|
الميّتة
أحمد عفيفى
الحوار المتمدن-العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 07:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالعام 2010 كانت لي صديقة صحفية؛ تبلغ من العمر 32 عام، لم تكن قد تزوجت، لأنها لم تكن جميلة، والجمال إلى حد كبير، محفز للرجل الشرقي بوجه خاص، حتى تتحرك غرائزه، ويدفع مقابل عروسه التي سوف ينكحها، حيث أن الزواج بالمجتمع العربي المسلم – بيعة و شروة – عرض و طلب، إن كان بإمكانك أن تتحمل ثمن البضاعة، فحلال عليك، يمكنك شراؤها، مجرد دعارة دينية مقننة، أو تجارة بنهاية الأمر، ولم تكن صديقتي المقاتلة من عائلة ثرية أو قوية، حتى يتزوجها أحدهم لحسبها ونسبها، ولم تكن من مؤيدي الحجاب، ربما كانت تجد جمال ما أو عزاء أخير بشعرها، تلك الإشارة الوحيدة على أنها تزاحم النساء بعالم الأنوثة، وكانت تسكن بمنطقة من أحقر المناطق الشعبية، تلك المناطق المكتظة بالسكان، والتي ربما تشارك الحيوانات في الألم والبؤس، وتتقاضي 400 جنية راتب شهري، عن عدد ساعات يفوق الـ 300 ساعة بالشهر، تلك الصديقة ذكرت لي في معرض حديثها بإحدى المرات، أنها تشعر أنها ميتة، وأنها لن تنجح أو تتزوج أو تنجب، ولن تشعر على الإطلاق بما يجب أن تشعر به أي أنثى أو أي إنسان.
الآن؛ صديقتي تلك، تعيش بكندا، ومتزوجة من كندي، رآها فلم يهتم كالرجل العربي بالشكل، وراقته روحها المقاتلة، فتزوجها وانتقلت للحياة معه ببلده وحصلت على الجنسية وتعلمت الفرنسية ودرست الصحافة الإليكترونية، وتغيرت حياتها بنسبة 360 درجة وليست 180، وزارتني قريبا بزيارة خاطفة، فلم أكد أتعرف عليها للوهلة الأولى، حيث أن الفتاة المقاتلة القديمة، المدموغة بتراب الفقر والكدح والشارع قد ماتت بالفعل، ومن أمامي الآن امرأة كندية، شكلا وموضوعا وحتى صوتا، فصوتها المتعب المرهق الأجش، أكتسب ليونة ورونق اللغة الفرنسية المدللة، فأصبحت بصوتها رقة أقرب لرقة الإناث الطبيعية، وراقت ضحكتها وشابتها نعمة وصحة تنتمي إلى عالم يحترم الكائنات الآدمية، ناهيك عن المظهر والملبس وتناسق القوام، والأهم، الثقة بالنفس التي تضاعفت عشر مرات على الأقل، والمكالمات الهاتفية الدولية التي كانت ترد عليها بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية.
حتى الآن؛ وكل شىء رائع وكامل وجيد، ونحن نتشارك الطعام بأحد أرقي المطاعم، حين أطلقت هي علّي فجأة صاعقتها التي ربما لا زالت تعربد في كياني، ودفعتني دفعا لكتابة تلك المقال، قالت لي صديقتي الجديدة الكندية، بالحرف الواحد " أنا أشعر أن الله حقق لي أحلامي، وسدد لي خطاي، وأنه حولي دائما ولم يتخلى عني، وأنني على ثقة من وجوده بالعالم وبنفسي " للوهلة الأولى ظننت أنها تمزح أو تسخر، ثم عندما لم تضحك أو تنتبه لصمتي ودهشتي، راحت تنقسم أمامي وكأننا بمشهد بطيء في فيلم، ورحت أنا أتطلع إلى الفتاة القديمة البائسة وتلك المرأة الكندية الفرنسية، وأتساءل: أين كان الله طوال 32 عاما من حياتها؟ أين كان يختبئ وهي تعيش عزباء بحي هو الأحقر للحياة؟ أين كان الله من خطاها عندما تركها تعمل عشر ساعات باليوم مقابل دولارين باليوم؟ ولماذا لم يحقق لها أحلامها ببلدها؟ وكيف لا تنسب هي الفضل لزوجها وجنسيته وبلده؟ ولأن اليوم كان جيدا، وكانت هي سعيدة، وكنت قطعا سعيدا لها وبها وبالتغيير الشاسع الذي طرأ عليها وعلى حياتها، فلم أرغب بطرح تلك الأسئلة عليها، حتى لا نخوض فيما يعكر صفو اليوم، وربما صفو علاقتنا، وأنا الحريص على صداقاتي، والحريص أكثر على سعادة الناس، حتى لو كانوا يستمدونها من بطيخة تسكن بالسماء، وتسدد خطاهم عندما ينتقلوا للحياة بالعالم الأول، برعاية زوج كندي.
صديقتي؛ رغم حياتها بكندا أربع سنوات فقط، وتغير حياتها بالكامل، لا زلت تؤمن، كما يؤمن الأعم الأغلب من المؤمنين، أن الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره، هو السر بتبدل الحال، هو السر في الخير أو الشر، هو السر في طاغوت الحكام العرب والصبر عليهم والامتثال لحكمهم الجائر، وحياتهم المزرية، وفقرهم المدقع، وبؤسهم الأزلي، وأن كل ما هو خير يليق بالله، وجدير بالله، وبسبب الله، في حين أن نفس ذلك الله، لا يفعل شيئا لتغيير حياتهم، بل ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ ولا أدرى كيف يغير ما بقوم بعدما غيروه هم بالفعل بأنفسهم، إلا لو كانت تلك إحدى العبارات الغبية التي يكتظ بها كتاب محمد الأجوف.
صديقتي المتعلمة المثقفة المقاتلة، ظاهرة منتشرة محيرة، على عشق الجلاد والتعاطف معه وتلمس الأعذار له، فنفس ذلك الله الذي يحيط بها ويسدد خطاها ويسكن بها ولا يتخلي عنها، لم يكن ليقترب منها لو لم يظهر زوجها الكندي المخلص من العدم، وينتبه لما هو أفضل من الجمال والجسد، وينتشلها من هوة سحيقة مظلمة كادت تودي بحياتها حتى الموت، وهو من وقف بجانبها وسدد خطاها ولم يتخلى عنها وأعطاها من حياته ومن جنسيته ومن وقته ومن حبه، وبالنهاية لا يسعني سوى أن أشعر مثلها كما كانت قبل أن تولد من جديد بكندا، أنها ميتة، وأنها كانت ولا زالت – رغم زوجها الفاضل المخلص، وبلدها الثاني الأصلي، وجنسيتها المتحضرة الكندية - تنتمي لأمة كاملة ميتة.
#أحمد_عفيفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
روح الله
-
الإمام العفيفي
-
قلب الله
-
الله الشبح
-
الله البشري
-
الحيرة الحمقاء
-
عقل المُلحد دليلُه
-
فصيل وثني
-
تاريخ زائف
-
الرب الشرقي
-
هل أتاك حديث الزنديق
-
تحصيل حاصل
-
في البدء كانت الفتنة
-
العُهدة العُمرية
-
ساديزم
-
أخطر الأسلحة
-
علماء مُلحسون
-
الجنس ليس حرام
-
سمّن كلبك يأكلك
-
لو كان الرَبُّ رجلاً لقتلته
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|