|
المرأة والديمقراطية والثقافة
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 21:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عقد في رام الله مؤتمر "يساريات" لمناقشة دور النساء العربيات في ظل الثورات العربية. دعا إلى المؤتمر اتحاد لجان المرأة الفلسطينية العاملة ومركز فؤاد نصار لأبحاث التنمية. وخاطب المؤتمر من القاهرة المناضلتان المصريتان ، دكتورة كريمة حفناوي وبهيجة حسين؛ كما خاطبته من تونس الدكتورة رجاء بن سلامة. وبعد ان ألقت السيدة عفاف غطاشة كلمة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية العاملة ألقيت كلمة مركز فؤاد نصار لأبحاث التنمية. وبعد التحية جاء في الكلمة : يرتقي دور المرأة ومكانتها في المجتمع في علاقة توافقية مع نهوض الحركة الوطنية الديمقراطية، والتي كافحت وتكافح من اجل التحرر الإنساني كشرط أساس لتحديث الحياة الاجتماعية العربية. فقد ورث المجتمع الفلسطيني وكل المجتمعات العربية نماذج الاقتصاد المتخلف وورثت تخلف قيم العصر الوسيط وعلاقاته الاجتماعية الموسومة بالجور المتمثل بالقهر والتسلط الاستبدادي والعصبيات وتبخيس الإنسان. تميز الماركسيون منذ بداية الحركة الوطنية بإدراك دور الجماهير المنظمة في هيئات اهلية ومنظمات سياسية في تنشيط الحركة الشعبية وتأصيل الطابع الديمقراطي في الحركة الوطنية والمتجسد أساسا في تصفية معالم التخلف. واوْلت عصبة التحرر الوطني اهتماما متزايدا بالثقافة الديمقراطية في تصفية إرث التخلف بجميع مظاهره وتطوير حركة شعبية ديمقراطية ترفد النضال الوطني التحرري وتصد المؤامرة المكشوفة على الشعب الفلسطيني ووطنه. واستلهم الرفيق فؤاد نصار تجربة العصبة حين بادر وسط ركام النكبة،عام 1948، فأصدر " المقاومة الشعبية" نشرة دورية موجهة إلى أبناء الشعب وبناته، كي ترفد بالوعي حركة المقاومة الشعبية للمؤامرة الكبرى متعددة الأطراف. ونظرا لشح الموارد استعان بأدوات طباعة ونْسخ جد بدائية لكنها أنجزت مهمة كفاحية تحطمت على صلابتها موجة الإحباط والإرباك، وتجلت فيها عظمة الطاقة الكفاحية للجماهير الشعبية حين تعي واقعها وتتبين طريق الخلاص. حيال الهزيمة والإحباط ، وحيث وجبة الغذاء اليومية لم تكن مضمونة رفع فؤاد نصار ونفر قليل العدد، كبير الطموحات ، من رفاقه الشباب، بالكلمة وبفعل التحدي لواء المقاومة الشعبية. وإثر هزيمة حزيران الكارثية عام 1967شرعت العلوم الإنسانية والإبداع الأدبي والفني ترصد عوامل الهزيمة في إرث التخلف وبؤرته استبداد السلطة السياسية والدينية. وحيث تسود ثقافة الجور في خلايا المجتمع يجيّر النصيب الأكبر منه على المرأة والأقليات والفئات المسحوقة من الشعب. والثقافة تتغلغل في أنماط إدارة الاقتصاد والسياسة والتربية؛ فهي محيط بلا شطئان. توصل المثقف الفلسطيني ، دكتور هشام شرابي ، إلى ما أدركه الماركسيون منذ بدايات النضال التحرري؛ المجتمع العربي إلى أن " نظام التربية يحل روح الخضوع محل روح الإقدام وروح المكر محل روح الشجاعة وروح التراجع محل روح المبادرة".