State and Society : the question of agrarian change in Iraq 1921-1991
By Adnan Koucher
Mijmegen University , Holland
صدر باللغة الانكليزية كتاب (الدولة والمجتمع: مسألة التحول الزراعي في العراق 1921-1991) للكاتب العراقي د.عدنان كوجر وهو في الأصل أطروحة قدمت لنيل شهادة الدكتوراه.ويتكون من ثمانية فصول اشتملت على الجداول الإحصائية والرسوم البيانية والخرائط إضافة إلى الملاحق التي شرح فيها الملامح الجغرافية للعراق،الموارد الطبيعية،السكان،التعليم، إنتاج المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني. ويقع الكتاب في 281 صفحة . الناشر جامعة نايميخن _هولندا .
يبحث الكتاب في دور الدولة في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدها الريف العراقي والمجتمع العراقي بشكل عام منذ بداية القرن العشرين.ويحاول تحديد مدى تدخل الدولة في التحول الزراعي واكتشاف تأثير الدولة في صياغة شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية.ويبين كيف أن التحول الزراعي هو جزء من عملية اكبر للتحول البنيوي تتضمن تغيرات كبيرة في اهتمامات الدولة وعلاقاتها بالتنمية الاقتصادية والقطاع الزراعي.
كان قانون الأرض العثماني لعام 1885 قد صنف ملكية الأراضي الزراعية في العراق إلى:ملكية الدولة،ملكية خاصة،الوقف، والأراضي البور(جدباء). وفي حقيقة الأمر أن تنفيذ هذا القانون قد فاقم مشكلة ملكية الأرض ونتج عنه تركز كبير للأراضي والنفوذ في أيدي رؤساء العشائر والملاكين الكبار الذين أصبحوا أرستقراطية مدنية.
وبعد الاحتلال البريطاني وخلال فترة الانتداب على العراق(1917 -1932 ) لم تطرأ تغيرات رئيسية في ملكية الأراضي.وقد استوجبت مصالح بريطانيا إيجاد دعامة اجتماعية محلية لها كي تبقي سيطرتها بفعالية اكبر وبتكلفة زهيدة .ووجدت هذه في الشيوخ.لذلك عززت السياسة البريطانية المواقع السياسية والاقتصادية لشيوخ العشائر وفي مقابل ذلك ساند هؤلاء الحكم البريطاني.وفي هذا السياق تم إصدار قانون دعاوي العشائر لعام 1924 الذي حدد وعزز الدور القانوني للشيوخ وللإجراءات العشائرية المألوفة .
ويشرح الكتاب النظريات الرئيسية للدولة: نظرية النخبة،النظرية الجماعية أو الجمعية(التعددية)، النظرية الماركسية ونظرية الدولة المركزية .ويستخدم المؤلف هذه المقدمة لشرح طبيعة وسلوك الدولة العراقية . ويرى أن نظرية النخبة تنطبق بدرجة كبيرة على تركيبة الدولة العراقية خلال العهد الملكي. إذ بقيت الدولة في يد مجموعة صغيرة من الأفراد تتكون من أعيان المدن الأثرياء وملاكي الأراضي وشيوخ العشائر وكانت أولوياتهم تتمثل في تعزيز نفوذهم وثروتهم . هذه النخبة من المجتمع سيطرت على أجهزة الدولة واستخدمتها لتوسيع هيمنتها على باقي المجتمع العراقي.
لقد قاد تدخل الدولة في المجتمع الريفي إلى إصدار تشريعات عززت من استغلال الفلاحين من قبل النخبة الريفية المتكونة من شيوخ العشائر وملاكي الأراضي.مثل قانون تسوية الأراضي لعام 1932 وقانون حقوق وواجبات الفلاحين لعام 1933. أضف إلى ذلك فهذه القوانين نتج عنها تركز إضافي للأراضي بيد مجموعة صغيرة من ملاكي الأراضي. ففي 1958 كان هناك 4 مليون فلاح لا يملكون أي قطعة ارض بينما فقط 272 من ملاكي الأراضي يملكون 4.5 مليون دونم. وبما أن الأرض كانت المصدر الرئيسي للنفوذ والثروة بالنسبة لرؤساء العشائر فانهم أرادوا تأطير علاقتهم بالفلاحين من خلال إطار قانوني يخدم مصالحهم بشكل افضل.وفي ظل النظام الإقطاعي الظالم كانت الهجرة من الريف تعتبر الوسيلة الوحيدة للخروج من دائرة البؤس والاستغلال والتي تسارعت من المحافظات الجنوبية باتجاه المدن وبالأخص بغداد.
