|
الثورات العربية فجرت الحلم الكوردى من جديد
حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4229 - 2013 / 9 / 28 - 04:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لاشك فيه ان الاغريق هم اساتذة التعذيب فى الأدب القديم لذلك اخترعوا اشكالا واحجاما ودرجات من التعذيب لأناس تركوهم وحدهم يحترقون ويصرخون دون ان تمتد اليهم يد او تصطدم بهم عين او تمتلىء بهم أذن ... انهم هناك وحدهم مع العذاب !!! لذلك يعتبر الكورد من إحدى أكبر القوميات المعذبة التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً..... وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكوردي ابتداءً من منشأهم، وامتداداً إلى تاريخهم، وحتى مستقبلهم السياسي.... وقد ازداد هذا الجدل التاريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الكورد في العراق عقب حرب الخليج الثانية، وتشكيل الولايات المتحدة لمنطقة حظر الطيران التي أدت إلى نشأة كيان إقليم كوردستان في شمال العراق...يجب ان يعلم الجميع ان أكراد جمع كردي (قياساً على أتراك جمع تركي) ولكن بعض القوميين الكورد يعترض على هذا المصطلح بادّعاء أن من يستخدم هذا المصطلح على (وزن أفعال) يقصد انتقاص الكورد مستدلاً ببيت من ألفية ابن مالك: "أفعِلة أفعُل ثمَ فِعلة ثمّت أفعَالٌ جُموع قِلّة" !!... لذلك نجدهم يفضلون لفظة (كُرد ): حيث نجده في الكتب العربية القديمة ككتاب مروج الذهب للمسعودي (القرن الرابع الهجري)، حيث نجد باباً اسمه "أصل الكرد"....لكن بعد فترة احتلال العراق عام 2003م، بدأت تظهر كتابة جديدة وهي ( كورد) تفادياً للفظ الكلمة من قبل البعض بكسر االكاف حيث لا تكتب الضمة -غالباً- في الكتابة الحديثة.... استنادا إلى هذه الكتابة تكتب كوردستان بواو زائدة أيضا.... لذلك تؤكد الشواهد أن الأكراد يدركون أنهم يشكلون في الدول التي يقطنونها في الشرق الأوسط جماعة متمايزة عن غيرها من الجماعات،كما يفضلون تسمية كرد-ويكتبونها كورد- على مصطلح الأكراد الذي دأب العرب على إطلاقه عليهم..... فلفظ الكرد في ذهن الأكراد يضعهم على قدم المساواة مع العرب والفرس...
لايختلف اثنان أن معاهدة سايكس بيكو ساهمت بشكل غريب في تشتيت شمل المناطق الكوردية عندما تقاسمت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية المشرق العربي على حساب تطلعات وآمال شعوب المنطقة في التحرر والاستقلال التام، اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) اجتمع فيها وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكردية، وأخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، حيث تعد معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحطمت الآمال الكوردية في تحقيق حقهم المشروع في تقرير المصير....ومرت السنوات الطوال تباعا على تلك الأحداث والمعاهدات ليجد عقلاء العرب والفرس والترك والكورد أنفسهم شركاء في هذا "الإرث الاستعماري"، ويحدّقوا جيدا فيما حولهم فإذا هم بين خيارين أحلاهما مرّ؛ إما الإبقاء على الحدود لتستمر مأساة الشعب الكوردي، أو تحريك تلك الحدود ولا أحد يعلم عواقب ومخاطر ذلك ....هناك شبه يقين أن الأكراد قد يكونون الفائز الأكبر من الانتفاضات العربية والحرب الدائرة في سوريا.... حيث رأي مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، أن الظروف قد باتت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي تشارك فيه القوي الكردية بكل من العراق،وسوريا،وإيران،وتركيا،وأكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الشعب الكردي !!!....حيث هناك من يرى أن الكردي أضحي أمام حالة من استعادة الوعي القومي،والإحساس بقدرته على التأثير والتغيير عبر فرصة تاريخية قد لا تتكرر لنيل ما يراها حقوقه، في ظل السياقات الاستراتيجية الجديدة التي تشكلت بالمنطقة،وجملة التحديات المتصاعدة أمام النظم السياسية العربية...لذلك أقول أن الحديث عن كردستان الكبري لم يعد أمرا بعيد المنال،في ظل إعادة التشكيل الحالي للجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط، مما يشكل تحديا للدول الأربع التي يقطنها الأكراد!!....
