|
سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حزب البعث صغير على سوريا. وسوريا تصغر كلما تمادى بقاؤها دولة بعثية. هذا ليس لأن "الحزب القائد للدولة والمجتمع" لم يتطور فكريا وسياسيا وتنظيميا منذ استولى على السلطة قبل ما ينوف على أربعة عقود فقط، وإنما لأنه ينطبق عليه ما ينطبق على أحزاب أنظمة الحزب الواحد من تحزيب الدولة ونزع صفتها الوطنية والعمومية وتفصيل الكل الاجتماعي على قياس الجزء السياسي. النتيجة الماثلة لكون البعث حزبا ودولة هي تصغير الدولة بتبعيثها، وتخريب الحزب بجعله اداة سلطة محض. فحزب البعث الصغير هو حزب البعث الحاكم والقائد، الحزب المليوني الجسيم. أكبر منه بكثير حزب البعث المنفصل عن الدولة، حين قد يعود حزبا بالآلاف. حال الحزب الذي فرض واحديته وقيادته قسرا على سوريا بعد 17 عاما من استقلالها وقرابة 45 عاما من ظهور كيانها الحديث حال ثوب يرتديه جسد لا يكف عن النمو: إما أن يتمزق الثوب او يتقزم الجسد الفتي. وإذ لم يفلح الجسد السوري الفتي في الانسلاخ من ثوبه السياسي البعثي فقد آل أمره إلى قزامة سياسية، ليس ثمة ما يقطع ان عهدها موشك على انطواء طوعي. هذا بينما يتبلور توافق واسع على أن سوريا بحاجة إلى تغيير ثوبها السياسي لا إلى رقعة جديدة ( قومية سورية) على حاشية ثوبها السياسي القديم، المسمى "الجبهة الوطنية التقدمية". بل إن الترقيع القومي السوري للجبهة يعطي لمحة مضيئة عن نوعية الحلول التي تتخيلها نخبة السلطة للإصلاح السياسي. "اللي يجرب المجرب.." هل يمكن لمؤتمر حزب البعث المقرر انعقاده في السادس من حزيران المقبل أن يجدد أو يسهم في تجديد الثوب السياسي السوري؟ "اللي يجرب المجرب، عقله مخرب"، تقول الحكمة الشعبية البليغة، ناصحة بإصلاح اقتصاد الآمال الذي تميز بهدر شديد خلال السنوات الخمسة الأخيرة، وبالكف عن التعويل على إصلاح اقتصادي أو سياسي حقيقي على يد الطاقم الذي أوصل البلاد إلى مأزقها الحالي. ولعل مغزى تجربة الزمن المنقضي، التي ينبغي الاتعاظ بها تحت طائلة "خراب العقل"، هو أن الإصلاح غير ممكن على أرضية نظام الحزب الواحد الذي هو بالذات مصدر الفساد واللامساواة بين السوريين واستبداد بعضهم بأمر كثرتهم. ولا نملك ما يسوغ الاعتقاد بأن مؤتمر حزب البعث العاشر في السادس من حزيران المقبل سيقرر التحول نحو نظام تمثيلي تعددي وتنافسي. هذا مضاد لطبائع الدولة الحزبية. ولا يغير من ذلك توجه المؤتمر البعثي إلى إصدار قانون أحزاب. فمجرد مناقشة أمر قانون الأحزاب في مؤتمر الحزب الحاكم وصدور توجيه منه بإصداره يعني نزع الصفة العمومية للقانون ومنح الحزب سلطات ليست من اختصاصه واحتلاله، وهو خصم الأحزاب الأخرى، موقع المشرع لها. فوق ذلك، وكما فصل حزب البعث الدولة على صورته ومثاله سيفصل قانون الأحزاب بما يناسبه، ويستثني نفسه من القواعد التي تضبط عمل الأحزاب الأخرى. هذا قانون فاقد للصفة الأولى للقانون: العمومية ومساواة جميع الأحزاب أمامه. وهو، تاليا، قانون باطل سلفا. وفوق هذا كله من المرجح أن يرفق القانون باشتراطات تعجيزية أشبه بتلك التي وضعت في شباط 2001 لعمل المنتديات وقد كانت عمليا حكما بالإعدام عليها. من هذه الاشتراطات مثلا، منع تشكل احزاب على أسس دينية او إثنية، ما يعني استثناء الإسلاميين والأكراد وغيرهم، وهي قوى تتمتع بشعبية مضمونة. وربما يشترط القانون حجم أعضاء أولي يفوق الحجم الوسطي للأحزاب العلمانية السورية، التي تعرضت للسحق على يد النظام ذاته. إلى ذلك فإن تعدد الأحزاب شيء والنظام متعدد الأحزاب شيء آخر. في مصر والأردن وتونس والجزائر وغيرها من الدول العربية حياة حزبية مفصولة عن تداول السلطة وعن التأثير على بنية النظام السياسي التي تبقى تسلطية وواحدية. ليس التعدد الحزبي هو "الفصل النوعي" للنظام السياسي الديمقراطي. بل يمكنه أن يكون تحديثا للتسلطية وإعطاءها مظهرا حداثيا يسترضي القوى الدولية الفاعلية ويجدد أساليب الاحتيال على المجتمع المحلي وخذلان مطالبه. ولعل في ضم أحد شقي الحزب القومي السوري إلى الجبهة الوطنية التقدمية قبل اسابيع قليلة من المؤتمر البعثي ما يشير إلى نوعية قانون الأحزاب الموعود. مغزى هذا المؤشر أن قانون الأحزاب سيكون تحديثا للتعددية التسلطية التي تحدث عنها تقرير "المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات" في تقرير لها صدر بعنوان "سوريا في ظل بشار" قبل قرابة عام من اليوم. أكثر من ذلك، ليس غير إجراءات شكلية من نوع إصدار قانون أحزاب وإعلان رهن حالة الطوارئ بقضايا الأمن الوطني (تاريخ حالة الطوارئ هو تاريخ إعلانات من هذا الطراز)، والتخلص من فائض القمع الباهظ الذي ارتبط بالطور المجنون من التسلطية (1979-1982) ونسي ان ينسحب حتى يومنا، ودرجة من مركزة وعقلنة القرار السياسي لنظام لا عقلاني أو متعدد العقلانيات، ليس غير إجراءات كهذه يمكن ان تنقذ التسلطية من نفسها ومن غرورها الأجوف الذي يكاد يودي بها. وهذا هو كل مضمون الإصلاحية الرسمية، وهو ذاته المضمون المرجح للإصلاحية الخارجية، الأميركية والأوربية. فالتركيب الحالي للنظام بات عبئا عليه هو نفسه، ومصدر إرباك لأصدقائه الأوربيين والعرب، وإزعاج لخصومه الأميركيين. تحديثه على الطريقة السعودية (مع حفظ النسب والفوارق ) يريح ضمير الجميع، ويجدد شباب إصلاحية القصر التي هزمت في الجولة الأولى قبل قرابة 4 اعوام. إلى ذلك تفيد التسريبات المتوفرة عن قرارات المؤتمر المحتملة إلى أن الحزب سيحافظ على موقعه الامتيازي في "قيادة الدولة والمجتمع"، ما يعني أنه سيخرج نفسه من السياسة ويضعها فوق الشعب السوري. إذا صح ذلك فإن الإصلاح البعثي سيتمثل في التحول من مصادرة السياسة من السوريين إلى جعل نفسه سقفا لا يمس لكل سياسة. بعبارة أخرى، يمنح الحزب الذي حكم البلاد بحالة الطوارئ السوريين سياسة صغيرة مخفوضة المرتبة، لا تطرح قضية السلطة والمساواة السياسية بين المواطنين، بينما يحتكر لنفسه السلطة والسياسة العليا. وينصب بين صنفي السياسة هذين جدار فصل أمني يحافظ على البنية الامتيازية القديمة. النتيجة المرجحة نسخة منقحة من نظام الحزب الواحد الذي راكم فشلا فوق فشل منذ استولى على البلاد قبل 42 عاما. ما لا يبدو أن المخططين البعثيين يدركونه هو أن النظام وحزبه الواحد وأدوات حكمه جميعا في ازمة، وان حلولا من هذا النوع هي في غير مصلحتهم قبل أن تكون متعارضة مع مصالح عموم السوريين. والإخفاقات المتواترة في الميادين الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية برهان لمن يريد برهانا. بعيدا أن يكون حلا لأية مشكلة، نظام الحزب الواحد وملحقاته الجهازية والقانونية هو المشكلة التي تحتاج سوريا إلى حلها. وهو ما يعني ان لا حل بعثيا أو حزبيا للمشكلات الاجتماعية والسياسية والوطنية السورية الراهنة. لقد حول نظام حزب البعث سوريا إلى دولة فئوية تقودها نخبة من أصحاب الامتيازات الذين يرفضون المساواة بين السوريين. ومعلوم أن اللامساواة بين السوريين مكفولة دستوريا بمادة فائقة الشهرة تنص على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". هذا الكلام الذي هاجره المعنى منذ وقت كتابته يقوم اليوم بوظيفة منبه شرطي مجربة: إثارة منعكسات الخوف والرهبة والانكفاء عند "الجماهير" و"الأمة". لا حل بعثيا. مبدأ الحل الوطني هو المساواة السياسية بين السوريين، ما يعني بلا غمغمة ولا جمجمة تصفية نظام الحزب الواحد والانتهاء من أوهام قيادة الدولة والمجتمع والرسالة الخالدة. أين روح الحزب؟ فهل يستطيع مؤتمر حزب البعث الحاكم ان يحل مشكلات الحزب الذاتية إذا كان غير مؤهل لحل مشكلات البلد المحكوم؟ هذا يفترض أن لحزب البعث مشكلات ذاتية، وهو افتراض في غير محله. إذ ليس للحزب القائد للدولة والمجتمع مشكلات ذاتية لأنه ليس له ذات مستقلة، ولا إرادة مستقلة ولا وعيا مستقلا عن السلطة التي تحكم باسمه، او تستخدمه أداة لحكمها. الحزب خسر استقلاله وذاته السياسة والفكرية والتنظيمية لمصلحة السلطة، الذات الوحيدة في المجتمع السوري. حزب البعث أداة، الروح هي السلطة. بعبارة اخرى، ذات حزب البعث هي نظام الحزب الواحد. ونظام الحزب الواحد في كل مكان لا سياسة ولا أحزاب فيه. فالحزب لا يوجد إلا جمعا، يوجد الجمع أولا (أحزاب)، ثم نستنبط الواحد (الحزب) منه استنباطا. بعبارة أخرى، ما يوجد في الواقع هو أحزاب، أما الحزب فهو مفهوم مجرد نستخلصه من الكثرة. فإذا وجد حزب واحد في الواقع، ما يسمى في سوريا "الحزب"، فإنه ليس حزبا بل شيء آخر. الحزب الواحد هو لا حزب، والواحد هنا يساوي الصفر. ومصدر معقولية هذا الحكم أن مفهوم الحزب يصدر عن تصور للمجتمع كمتعدد مصالح ومتنافرها من جهة، وكشرعية تمثيل لهذه المصالح ونفاذ لها إلى النظام السياسي من جهة أخرى. التوافق بين المصالح الاجتماعية ليس واقعة محققة في أي من المجتمعات الحية. ولو كان متحققا لاستغنت المجتمعات عن الدولة والسياسة والتمثيل وكل آلات السياسة الحديثة، ولسقط داعي وجود أحزاب أو سياسة. بالمقابل ليست المصالح الاجتماعية متنافرة تنافرا مطلقا مستعصيا على التسوية. لو كان الأمر كذلك لما كانت السياسة ممكنة. السياسة مرغوبة لأن المصالح الاجتماعية غير متوافقة تلقائيا، وهي ممكنة لأن التوافق بين المصالح ليس مستحيلا. فالسياسة هي فن تحقيق التوافق المفتقد أو بناء المشترك الاجتماعي. والدولة هي المقر العمومي لعملية التوافق والاشتراك هذه. مفهوم للسياسة هذا غائب من افق التنظيمات العقيدية التي تصدر عن مفهوم للمجتمع مضاد للسياسة. ينكر هذا المفهوم تعدد المصالح الاجتماعية وتعارضها، ما يتيح له إنكار ضرورة التمثيل الاجتماعي وشرعيته، وما يمكنه من فرض مطابقة تامة بينه وبين المجتمع المحكوم. قد يوجد أفراد ومجموعات معارضون لهذا التصور، هؤلاء يستأصلون بالعنف كشوائب لصورة نقية بريئة من التعدد والتعارض. لا مقام للسياسة على أرضية فكرية كهذه. فالسياسة كفعل مدني يقوم على النسبية والتسويات وبناء التوازنات الاجتماعية والفكرية وروح التوافق والتوفيق غريبة في هذه الأرض. وهي غريبة على الحزب الذي يحكم سوريا وعلى نظام حكمه. والواقع أن نظام الحزب الواحد البعثي هو الترجمة السياسية لإخلاء المجتمع السوري من تعارض المصالح وتعدد التفضيلات والرؤى. وخلافا لاسمه، هو نظام بلا احزاب، لا يختلف في شيء عن نظام القذافي او عن النظام السعودي. الحزب هنا ليس تنظيما سياسيا يعرف بدلالة موقعه في المجتمع بل محض استطالة جهازية جسيمة للسلطة المردودة إلى بعدها الإكراهي والتنفيذي. هذا يعطي شرعية للتمييز بين "الحزب" الذي هو أداة سلطة وبين البعث الذي يفترض انه حزب سياسي. واستنادا إلى هذا التمييز ينقسم الناس إلى حزبيين كثر حالّون في السلطة، و"بعثيين" قلة ينتمون إلى حزب غير موجود في سوريا. صفحة سوابق ما نريد قوله إنه لا يمكن حل مشكلات حزب البعث قبل استعادته ذاتيته الحزبية، أي قيامه كذات سياسة قائمة برأسها مستقلة عن غيرها. إصلاح حزب البعث مدخله فصل الحزب عن الدولة ونيل استقلاله السياسي منها، وهو ما لا يتسنى مع الإبقاء على نظام الحزب الواحد، على نحو ما يثبته درس قرار "القيادة القطرية" رقم 408 لعام 2003 الذي انتهى إلى لا شيء بالتمام والكمال. معلوم أن القرار ذاك الذي صدر بعد سقوط نظام البعث العراقي واندلاع الكلام عن جرائمه، نهى الحزب السوري عن التدخل في الشؤون اليومية، ما سميناه قبل قليل السياسة الصغيرة، وترك له أن يحتفظ بأنشطة "التخطيط والرقابة والإشراف والتوجيه والمحاسبة"، واضعا إياه فوق الدولة، ومانحا له دور "الولي الفقيه" حسب عبارة ظريفة جرت على قلم فهمي هويدي وقتها. غرق القرار في النسيان بعد اسابيع من صدوره. ومثله كان مصير تعميمين اصدرتهما القيادة البعثية ذاتها في بداية عام 2004 في مسعى لتطوير حزب البعث فكريا وتنظيميا (تناولناهما وقتها في مقال مطول بعنوان: في عامه الحادي والأربعين: فصل الحزب عن الدولة ضمان له ولسوريا، "ملحق النهار"، 7 آذار 2004). خطأ القيادة الحزبية غير المفاجئ انها تعتقد أن ذات حزب البعث هي عقيدته واسس تنظيمه، وأن إصلاح هذين كفيل بإصلاحه وإصلاح الدولة. لكن الذات ليست هنا كما قلنا. ووربما تكون الغريزة دفعت القيادة الحزبية إلى التخلي عن عقيدة الحزب كيلا تتخلى عن شبر واحد أو ذرة رمل واحدة من أرض السلطة. الغريزة لا ترتكب غير الأخطاء الصحيحة. فصل الحزب عن الدولة الدرس الذي يجدر بالعاقل استخلاصه أن إصلاح حزب البعث يقتضي فصله عن الدولة في سياق التحول نحو نظام ديمقراطية تمثيلية تنافسي. ليست هذه توصية تنفيذية نقترحها بل هي خلاصة موضوعية يمليها التحليل. ولعل من المفيد هنا فتح قوسين للتعليق على هذه النقطة. فعدم التمييز بين الاقتراحات العملية البرنامجية والخلاصات التحليلية هو من مشكلات الديمقراطيين السوريين الثابتة. الاقتراحات والتوصيات شيء يتعلق بالسياسة، وهذه تتصل بالممكنات والقدرات والظروف وما إلى ذلك. أما الخلاصات التحليلية فتتصل بمنطق التفكير واتساقه ونتائجه الضرورية لا بمنطق السياسة والملاءمة. يملي التحليل أن لا إصلاح في ظل نظام الحزب الواحد، لكن هذه ليست توصية سياسية، وإن كان ينبغي على السياسي ان يحتفظ بها في ذهنه. السياسي قد يجد أنه ينبغي فورا طي صفحة نظام الحزب الواحد أو قد يتقبل إصلاحا بطيئا ومتدرجا. المسألة موازين قوى وممكنات، وليست مسالة اتساق نظري وقيمي. في السنوات الأخيرة تقلب المثقفون والسياسيون والنشطاء السوريون بين موقف يخضع السياسة لمنطق التحليل الموضوعي (ما يفضي إلى الجمود وفقدان المرونة اللازمة للسياسة) وآخر يخضع التحليل لمطالب السياسة ومقتضياتها (ما يفتح المجال واسعا للبلهوانية والانتهازية والصفقات المغشوشة). ولا ريب في ان تداخل أدوار المثقفين والسياسيين وممارسة المثقفين للسياسة وبعض السياسيين للتحليل الاجتماعي والسياسي هو مصدر هذا الإرباك. ومن نافل القول إن خلاصات هذه المناقشة تنتمي إلى مجال تحليل بنى السياسة وليس إلى مجال التوصيات السياسية. نغلق القوسين. يعني فصل الحزب عن الدولة فصله عن هياكل ممارسة السلطة العمومية من جهة، وعن هياكل توزع الثروة الوطنية من جهة أخرى، إضافة إلى تحرير الحياة الثقافية، قيما واجهزة وموارد، من تحكمه. الوجه الآخر لهذه العملية هو نزع حزبية الدولة ونزع حزبية وسياسية الأجهزة الأمنية ليعود الأمن أمنا وطنيا ونزع حزبية الجيش ونزع حزبية الوظائف الحكومية ونزع حزبية التعليم. نزع الحزبية يعني هنا نزع الفئوية، ويندرج في سياق اعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا، البناء الذي اوصلته السلطة الحزبية البعثية إلى طريق مسدود. بعملية الفصل المزدوجة هذه، فصل الحزب عن الدولة وتحرير الدولة من الحزب، ينفتح الطريق امام إصلاح وطني حقيقي وأمام إصلاح حزب البعث ذاته. حزب البعث الصالح هو حزب سوري بين احزاب سوريا اخرى، لا يتمتع بفرصة نفاذ "قبْلية" إلى الدولة تفوق نفاذ غيره من الأحزاب، حزب تحكم بينه وبين الأحزاب الأخرى صناديق الاقتراع. أما حزب البعث الفاسد فهو "الحزب"، الاسم الذي قلنا إنه أداة سلطة نازعة للسياسة والحزبية من المجتمع. لقد افسدت السلطة المطلقة حزب البعث إفسادا مطلقا، إصلاحه النسبي يقتضي حتما تغيير طبيعة السلطة. ومن هذا الطريق يمكن تجنب خيارين متطرفين. الخيار المتطرف الأول هو نظام الحزب الواحد القائم، الذي باحتلاله الدولة نزع الاعتدال من المجتمع السوري. الخيار المتطرف الثاني هو الخيار الاستئصالي الذي يدعو إلى اجتثاث حزب البعث. ودوام الخيار الأول هو الذي يجعل الخيار الثاني إغراء دائما. فالتطرف يغذي التطرف. باختصار: الإصلاح السوري يحتاج إلى ثورة على نظام الحزب الواحد. ثورة تجعل الإصلاح ممكنا وتمهد السبيل أما نظام ذاتي الإصلاح، وتمنح سوريا نظاما سياسيا قابلا للحياة ومقتصدا في العنف. وفي الأصل لا تستمد فكرة الثورة شرعيتها إلا من فتح الباب أمام إصلاح معاق ومستحيل. أما تشويهات القرن العشرين التي تضع الثورة ضد الإصلاح وتربط الثورة بالعنف، فقد انتجت كثيرا من العنف وقليلا من الصلاح. والإصلاح في سوريا معاق وربما مستحيل، وفقا لما تشهد به تجربة السنوات الخمسة الأخيرة. ينبغي الا نحتاج إلى خمس سنوات اخرى من التجارب. 42 سنة تكفي! الحكمة العربية الفصيحة تقول: "المُجَرّب، لا يُجَرّب".
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
-
مبارك انتهاء الخط العسكري!
-
الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
-
حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
-
على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
-
مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب
...
-
المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
-
الثقافة المنفية في سوريا البعثية
-
دستور السلطة الخالدة
-
الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
-
في أصل -السينيكية- الشعبية
-
وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
-
جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
-
في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
-
ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
-
على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة
...
-
نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش
...
-
نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
-
تسييس العلاقة السورية اللبنانية
-
ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|