|
هل الأديان خطيرة ؟2
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 4237 - 2013 / 10 / 6 - 14:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في كتاب كيث وارد الذي يحمل سؤالا كبيرا خطيرا، يقدم جوابا عن التساؤلات المحيرة، ويستعرض الانتقادات الموجهة للدين مفردا وجمعا، ويفندها الواحدة تلو الأخرى. ويفحص أدلته من زوايا التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، ثم يقدم مرافعة حقيقية من أجل سلوك ديني كفيل بتوفير الخير للنفس والمجتمع.
يرى وارد أن من السفاهة القول إن الدين خطير، إلا إذا كان المتحدث يقصد ديناً بعينه، فعليه في هذه الحالة أن يقول إن الدين الفلاني هو الخطير ثم يأتي بعد ذلك بأدلة بينة ودامغة تؤكد التأثير السلبي للأديان على حياة البشر. يرى المؤلف أن الإسلام في ربع القرن الأخير أصبح مشكلة حقيقية للديمقراطيات الغربية ، وذلك لوجود جماعات مسلمة انتهت قياداتها إلى أن الدول الغربية تحتشد بالسلبيات التي من أهمها البعد عن الدين الحق والتنكر للرب والظلم الفادح والاستغلال والانحراف والفجور ومقاومة الفضائل ، ولما كان الدين الإسلامي وحده هو الدين الخالص ولا يقبل الله إلا إياه لأن الدين عند الله هو الإسلام فقط فقد حددت أهم أهدافها التي تتمثل في القضاء على هذه الديمقراطيات بالقوة والعنف، وإحلال المجتمع الإسلامي المطبق لحكم الشريعة والقانون الإسلامي محلها.
ويذهب وارد إلى أن أساليب المتأسلمين التي تتصاعد كل يوم معلنة وسرية تستحق الدراسة المعمقة والموضوعية بحيث نقف على ظواهرها وأسبابها وعوامل تطور آلياتها وعلاقتها بالأصول المنقولة والمتوارثة ومدي الخروج عنها والاجتهاد المبني عليها ومدي ارتباطه بها أو انحرافه عنها.
ويتهم وارد الكاتب الإسلامي الشهير سيد قطب بأنه منبع هذا التوجه وملهمه في كتابه "معالم في الطريق" ، ولأن عدو عدوى صديقي فقد ساهم النضال اليساري البروليتاري ضد الرأسمالية الدولية في دمج خطاب سيد قطب ومعاصريه في هذا المناخ، ليقدم البرهان على أن الإسلام لا يقل نضالا وكفاحا عن الاشتراكية والشيوعية ضد الرأسمالية والبرجوازية المتعفنة. وفي السياق نفسه يتساءل المؤلف عما جرى للمسيحية، وكيف تحولت من ديانة ولدت سلمية متسامحة إلى عقيدة للفرسان المحاربين الغزاة الذين يفتشون البيوت والضمائرويلاحقون كل من يتوقعون أنه يعتزم التخلي عن أصوليته الدينية لأسباب دنيوية؟ والتقط الأباطرة والملوك الفكرة بوصفها أداة لمزيد من التسلط فأسرعوا يستعينون بالكنيسة والآلهة للوقوف إلى جانبهم ، وتأييد سلطانهم. لم يكن الدين المسيحي دينا للإمبراطورية الرومانية، ولكنه كان دينا للعبيد والفلاحين والفقراء والمستضعفين. ولم يكن المسيح نموذجا للملوك المحاربين، بل دخل القدس على ظهر حمار لا على صهوة جواد مسلح فاخر. لكن العجيب أنه بعد مرور أربعة قرون على وفاته، صارت المسيحية هي الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية. ومع مرور الوقت أخذت هذه الديانة تتشرب المظاهر السياسية والاجتماعية والثقافية، ودخلت إليها العادات والتقاليد والأيدولوجيات، حتى انهارت الإمبراطورية الرومانية وجاءت إلى المسيحية القبائل الأوروبية الشمالية المحاربة عن طريق الغزوات، وتحول المسيح إلى إله محارب يقود فيالقه العسكرية أحد الحواريين –جاك- الذي ظهر في الأحلام على رأس الكتائب بسيف يقطر دما. ثم اكتملت عسكرة المسيحية بالفتوحات الإسلامية من المغرب والمشرق الإسلاميين، فأضيف البعد الديني إلى البعد الإثني والقومي لأوروبا.. وجاءت الحروب الصليبية.
لكن المؤلف يؤكد في فصل مستقل أن الدين في مجمله يحقق الخير والسلام ويرسخ المحبة إذا تعاملنا معه على أساس حرية الاعتقاد ، فليس من حق شخص أو سلطة أن تفتش عن احترامي لدينى أو تقصيري في اتباعه لأن أصل الدين أنه علاقة مقدسة مع الله.وما أقترفه من سلوك مضاد لهذه العلاقة فحسابه عند الله وحده .