يجب أن يعلم الجميع أنه لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن إجمالي عدد الأكراد أو تعدادهم في كل دولة يعيشون فيها.... حيث تتراوح التقديرات الإجمالية ما بين 25و 45 مليون نسمة،وبعض الأدبيات الكردية تصنفهم كرابع أكبر"إثنية" في الشرق الأوسط بعد كل من العرب،والإيرانيين،والأتراك..... وتعد الديموجرافيا الإثنية مسألة محورية في العراق..... ففي الوقت الذي يقطن العرب فيه الأجزاء الوسطي والجنوبية من الدولة،يتركز الأكراد وبعض التركمان والآشوريين في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد... ويمثل العرب نحو80٪-;-من إجمالي السكان،بينما يمثل الأكراد ما بين15و20٪-;-،ويصل عددهم إلي نحو5 ملايين..... وفي سوريا،يعيشون بمناطق متفرقة بشمال البلاد،ويصل عددهم إلي نحو مليوني نسمة.... وفي تركيا،حيث يعيش العدد الأكبر من الأكراد،تصل بعض التقديرات لنحو 20 مليون نسمة يتركزون شرق البلاد.... وفي إيران،تقدر أعدادهم بنحو 8 ملايين نسمة....على صعيد أخر لعب التنسيق بين الأكراد والمعارضة الشيعية دورا بارزا في إسقاط نظام صدام، وذلك على الرغم من الاختلاف المذهبي،حيث إن غالبية الأكراد هم سنة،لكن الطابع العلماني للقادة الأكراد،وتوافق المصالح السياسية لعبا الدور الأكبر في التفاهم بين الطرفين.... واستمر ذلك التعاون في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق عبر هيمنة الطرفين على الحياة السياسية بالعراق،وكتابة دستور رأي فيه العرب السنة أنه صيغ كما لو كان عقدا بين المنتصرين لتوزيع المكاسب،وليس عقدا اجتماعيا بين مكونات العراق !!....لذلك لم يخل التحالف الشيعي- الكردي في العراق من التجاذبات السياسية،في ظل سعي كل طرف لمزيد من المكاسب،واعتراض البارزاني على سياسة المالكي الساعية للهيمنة على مقاليد السلطة.... ورغم ما منحته الانتفاضات العربية لقادة كردستان من فرص للضغط على المالكي،فإنها أيضا شكلت تحديا لمواجهة مطالبات شعبية متزايدة بالإصلاح في الإقليم.....وحينما اندلعت التوترات الطائفية بين السنة والشيعة،عقب التدخل الأمريكي في العراق،نأي الأكراد بأنفسهم عنها،وصب ساستهم جل اهتمامهم على الدفاع عن المطالب الكردية.... وشملت هذه المطالب إسهامات كبري في الحكومة العراقية،ومزيدا من سلطات الحكم الذاتي السياسية والاقتصادية،خاصة ما يتعلق بالسيطرة على النفط والموارد الأخرى بالإقليم.... واتخذت العلاقة بين الشيعة والأكراد حالات من الشد والجذب..... حيث كانت الخلافات ما بين بغداد وأربيل تحدث من آن لآخر،وعادة ما تتعلق بالعقود النفطية التي تبرمها كردستان بعيدا عن سلطة المركز،أو الخلاف حول السيطرة الأمنية على بعض المناطق المتنازع عليها !!...
