|
الكل يريد من غزة ولا أحد يريدها
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 21:14
المحور:
القضية الفلسطينية
المشهد السياسي الفلسطيني بات اليوم عصى على فهم كل ذي عقل لبيب متابع للأحداث فما بالك فهم المواطن العادي المسحوق تحت وطأة الفقر والبطالة والحصار وإذلال الاحتلال والحواجز والخوف على الراتب الذي يؤمن له دفع أقساط البيت الذي يأوي أطفاله والسيارة التي تقله للعمل وأقساط الرسوم الجامعية للأبناء الخ . حالة غير مسبوقة من التيه والإرباك والتعقيد والإحباط وغياب القدرة على استشراف المستقبل ليس البعيد منه بل حتى القريب ، مشهد فلسطيني لم يعد عنوانه المقاومة والجهاد والانتفاضة كما كان سابقا ،وليس عنوانه بناء مؤسسات السلطة و الدولة كما كان يقول دائما الدكتور سلام فياض،فحتى بروبوغاندا بناء مؤسسات الدولة بعد الاعتراف بدولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة اختفت من المشهد ومعها كل التفاؤل الذي بالغ به البعض وروج له بعد قرار الاعتراف. كل مواطن سواء في الضفة أو غزة بات يسأل إلى أين نحن ذاهبون وماذا بعد ؟ . في غزة يسأل الوطنيون عن مستقبل القطاع بعد أحداث مصر، يسألون وهو يرنون بأعينهم للضفة حيث مقر السلطة ومنظمة التحرير والرئاسة مستنجدين بهم،وفي الضفة يسأل الوطنيون الرافضون للاحتلال وللارتباط بالأردن عن مستقبلهم ومستقبل المشروع الوطني في حالة فشل المفاوضات ، يسألون وهم يرنون بأعينهم لغزة مهد الوطنية والمتحررة نسبيا من وطأة الاحتلال ؟ وعلى الطرفين ينطبق المثل " جيتك يا عبد المعين تعين لقيتك بدك معين". أما النخب السياسية فيبدو أنها في واد غير وادي المواطنين وفي انشغالات غير انشغالاتهم ، البعض يريد من أهالي وشباب غزة أن يخرجوا في حركة تمرد ضد حكومة حماس مراهنين أن يؤدي ذلك إلى إسقاط سلطة حماس ولا يهم إن واجهت حركة حماس المتمردين بمذبحة يسقط فيها العشرات بل المئات وتاريخ حركة حماس والإسلام السياسي يعزز هذه الإمكانية،وتعتقد هذه القلة أنه بسقوط حكومة حماس يمكنهم دخول غزة فاتحين ، ومعتقدين أن أهل غزة سيستقبلونهم استقبال الأبطال مع أن هذا الدخول لن يكون إلا من بوابة مصرية أو إسرائيلية !. وفي غزة تراهن حركة حماس على أن الشباب في الضفة سيعيدون مجد المقاومة والانتفاضة وأنهم سيطيحون بالسلطة الفلسطينية ، وما على حركة حماس سوى الاستمرار في حكم غزة والانتظار مع بعض الدعوات الصالحات والتحريض والتخوين عبر الإذاعات والفضائيات . وفي الحالتين كل طرف يريد أن يخفي فشله وفشل مشروعه السياسي بتوجيه الأنظار لفشل الطرف الآخر ، ونعود للأمثال مستحضرين المثل العربي " الجمل ما بيشوف عوجة رقبته " . ولكننا على يقين أن شعبنا لن ينساق لهذه الدعوات التي لن تؤدي إلا للفتنة والاقتتال الداخلي ولن تصيب إسرائيل بضرر ، والشعب إن تحرك متمردا أو منتفضا فلن يتحرك بتعليمات من هذا الحزب أو ذاك ولكنه سيتحرك بدافع وطني يتعالى عن الحسابات الضيقة لأحزاب فاشلة ومأزومة. في الوقت الذي تنشغل فيه نخب سياسية بالتآمر على بعضها البعض وبالصراع على السلطة والحكم وهو صراع أنتج أعداء داخليين حلوا محل العدو الخارجي – إسرائيل - ، حيث حماس تخشى من عودة سلطة فتح إلى القطاع وسلطة رام الله تخشى من امتداد سيطرة حماس إلى الضفة بتواطؤ إسرائيلي ، فإن المشروع الوطني يغيب عن المشهد حتى لفظيا .قلة يتحدثون اليوم عن المشروع الوطني الفلسطيني حيث حل محله الحديث عن مشاريع غير وطنية – مشروع تسوية أمريكية أو مشروع إسلامي،أو حل إقليمي – وحلت السلطة واستحقاقاتها محل المشروع الوطني واستحقاقاته ،وتحول الفدائيون والمقاومون والمجاهدون إلى موظفين وأجهزة أمنية اتفقت مع الاحتلال على وقف المقاومة بل ومنعها بكل الطرق ،من خلال اتفاقات أمنية مباشرة كما في الضفة ،أو من خلال اتفاق هدنة رسمية ومكتوبة كما في غزة . وسط هذا المشهد تجري محاولات حثيثة لكي الوعي من خلال التشكيك بالثوابت الفلسطينية والتشكيك بالمقاومة وبالانتفاضة بل والتشكيك بوطنية المواطن، يضاف لذلك محاولات ممنهجة ومدروسة لتحويل أجزاء الوطن التي يفترض أن تكون أراضي الدولة الموعودة إلى تجمعات فلسطينية ،وإخراجها من الضمير الجمعي ومن الحالة الوطنية . سواء كان الأمر بالقسر أو طواعية فإن القدس وغزة تخرجان من الحالة الوطنية ،حيث يتم دفع القدس نحو إسرائيل، بإكراه وقوة الاحتلال والاستيطان والتهويد ، ويتم دفع غزة نحو وصاية مصرية أو كيانية هزيلة ، بقوة مخطط صهيوني نفذه شارون عام 2005 عندما انسحب من القطاع واستكملته حركة حماس في يونيو 2007 عندما سيطرت على القطاع وشاركت السلطة ومنظمة التحرير بعجزها وترددها في تكريسه، بل يمكن أن نزيد على ذلك أن الضفة الغربية يتم تهيئتها نفسيا واقتصاديا وسياسيا لدفعها نحو الأردن سواء في إطار حل إقليمي سواء كونفدرالية أو وطن بديل الخ ، وهناك شخصيات في مركز القيادة واتخاذ القرار في السلطة ومنظمة التحرير تشتغل على ذلك، وهؤلاء يعملون على إفشال المفاوضات والمقاومة حتى لا يكون أمام فلسطيني الضفة إلا الخيار الأردني أو الإسرائيلي. إن كان الهم الفلسطيني مشترك حيث كل الوطن مهدد بالضياع ،إلا أن لقطاع غزة وضع خاص . فغزة المنطقة الوحيدة في فلسطين التي لا يريدها احد ولكن الكل يريد منها . إسرائيل لا تريد غزة لأنها ملعونة في كتبهم الدينية ،ولأن كثافتها السكانية تهدد يهودية الدولة العبرية ،ولأنها شكلت عبر التاريخ بؤرة للمقاومة ، ومصر لا تريد غزة لأنها تشكل عبئا أضافيا على دولة تعدادها أكثر من تسعين مليون وبالكاد تستطيع أن تؤمن لهم لقمة العيش ،ولا تريدها لاعتبارات سياسية وقومية . والمنتظم الدولي متردد بتدويل القطاع لتجارب سابقة غير ناجحة ولأسباب سياسية دولية. السلطة الفلسطينية لا تريد أو لا تستطيع أن تدفع ثمن العودة لقطاع غزة ،وربما البعض في السلطة لا يريد غزة وعبء غزة لأسباب تاريخية وسياسية ولحسابات إقليمية . أما حركة حماس فهي لا تريد غزة كجزء من حالة وطنية بل تريدها إمارة تمارس فيها ومن خلالها تجارب الإسلام السياسي الفاشلة والمغامرة حتى الآن . إن كان الكل لا يريد غزة فالكل يريد من غزة . السلطة الوطنية ومنظمة التحرير تريد من غزة أن تستمر في ولائها لشرعية الرئيس والمنظمة وللمشروع الوطني،ويريدون منها إفشال سلطة حماس الانقلابية . والعرب والمسلمون يريدون من غزة إخفاء عوراتهم وفشلهم من خلال توظيف حملات رفع الحصار عن غزة معتقدين أن معوناتهم الغذائية ومشاريعهم المالية يمكنها أن تشكل بديلا عن واجبهم القومي والديني في تحرير فلسطين والقدس . وإسرائيل تريد من غزة أن تبقى كحالة أمنية منفلتة تبرر من خلالها أعمالها العدوانية ولتبعد الأنظار عما يجري في الضفة والقدس ولتقول للعالم إنها مهددة من صواريخ غزة ومن (إرهابيي) غزة ، وتريد من غزة أن تبقى عنوانا للانقسام الفلسطيني الذي يعيق قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة . ومصر تريد من غزة أن تقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين ،وهناك البعض في مصر من يريد أن يحول غزة لعدو لينشغل به المصريون حتى لا يفكروا بإسرائيل العدو الحقيقي لمصر والعرب،والبعض في مصر يريد من قطاع غزة أن تكون البقرة الحلوب من خلال تجارة الأنفاق غير المشروعة . أما فلسطينيو غزة فيقولون للجميع إن غزة لن تكون إلا فلسطينية عربية إسلامية ،ولن تكون إلا جزءا من المشروع الوطني ولن تؤجر أو تبيع نفسها لأحد، ومن لا يريد غزة الفلسطينية فغزة لا تريده وهي قادرة مع كل الوطنيين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها أن تستنهض المشروع الوطني الفلسطيني ولو بعد حين من الزمن .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتفاضة حتمية وضرورية وممكنة
-
ضرورة تحرير الإسلام من جماعات الإسلام السياسي
-
صفقة الكيماوي تفضح الحرب على سوريا
-
اتفاق أوسلو والبحث عن السلام المستحيل
-
فضائية الجزيرة والتطاول على الكبار
-
حتى لا ندفع الثمن مرتين
-
من أكذوبة النووي العراقي إلى ذريعة الكيماوي السوري
-
رهانات حماس بعد سقوط المراهنات
-
وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟
-
في الوطنية الفلسطينية متسع للجميع
-
ليتهم يتعظون
-
محنة المثقفون الفلسطينيون
-
المشكلة ليست في المفاوضات بل فيمن يفاوض
-
ثورة 30 يونيو التصحيحية تخلط الأوراق عربيا وفلسطينيا
-
تحالفات غير مقدسة في الحرب على وفي سوريا
-
الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات
-
العرب: من مقاطعة إسرائيل إلى التطبيع المجاني معها
-
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
-
مصالحة فلسطينية كجزء من عملية تسوية برعاية أمريكية
-
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|