|
ماذا يريد اليسار..!!؟
كريم كطافة
الحوار المتمدن-العدد: 1208 - 2005 / 5 / 25 - 10:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أن محور ما يعتقده اليسار، وعلى درجات متفاوتة من الرؤية؛ ما زال؛ أن الرأسمالية ليست هي النظام اللائق بمستقبل الإنسان، لأسباب كثيرة كامنة بالآلية التي تشكل عصب الرأسمالية. حيث الفرز الدائم للتفاوت الطبقي، لا عدالة توزيع الثروة، آلية الهيمنة، هاجس الربح أولاً والربح أخيراً وغيرها الكثير. كل تلك ولدت وما زالت تولد أشكالاً عديدة من الصراعات التي يخاض القسم الأكبر منها بوسائل العنف. لكننا رغم هذا، نعيش اليوم حقبة جديدة من تطور الرأسمالية؛ هي حقبة رأس المال الجوال. لم تعد الحدود التي ما زالت قائمة حدوداً، لقد اكتسحتها البضاعة وقانونها في التداول الحر. الأمر الذي جعل مصائر البشر على كوكبنا مرتبطة مع بعضها أكثر من أي وقت مضى. وهذه واحدة من إفرازات الحقبة الجديدة، التي كانت قبل ذلك من نبوءات كثيرة أيقن رواد الماركسية الأوائل بحدوثها في المستقبل، حين يفقد رأس المال هويته الوطنية أو القومية. إضافة إلى ذلك، ما زالت الرأسمالية قادرة على التغلب على أزماتها. مع كل اكتشاف وإنجاز علمي هناك مشروع رأسمالي يبرز برأسه. بينما على الجانب الآخر من المتراس، سقطت وفشلت كل التجارب التي حاولت أن تكون بديلاً للنظام الرأسمالي. انهارت التجربة الاشتراكية، وعادت شعوب تلك البلدان لتسلق وعورة الدرب من جديد، كذلك انهارت كل التجارب المماثلة في العالم، كاشفة عن أنظمة استبدادية دكتاتورية قمعية مستمرة في البقاء بفعل آليات القمع والقهر رغماً عن إرادة شعوبها. لكن إلى جانب كل هذا، لم تزل الأسئلة القديمة صالحة، أسئلة الإنسان الباحث عن العدالة. رغم كل النجاح الذي أحرزته الرأسمالية، لم تزل هي عاجزة عن ردم الهوة المخيفة بين الأغنياء والفقراء. لم يزل (80) بلداً يهيمن على 80% من موارد الكوكب.. لم تزل آفة الفقر تأكل سنوياً أكثر من مليون طفل في قارات الفقر الثلاث.. لم تزل عسكرة العلم وحروب الإبادة الجماعية.. لم تزل فتحة الأوزون تتوسع في غلافنا الجوي.. لم تزل تتفشى مزيداً من الأمراض الجديدة العصية على التطويق.. لم يزل خطر زوال الجنس البشري من على وجه الأرض خطراً جدياً ماثلاً بفعل انتشار أسلحة الدمار الشامل.. وأخيراً وليس آخراً خطر انبعاث جماعات الإرهاب السلفي الإسلامية المستندة على ماضوية ظلامية مقيتة على وجه الخصوص، جماعات لفضها قمقم معاداة الشيوعية القديم الذي كان سلاحاً فاعلاً للرأسمالية بوجه الشيوعيين وعموم اليسار، لقد تحولت تلك الجماعات إلى شبح مواز لشبح العولمة، كذلك يصول ويجول ولم يعد محصوراً بحدود، العالم كله ميدانه، ينمو ويتغذى من فقر وتخلف الإنسان وانعدام وسائل التنمية الناجعة في تلك القارات الثلاث، القارات الأكثر سكاناً وفقراً. ما العمل أمام مثل هذه التحديات الكبرى..؟ المشروع الرأسمالي المعولم، ورغم أنه ما زال يهتدي بمقولة (دعه يمضي.. دعه يربح)، إلا أنه عمل على مجموعة مراجعات، تحاول الإجابة على السؤال. نتج عنها محاولة الانفتاح أكثر من ذي قبل على مشاكل التنمية الحقيقية في القارات الثلاث، كذلك اصبح اكثر استعداداً لمراجعة وصفة صناديق الإقراض العالمية (صندوق النقد والبنك الدوليين)، الوصفة التي لم تعن إلى الآن بغير وسائل إرجاع الدين بعد أن يتضخم بالفوائد. مراجعات انصبت على دراسة أسباب تراكم الديون على حكومات ودول هي ليست فقط عاجزة عن ردها، بل هي عاجزة كذلك عن تسديد فوائدها. حتى أنها لم تعد مزحة تلك النكتة التي أطلقها يوماً أحد مسئولي صندوق النقد الدولي: ما هذه الكوميديا السوداء.. ما أن تخرج الأرصدة الموجهة لتنمية البلدان الفقيرة من بنوكنا، حتى تعود لبنوكنا ذاتها إنما بأرقام سرية تخص مسؤولين وحكام وقادة في تلك البلدان..!!؟ نعم، لم تعد ثمة فائدة من إقراض حكومات مستبدة فاسدة تقضم ثلاثة أرباع القروض في حسابات خاصة وبأرقام سرية. بعد كل هذه المراجعات، خرج علينا المشروع الرأسمالي المعولم بوصفة نشر الديمقراطية والقضاء على الاستبداد أولاً، ومن ثم التفكير والبدء بمشاريع الاستثمار والتنمية في تلك القارات. لأول مرة في تاريخ الرأسمالية، أن تلك الصناديق وما تمثله لا تقصر تعاملها مع الحكومات والقيادات الفوقية، بل تحاول النزول إلى المجتمعات، عبر الدعم المباشر لمنظمات المجتمع المدني، بإيجادها إن لم تكن موجودة، ودعمها وتطويرها إن كانت موجودة. كذلك الحض على مراقبة وتطبيق قوانين حقوق الإنسان العالمية وعلى تطوير مناهج التعليم وربطه بسوق العمل وترسيخ مبدأ مساواة المرأة.. كل هذه الأهداف وغيرها أصبحت شروطاً تفرض على من يريد الاقتراض. الأمر الذي شكل العلامة البارزة على نهاية نظام وبداية نظام جديد. لقد انتهى ذلك النظام الذي كان حريصاً أشد الحرص على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، الآن لم تعد هناك شؤون داخلية لا يمكن التدخل في مساراتها. إذن، إذا كانت هذه هي خطوات وآفاق المشروع الرأسمالي المعولم، ما هي مشاريع اليسار عموماً وما تبقى من أحزاب شيوعية وما هي حلولهم.. ما هي مشاريعهم الوطنية للتنمية.. وكيف سيتعاملون مع مشاريع العولمة ولا أقول يواجهون لأن آليات المواجهة انتفت تماماً.. كيف سيفرضون مصالح من يمثلونهم على حسابات وخطط الكارتلات العابرة للحدود والحواجز.. كيف يستطيعون المحافظة على مستوى مقبول وقابل للتطوير لحياة الشعوب في القارات الأكثر فقراً وسكاناً في العالم.. ما هو موقفهم العملي من ظاهرة الإرهاب الإسلامي السلفي؟ وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من الوقوف أمام سؤال آخر لعله الأهم: هل ما زالت الماركسية القاعدة الفكرية الأساسية التي انطلقت منها كل مشاريع اليسار وليس الشيوعيين فقط.. هل ما زالت صالحة كمنهج تحليل واستشراف لآفاق المستقبل..؟ أعتقد أن الإجابة العلمية على هذه الأسئلة، هي التي ستشكل المشروع المستقبلي لليسار بألوانه المختلفة. كثير من أهداف المشروع الرأسمالي هي في ذات الوقت أهداف وطنية لليسار عموماً في القارات الثلاث، والصراع إن حدث وهو سيحدث سيكون حول وسائل وأساليب تحقيق تلك الأهداف لا على الأهداف نفسها. كذلك سيحدث الصراع حول مضامين قوانين الاستثمار ومدى ضمانها لحقوق المنتجين المباشرين، ومدى حمايتها وإدامتها للثروات الوطنية. سيدور الصراع حول وجاهة وأهمية والحاجة الفعلية لهذا المشروع أو ذاك، حول مدى مساهمة هذا المشروع أو ذاك في تمتين وتطوير البنية التحتية للبلد وفي جميع المجالات.. ستكون هناك مواضيع كثيرة لخوض الصراع مع رأس المال المعولم.. إنما بآليات وعقول جديدة تقطع الصلة تماماً مع مسلمات ومطلقات العهد القديم.. عقلية تكون منفتحة على فرضية؛ أن الإنسان سيستمر في البحث عن ضمانات أكثر لحريته وكرامته، وسيناضل لتحقيق كل ما يجعل حياته قابلة للعيش. وحسب قانون الكم والكيف الماركسي وهو قانون جدلي موضوعي عرفتنا به الماركسية، أن التراكمات الكمية ستنتج كيفية جديدة. أما كيف سيكون شكل ومضمون تلك الكيفية الجديدة وما مدى علاقتها بعناوين اليسار وضمنه الشيوعيين، فهذا ما ستجيبنا عليه البحوث والدراسات المستقبلية. لكن وكخطوة أولى على الطريق، على اليسار قطع الصلة مع الكثير من المسميات والغيتوات واليافطات العريضة التي مازالت سائدة، رغم انتماءها إلى حقبة مضت. إن تحقق ما أهدف إليه بشكل مخالف لخيالي وخطتي وبأيدي أخرى.. عندها علي مراجعة ذاتي وخططي لا لعن ما تحقق. هل ستكون هياكل يسارنا المستمرة ما زالت بقوة دوران العادة قادرة على فعل ذلك..!!؟
#كريم_كطافة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ظلال مؤتمر نصرة الشعب العراقي
-
ما زلنا نواجه ماري أنطوانيت الطيبة
-
سؤال الصورة ومحنة الشاعر عقيل علي
-
لا خاطف ولا مخطوف في واقعة الجمل الجديدة
-
عن الشرف.. وأشياءه الأخرى
-
الموت للعرب.. لماذا..!!؟
-
أليس عندكم أفعل من مشعان
-
لنعمل من أجل المصالحة الأخرى
-
الدنصرة في السياسة
-
قانون أبو شامة والدكتورة الألمانية
-
جنون البقر السلفي -البعثي
-
إلى دعاة المصالحة الوطنية..أنها تدور
-
نعم.. نحن ننتخب.. وهم ينتحرون
-
هل برنامج قائمة اتحاد الشعب برنامج شيوعي..؟
-
لو سألتموني عن سوريا.. سأدلكم على ما يفيد
-
أحذروا عودة الملثمين عبر الانتخابات
-
شيوعيون أصوليون... 2 ـ 2
-
شيوعيون أصوليون
-
العراقيون والضحك والسيارات المفخخة
-
حين يترك فقهاء القطيع الباب موارباً
المزيد.....
-
«أمن الدولة».. تجدد حبس أشرف عمر 15 يومًا
-
«احتجاجات المطرية».. محكمة دكرنس تخلي سبيل طفل من دار الأحدا
...
-
لاجئون سودانيون يعملون بالإكراه في مصر
-
أكادير: احتجاجات وإضراب عام للعاملات العمال الزراعيين باشتوك
...
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
-
فرنسا: هل ستتخلى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان عن تهديدها
...
-
فرنسا: مارين لوبان تهدد باسقاط الحكومة، واليسار يستعد لخلافت
...
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|