الغريب أنه مع اندلاع الثورة السورية، دعم المالكي حلا سياسيا للأزمة،وحذر من انهيار نظام الأسد،وعواقب ذلك على العراق ولبنان، فيما تصاعدت الاتهامات الأمريكية للحكومة العراقية بسماحها بوصول مساعدات إيرانية للأسد عبر الأجواء العراقية. في ظل هذه الظروف،شكل المالكي"قيادة عمليات دجلة" لمواجهة هجمات الجيش الحر(المعارضة السورية) على الحدود الشمالية العراقية، وتوجهت القوات العراقية كذلك لمناطق متنازع عليها تحت ادعاء حفظ الأمن بهذه المناطق.... لكن التحركات عُدت بالأساس موجهة لإقليم كردستان،في ظل سياسة المالكي التي يرى المراقبون أنها تعمل على تهميش سلطات الأطراف،وتجميعها لدي المركز.... لكن الأهم أن ذلك التحرك كان يعني منع وصول أية إمدادات من كردستان العراق إلي المقاتلين الأكراد في سوريا...وفي ضوء سياسة التصعيد من الجانبين، رفض المالكي إدخال موازنة البشمركة ضمن الموازنة الاتحادية لعام2013،بحسبانها خارج منظومة الدفاع العراقية...... وفي المقابل،وصف وكيل وزارة البشمركة مطالبة المالكي بإخضاع البشمركة للحكومة الفيدرالية بأنه وهم.... كما انتهج الأكراد خلال الأزمة نهج الندية التامة في التعامل مع المركز،والرد على التصعيد بتصعيد مقابل،حيث كان يتم تعبئة مزيد من قوات البشمركة وتوجيهها صوب المناطق المتنازع عليها.... وامتدت حرب التصريحات والتسريبات لمستوى القيادات..... ففي الوقت الذي نسب فيه إلي المالكي قوله إنه يتمني لو قطع إصبعه ندما على قبول الفيدرالية، أشيع عن البارزاني تمنيه لو قطع إصبعه ندما على التحالف الكردي- الشيعي..... لكن البارزاني كان مدركا لتلاعب المالكي بمشاعر القومية العربية،فحرص على أن يصف المواجهات بأنها خلاف سياسي،وليست مواجهة إثنية أو قومية،فصرح قائلا: "لا نرفع السلاح بوجه إخوتنا العرب،فإشهار السلاح ليس من شيم الكردي"....لكن مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المناطق السنية في أواخر عام2012ومطلع2013ضد سياسات المالكي،وفشل محاولات السيطرة عليها،زادت الضغوط على المالكي،وسعي للتهدئة مع الأكراد....لأن المرجعية الشيعية بالنجف طالبت المالكي بعدم التفريط في التحالف الشيعي- الكردي،وضغطت لتقديمه تنازلات مثل إلغاء قيادة عمليات دجلة،وإعادة مطار كركوك العسكري إلي مجلس إدارة المحافظة لتحويله لمطار مدني، وإعادة فتح ممثلية حكومة كردستان في بغداد،بعد أن أغلقت خلال الأزمة بين الطرفين....
وعاد المالكي مرة أخرى للعنف في23أبريل2013،عندما هاجمت قوات الأمن العراقية اعتصاما في بلدة الحويجة بمدينة كركوك،فقتل50شخصا،وجرح أكثر من110أشخاص تحت ادعاء رفض المتظاهرين تسليم الأسلحة،وأشخاص متهمين بالهجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش.....مما لاشك فيه أن المالكي بحاجة إلي التهدئة للتفرغ للتعامل مع الاحتجاجات المتزايدة على سياساته،والضغوط التي فرضتها أوضاع سوريا.... والبارزاني يسعي أيضا إلي إنهاء مسألة الاستفتاء على دستور كردستان،بما يتيح له الترشح لولاية ثالثة للإقليم.... أما التصريحات المقتضبة لصالح نائب المالكي،فقد طالبت بانسحاب قوات البشمركة الإضافية التي أرسلت للمناطق المتنازع عليها،كما رفضت دعوات تهجير أو طرد العرب بكركوك... هذه التصريحات تعكس مخاوف العرب السنة بالعراق من تنامي قوة البشمركة،خاصة خارح حدود كردستان،وما يترتب على رحيل العرب من المناطق المتنازع عليها من تغيير ديمواجرفيتها بشكل ينعكس على نتائج أي استفتاء يجري لتقرير مصيرها.....لقد صنع الربيع العربي ليصنع ظرفا تاريخيا،وتحديا مهما لغالبية الدول العربية،ومنها العراق،الذي نظر قادة كل مكون من مكوناته إلي هذا الظرف من منظوره الخاص..... فالشيعة يرون أن ربيع العراق تحقق بسقوط صدام،وبداية عهد جديد تكون لهم الغلبة فيه.... والأكراد يرون أن ربيع العراق-أو ما يسمونه الربيع الكردي- كان سابقا على الربيع العربي،حيث ظهرت تباشيره مع اندلاع انتفاضة الأكراد ضد صدام في عام1991،واكتمل بسقوط صدام،وتمكين الأكراد من إقليمهم، وإن كان بعضهم يرى أن الطريق لايزال مفتوحا للحصول على مزيد من المكاسب،وربما تحقيق دولة الأكراد.... أما السنة،فالربيع العربي أتاح لهم الثورة-في الأنبار وغيرها- على سياسات المالكي التهميشية،وانتقائيته في التعامل مع البعثيين،وإخضاع قانون اجتثاث البعث لأهوائه...
براجماتية الأكراد تجلت في فترة ما بعد صدام في علاقة كردستان بتركيا،فقد حاول قادة كردستان تحسين علاقتهم بتركيا دون استثارة مشاعر الأكراد القومية.... وكان من بين مظاهر تطور العلاقة مع تركيا دعوة مسعود البارزاني لحضور أعمال المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في أكتوبر2012،وألقي خلالها البارزاني كلمة شكر فيها رجب طيب أردوغان لشجاعته بذهابه لديار بكر للدعوة لحل مشكلة الأكراد،ومجيئه لأربيل في عام2011،معلنا أن إنكار وجود الأكراد الأتراك قد ولي.... وحينما وقعت الاستخبارات التركية اتفاقا للسلام مع عبدالله أوجالان،زعيم حزب العمال الكردستاني،كانت الوجهة الأولي لمقاتلي الحزب في تركيا هي معسكراتهم بشمال العراق.... ورغم اعتراض لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي على دخول المسلحين،فإن نوابا أكرادا رحبوا به،معتبرين إياه بداية الحل السلمي للقضية الكردية بتركيا !!...فكردستان بحاجة إلي تركيا في مشروعات البنية التحتية،وصناعة النفط.... و تركيا وجدتها فرصا متميزة للاستثمار في العراق عموما،وفي كردستان بوجه خاص... على صعيد أخر الاتحاد الوطني الكردستاني له علاقات تاريخية مع سوريا،حيث أعلن الحزب إنشاءه من هناك، كما تمتع بعلاقات جيدة مع إيران جعلت منه طرفا في محور طهران- بغداد الجديد في ظل حكومة المالكي !!...حيث سعت دمشق في فترات خلافاتها مع تركيا إلي إيواء حزب العمال الكردستاني،ووفرت مأوي لقائده عبدالله أوجالان،لكن تركيا في عام1998صعدت من لهجتها حيال دمشق،وحشدت قواتها على الحدود مع سوريا،مهددة إياها بالحرب..... وبالفعل،ارتدعت سوريا،فطردت زعيم الحزب من أراضيها،ووقعت مع تركيا بروتوكول أضنة الذي اتفقتا فيه على التعاون في مواجهة حزب العمال الكردستاني. وفي العام التالي،نجحت تركيا في القبض على أوجالان في كينيا بمساعدة أمريكية !!!!..أما عن العلاقات السورية- العراقية،خلال الحرب في سوريا فحدث ولا حرج !! ... فإلي جانب بعض المسلحين الإيرانيين،ومقاتلي حزب الله الموالين للأسد،تحدثت تقارير عن وجود ميليشيات شيعية عراقية مدعومة إيرانيا).... ففي عام2012،تشكل لواء شيعي مسلح تحت اسم أبي الفضل العباسي بدعوي حماية مرقد السيدة زينب في ريف دمشق. ضم اللواء مقاتلين من جنسيات عراقية،ولبنانية،وإيرانية.وفي7يونيو2013،أعلن الجيش الحر عن أسر عدد من عناصره...لذلك حرص ساسة كردستان العراق،خاصة مسعود البارزاني،على توجيه رسائل طمأنة لتركيا بين الحين والآخر،تؤكد عدم التدخل في شئون دول الجوار عبر الورقة الكردية...