واتساقا مع هذا الرأي يعقد المؤلف فصلا خاصا عن الدين وأثره الإيجابي في الحياة الشخصية، مجيبا عن خمسة أسئلة: هل الإيمان مصدر سعادة أم معاناة للإنسان؟ وهل ينتج التزاما أخلاقيا وإيثارا على النفس؟ وهل يرتبط بالمرض العقلي أو بالصحة والتوازن العقلي؟ وهل الدين مجرد وهم؟ وهل هو حصيلة خلل في الدماغ؟
يقول كيث وارد " بناء على آلاف البحوث والتجارب، فإن الملتزمين دينيا وروحيا، المؤمنين بالله وضرورة التعبد له، هم أسعد الناس في العالم وأطولهم عمرا وأحسنهم صحة وأكثرهم اطمئنانا وراحة ضمير، فالدين ليس سبب معاناة وقلق وشعور بالذنب ".
ويذهب المؤلف إلى أن الدين يقوم بدور كبير في استقرار المجتمع وتمتين العلاقات بين فئاته، والدين أيضا سبب رئيسي في التعاطف مع المنكوبين والمحتاجين والمساكين، إذ أثبتت الدراسات أن المتطوعين لخدمة الناس يحركهم في الغالب وازع ديني. واستشهد المؤلف بأبحاث الأطباء النفسيين والعقليين الذين أثبتوا غياب أي علاقة بين التدين والأمراض النفسية والعقلية .
والخلاصة عند كيث وارد أن الدين أبعد ما يكون عن الاختلالات الفردية والاجتماعية والصحية والنفسية والعقلية، بل على العكس تماما، فمنافع التدين أكثر من اللاتدين. لكنه مع ذلك لا يستطيع أن يغض الطرف عما تسببت فيه الأديان من الأذى للبشر ، فيقول : " ألم تذهب مصداقية المسيحية أدراج الرياح بسبب الحروب الصليبية الطويلة ومحاكم التفتيش الحمقاء؟ ألم تلوث سمعة الإسلام بسبب المجموعات الدينية المسلحة؟ والهندوسية.. ألم تكشف عن وجهها البشع وهي تشعل الحرائق في مساجد المسلمين وتذبح غير الهندوس باسم الدين؟ فما أهنأ العيش بلا دين!
ويرد وارد بنفسه على نفسه قائلا: بناء على تلك الحجة، فلنا أن نقول إن السياسة أكبر قوة تخريبية تدميرية في التاريخ الماضي والحاضر، ففي روسيا وكمبوديا قتل الملايين باسم أيديولوجية سياسية اشتراكية، وفي أميركا اللاتينية اختفى ملايين الناس في حملات عنف لا نظير لها أشعلها رجال سياسة من اليمين، ناهيك عن التزوير في الانتخابات والنفاق الأكبر والأصغر، والكذب الطويل والقصير.. ألا تكون حياتنا أكثر سعادة بلا سياسة؟.. لكنه يري أيضا أنه لابد من السياسة لإدارة أمور الناس والدفاع عن حرياتهم وتنظيم حياتهم ودعم مطالبهم وحقوقهم . يمكن القول أيضا إن العلم هو الآخر مصدر دمار وخراب وقتل وحروب، ألم يكن وراء القنابل الذرية والجرثومية والأسلحة المحرمة دوليا؟ ألم يكن وراء التلاعب بالجينات الآدمية والغذائية؟ ومن جانبنا نري أن المسئولية لا تقع على الدين ذاته ولكن على القائمين علي أمر الدعوة له والمفسرين لنصوصه والمحللين لأفكاره ورؤاه ، ويتعين لذلك أن يركز علماء الدين على تعزيز جوهر الإنسان وتنمية قلبه ليكون مشعا بالحق والخير والجمال والتسامح، وأن يتوقفوا عن المبالغة في الاهتمام بالجانب الشكلي والظاهري للتدين، لأن الأنبياء كانوا قمة في العطاء والبذل بقلوبهم الكبيرة المتعلقة بالحق الأعلى وليس بمظاهر كاذبة، وهكذا تتجلى الحقيقة التي يفجرها الاعتقاد الراسخ بأن الدين كله خير وحق ونعمة ،والخطر كل الخطر يأتي من المشتغلين به والراغبين في تطويع نصوصه لتجارتهم وأطماعهم.
#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الساعة تدق السبعين
-
هل الأديان خطيرة ؟1
-
استرخاء
-
لا تغيير بلا ثقافة
-
المثقفون والسلطة
-
حَدثني عن البنات
-
الكتابة من الوضع راقدا
-
نزهة في حدائق الألم
-
خطأ السيسي الفادح
-
مصر في قبضة الشياطين
-
جمهورية -رابعة -
-
لا تصالح
-
العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )
-
العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب (1)
-
خذوا مرسي وهاتوا أردوغان
-
زيارة لسجن طرة
-
هل قامت في مصر ثورة؟
-
صندوق الحرية الأسود
-
هُوية مصر ليست إسلامية فقط
-
تعود سيناء أو يذهب مرسي
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|