بعد سقوط الملكية إثر ثورة 14 تموز 1958 شرع في عهد عبد الكريم قاسم بتنفيذ إصلاحات مهمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليم وتحرير المرأة.ولم تقصر سياسات التنمية أهدافها على المناطق الحضرية بل أعطيت الأولوية لسكان الريف حيث عانت المناطق الريفية من الإهمال بدرجة كبيرة خلال العهد الملكي وهي بحاجة إلى حلول جذرية وسريعة .وأراد النظام الجديد إحداث تحولات زراعية فعالة وكان أهم إجراء في هذا التحول إصلاح نظام ملكية الأرض القديم. فصدر قانون الإصلاح الزراعي لعام 1958 وكان هدفه إنهاء النظام الإقطاعي في المناطق الريفية والقضاء على نفوذ رؤساء العشائر وكبار ملاكي الأراضي.وقد قوض القانون القاعدة الاقتصادية لهذه الطبقة إذ صودر اكثر من 4.5 مليون دونم من أراضيهم حتى 1963.
ثم إن إعادة توزيع الأراضي بين صغار الفلاحين والفلاحين بدون ارض قد قوى هذه المجموعات من السكان وعزز نمط إنتاج الأسرة في الريف العراقي.
وكان إنشاء التعاونيات الزراعية طبقا لقانون 1958 قد قوض سيطرة مالكي الأراضي الكبار على آليات الإنتاج.و نزعت الإصلاحات إلى خلق وضع جديد للعلاقات الزراعية يفضي اكثر إلى تنمية زراعية وإنصاف في المجتمع الريفي.الإصلاح الزراعي العاجل والتنظيمات الزراعية الجديدة أعطت حوافزا كبيرة إلى عملية التحول الزراعي وألغت هيمنة الطبقة القديمة للبرجوازية الريفية . لكن واجهت هذه الإصلاحات نواقص وعوائق تشريعية وتنفيذية تمثلت الأولى في أن القانون حدد الحد الأقصى لملكية الأرض ب 1000 دونم في الأراضي المروية و2000 دونم في الأراضي المعتمدة على الأمطار دون أن يأخذ في الاعتبار الاختلافات الإقليمية الكبيرة في البلد،درجة خصوبة التربة،الموقع من خط المطر،نمط الري ونوع الإنتاج.ثم إن عدم الاستقرار السياسي الذي مر به العراق بعد انقلاب 8 شباط 1963 على يد حزب البعث ساهم في عرقلة تنفيذ الإصلاح الزراعي.
ذكر نواقص أو قصور قانون الإصلاح الزراعي يجب أن لا يغفل التأثيرات الإيجابية لهذا القانون حيث إن روح القانون أبرزت مبدأ الإنصاف والعدل في المجتمع الريفي.وسياسيا قوضت القوة السياسية لكبار ملاكي الأراضي وتحرر الفلاحون من التبعية. اجتماعيا أدى إلى إعادة تشكيل البنية الاجتماعية لصالح المظلومين و الفقراء. اقتصاديا تنفيذ الإصلاح نتج عنه زيادة ملحوظة في إنتاج المحاصيل الزراعية الرئيسية و الإنتاج الغذائي بشكل عام.
منذ مجيء حزب البعث إلى السلطة اثر انقلاب 1968 حدث تغير كبير في طبيعة الدولة ونمط ومدى تدخلها في شئون المجتمع .فمنذ السنوات الأولى لاستلام السلطة بدأت النخب السياسية لحزب البعث التغلغل في مؤسسات الدولة واجهزتها.وأصبحت المواقع الرئيسية في الحكومة، الإدارية، العسكرية والمنظمات الاجتماعية تشغل من قبل أعضاء حزب البعث.وبناء عليه صنع القرار بات في يد عدد محدود من أصحاب النفوذ من السياسيين الذين بدأوا إعادة بناء المؤسسات القيادية طبقا لعلاقاتهم الشخصية وعلاقات القربى والولاء خصوصا للرئيس . وأصبح التفاعل بين الدولة وحزب البعث أقوى واعمق لذلك قوة الدولة أصبحت تعبر عن مصالح كلا من البيروقراطية وحزب البعث.
وباتت البيروقراطية والحزب يملكون النفوذ والتشريع والسلطة.الاثنان كانا متحدان بنفس الهدف وهو خدمة أهداف حزب البعث.هذا الاتحاد بين الحزب و البيروقراطية أعطى إمكانية إضافية إلى النخبة السياسية لتعزز سيطرة الدولة على المجتمع والاقتصاد.وتعمقت الطبيعة الاستبدادية للدولة حيث تمارس القمع والقسر من اجل بقائها.اضطهاد وإبادة القوى المعارضة أخذت تبرر باتهامها بالعمالة للقوى الأجنبية أو الثورة المضادة .
