ما يشدنا الى النظر لواقع بائس هو مشاركة النساء في العمل النقابي التي تكاد تكون معدومة.
منذ زمن بعيد، نلاحظ عدم إقدام النساء على المشاركة في العمل النقابي، حتى عندما كانت النقابات في أوجها وذلك لأسباب كثيرة، منها ما تتحمله المرأة من أعباء اجتماعية وعائلية وفترات أمومة وغيرها، فالتقاليد الاجتماعية السائدة، لا تسمح بمشاركة المرأة بشكل جدي في العمل النقابي، بالاضافة الى عدم اكتراثها هي بهذا الموضوع، وعدم الايمان به. وهو جزء من ازمة المجتمع بشكل عام، لجهة عدم الجدوى من نتائجه.
تعتبر عدم مشاركة النساء في العمل النقابي، أزمة فعلية مقابل إقدامها بكثافة على التعليم والعمل في معظم المجالات، وأصبحت مشاركتها في هذه المجالات تعتبر أكثر فعالية، لناحية غلبة وجودها في أكثر من قطاع، كقطاع التعليم والمصارف وغيره.
تستأثر المرأة بحوالى 68% من اجمالي العاملين في قطاع التربية والتعليم ولكن هذه المشاركة لا تنسحب على وجود المرأة في الادارة العامة في وزارة التربية والتعليم العالي، فهي تمثل 25% من موظفي الفئة الثالثة في الوزارة، وتغيب تماما عن الفئتين الاولى والثانية (تمثل مشاركة النساء في العمل بشكل عام 27% حسب إحصاء سنة 2000 غير ان مشاركتها بالدخل القومي لا تمثل اكثر من 8،21%).
والذي لا يمكننا إنكاره ان المرأة استطاعت ان تثبت نفسها وجدارتها في اكتساب المعرفة والعمل. وعلى هذا الأساس، اصبحت لها حقوق وضمانات في بعض القطاعات، مثلها كمثل الرجل تماما، هذا ما نصت عليه الاتفاقات الدولية، لناحية عدم التمييز الذي يستند إلى الجنس خاصة. غير أنها ايضا وفي مجالات كثيرة، لم تأخذ حقوقها في العمل، كقطاع الزراعة والصناعة والمحال التجارية والخدم المنزلي.
إن المرأة في هذه المجالات لا تخضع لأي قانون من قوانين الحماية الاجتماعية او الضمان الاجتماعي او التأمين الصحي او التأمين من حوادث العمل والشيخوخة. علما أن هذه المجالات تستهلك المرأة بقوتها البدنية، عدا أنها في معظمها تكون هذه الأعمال ذات دوام طويل وغير محدد. والجدير ذكره ان اتفاقيات منظمة العمل الدولية ال182 التي تم إقرارها في الأعوام الماضية، بينها 22 اتفاقية وتوصية تتناول المرأة بشكل خاص، وحمايتها في هذه المجالات.
وما يمكن ان نلاحظه، انه حتى في الأعمال التي يمكن ان تأخذ المرأة فيها حقوقها، هناك محاولة لاستبعادها عن بعض المواقع، وخاصة الادارية منها، بالاضافة الى الاستخفاف برأيها احيانا، فقط لكونها امرأة. كذلك محاولة بعض اصحاب العمل تفضيل توظيف الرجال او الآنسات العازبات من دون المتزوجات، لما تشكله إجازة الحمل والأمومة برأيهم من أعباء اقتصادية، تجعل من مشاركة النساء في العمل مشاركة هامشية.
ان موقف أصحاب العمل وسياساتهم في التوظيف والترقية، وإتاحة فرص التدريب للرجال بشكل اكبر من النساء او حرمانهن من هذه الفرص، هو من أهم المعوقات لوصول النساء الى قمة الهرم الإداري، وذلك انسجاما مع التقاليد السائدة، التي تعتبر الرجال المعيلين الوحيدين للأسرة، وعليه تأتي الأولوية في التوظيف لصالحهم.
كل هذه الأسباب ترتب على المرأة. المواظبة على العمل من طريق الانخراط الجدي في العمل والتثقيف والوعي، لما لها من حقوق وواجبات. وهكذا تستطيع المرأة ان تثبت أقدامها على اكثر من صعيد، حتى ولو كانت هناك محاولات لاستبعادها.
ومن هنا نرى من الضروري جدا مشاركة النساء في العمل النقابي.
ان مشاركة المرأة في النقابات حيث الامر غير إلزامي، في ظل حضور ذكوري طاغ، في المنظمات والاتحادات العمالية (علما بأنه يلاحظ تراجع الرجال عن الانتساب الى النقابات) ينسحب على واقع وجود القليل من النساء في القيادات النقابية، برغم الجهود التي تبذلها بعض النقابات، لتحسين تمثيل المرأة على مستوى القيادة، (مثلا نقابتا التعليم الرسمي والخاص ونقابة موظفي المصارف وغيرهما...) هنا تجدر الاشارة الى واقع هذه المشاركة:
ففي رابطة الأساتذة الثانويين لا يوجد اكثر من امرأة واحدة من اصل 18، وتتمثل المرأة في المجلس المركزي لروابط المعلمين الابتدائيين بنسبة 7 من اصل 75، وفي اللجنة التنفيذية لرابطة الاساتذة للجامعة اللبنانية لا يوجد اي تمثيل نسائي والواقع هو ذاته في نقابة المحررين. أما نقابة المعلمين في المدارس الخاصة ففيها امرأة واحدة من أصل 12، وفي رابطة الصيادلة في لبنان 2 من اصل 12 ولا يوجد اي تمثيل نسائي في المكتب التنفيذي للاتحاد العمالي العام.
أما على صعيد النقابة التي أنتمي اليها وهي نقابة موظفي المصارف في صيدا والجنوب، فإن عدد المنتسبين إليها يبلغ 349 منتسبا (سنة 2000) من اصل حوالى 900 موظف ذكور وإناث، كذلك يبلغ عدد المنتسبات النساء 115 منتسبة من اصل ال349 وامرأة واحدة في المجلس التنفيذي من اصل 12.
أما بالنسبة لنقابة موظفي المصارف في بيروت وجبل لبنان فيوجد: 7856 منتسبا بينهم 3464 منتسبة، وامرأة واحدة فقط في المجلس التنفيذي من اصل 12. وبالنسبة للنقابة نفسها في الشمال، يوجد 458 منتسبا، من بينهم 148 امرأة (لغاية 2002) ولا يوجد اي تمثيل نسائي في المجلس التنفيذي.
وهذا ما يلفت انتباهنا الى تراجع إقدام المرأة على مستوى القيادة، الذي تؤدي إليه عدة اسباب، بالاضافة الى الأسباب التي ذكرتها آنفا. من هذه الأسباب:
انعقاد الاجتماعات النقابية بعد ساعات الدوام، وضرورة السفر احيانا مما يتعارض مع مسؤوليات المرأة العائلية. وهنا تجدر الاشارة الى انه، في معظم الحالات التي تكون فيها المرأة على المستويات التنفيذية، نرى ان دورها ينحصر بالقضايا النسائية، وحضور مؤتمرات وورش عمل تساعد على تطبيق النوع الاجتماعي او الجندر، من حيث حماية فترات الحمل والأمومة. كذلك المساعدة حتى الاقبال على التدريب المهني (الخياطة وصناعة المنتجات المنزلية وغيرها...) من هنا نرى دور المرأة هامشيا في اطار عام ذكوري.
إن مشاركة النساء في العمل النقابي هامة جدا، لأنها تصبح اكثر غوصا وتفهما لمشاكل العمل والزملاء، وتصبح اكثر تقبلا للآخر، وأكثر ثقافة ووعيا لضرورة المشاركة في صنع القرار، حيث إن النضال من اجل حقوق المرأة هو نضال من اجل حقوق الانسان بشكل عام، ولا يمكن فصل احدهما عن الآخر، فالمرأة المقهورة لا تستطيع ان تعمل جيدا، ولا أن تفكر جيدا، ولا ان تربي جيدا. كما يمكننا ان نلفت النظر اخيرا الى انه، كما هناك رجال يحاولون استبعاد المرأة عن بعض المواقع، كذلك هناك رجال لهم القناعة التامة بأهمية دور المرأة كإنسان اولا، له حقوقه وواجباته، ودوره الرائد في المساهمة في تطوير المجتمع، ويقدمون لها المساعدة متى أكدت طموحها وكفاءتها.
خلاصة القول: يجب الاقتناع بأن النقابات هي جزء من اجزاء المجتمع المدني، الذي اذا كان متفاعلا مع بقية اجزائه، من أحزاب وجمعيات وأندية وجامعة وطنية، يستطيع ان يجدد سلامته وعافيته ويكون اهم الأسس التي ترتكز عليها الانظمة الديمقراطية.
() عضو مجلس تنفيذي لنقابة موظفي المصارف في صيدا والجنوب
جريدة السفير