؛ واكتشف في النظام التربوي والاجتماعي ما "يثني الطفل عن الثقة بآرائه الخاصة ويشجعه على قبول آراء الآخرين دون تردد أو سؤال. وهذا ما ينمي في نفسه الإذعان للسلطة ولكل ما هو أقوى منه أو أعلى مرتبة وجاها". أعطاب الثقافة تغذي إعطاب الاقتصاد والسياسة وتعود بتغذية ارتجاعية على نظام التعليم. انتقل المثقف الفلسطيني من المقدامات إلى كيان التخلف في " المجتمع البطريركي". وضمن حركة المراجعة النقدية قدم الدكتور مصطفى حجازي ،عالم النفس الاجتماعي من لبنان، مؤلفه "سيكولوجية الإنسان المقهور"، حيث قهر السلطة ينشر الأعطاب في النفسية الاجتماعية والتفكير وفي عملية التربية،حتى لدى حملة الشهادات الجامعية العليا. الحضور الكريم ، التسلط السياسي ، وقد افلت من العقاب مضى يعزز مظاهر التخلف وعلى رأسها العصبية الطائفية والسلفية. تساندت أنماط الاستبداد الثلاثة في تبعية مطلقة لليبرالية الجديدة، وتعزز أيضا التخلف والعجز. وجدت إسرائيل أيديها مطلقة لنهب الأرض الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس الشرقية.
تفاعلت محنة الشعب الفلسطيني مع محن الجماهير العربية في مختلف أقطارها. ولكي تتوفر الحصانة المستدامة وممارساتها تعاضدت أنماط الاستبداد الثلاثة، وارتفع منسوب الهدم والتخريب في المجتمعات العربية إلى مستوى الهدر. تجلى الهدر في ثقافة تقدم الولاء على الإنجاز، وتهدر في المجتمع الفكر والوعي والإرادة، واكتسحت المجتمعات العربية أخلاق الكسب غير المشروع. في عام 2005 رصد الدكتور حجازي ظاهرة الهدر وأدان جريمة رأسمالية العولمة ضد الإنسانية في مسعى هدر وعي الإنسان وتفكيره وإرادته كي تكون لليبرالية الجديدة الكلمة الأخيرة في التاريخ البشري. حلل خبير علم النفس الاجتماعي أدوات الهدر وأساليبه في كتابه " الإنسان المهدور" . وفي العام 2006 أصدر الخبير التربوي من مصر، الدكتور حامد عمار، كتابه الهام ،" الثقافة والتربية في تحدي العولمة" ، حلل فيه الوظيفة الاجتماعية والسياسية للتربية التربية "أداة طبقية"، وهي بذلك " موضوع صراع اجتماعي". التربية أداة طبقية، وهي بذلك كما رصدها الدكتور عمار " موضوع صراع اجتماعي". من جهة طغيان " بنية التخلف بتحيزاته وعلاقاته وتوجهات تفكيره تطوِّع عملية التربية لصالح المحافظة الاجتماعية." وبالمقابل "تقوم التربية بمهمة تعزيز التخلف، وخدمة النظرة السلفية الملتصقة بالماضي والمرتهنة به، وأداتها في هذا الصدد هي التعليم التلقيني". وأسند الخبير التربوي للتربية وظيفة تحدي العولمة اقتصادا وسياسة وثقافة وتقانة علمية. رأى وظيفة الجامعة في إنتاج العلوم والتقاني بدل الاقتصار على التلقين. واليوم ونحن نشهد تفسخ أنظمة الطغيان التابعة للعولمة في عالمنا العربي تنكشف أمام الأنظار جرائمها في تعهد الفساد وسرقة المال العام وإفقار الجماهير وتجهيلها واستلابها، وتغذية العصبيات الطائفية والسلفية. يتجلى بوضوح أن أزمة الحركة الثورية ثقافية في الأساس والجوهر ، وان الديمقراطية تتشابك في علاقة توافقية مع الثقافة، وان التنمية الثقافية جزء عضوي من العملية الملحة للتنمية الاجتماعية. عبر عقود من إشاعة الهدر وتسليط نظم التبعية تفشت في المجتمعات