|
تجربتي مع التعليم .
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 01:10
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تجربتي مع التعليم بمناسبة اليوم العالمي للمعلم ، أبحرت بي الذاكرة في أغوار إحدى تجاربي مع التعليم العمومي ، والتي بدأت بفصول المدارس الابتدائية مند بدايات نهاية الخمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي ، والتي حكيت بعضا منها في مقالتي سابقة المعنونة بـ"عيد المعلم " إلى تجربتي مع ممارسة مهنة التدريس في بداية السبعينيات ، والتي أستهلها بتجربة ولوجي المدرسة العليا للأساتذة بظهر المهراز فاس ، والتي كنت كما غيري كثير من الملتحقين بها ، نعتقد أن مدارس ومعاهد تكوين المعلمين والأساتذة هي مصانع حقيقية لتخريج المعلمين المدربين والأساتذة القادرين على مواجهة تحديات العملية التعليمية الخطيرة ، إلى أن التحقت مباشرة -بعد حصولي على الباكلوريا - بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس ، رغبة في الانخراط في سلك التعليم وامتهان مهنة التدريس ، التي كنت أظن أنها مهنة يخضع ممارسوها الخضوع لتداريب جادة ومكتفة خلال مدة دراسة الطالب/الأستاذ بمعاهد التكوين ، كما هو حال كل مهن العالم ، من طب ومحاماة وحتى النجارة ، التي لا يسمح للراغب في مزاولة واحدة منها ، إلا بعد تلقي التدريب الضروري للنجاح فيها ، حيث يتدرب الطبيب في عيادة طبيب ذي خبرة ، ويتمرن المحامي في مكتب محام ذي دراية ، ويتكون النجار على يد " معلم رقايقي" . لكن المفارقة المضحكة التي عشتها وباقي الطلب/الأساتذة ، كما كانوا يسموننا - خلال الأربع سنوات التي قضيتها في هذا المعهد المنشأ خصيصا لتخريج الأساتذة ، كما يظهر ذلك من تسميته بـ" المدرسة العليا للأساتذة " والذي يوحي بأن كل مناهجها التعليمية ، وموادها الدراسية ، منحصرة بالكامل في التطبيق والتدريب على اساليب ممارسة التعليم ، وطرق ومناهج التدريس ، لأنه كما يقال "وراء كل طالب نجيب ، همة عالية ، ومعلم ناجح اجتمع له عقل وعلم ودربة " - هي أنني لم أتلقى ، أي تدريب على ممارسة مهنة التدريس ، لا في السنة الأولى ، ولا في الثانية ، ولا في الثالثة ، وفي حتى السنة الرابعة التي عينت في نهايتها مباشرة بعد التخرج ، بالمؤسسة التعليمية التي عينت بها بمدينة أكادير ، والتي ولجت فصولها كالمحارب الأعزل ، ووقفت كـ " العربي في الشماعين" أمام تلميذات فصول السنة أولى باكالوريا سكترتاريا ، التي كلفني المدير بتدريس مادة السكرتاريا بها ، ليس ذلك نقصا من قيمتي المعرفية ، ولكن لأن تلك المادة لا صلة لها بتخصصي الأدبي ، وبعيدة كل البعد عما تعبت لأربع سنوات من أجل الحصول على شهادة عليا فيه ، و لأن السنة الأولى بالنسبة للأستاذ حديث التخرج ، سنة حاسمة من جهة التكوين الحقيقي للأستاذ ، فيها يتدرب على عملية التدريس التي لم يتلقى حولها تدريبا فعليا ، وممارسته عملية ، استعدادا لاجتياز امتحان الكفاءة ، حيث يخطئ ثم يطور تجربته بالاستفادة من الأخطاء التي يقع فيها .. والأكثر إضحاكا مما سبق ، هو ما يردده ، على لسان مسؤولي التعليم ، من مصطلحات من قبيل ضمان جودة التعلم والمردودية ، وهم يعرفون ان العلاقة الإرتباطية الإيجابية بين حماسة المعلم ومستوى تحصيل تلامذته ، مفقودة لدى كل مدرس لم يتلق تدريبا تقنيا متينا ، ولم يكتسب تجارب ميدانية لازمة ، تعينه في مهنة التدريس ، التي كتب على مزاوليها وحدهم ودون غيرهم ، ممارسة مهنتهم بدون تلقي أي تطبيق عملي ، لأن المسؤولين عن التربية والتعليم -في زماننا - كانوا يعتبرون ان التكوين النظري هو الاساس ، وأن الفصل هو المجال الحقيقي للتدرب ، والميدان اللائق للتمرن ، وكأنهم يعملون بالمثل المغربي الدارج "تِْعلمُو يا الحجامة في روس لِتَما " مع علمهم أن ذلك ، ضربا من الجنون ومغامرة تؤثر على مستوى حماسة المدرس في قيامه بالعملية التعليمية ، خاصة وأنه حديث التخرج ، ومن البديهي والتربوي ألا يسند إليه تدريس مواد لم يسمع بها من قبل . الشيء الذي لا يعمل على ترقية الأداء التعليمي إلى درجات الكفاية المهنية المتوخاة ، ولا يكسب آليات الاشتغال مهارات الإتقان المطلوبة لإنجاح السياسة التعليمية ، سيما وأن التدريس بطبيعته خدمة مجتمعية ، ونشاط فكري عملي غير روتيني ، وكونه فن وصنعة ، تنطبق عليها جميع مواصفات المهنية ، التي لا يمكن أن تكون نظرية محضة ، وتستدعي اهلية ولوجها سنوات من الدراسة والتكوين والتدريب ، والاستفادة من تجربة أصحاب الخبرة من المعلمين المعمّرين .. حتى نضمن أن يكون لحديثي التخرج القدرة والجلَد على التعامل مع شقاء المهنة قبل نعيمها ، فيقدمون للعالم من خلال عملهم شعاعا روحيا لا ينطفئ وغذاء إنسانيا لا ينسى .. ولأنه كما يقال : " ليس كل من علّم بلغ في تعليمه رتبة المعلم المربي ، وقد يقوم بالفعل شخص فلا يؤاخذ عليه ، ويقوم به آخر فيعاتب ويؤنب لموقعه القدوة ، الذي قيده بحبال الالتزام "، إذ ليس الغرض من التعليم ، تحصيل العلم فحسب ، ولكن الأساس هو تقوية الخلق والارتحال عن الصغائر والاستيعاب جيداً بأن العلم أنفس بضاعة يراد لها أطهر وعاء .. ولأنه –كما يقال- وراء كل طالب نجيب ، همة عالية ، ومعلم ناجح اجتمع له عقل وعلم ، وتحصيل علمي وثقافي متين ومواكب للمستجد في مختلف المجالات ، وخاصة ما يتعلق منها بالتخصّص المُدرس .. إلى جانب الأدوات التعليمية المتطورة ، وأساليب التدريس المكتسبة من تجارب المعلم الشخصية وخبرات وتجارب زملائه الذين سبقوه للميدان ؛ تلك الخبرة والتجربة التي اعتمدت عليها لتعويض نقص دُربتي في تقنية العملية التدريسية –التي لم نكتسبها خلال سنوات الدراسة بالمدرسة العليا للأساتذة (ياحسرة)كما سبق أن ذكرت اعلاه - ، وللرفع من مردوديتي التربوية ، حيث استفدت من تجارب بعض زملائي ، وإرشاداتهم السخية لصقل مهنيتي التعليمية ، وعلى رأس الذين استفدت من تجاربهم التمينة ، إحدى الأستاذات المتميزات ، الأستاذة "نبيه " التي قدمت لي الكثير -قبل أن تصبح فيما بعد زوجة لي وأما لأبنائي – من الدعم اللوجيستيكي والديداكتيكي الذي ساعدتني في تلمس الطريق الصحيح في سبل ومناهج التدريس ، وتطوير منهجية المهنية , حيث كانت تقول دائما وبروح متفكهة "إذا أردت ان تصبح مربيا مثاليا وناجحا " فكن طبيعيا ، واحذر التكلف ، وتجنب النمطية والروتين ، وراقب تلاميذتك ، وتفقد أحوالهم ، وتأمل في ملامح وجوههم ، واحرص على أن لا ينام أحد منهم أو يسرح بخياله أو ينشغل جانبيا مع جاره أو يفكر في أمر خارج الموضوع ، وإذا شعرت بالملل يدب إليهم ، فأزله سريعا بالإثارة والتشويق ، ومفاجأة التلاميذ ، بطرفة أو لعبة أو تغيير الأسلوب ، ولا تتردد في ممازحتهم وملاطفتهم ، من حين لآخر ، لأن ذلك سر من أسرار انجذابهم إليك ويحبوا حصتك ، ولكن دون افراط في المزاح والضحك ، حتى لا تتحول إلى بهلوان أو مهرج ، لأنه إذا كثر ضحكك قلت هيبته ، وإذا كثر مزاحك استخف بك تلامذتك . ومن بين ما قد تعلمت من توجيهات الأستاذة نبيه مشكورة ، أن أتدرج في كمية ونوعية المعلومات التي أرغب في إيصالها للمتعلمين ، وأن انتقل في إلقائي للدروس من السهل إلى الصعب ، ومن المعلوم إلى المجهول ، وأن احرص على التدريب الرأسي لا الأفقي ، وعلى التركيز لا التكاثر ، لأن الفائدة الحقيقية والمتعة والإثارة -كما يقول علماء التربية - تكمن في تعميق الموضوع وسبر أغواره ، وعرض البيانات والمعلومات والأفكار المحدودة ، التي يمكن للتلميذ تذكرها وفهمها وحفظها بسهولة ، لأنه كما يقول المثل : "ليس الأهم مقدار ما تعلم ، ولكن الأهم هو مقدار استطاعتك إيصال ما تعلم إلى من لا يعلم " لانه ليس من الحكمة أن يعرض المعلم كل الأفكار المعدة قبلا ، دفعة واحدة وفي وقت واحد ، بل يجب يكتفي بفكرة واحدة ، وتكرارها بأساليب مختلفة ومن غير تكلف ، حتى يسهل على التلاميذ استيعابها ، بعدها يستمر في تقديم غيرها من الأفكار جديدة ، وكم كانت الأستاذة نبيه ، تلح ، علي بأن أكون واقعيا منطقيا ، -في دروسي المعدة إعدادا جيدا –وأن اتجنب إلقاءها من الورقة ، لأنها عملية رتيبة ومورثة للسأم (للتلميذ) ، ومزرية للأستاذ . إلى غير ذلك من الارشادات التي استأنست بها في مسيرتي المهنية ، والتي لم اسمع قط عنها من أي أستاذ من اساتذتي الإجلاء خلال سنوات الدراسة بالمدرسة العليا للأساتذة ، التي ينطبق عليها المثل الشعبي المغربي " شنعتو عليا ما غطا ودنيا ". وإلى اللقاء مع تجربة أخرى من تجاربي مع مهنة التعليم .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا مصالحة مع من خان وطنه !!
-
عيد المعلم
-
ومن شر البلية ما أضحك .4 الجزء الرابع
-
الإسلام دين سماحة وتسامح وليس دين عنف وتكفير !
-
ومن شر البلية ما أضحك !الجزء الثالث .
-
ومن شر البلية ما أضحك !.الجزء الثاني
-
ومن شر البلية ما أضحك !.
-
حقيقة شعار - الأصابع الاربعة- ؟؟
-
أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
-
ردا على أصوات ناشزة !
-
النصر الناتج عن العنف مكافىء للهزيمة !
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .
-
ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
-
لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
-
الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
-
كلام غير مقبول من وزير سابق !
-
الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري
...
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
الديمقراطية والإسلام السياسي
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|