أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة















المزيد.....

موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 21:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



فولفجانج أماديوس موتسارت (1756- 1791) موسيقى نمساوى أطلق عليه مؤرخو الموسيقى (وكذلك معاصروه) الطفل المعجزة. وسبب ذلك التعبير أنه كتب أول كونشرتو وهو فى الرابعة من عمره ، وكتب أول سيمفونية وهو فى الخامسة ، وكتب أول أوبرا كاملة وهو فى الرابعة عشرة. ورغم الاختلاف بين مؤرخى الموسيقى على بداية تأليفه للموسيقى المجردة ، فهناك اجماع بين عدد كبير من المؤرخين على أنه كتب أول سيمفونية وهو فى الثامنة من عمره، وأكدّ بعضهم على أنّ أول أوبرا كتبها كان فى سن الحادية عشرة وليس الرابعة عشرة. طاف به أبوه على العديد من الدول الأوروبية مثل فينا وميونخ وباريس ولندن وإيطاليا ، ليعزف (الطفل المعجزة) على مسارح تلك الدول ، فاكتسب شهرة عالمية. ولكن موهبته العبقرية التى أمتعتْ كل محبى الموسيقى الكلاسيكية ، كانت وبالا عليه ، إذْ تعرّض لموقفيْن (من بين عدة مواقف) أحدثا شرخـًا فى حياته المعيشية : الموقف الأول عندما تم تعيينه سنة 1766 رئيسًا لفرقة الموسيقى لدى حاكم مدينة سالزبورج ، وكان المُشرف على موتسارت رئيس الأسقفية الذى بالغ فى الإساءة إلى الشاب اليافع (25سنة) ولم يكتف بالإساءة وسوء المعاملة وإنما بخل عليه براتب عادل يتناسب مع انتاجه الموسيقى ، فاضطر موتسارت إلى الهروب منه ومن مدينة سالزبورج . ثم الموقف الثانى عندما عمل كموسيقى فى بلاط امبراطور النمسا . وشاء سوء حظه أنْ يكون رئيسه (موسيقار البلاط الملكى) هو الموسيقى نصف الموهوب (أنطونيو سالييرى) الذى أقنع نفسه (كما كتب مؤرخو حياته) أنّ موهبة موتسارت تعنى جملة واحدة : القضاء عليه وعلى كل مؤلفاته. وأنّ الأجيال القادمة ستذكر اسم موتسارت بالحب ، بينما لن يتذكر أحد اسم سالييرى ، وإنْ تذكره أحد فبالاشمئزاز. وكما أنّ عشاق الحرية يتذكرون اسم الفيلسوف سقراط ويقرأون ما كتبه عنه تلميذه أفلاطون ، فإنّ أحدًا لا يذكر (بل لا يعرف) أسماء من حكموا عليه بالإعدام . ولدينا فى مصر أمثلة شبيهة ، فإنّ عشاق الحرية والتنوير يتذكرون ويقرأون أعمال عميد الثقافة المصرية (طه حسين) بينما لا يتذكر أحد أسماء من كفــّروه .
ورغم أنّ سالييرى (بحكم تخصصه فى الموسيقى) كان شديد الاقتناع بموهبة موتسارت ، إلاّ أنه كان يُعلن فى كل مكان أنه محدود الموهبة وأنّ أعماله مضجرة ومملة. وظــّفَ سالييرى كل مواهبه الشريرة لاغتيال موتسارت معنويًا قبل القضاء عليه نهائيًا. كان الراتب الذى يحصل عليه موتسارت من القصر لا يكفى متطلبات حياته المعيشية ، خاصة بعد أنْ تزوّج وأنجب ، وكان سالييرى فى يده زيادة راتبه ولكنه لم يفعل. وكان أمثال موتسارت (فى ذاك الزمن) يعتمدون على الدخل الإضافى من خلال إعطاء دروس خصوصية فى الموسيقى لبعض الميسورين ، وجاءتْ الفرصة عندما أعلنتْ الأميرة اليزابيث أنها تحتاج إلى مدرس موسيقى . ولكى يذهب أى موسيقى من القصر، فلابد من موافقة سالييرى ، الذى رفض بشدة وبكل إصرار ترشيح موتسارت ، وعندما رجته زوجة موتسارت (لدرجة التذلل) أنْ يمنح هذه الفرصة لزوجها ، أصرّ على موقفه. وعندما بالغتْ فى الإلحاح أقنعته نفسه الشريرة بأنْ ينتقم من موتسارت فى شخص زوجته ، فساومها على شرفها . رفضتْ عرضه بكل شموخ وتركته. ولكنها توسّمت فيه الخير، فعادتْ تـلح على إنقاذ حياة أسرتها من مذلة الفقر. فساومها سالييرى من جديد على شرفها. وهنا اختلف النقاد : البعض قال إنها رفضتْ عرضه واحتقرته. والبعض قال إنها وافقته ، ولكنه كمزيد من الإذلال (بعد أنْ تهيّأتْ للفعل) طردها ، وهوّ ما جسّده (بيتر شافر) مؤلف مسرحية (أماديوس) الذى اعتمد على كل الكتب التى أرّختْ لحياة موتسارت وكل ما كتبه المؤرخون عن شخصية سالييرى ، الذى رشـّح شخصًا آخر بلا موهبة ليُعلم الأميرة اليزابيث الموسيقى ، حتى بعد أنْ طلب الامبراطور من سالييرى أنْ يذهب موتسارت إلى الأميرة ، وهنا لجأ إلى الأسلوب المنحط أخلاقيًا فقال للامبراطور إنْ موتسارت تدور حوله وشايات كثيرة عن علاقاته النسائية. فاقتنع الامبراطور، وضاعتْ الفرصة على موتسارت . وهكذا تستمر المؤامرة ضد موتسارت ، بدأها سالييرى بمعركة (التجويع) وأنهاها بأنْ وضع له السم فى الشراب ، وفق ما جاء فى المسرحية التى كتبها بيتر شافر. فهل أراد المؤلف تجسيد مأساة موتسارت بهذا القتل ؟ وهل ما فعله سالييرى حقيقة استقاها من التاريخ أم من وحى الخيال ؟ ولكن الحقيقة المؤكدة أنّ موتسارت مات صغيرًا (35سنة) وهنا أرى أنّ (شافر) وظــّفَ الموت المأساوى لموتسارت دراميًا على لسان سالييرى الذى قال يُخاطب موتسارت بعد وفاته (( أنا أنطونيو سالييرى . عشر سنوات من الكراهية. قد سمّمتك حتى الموت)) وفى مشهد الدفن قال لنفسه ((الآن أشعر بالارتياح وأشعر بالشفقة على الرجل الذى ساعدتُ فى تدميره)) لكنه فى ختام المسرحية قال ((سأعيش حتى أرى نفسى منطفئــًا ولا ذكر لى . كل الرجال حولى يطلبون الحرية للجنس البشرى ، أما أنا فكنتُ لا أطلب سوى العبودية لنفسى)) ثم قطع حنجرته. تدور أحداث المسرحية بعد 30سنة من وفاة موتسارت ويجلس سالييرى على كرسى ذى عجلات ويحكى فى شكل (اعتراف) أشبه بالاعتراف الكنسى . وكان أبلغ اعتراف عندما قال لموتسارت ((أنا مُسمّم بك . وأنتَ مُسمّم بى))
000
يهتم المبدعون فى أوروبا بحياة المشاهير من أهل العلم والفن والفكر، سواء فى الرواية أو المسرح أو السينما. كما حدث مع قصة حياة كل من هيلين كيلر، فان جوخ ، جاليليو، دارون إلخ . ولأنّ بيتر شافر الكاتب المسرحى الموهوب استطاع أنْ يُجسّد مأساة حياة موتسارت دراميًا ، لذا فإننى أحرص على قراءتها كل بضع سنوات ، خاصة الترجمة الدقيقة الممتعة التى قام بها المترجم والأديب الأستاذ شوقى فهيم . أعود إلى قراءة النص المسرحى كلما أخذنى الحنين لمشاهدة الفيلم السينمائى المأخوذ عن المسرحية. وهو الفيلم الذى حصل على سبع جوائز أوسكار عام 1985 وذلك بعد أنْ قدّمها المسرح القومى فى لندن ولاقتْ نجاحًا كبيرًا . ومن الأمور ذات الدلالة أنّ مؤلف المسرحية (بيتر شافر) إنجليزى واشترك فى كتابة سيناريو الفيلم مع المخرج التشيكى الأصل الأمريكى الجنسية (ميلوش فورمان) وهكذا نجد البُعد الإنسانى المُتمثل فى تجسيد قصة حياة موتسارت (النمساوى) فيكتب عنه مؤلف (إنجليزى) مسرحية. ويتحمس مخرج سينمائى لصناعة الفيلم (تشيكى الأصل أمريكى الجنسية) فأبدعوا فيلمًا سينمائيًا خالدا توفرّتْ فيه كل عناصر (الهارمونى) ليس على صعيد الفن فقط ، وإنما على الصعيد الإنسانى أيضًا ، كأنما أرادوا تحقيق (الهارمونى) الذى كان موتسارت يسعى إليه فى حياته وفى موسيقاه الخالدة ، ذلك العبقرى الذى كتب أوبرا (زواج فيجارو) و(دون جوان) وعشرات السيمفونيات وروائع الكونشرتو. وعندما كتب موسيقى (الفلوت الساحر) أو(الناى المسحور) عن أسطورة إيزيس وأوزير، أقبل عليها الجمهور الأوروبى بكل حب وشغف ، فصرخ الشاعر والأديب (الألمانى) جوته (1749- 1832) فى حنق وغيظ قائلا ((أى إيزيس وأوزيريس .. لو إنى أستطيع التخلص منكما ؟)) وكان تعليق عالم المصريات أدولف إرمان (الألمانى) الذى ذكر تلك الواقعة (( ولكننا نحن الذين نعرف هذه الأسطورة من مصادرها القديمة. وهى أقدم ما فى العالم من أساطير، فإننا ننظر إليها نظرة مختلفة. كما نستطيع أنْ نبتهج بها فى غير تحيز)) (ديانة مصر القديمة- ص 101) وهكذا تحقق الهارمونى الإنسانى الذى سعى إليه موتسارت .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوراة بين التاريخ والعلم والأساطير
- النقد العلمى لأسطورة هيكل
- مدينة أون والادعاء العبرى
- اسم مصر
- قاسم أمين : أحد رموز التنوير
- شهر مصرى صُغنتوت من خمسة أيام
- فرح أنطون ومحمد عبده
- أحمد لطفى السيد
- قناة الجزيرة والوعى المتأخر
- متى تتحقق الحرية والعدالة ؟
- هل تلتقى المذهبية مع التحضر ؟
- العلاقة بين الخرافة والأسطورة والدين
- إيزيس / مريم / زينب
- موسى بين التراث العبرى ولغة العلم
- التعريف العلمى لثورات الشعوب
- يوسف بين التراث العبرى ولغة العلم والفلوكلور
- الإبداع والأيديولوجيا : أولاد حارتنا نموذجًا
- إبراهيم بين التراث العبرى ولغة العلم
- امبراطورية الشر الأمريكية
- قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة