أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط-















المزيد.....

تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 302 - 2002 / 11 / 9 - 06:30
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

أخبار الشرق - 8 تشرين الثاني 2002

طوال عقود كان تغيير الأنظمة وإعادة رسم الخرائط مطلبين أساسيين للفكر القومي العربي. وخلال العام الراهن بات هذان المطلبان عنصرين من عناصر برنامج المحافظين الجدد في أوساط النخبة السياسية الأمريكية الحاكمة. ليس ثمة ما يجمع بين البرنامجين على أي مستوى، فالأول ينطلق من نظرية اصطناعية الدول العربية القائمة وقيام نظم رجعية و/أو قطرية بحماية هذه الدول بالتحالف مع الامبريالية وربيبتها الإقليمية إسرائيل. بينما يسعى الثاني وفقاً لأغلب التحليلات للسيطرة على المنطقة التي تضم ثلثي احتياطي النفط في العالم (بما يمكن الولايات المتحدة من التحكم بأوروبا الغربية والصين)، ثم ضمان سيطرة إسرائيل كقطب أوحد في الشرق الأوسط على غرار ما الولايات المتحدة قطب أوحد في العالم. ويقتضي هذا البرنامج إنهاك العالم العربي ووضعه في حالة دفاع مستمرة واستتباع نظمه ومنع مجتمعاته من السيطرة على شروط استقرارها الداخلية ولاخارجية.

لكن البرنامجين يشتركان، في ما وراء كل الفروق الممكنة بينهما، في ملمحين بارزين: منزعهما الجذري الواضح، وتسليم ضمني مشترك بقابلية دول المنطقة للفك والتركيب والتجريب والتعديل، أي أنها دول "مصطنعة" فعلاً كما رآها الفكر القومي العربي التقليدي، وإن يكن اصطناعها بمعنى مختلف عما قصده المذهب القومي كما سنرى. أما المقصود بالجذرية فهو أن المشروعين يتطلعان معا إلى تغيير عميق لوجه المنطقة وأسسها السياسية والاستراتيجية والثقافية. إذ بينما يتطلع المشروع القومي العربي إلى تأسيس كيان عربي واحد يستوعب الدول القائمة ويتجاوزها ويشكل مركزا حضاريا مستقلا على قدم المساواة مع المركزين الغربي والسوفياتي المجايلين له، فإنه تثوي في أعماق المشروع الأمريكي طوبى إلحاق الهزيمة بالإسلام كما ألحقت الهزيمة بالفاشية في الحرب العالمية الثانية وبالشيوعية في الحرب الباردة. في الحالين الهدف من تغيير جسد المنطقة هو تغيير روحها.

الفرق الأغنى بالدلالة بين المشروعين هو أن موضوع التغيير وإعادة رسم الخرائط هو "الشرق الأوسط" في البرنامج الأمريكي بينما هو "الوطن العربي" في البرنامج العربي. والشرق الأوسط في دوائر التخطيط الاستراتيجي الأمريكية يمتد من مصر حتى باكستان، وقد يتسع أحياناً، وخصوصا في العقد الأخير، ليشمل "شمال أفريقية" وآسيا الوسطى. وتتأسس كل الفروق الأخرى على هذا الفرق بين إطاري التخطيط والتفكير هذين. فالشرق الأوسط كما ارتسم في نهاية الحرب العالمية الأولى إطار جيوسياسي مدول تدويلا عميقا، أي أنه بلا داخل خاص به، بينما كان مشروع "الوطن العربي" محاولة لبناء داخل استراتيجي وأمني ونفسي واقتصادي تعبر عنه خير تعبير كلمة وطن.

وللشرق الأوسط ثلاث ركائز أساسية هي إسرائيل والبترول وما يمكن أن نسميه الدول المصطنعة، أحادية البعد في المجال العربي. وهي دول ذات بعد واحد لأنها بلا عمق ذاتي وطني من جهة وبلا عمق استراتيجي وحضاري من جهة أخرى، الأمر الذي يترك مصيرها معلقاً ببُعد واحد هو موقعها في النظام الدولي.

إن تمركزها الأمني وتحريمها (وتجريمها) الاعتراض السياسي، وحكمها من قبل نخب ضيقة وفئوية وغير منتخبة، وموقف هذه النخب العدائي من كل أشكال الاستقلال الاجتماعي: لا ثقافة ومنابر ثقافية مستقلة، لا جامعات مستقلة، لا نقابات مستقلة، لا طبقة وسطى منتجة أو مهنية مستقلة .. أقول: إن كل ذلك يجعل من هذه الدول سطحا ضحلا لا يغطى المساحة الاجتماعية كلها إلا بوسائل احتلالية متفاوتة في عنفها. وبهذا المعنى هذه الدول مصطنعة، بهذا المعنى وليس بالمعنى الذي بنى عليه الفكر القومي التقليددي مآخذه على الدول العربية الحديثة. فالشكل الحديث الوحيد لتطبيع الدول وتجاوز اصطناعيتها هو نظام الحكم الديمقراطي التمثيلي الذي كان دائماً الصيغة الوحيدة للحداثة السياسية، وبالخصوص بعد أن أثبتت إفلاسها تشكيلته الفرعية التي سميت "اشتراكية علمية". وهو أيضاً، وعلى نحو مفارق، الشكل الوحيد لتكون داخل وطني حقيقي للدول يمكّنها من استيعاب تأثير الخارج وضبطه والتحكم به؛ على نحو مفارق لأن المجتمع الديمقراطي المفتوح لا يقيم حواجز مطلقة أو أسواراً صينية بين الداخل والخارج، ولا يستثمر في الغرائز القبلية البدائية التي تعتبر الخارج تهديداً ومصدر خطر بطبيعته، ثم إن البناء الديمقراطي للداخل الوطني لا ينبني على الاستنفار والشك تجاه الغريب وهاجس التآمر الخارجي المستمر، بل يقتضي بالفعل التحرر من التماهي الأولي والانفعالي والمباشر للمرء بجماعته. وفي كل الحالات لا يتكون الداخل إلا إذا كان منفتحا (ولا أقول منكشفاً) على خارج مختلف عنه.

من ناحية أخرى تُفْقِد علاقة التنافس والشك العميق بين النظم الحاكمة في الدول العربية التي تتعامل مع بعضها كمصادر للخطر؛ تُفْقِد كلاً منها وتفقدها جميعا العمق الاستراتيجي والأمني والمعنوي الذي تسعى إليه كل الدول الحديثة. وقد تعود علاقة الشك والتنافس بين هذه الدول إلى تشابه نخبها الحاكمة، وخصوصا كونها (النخب) متخرجة من مدرستين سيئتين للسياسة بمعناها الوطني الحديث: الجيش، ومنابع العصبيات غير المستثمرة سابقاً من أسر حاكمة وما شابهها.

مهما يكن من أمر فإن افتقار هذه الدول إلى بعديها العربي الإقليمي والشعبي الداخلي يردها إلى دول أحادية البعد تتماسك بالاستناد إلى النظام الدولي الذي يكفل وحده بقاءها وأمنها، لكنه أيضاً يشرط ثبات جوهرها كدول أحادية البعد. غير أن استنادها هذا إلى النظام الدولي، ما يعني في ظل نظام القطب الواحد الاستناد إلى الحاكمية الأمريكية، هو ما يجعل منها جوهرياً دولاً وظيفية، أي دول تقوم بغيرها لا بذاتها، أو بالأحرى إن قوام ذاتيتها هو ما تقدمه لـ "الغير" من خدمات وما تقوم به من وظائف.

والدول الوظيفية لا داخل لها، ولا تاريخ ذاتيا لها، ولا يمكن أن تكون ديمقراطية. إن جوهر هذه الدول هو وظيفتها المتغيرة وفقاً لتغير الاستراتيجيات وموازين القوى الدولية. وتتراوح وظائف هذه الدول حول تنويعات مختلفة لشيء واحد هو الأمن والاستقرار: ضمان الاستقرار حول الركيزة الأولى للشرق الأوسط، أي إسرائيل، وهو ما يُناط أولا بدول المواجهة (أو "الطوق" ضمن لغة المذهب القومي العربي)؛ أو ضمان أمن واستقرار الركيزة الثانية، أي البترول، وهو ما ينطبق على ما سمته وثائق الخارجية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية دول "الواجهة العربية" في الخليج. بينما تتكفل إسرائيل بالذات بمنع وقوع أي تغير ذي قيمة استراتيجية أو أمنية في المنطقة، سواء لجهة وضع الخرائط أو تغير الأنظمة باتجاه ديمقراطي. وبالمقابل تمثل إسرائيل حاجة لا تستغني عنها نخب الحكم المحلية لتبرير احتكارها للسلطة والقرار الوطني ولتفكيك أية حركات اجتماعية احتجاجية يمكن أن تنهض ضد هذا النظام الشرق أوسطي.

اليوم يبدو أن المجال العربي مقبل على إعادة تشكيل وهيكلة ثوريتين حقاً. قد نقول إن المنطقة التي عجزت عن حل مشكلاتها المزمنة الأمنية والاقتصادية والسياسية والمعنوية هي منطقة حكمت على نفسها بالانحلال والتفسخ، وليس "الإرهاب" إلا أكثر أشكال هذا الانحلال الذاتي جلبة؛ وقد نضيف إن الفراغ الناجم عن افتقار المنطقة لقوى تتصدى لأزماتها ومشكلاتها لا بد أن يمتلئ عاجلا أو آجلا بقوى حيوية تملأ الفراغ.

هذا منطقي من وجهة نظر تاريخ الدول والعلاقات الدولية. هل هو عادل؟ من له صلاحية الحكم على ذلك؟ سكان البلاد؟

غياب السكان أكثر من أي شيء آخر سبب تحول عبارة "الوطن العربي" إلى اصطلاح فارغ ومصطنع أكثر من كل الدويلات المصطنعة التي يُفترض أنها نشأت عن تمزيقه؛ وهنا أيضاً أصل برنامج المحافظين الجدد الأمريكيين في تغيير الأنظمة وإعادة رسم الخرائط.

__________

* كاتب سوري - سورية
 
 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- من منع الهجوم على العراق إلى تجديد الحياة السياسية العربية
- نقاش أمريكي في الشأن عراقي
- سورية في إطار الحملة على العراق
- تأملات على أعتاب شرق أوسط جديد
- نظرية الرؤوس الحامية وفلكلور الخطاب
- موقع الدول العربية على مقياس التنمية الإنسانية
- بعض جوانب إشكالية المجتمع المدني في سورية
- ازمة المعارضة السورية: لا معارض بل عدو
- خطاب الغضب العربي
- وعـي اللحظة الراهنة


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ياسين الحاج صالح - تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط-