الكويت ... وقناة الجزيرة ... وللصبر آخر ؟

داود البصري

الحوار المتمدن-العدد: 302 - 2002 / 11 / 9 - 06:33
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

                                                               

بإغلاقها النهائي والحاسم لمكتب قناة الجزيرة القطرية ، تكون الكويت قد قطعت شعرة معاوية وحددت موقفها النهائي من هذه القناة التي أضحت مصدرا من مصادر التوتر ! وصوتا إعلاميا غير مستساغ في مرحلة حاسمة تتطلب العديد من الإجراءات الحساسة وبعضها شبيه بالعمليات الجراحية ؟ لاسيما وان المنطقة والكويت على أعتاب مرحلة مهمة وحاسمة من المتغيرات التي تتطلب إجراءات غاية في الحساسية والدقة والتعقيد ، لقد كان الحسم الكويتي بإتجاه الجزيرة موقفا متوقعا بين اللحظة والأخرى ولم يحمل أي عنصر مفاجأة للمتابع الذي يعرف جانبا من الخلفيات التاريخية المعقدة في العلاقة بين الطرفين وهي علاقة خطرة بكل ماتحمله الكلمة من معنى ! فعداء وتربص (الجزيرة ) بالسياسة الكويتية لم يكن مجرد مواقف عابرة لفئات غير مسؤولة تمارس إجتهادا إعلاميا خاطئا يحتمل التأويل والمناقشة ؟ بل أن العداء قد إتخذ صفة الثبات ووفق شكل منهجي خطير يعرف الكويتيون أبعاده ودوافعه ولكنهم صبروا كثيرا حتى لم يعد لقوس الصبر من منزع ؟ لقد كان التربص بالكويت والسياسة الكويتية منذ الأيام الأولى لإنطلاقة الجزيرة قبل ستة أعوام ماضيات ؟ وكان التوجيه الإستراتيجي ذو طبيعة ذكية للغاية وبالصورة التي تحرج الكويت وتدميها من دون أن تظهر على ملامح الجزيرة أية إشارة إلى وقوفها خلف ذلك الأمر ؟ وأتذكر  جيدا أنه وقبل خمسة أعوام بثت حلقة من برنامج

( الإتجاه المعاكس ) كان ضيوفها أحد الصحفيين الكويتيين وأحد رؤساء تحرير إحدى الصحف العربية في لندن المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام العراقي ، وكان إختيار الضيوف يعكس خبث سياسي وإعلامي واضح المعالم وبشكل أحرج الإعلام الكويتي وقتها  ، وخلق ضجة لم يهدأ هديرها لزمن طويل ؟

وفي عمليات (ثعلب الصحراء ) أواخر عام 1998 ، كان مذيع الجزيرة يلعلع بأعلى صوته مهيجا الرأي العام العربي ضد السياسة الكويتية وبأنها تقف خلف الهجوم الأميركي ؟ ولم يكن ذلك صحيحا ولا دقيقا ؟ ثم عاد نفس البرنامج ( الإتجاه المعاكس ) ليسمح لأحد رجال النظام العراقي المقيمين في أوسلو بتمرير جملة من الشتائم المعيبة ضد القيادة الكويتية ؟ وجميعنا يعرف طبيعة وكيفية ترتيب الإتصالات الهاتفية وتمريرها والسماح بها ؟؟ ، ثم كرر برنامج ( أكثر من رأي ) الذي يبث من الأستديوهات اللندنية نفس أخطاء وتجاوزات البرنامج الشقيق الآخر ليخلق أزمة كبيرة مع الكويت أدت لإغلاق المكتب مؤقتا وخلق عاصفة سرعان ماتم تطويق آثارها بعد زيارة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني للكويت وهو رئيس مجلس إدارة القناة ؟

وكان الكويتيون يراقبون أداء الجزيرة الإعلامي وهم في حالة وجوم وتحسب وقلق كبير إلا أن حصل ماحصل قبل سبعة شهور حينما رتب فريق ( الإتجاه المعاكس ) مرة أخرى حلقة خاصة كان من الواضح أنها مخصصة لشتم الكويت وبشكل علني حينما جيء بأحد الصحفيين المصريين المغمورين من المرتبطين بالماكنة الإعلامية للنظام العراقي وهو السيد نصير أحد زلمات المرتزق مصطفى بكري ليتحاور مع الصحفي الكويتي  ( نبيل الفضل ) وليشتم الكويت ويسخر من كيانها وبأنها تقف خلف المشاكل العربية ؟ وكان هجوما ظالما مفتقدا للحد الأدنى من الأخلاقية المهنية ، بل أنه كان فتنة حقيقية ودوس على جراح الشعب الكويتي حينما سخر من أسرى الكويت في سجون النظام العراقي وإندفع بعيدا في الشتم والإهانة وبلا ضوابط ؟ .. إلى هنا والكويت كتمت غضبها وهي تراعي الحرية الإعلامية والحرص على العلاقات الخليجية وترى ضرورة ضبط النفس أمام إساءات مستمرة وبصور ووجوه متعددة ، ولكن الأساس لفسخ العلاقة المعقدة والخطرة مع الجزيرة قد وضعت أسسها منذ ذلك اليوم ؟  ثم توالت الأحداث لتندلع الأزمة الجديدة بين الإدارة الأميركية والنظام العراقي والتي تهدد بإشعال عاصفة صحراء جديدة ومختلفة هذه المرة وبالتوازي مع تنامي النشاط الأصولي في الكويت وتفاعلات حادث فيلكا الإرهابي وحماس الجزيرة للتحدث والدعاية للجماعات الأصولية وتخصيص برامجها الإخبارية للتركيز على تلك العناصر الشاذة مع مايعني ذلك من مساس بأمن الكويت الوطني وبمصالحها الإستراتيجية التي لاتحتمل الهزل في هذه المرحلة الصعبة ، خصوصا وأن الملف الأمني الكويتي لايتحمل المناورات في مرحلة صعبة وحساسة كالتي تعيشها الكويت والمنطقة حاليا

ويجب أن لانغعل حقيقة إنزعاج الكويت الشديد من العلاقات الخاصة والمتنامية للجزيرة مع النظام العراقي وتسويقها لرؤيته الإعلامية والزيارات الخاصة التي قام بها السيد محمد جاسم العلي مدير القناة والسيد فيصل القاسم لبغداد ولقاءاتهم مع رئيس النظام العراقي قد شكلت للكويت ناقوس خطر ودلالات عميقة لايمكن إبتلاعها بسهولة لذلك فإن تركيز الشيخ صباح الأحمد على العنصر الأمني كان واضحا ولايحتاج لترجمة أخرى ... فالجزيرة أصبح ينظر إليها نظرة العدو المتربص بل والطابور الخامس إستنادا لما قد تتضمنه سيناريوهات الأيام القادمة في الخليج ، وهي أيام عصيبة وصعبة وتحمل معها العديد من عناصر الخطر وإحتمالاته ، ولكن هل تختزل كل قناة الجزيرة بعبارة

(دكان وأغلقناه ) التي أعلنها الشيخ صباح الأحمد ؟

أم أن في الأمر خفايا وأسرار ومساومات لم يتم الكشف عنها بعد ؟

ولكن في جميع الأحوال يبدو أن الضربة الكويتية الأخيرة للجزيرة قد تكون الفاتحة في متغيرات كبيرة في الإعلام الخليجي .

 

#داود_البصري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات