي. لم ينقطع الصراع السني الشيعي الدائر منذ قرون عديدة لكنه تجذر منذ تبني الصفويين للمذهب الشيعي في إيران كمذهب رسمي للدولة في القرن السادس عشر الميلادي وتحولت الى ما يشبه الفاتيكان الشيعي، الأمر الذي يفتقد إليه السنة رغم غالبيتهم السكانية. في سنة 1979،وبعد الغزو السوفيتي لأفغانستان وتفجير الثورة الإسلامية في إيران، تحققت انطلاقة هائلة للإسلام الراديكالي بشقيه الآيديولوجي التبشيري والجهادي التكفيري ذي الممارسات الإرهابية والعنفية، ولقد برز في هذا الإطار شخص مهم كان وراء الكثير من التطورات عالم الإسلام الجهادي التكفيري وهو الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز الذي قاد المخابرات السعودية لعقود طويلة في المملكة العربية السعودية وكان وراء التحول الجذري في الباكستان سنة 1977، من المدرسة الحنفية المعتدلة الى المدرسة الحنبلية المتشددة التي أفرزت الحركة الوهابية المستندة الى تعاليم إبن تيمية ومحمد عبد الوهاب والتي أصبحت المذهب الرسمي في السعودية وقطر وزحفت بفعل المال وشراء الذمم الى كافة بلدان العالم الإسلامي كالخلايا السرطانية، ولقد أسس تركي الفيصل، بذريعة تحرير أفغانستان، الفرقة الإسلامية العالمية المقاتلة التي تجند أفرادها وقادتها من جميع الدول الإسلامية بفضل المال السعودي والسلاح الأجنبي والسوق السوداء حيث يتم تحشيد وتعبئة وتجهيز المتطوعين وارسالهم الى أفغانستان لمحاربة السوفييت وكان على رأسها الفلسطيني عبد الله عزام ثم أعقبه بعد اغتياله خلفه الملياردير السعودي من أصل يمني أسامة بن لادن سنة 1982 الذي تم تجنيده لهذه المهمة لمساعدة الأمريكيين في حربهم غير المباشرة ضد السوفييت وقام هذا الأخير بوضع قاعدة بيانات وسجلات ووثائق بالمقتلين والمال والسلاح الموجود تحت تصرفه لذلك سميت منظمته فيما بعد بالقاعدة. دفعت السعودية ودول الخليج ومن خلفهم الغرب صدام حسين لشن حرب ضد إيران سنة 1980 وكان الريس العراقي يعتقد أن مهمته ستكون بمثابة نزهة عسكرية لكنه تورط في حرب دامية ومنهكة استنزفت موارده المالية والعسكرية والبشرية طيلة ثمان سنوات دامية خرج منها مثخن بالجراح وغارق في مستنقع الديون ورمالها المتحركة. وبعد نهاية الحرب طالب صدام حسين حلفائه العرب الخليجيين المقابل المادي لحمايتهم من الخطر الإيراني لكنهم رفضوا شطب أو إلغاء ديونه وامتنعوا عن تقديم ما يحتاجه من أموال لإعادة بناء ترسانته العسكرية فشن حملة عسكرية سنة 1990 وغزا الكويت وسرق منها كل ما وقع بين يديه وهدد العربية السعودية عند ذلك اقترح بن لادن وضع مقاتليه في تنظيم القاعدة تحت تصرف المملكة العربية السعودية ومهاجمة قوات صدام في الكويت وإخراجه منها لكنهم رفضوا هذا الاقتراح ولجأوا للحماية الأمريكية الأوروبية الغربية مما أثار سخط بن لادن عليهم. ومنذ سنوات التسعينات خاضت إيران دبلوماسية الاعتراض على سلطة أحادية القطب العالمية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وبالتحالف مع الحليف السوري وحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ممثلة بحركتي حزب الله وحماس المدعومتين من إيران. خاصة. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سحبت يدها من الشأن الأفغاني تاركة أفغانستان نهباً لحرب أهلية. في ذلك الوقت هاجمت قوات تحالف الشمال الأفغانية السنية المدعومة أمريكيا بقيادة شاه مسعود قبائل الهازارا الشيعية في أفغانستان وارتكبت مذابح بحقهم سنة 1992لأسباب مذهبية بحتة. وفي مصر حسني مبارك كان النظام المصري المتحالف مع الولايات المتحدة يعيش حالة من الترهل والجمود والفساد الذي تتوج بمشروع لتوريث لجمال مبارك خلفاً لأبيه مما أثار حفيظة المصريين ودفعهم للثورة في شباط 2011 في أعقاب الشرارة التونسية فيما عرف فيما بعد بالربيع العربي. ومن ثم قفز الإسلاميون في جماعة الاخوان المسلمين بالتحالف مع السلفيين وبقايا الجهاديين الى السلطة إثر انتخابات آيار مايو 2012، لكنهم فقدوها بثورة شعبية عارمة بعد سنة من الممارسات الخاطئة ومحاولتهم أخونة مصر ومؤسساتها فانقلب عليهم الجيش مؤازراً الغضب الشعبي المتفجر بنزول 33 مليون مصري في الساحات والشوارع مطالبين بتنحية محمد مرسي الرئيس الإخواني المنتخب الذي في عهده تم إعدام أربعة مواطنين شيعة وسحلهم في الشوارع والتمثيل بجثثهم، كما تململ الشيعة العليون الذين تصل نسبتهم إلى 17% من حكم الإخوان المسلمين الأتراك بقيادة رجب طيب آردوغان خاصة بعد تدخل تركيا السنية بالشأن السوري على نحو وقح ومباشر وتحريضهم لسنة سوريا على الأقلية العلوية التي ينتمي إليها أغلب قادة النظام السوري. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أنطوان صفير كاتب ومحلل سياسي فرنسي من أصل لبناني مدير ومؤسس مجلة كراسات الشرق ورئيس مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط: Centre d’Etudes et de Recherche sur le Proche-Orient (CERPO). وهذا هو آخر كتبه المعنون: «الإسلام ضد الإسلام " L’ISLAM CONTRE L’ISLAM الصادر سنة 2013 عن الحرب الدائمة بين السنة والشيعة والحائز على جائزة كتاب حقوق الإنسان في نانسي سنة 2013.
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحطات الخفية في رحلة الكون المرئي
-
الجولة ما قبل الأخيرة لمباراة العلم ضد الدين:
-
حرب المخابرات سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد
-
لبشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف
...
-
مهمة التلسكوب الفضائي بلانك تلقي ضوءاً جديداً على صيرورة الو
...
-
برهان شاوي بعيون باريسية
-
رؤية بانورامية موجزة لتطور النظريات الكونية من بداية القرن ا
...
-
صيرورة الكون المرئي وماهيته من الأصل إلى الكل الحي
-
البنية الهندسية لهيكيلية الكون الكلي
-
عرض لكتاب الدكتور جواد بشارة الكون الحي
-
رحيل الذات
-
رؤية فرنسية غير رسمية للأزمة السورية
-
تراتيل المدينة المقدسة
-
جحيم اللقطاء
-
مقدمة لجغرافية الكون المطلق
-
صرخة المنفى
-
الثنائية الأبدية
-
مقابلة مع الدكتور جواد بشارة أجراها عارف فكري
-
السر الكبير : الحكومة الأمريكية وتكنولوجيا الحضارات الفضائية
...
-
إيران وسورية في ميزان الانتخابات الأمريكية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|