و كان ثراء الدولة المتأتي من ارتفاع أسعار النفط بعد 1973قد شجعها على توسيع نطاق تدخلها في المناطق الريفية .اصبح هذا واضحا من خلال إقرار سلسلة من السياسات العامة التي تؤثر في ملكية الأراضي الزراعية،التسويق،الأسعار والاستثمار.كذلك التدخل في الزراعة تم عبر تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي الثاني لعام 1970 وإنشاء التعاونيات الزراعية والمزارع الجماعية ومزارع الدولة .آليات مختلفة استخدمت لتنظيم سيطرة الدولة على المجتمع الريفي.وشكلت تنظيمات البعث الشبابية والنسائية في الريف.و أصبحت سلطة تنظيمات حزب البعث المحلية بصورة متزايدة غير مقيدة وقادرة اكثر على تنفيذ القوانين. مختارو القرى باتت الحكومة تعينهم وفقا لمرتبتهم الحزبية . بهذه الطرق نفذت الدولة إلى المناطق الريفية وأوثقت سيطرتها على المجتمع والزراعة.
في هذا السياق صيغ الإصلاح الزراعي ونفذ من فوق ولم يشارك الفلاحون في انطلاق برنامج الإصلاح الزراعي ولا في تنفيذه.و لم تكن التعاونيات الزراعية والمزارع الجماعية ومزارع الدولة ذات كفاءة وكان متوقعا من تنفيذ الإصلاح الزراعي أن يعمل على زيادة الإنتاج لكن هذا لم يحدث إلا لفترة محدودة .وخلال السبعينات زاد الاعتماد على الأسواق العالمية لتأمين المواد الغذائية.وفي ذلك الوقت لم تعط التنمية الزراعية الاهتمام مثل تنمية القطاع النفطي.وانخفضت استثمارات الدولة في الزراعة في خطط التنمية من 24% في 1970 إلى 9% في 1983 و بناءا عليه انخفضت حصة الزراعة باستمرار في تكوين الناتج الداخلي الإجمالي حتى وصلت إلى 9%. تدهور الزراعة ترافق مع تسارع الهجرة الريفية-الحضرية التي نتج عنها استنزاف ثابت للقوى العاملة الزراعية ففي 5 سنوات فقط(1970-1975 ) انخفضت هذه بنسبة 10%.
في الثمانينات وللخروج من الأزمة المالية أوقفت حكومة البعث جميع برامج التنمية وذهبت بعيدا لإعادة النظر في مجمل سياسات التنمية.وبدأت الحكومة تطرح تخصيص الاقتصاد والقطاع الزراعي على وجه الخصوص.وألغت برامج الإصلاح الزراعي وباعت أيضا معظم الأراضي والمشاريع التي تملكها الدولة.وكان هذا بداية مرحلة جديدة من التحول الزراعي في الريف العراقي.
لقد شجعت الدولة توغل الرأسمال الخاص في الزراعة بواسطة توفير محفزات مختلفة.وهذا لم يأخذ طريقه بدون تدمير الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية لبرامج الإصلاح الزراعي. وتمكنت مجموعة صغيرة من النخبة الحاكمة من الاستحواذ على القوة الاقتصادية والسياسية.ونمى بسرعة عدد الأشخاص الأثرياء وأصحاب الأعمال التجارية -الزراعية على حساب الفلاحين الصغار.وبعد 25 سنة من الإصلاح الزراعي وجد الفلاحون أنفسهم بدون أي دعم من قبل الدولة وباتوا يعتمدون على التجار أو الفلاحين الأغنياء من أجل الاستمرار في الزراعة . سياسة التخصيص تعكس بكل تأكيد تغير سياسة الدولة من تعزيز الإصلاح الزراعي إلى إعطاء الأولوية لزيادة الإنتاج دون عطاء أي اعتبار لتأثير ذلك في زيادة التفاوت في الدخول.
سياسة الانفتاح في العراق لم تؤد إلى أي تحسن مهم في الإنتاج.ففي الفترة 1988-1990 لم يتمكن الإنتاج الزراعي من مواجهة الطلب الداخلي المتزايد على المنتجات الزراعية.وأستمر العراق يستورد ثلثي المواد الغذائية. هذا لا يعني بالضرورة أن التخصيص مطابق لعدم الكفاءة لكن الذي يجب تأكيده أن أنماط التخصيص التي اتبعت في العراق كانت غير ملائمة إضافة لذلك غياب الثقة في مصداقية السلطة .إذ أن أصحاب الأعمال كانوا غير واثقين من إجراءات المستقبل والقرارات السياسية التي يمكن أن تفرضها الدولة.
وفي ظل ضغط الاضطراب الاقتصادي قرر قادة النظام الدخول في مغامرة عسكرية أخرى بغزو الكويت في 1990 والذي تسبب في اندلاع حرب الخليج الثانية في 1991.وما آلت إليه من فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق. هذه الحصيلة تمثل كارثة حقيقية على الاقتصاد العراقي الذي وصل إلى حافة الانهيار.وفي ظل هذا المناخ ظهرت مجموعات طفيلية تحتكر التجارة الداخلية وبالأخص تجارة الغذاء والدواء. ويرى الكاتب أن سيناريوهات المستقبل بالنسبة للعراق تبقى مجرد افتراضات إذ لا يوجد دليل مؤكد يدعمها.