إبراهيم النادر
الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ورقة حوار للتقرير السياسي
(رسالة إلى المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث)
نحن أمة تقف الآن بين الحياة والموت ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعينه. وإن العولمة مثل موجة تسونامي تسحق كل من يقف في طريقها. ولقد انطلقت هذه الموجة في 11 أيلول 2001 , فضربت أفغانستان أولاً ومن ثم العراق وتلتف الآن حول الضحية الثالثة. إن الحالة الظرفية التي يمر بها مجتمعنا اليوم هي تقاطع بين الحاكم والمحكوم وذلك لأن مصيرنا واحد, إذ أننا جميعاً في قارب واحد ولن تميز هذه الموجة بيننا وستسحق الجميع ولنا في العراق مثال واضح. إن الحالة الظرفية هذه تفرض علينا وحدة وطنية لنصنع معاً جبهة داخلية قوية تتصدى للخطر الخارجي الذي يستهدف الجميع دون استثناء ولنؤجل خلافاتنا الخاصة ونتخلص من عقلية من ليس معنا فهو ضدنا وذلك لأن مصلحة الوطن فوق جميع المصالح الفئوية الأخرى.
واجبنا الآن, في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الخارجية على سوريا وتتفاقم فيه حالات الفساد المخجل, أن نرفع صوتنا عالياً ضد الإساءات في استعمال السلطة التي تحولت إلى سيطرة وتسلط. حقاً إنه من الهام أن نعرف الدرب, لكن من الأهم أن نعرف كيف نسير عليه. وحتى نسير معاً على درب واحدة واضحة المعالم, علينا أن نعمل جميعاً لتحقيق جملة مطالب في السياسة الداخلية قبل أن يفوت الأوان وعندها لا يجدي الندم نفعاً.
أولاً – دراسة فكرة انتقال حزب البعث العربي الاشتراكي من حزب ثوري عقائدي انقلابي إلى حزب إصلاحي يعتمد التطور ألنشوئي في التغيير. إذ أن المتغيرات الدولية الهائلة في نهاية القرن الماضي قد أثبتت أن العمل بالمفاهيم الثورية السابقة لم تعد تتناسب مع الوعي المتطور للإنسان ومع التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين, ولذلك يجب إنتاج منظومة أفكار جديدة تتماشى مع تطور كل أمة من الأمم. ولنا في تجربة أحزاب منظومة الدول الاشتراكية مثال يجب أن يدرس بدقة متناهية.
ثانياً – إن الإنفراد بالسلطة, أي سلطة كانت, له بريق يخلق ملعباً خصباً ينمو فيه الفساد والانحراف وتتحول شرعية السلطة إلى سيطرة وتسلط. وإن هذا التفرد يجعل صاحبه يشعر أنه صاحب الحق المطلق بهذه السلطة. لقد تجذرت فينا السلطوية في جميع المجالات إلى درجة أن أي تحد لها يكون عملاً شيطانياً مرفوضاً ولا عجب أن الكثيرين قد اتجهوا باتجاه التطرف الديني بسبب اليأس والإحباط. إن بريق السلطة هو السبب الرئيسي الذي أوجد الفجوة الهائلة بين العقيدة والممارسة في حزب البعث. لذلك يتوجب على هذا الحزب أن يعد ويحضر كوادره ويعود إلى موقعه الطبيعي في العمل السياسي في الساحة السورية وليستمد مصداقيته من الشعب وليس عبر النفوذ والسلطة. (إن آلية نشاط حزب البعث في خمسينات القرن الماضي هي تجربة تستحق الدراسة)
ثالثاً – إعادة النظر بدور ومبررات وجود الجبهة الوطنية التقدمية وليس بميثاقها فقط. لقد وجدت هذه الجبهة في سبعينات القرن الماضي في ظروف طرحت فيها نفسها على أنها جبهة ضد الرجعية والصهيونية والإمبريالية العالمية. أما اليوم, فهل الظروف ما تزال باقية نفسها, وضد من تعمل هذه الجبهة؟
تندرج جميع الأحزاب السياسية في سوريا تحت ثلاثة تيارات كبيرة – التيار الماركسي والتيار القومي والتيار الديني . ويوجد داخل كل تيار من هذه التيارات اتجاهات متعددة منها الثوري والإصلاحي والليبرالي. ومن المفارقة أن الجبهة الوطنية التقدمية تحتوي على تحالف الثوري من تيار مع الإصلاحي من تيار ثاني والليبرالي من تيار ثالث. فما هو المشترك بين الثلاثة سوى تحقيق المصالح الذاتية واقتسام السلطة ولو بنسب متفاوتة يأخذ كل منهم أرباحه حسب الأسهم التي لديه؟ وإذا كانت هذه الجبهة تحالفاً سياسياً منسجماً تماماً عبر أكثر من ثلاثين عاماً, لماذا لا تندمج هذه الأحزاب في حزب سياسي واحد؟ (ملاحظة: إن من أهم تداعيات قيام هذه الجبهة هو انشقاق جميع الأحزاب على ذاتها حتى بتنا لا نميز حزباً عن الآخر من حيث التسمية)
رابعاً – يجب إطلاق سراح النقابات المهنية وتحريرها من الفساد الإداري الذي أنتجه العمل السياسي أي سيطرة أحزاب الجبهة على آلية عمل هذه النقابات التي يتمثل فيها معظم أبناء الشعب السوري. إن النقابات الغير حرة تكون سجانة لأعضائها وبالتالي تكون مشلولة وغير مؤهلة لأداء دورها الذي وجدت من أجله. إن تحرير النقابات من العمل السياسي هو تأسيس لانطلاق مسيرة بناء الدولة العصرية التي تقوم على مؤسسات مجتمع مدني ديمقراطي يعزز مسيرة الإصلاح التي أطلقها الرئيس الدكتور بشار الأسد منذ خمس سنوات. إذ أن المؤسسات السليمة هي نواة أساسية لبناء مجتمع سليم, وإن الوطن الهش من الداخل لا يستطيع أن يواجه الخطر الخارجي (لا يمكن أن تكون وزارة الدفاع بخير إن لا تكون وزارة التربية بخير)
خامساً – يجب إغلاق وإلغاء السجون السياسية وإطلاق الحريات الفكرية والتعبيرية دون أي شروط مسبقة وبالتالي إصدار قانون يفسح المجال لتشكيل أحزاب سياسية ومؤسسات نقابية وغيرها تعبر عن آراء ومصالح مكوناتها المجتمعية. إن القضية عندنا هي حرية الفكر والتعبير وفي أساسها الحق في التخلص من القيود المفروضة على حرية الفرد لتأسيس مرحلة المواطن المجتمعي الذي هو النواة السليمة لبنية مجتمع سليم ووطن قوي وبالتالي لإعادة بناء الإنسان السوري. إن منعة الوطن تحتاج إلى مواطنين أصحاء بكل المقاييس المادية والروحية. لذلك يجب أن نكون أحراراً من أمة حرة يحمل أبناؤها هوية واحدة ويتساوون جميعاً أمام سيادة دستور يحمي كرامة جميع المواطنين, إذ أن كرامة الوطن من كرامة المواطن.
أخيراً يتوجب علينا أن ننتج فكراً سياسياً جديداً يتواءم مع واقعنا الراهن ويلغي الخطاب السياسي الخشبي القديم وألا نكون نسخة طبق الأصل لمن سبقنا وأن لا نبحث عن أديان جديدة تحل محل ما قبلها حيث تتعامل مع الإنسان على أنه مجرد أداة-عبد, إذ أن العبيد لا ينتصرون.
23 أيار 2005
إبراهيم النادر
#إبراهيم_النادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