المسألة ليست بهذا التبسيط، فقد ساعدت حكومة كردستان العراق الأحزاب الكردية السورية الستة عشر في تأسيس المجلس الوطني الكردي،وأسهم ضباط من البشمركة في تدريب قوات كردية،خاصة من شباب الأكراد الذين فروا من صفوف الجيش السوري كلاجئين إلي مخيم دوميز بشمال العراق، وذلك للعب دور في سوريا ما بعد الأسد.... ذلك الدعم لم تنكره القيادة الكردية..... ففي سؤال لمسعود البارزاني عما إذا كانوا يدربون أكراد سوريا،أجاب بأنه تم تدريب بعض شباب اللاجئين بغرض الدفاع،وحماية المناطق الكردية في سوريا،حال حصول أي فراغ أمني !!..لكن في الوقت الذي لعب فيه أكراد العراق دورا محوريا في معارضة نظام صدام،والتعاون مع الولايات المتحدة لإسقاطه،ظل أكراد سوريا مشتتين مترقبين طويلا ما تسفر عنه المواجهات المسلحة بين نظام الأسد والمعارضة السورية.....هناك عدة ملاحظات على أداء أحزاب الحركة الوطنية الكردية بسوريا، منها :غياب الرؤية الواضحة والمتكاملة،والذي انعكس في تقديم مطالبهم على مراحل،مما أعطي انطباعا بالانتهازية أو الابتزاز... ثانيا:الانسحابات المتكررة للأكراد من لقاءات المعارضة،حتي أضحي سلوكا كرديا معتادا أثر في طبيعة النظرة للقضية الكردية..... ثالثا:إلقاء اللوم في حالة فشل أي حوار مع المعارضة على المعارضة،لكونها صاحبة عقلية قومية متطرفة،دون أن تدرك أن الاتهام ذاته يمكن توجيهه للحركة الكردية...هذه الملاحظة الأخيرة تفصح عن مطالب عرب سوريا بمراعاة خصوصية الكيانات الأهلية الأصغر،كما يدعو أكراد سوريا إلي السعي إلي واجباتهم الوطنية،كما يسعون إلي حقوقهم، وإلا فإن النهاية ستبدو كلوحة فيها عربي يتصور أنه يقاتل انفصالية الأكراد،وكردي يرى أنه يحارب عمالة العرب لتركيا...
لايختلف اثنان أن المعلومات المتوافرة عن أكراد إيران قليلة جدا ،في ظل التعتيم الإيراني حول أوضاعهم.... رغم النشاط الملحوظ للحركة الكردية في إيران في أربعينيات القرن العشرين !!..لقد كان تدهور العلاقات بين إيران والعراق،في ظل البعث،يصاحبه عادة دعم كل طرف لمعارضي الطرف الآخر،حيث دعم العراق مجاهدي خلق،ودعمت إيران أكراد العراق. وفي تسعينيات القرن العشرين،كما سعي أكراد العراق لعدم استثارة الغضب التركي،فالأمر لم يختلف كثيرا مع إيران،فقد تغير وضع الأكراد الإيرانيين المقيمين بكردستان العراقية عام1991،ومنعت السلطات الكردية الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من شن هجمات على إيران !!...وعندما توترت العلاقات الأمريكية- التركية،نتيجة رفض تركيا استخدام أراضيها لاجتياح العراق،سعت إيران للتقارب مع تركيا عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية حول حزب العمال الكردستاني،بل ومهاجمة قواعده. فسعي الحزب للانتقام، كما تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي- السوري) في عام2003كفرع سوري، كما ظهر في العام ذاته الفرع الإيراني،وهو حزب الحياة الحرة الكردستاني الذي أخذ في مهاجمة إيران من قواعد تمركز حزب العمال بجبال شمال العراق.... لكن تغير الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة،واندلاع القتال في سوريا،ودعم تركيا للمعارضة السورية،دفع إيران مجددا لدعم حزب العمال الكردستاني الذي عاد لشن هجماته على تركيا في صيف 2011...تركيا تتفاوض مع أكرادها،لكنها-وكذلك إيران- لن تسمحا بدولة كردية على حدودهما،وليس تعاونها الاقتصادي مع كردستان العراق سوي لمصلحة يحققها للطرفين،ويمنح تركيا سبيلا لموازنة الدور الإيراني بالعراق. أما الولايات المتحدة،فلن تضحي بعلاقات استراتيجية مع تركيا من أجل دولة كردية لن تلقي قبولا من جيرانها المحتملين....لقد عاني الأكراد الاضطهاد بالفعل في عصور سابقة،وقد يكون من الإنصاف أن يتاح لهم تسيير شئون أقاليمهم في الدول التي ينتمون إليها..... لكنهم في التجربة العراقية أسهموا في تهميش العرب السنة عبر التحالف مع المالكي الذي تنكر لحلفائه فيما بعد!!.... أن سلوك الأكراد حيال قضية المناطق المتنازع عليها،وحديث بعض دوائر الإعلام الكردي عنها كأراض محتلة، أو توصيف ساسة الأكراد لها بالأراضي الكردستانية خارج إقليم كردستان، أو القول بعدم قبول مناقشة هويتها الكردية،كلها أمور تعد استباقا للحل السياسي،حتي ذلك المستند إلي المادة140من الدستور العراقي التي تنص على إجراء استفتاء داخل هذه المناطق لتحديد مصيرها،وهي المادة التي يطالب الأكراد بتطبيقها،ويرى العرب السنة أنها من مواد الدستور التي صيغت لتعكس مصالح الأكراد....
الحديث من آن لآخر عن إمكانية الانفصال عن العراق،إذا ما أصبح مكانا لا يستطيعون العيش فيه..... فرغم أنه ينقل الرسالة المطلوبة للحلفاء الشيعة،فإنه أيضا يزيد من قلق العرب السنة إزاء النيات الانفصالية للأكراد،ويرونه نوعا من الابتزاز يمارسه الأكراد ضد المركز......بالإضافة للقيود الدولية،فإنه يصعب الحديث عن دولة كردية موحدة تجمع الأكراد،في ظل حالة الانقسام التي يعيشها الأكراد،سواء كان داخليا أو إقليميا..... فانقسامات أكراد سوريا واضحة... وفي العراق،ورغم الاتفاق الظاهر بين الحزبين الكرديين الكبيرين،فإن الخلافات بينهما تخرج للسطح أحيانا،عندما تتوتر العلاقات،كما حدث في قضايا مثل مسودة دستور كردستان،أو هيمنة حزب البارزاني على دائرة العلاقات الخارجية....كما لا يخلو الأمر من تنافس حول من يتحدث باسم الأكراد إقليميا،فالبارزاني يسعي لجعل أربيل هي مفتاح الحل،والمتحدث الرسمي لأكراد المنطقة،في حين يرى حزب العمال الكردستاني أنه الأقوي والأجدر بتحمل هذه المسئولية،أو يمكنه القيام بدور مماثل لأربيل....ربما يحقق الأكراد داخل العراق وسوريا وتركيا بعض المكاسب السياسية والاقتصادية التي ستقدمها هذه الدول،في ظل الضغوط الداخلية التي تتعرض لها حاليا الأنظمة في تلك الدول،وسعيها إلي تجنب فتح جبهات مواجهة داخلية جديدة،وكي تمنح لنفسها الوقت اللازم للتعامل مع تحديات أخرى..... ولكنها لن تسمح بدولة مستقلة لهؤلاء الأكراد،سواء داخلها أو عبر اتحاد إقليمي،ولن تتعامل مع الأكراد كقضية إقليمية واحدة تعبر حدود هذه الدول..... لكن ذلك لن يمنع قادة أكراد العراق وتركيا من استمرار الروابط مع أقرانهم في سوريا وإيران.... أما أكراد إيران،فسيظل وضعهم الأكثرغموضا،في ظل حالة التعتيم الإيرانية التي تفرضها على قضيتهم،وعدم ظهور أية بوادر حكومية لتحسين أوضاعهم....
لذلك يمكن القول ان ما يسمى الربيع العربي قد فجر الحلم الكوردي بنيل الحقوق القومية وصولا إلى دولة مستقلة،على شكل اتخاذ الوعي القومي بالهوية وتحقيقها منحى حاسما في العمل السياسي الذي تعرض في السنوات الأخيرة لنكسات كثيرة لا يتسع المجال هنا لشرح أسبابها، وفي الوقت نفسه على شكل الاستفادة من انهيار انظمة وتفكك منظومات إقليمية لصالح الهويات المحلية المقموعة والمقصية بفعل هذه الانظمة والمنظومات، كل ذلك مع بروز دور كبير للتاريخ والجغرافية والمجتمع في حركة الشعوب و وعيها لأهمية قضية الحرية وفي إقامة دولة مدنية ديمقراطية بعيدا عن الشعارات الايديولوجية البراقة التي هيمنت على الساحة العربية طول العقود الماضية !!!..مما لا جدال فيه ان ثورات الربيع العربي فجرت الحلم الكوردي من أوسع الأبواب وان لم يزهر فان الصيف الكوردي قد يبدو على الأبواب!!!.
حمدى السعيد سالم
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عنان مرشح أمريكا للرئاسة و النسخة العسكرية للبرادعي ولعبة ام
...
-
فى امارة همجستان الاخوانية عودة تشافيز الى الحكم هى الحلم
-
هو وهى والزمان
-
تحليل جيوبوليتيكي استراتيجي للأزمة السورية
-
ارحلى ..
-
كشف المستور عن مؤامرة الربيع العربى
-
يا توكل كرمان او ( تبول خرمان ) قبل ما تنصحى غيرك انصحى نفسك
-
الواقع فشخ الخيال فى علاقة اوباما بالاخوان
-
نظرية الدومينو السياسية تعكس عمق مخاوف اوردوغان من العسكر ال
...
-
يا اوردوغان : خليك فى حالك!!
-
امريكا هى الدولة الراعية للاخوان
-
اسماء محفوظ العميلة جنت ثمار الثورة المصرية ودماء الشهداء
-
السيسى اخرج الاخوان من المشهد السياسى بالضربة القاضية
-
كبريائى
-
هل للحب وجود ؟؟؟
-
كل عام وانت حبيبتى
-
هل أتاك حديث البرادعى عميل الامريكان؟!!
-
تباريح حبى ...
-
اللبؤة التى قامت تعجن خروج آمن لقادة الاخوان في البدرية
-
حبيبتى من تكون ؟؟
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|