العربية اختلالات اجتماعية كشفت عنها تقارير التنمية الاجتماعية الصادرة عن الأمم المتحدة ، وإحصائيات نسب تداول الكتاب وإصداراته في العالم لعربي، واختيارات أفضل خمسمائة جامعة لا تتضمن اسم جامعة عربية واحدة ، و ترتيب الدول العربية في أدنى السلم من حيث الاكتشافات والابتكارات، وعدد الأبحاث والدراسات العربية المنشورة في المجلات المتخصصة أو المدخلة في الإنتاج المحلي، ثم التخلف في أبواب مركزية من الحياة الاجتماعية، مثل احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة في التقارير الدولية، وحالة البطالة بين الشباب خاصة خريجي الجامعات، والهجرة من الأوطان، والاسترخاء في ملهاة ثقافة الملاعب وبرامج التسلية والفنون المنحطة، وأخيرا وليس آخرا معدل الدخل الوطني للفرد الواحد. في كل هذه المؤشرات تدهورت الدول العربية فرادى ومجتمعة إلى المواقع الدنيا في سلم الترتيب العالمي. بالمقابل، وفي هذه الأثناء، برزت إسرائيل متفوقة في المجالات المذكورة، وبهذا المعيار تقارن الدول المؤثرة في السياسات الدولية بين الدول العربية وإسرائيل، فتفضل الأخيرة بإنجازاتها العلمية والثقافية على دول المنطقة وتبرر لها انتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني.
الحضور الكريم ، نخلص إلى تأكيد أن التربية أداة هيمنة طبقية، ونوصي قوى التغيير الديمقراطي في فلسطين ان لا تتغافل عما توصل إليه العلماء المختصون . ما زالت قوى التغيير الديمقراطي تتغافل عن التعليم الطبقي وتغفل في برامجها بند النضال من اجل تعليم ديمقراطي. وعت قوى التقدم في مصر ضرورة التحول في الحال إلى التعليم الجيد. ونحن في مركز فؤاد نصار لأبحاث التنمية نستمد من التجربة الثورية الغنية والملهمة لحركة التحرر ونستلهم تقدير فؤاد نصار السامي للثقافة والتثقيف في تصعيد النشاط الثوري التقدمي، ونعير أهمية كبرى للثقافة المتولدة عن التعليم الديمقراطي. ونحن نعد لمؤتمر يعقد في الشهر القادم تطرح فيه قضايا التعليم وسيلة لنشر ثقافة الديمقراطية والإبداع والإقدام والتحدي. احييكم ثانية وأتمنى لمؤتمركم السداد والرشاد.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماريون فيسنو كاستان
-
في الذكرى العشرين لاتفاق اوسلو
-
سبع دول منذورة للتدمير
-
خلف الأقنعة
-
استهانة بالعقل إفراز التعالي والعنصرية
-
ليبحثوا عن هيكلهم خارج فضاء فلسطين
-
لغز التماهي بين حركتين نشاتا في علاقة عداء
-
العالم يدرك سجل الحروب العدوانية للولايات المتحدة الأميركية
-
اضطراد التوحش الامبريالي
-
عدوان قادم ام تغطية على عدوان جار على قدم وساق؟
-
طقوس التحولات
-
الأجواء ملوثة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
-
اختراق اللحم الفلسطيني
-
جبهة ثقافية عربية من اجل العدالة في فلسطين
-
كيف اقتحم التكفير الثقافة العربية -الإسلامية
-
كيري يسوق مشروع نتنياهو للسلام الاقتصادي
-
اليسار العربي وفلسطين
-
للتخلف انكساراته وللتقدم انتصاراته
-
تبادل الأراضي يعني شرعنةممارسات إسرائيل
-
جدار من حقول ألغام
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|