|
الحداثة تساؤل مستمر عند الناقد والمفكر -شكري عياد-
أماني فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 00:44
المحور:
الادب والفن
استطاع الناقد والمنظر الكبير د. شكرى عياد أن يحقق منجزاً نقدياً متميزاً، يوصف بعمق التأمل وتنوعه، وتضمنه للرؤى الشاملة، لمَّا تميز به من التحصيل العلمى المتنوع والغزير، الذى بدأه بدراسته للتراث العربى، وعلوم الفلسفة، وتاريخ المذاهب النقدية العالمية، الغربية والعربية، ودراسته لتاريخ الأنواع الأدبية، وعلم النفس، وسعة إطلاعه على الأداب العالمية؛ لإجادته عدد من اللغات الأوروبية، هذا بجانب إبداعاته الخاصة فى القصة القصيرة، والسيرة الذاتية، وترجماته المتعددة، ومؤلفاته النقدية التى تجاوزت ثمانية عشر كتاباً، والتى عدها بعض النقاد أقرب إلى التنظير منها إلى التطبيق(1)، وإن كانت قد شملت الجانبين. وتركز هذه الورقة البحثية على موقف د. شكرى عياد من تيار الحداثة فى مصر والوطن العربى، الحداثة التى يقابلها فى المصطلح النقدى Modernism، والتى هى فى جوهرها ظاهرة تعكس معارضة "جدلية"، ثلاثية الأبعاد: معارضة للتراث، ومعارضة للثقافة البرجوازية، بمبادئها العقلانية والنفعية، وتصورها لفكرة التقدم الزمنى، ومعارضتها لذاتها تقليداً وشكلاً من أشكال السلطة المهيمنة(2). ولقد لاحظت منذ أن كنت أعد رسالة الدكتوراه عن المجاوزات فى شعر الحداثة بمصر – ولقد كانت مؤلفات شكرى عياد من مصادرى الأساسية – أن للناقد الكبير موقفاً محافظاً، يقترب من الرفض لتيار الحداثة العربى، ولقد ظل هذا الانطباع بداخلى إلى أن تصديت له بالدراسة المتفحصة. ولقد تبينت بعد قراءتى لعدد من مؤلفات "شكرى عياد(3) أن الحداثة العربية ظلت موضع تساؤل مستمر عنده، يتضمن استجابة لجوهرها، ورفضاً لعواقبها، منذ بداية كتاباته فى مقال صغير بعنوان النقد والمذاهب الاجتماعية الذى كتبه سنة 1959م ضمن مؤلفه "تجارب فى الأدب والنقد"(4)، وفيه يتحدث عن الواقعية الاشتراكية والحداثة وما بعد الحداثة ويسجل للحداثة وما بعدها إنكارها لطرق التعبير، المألوفة وموقف المثقفين الحائر من المجتمعات الغربية، ثم يتحدث عن محاولة نقاد بلدان الحياد خلق مذهب أدبى متحرر من رذائل المذهبين، إلى أن أفرد مؤلفاً كاملاً عام 1993م لمناقشة وتقييم تيار الحداثة فى مصر ولبنان، بداياته وتجلياته وجدواه فى كتابه "المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين"(5). ويصعد شكرى عياد فى هذا المؤلف قضية تحليلية وتقييمه لتيار الحداثة، ليتساءل عن مصيرنا ومصير العالم، ويعد الأدب ومعه النقد مدخلاً لمناقشة أزمة الوجود، وجود العالم، ووجودنا فى العالم، من منطلق أن الأدب والنقد ليسا ظلين للسياسة بل هما بعض الكيان الإنسانى منذ فجر التاريخ إلى آفاق المستقبل، بلا حدود، وقيمة تحاورهما الدائم مع الزمن الحاضر. ويرى د. "شكرى عياد" بعد استعراضه للتيارات الفنية، وللأجواء العامة فى المجتمع الأدبى، تلك شكلت الحداثة العربية، أن الحداثى العربى يمارس التمرد الذى هو جوهر الحداثة لكنه لا يعى أسباب هذا التمرد(6)، كما يرى أن دعوى "عربية الحداثة" دعوى زائفة(7) لأنها لا تزيد على أن تنقل إلينا مفاهيم الحداثة الغربية، بل مفاهيم حداثة معينة، حداثة الغريب واللافت والمثير. كما يقرر أن الحداثة العربية ثورة النخبة التى تعتمد على بطولات فردية، يمكن أن تتجه إلى تدمير عمد النظام القديم، ولذا يصبح من الطبيعى أن التعبير الفنى عنها يأخذ شكل الرفض القاطع للتقاليد الفنية السابقة، بل رفضاً لفكرة التقاليد نفسها، وتأكيداً للحركة المستمرة فى الفن، ومن هنا تتشكل خطورتها لديه على التراث العربى، ومن ثم على الهوية الخاصة للعرب. ويرى "شكرى عياد" أن الحداثيين العرب يجمعهم شعور حاد بسقوط الحلم العربى، والعجز المطلق عن الحركة الفاعلة، وأن هذه الحالة من الإحباط تدفعهم إلى البحث عن الخلاف فى الفن حتى لو كان بدون أيديولوجية(8). كما يرى أن الفجوة بين الأدب الحداثى ودائرة القراء متسعة بل شاسعة، وأن الأدب الحداثى لا بد أن يحتوى على الإدهاش والمفاجأة ليتقبله القارئ العادى، لكنه يعود فى موقف تصالحى متردد ليقرر مع "إدوار الخراط" مستنداً على بعض مقولاته "أن الحداثة أدب رافض، وبذا فهى ظاهرة صحية، حتى لا نستسلم للواقع الكالح"، ثم يثنى على تجددها المستمر، وأنها تعطى الفن قيمته الحقيقية، قيمته التنبؤية، الكشفية الجسور، وتنتشله من وهدة الدعاية الرخيصة(9)، ثم يقرر أنها معبراً إلى تقاليد أفضل، أو نهاية لمذهب وبداية لمذهب آخر، لكنها انتشرت فى مجتمعنا لأننا نخضع لفترة مخاض طويل نظراً لظروفنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخاصة. وينطلق شكرى عياد فى موقفه من تيار الحداثة من موقع التزام الناقد مع طبيعة الرسالة التى حددها لذاته ومع القاعدة العريضة من القراء، فالفعل النقدى يختلف عن القراءة العادية، وعن الإبداع إلى حد ما، فى أنه فعل تواصل، فجوهر النقد جسر يمتد بين الإبداع والتلقى. وتتعدد مستويات قراءة الناقد الذى يحمل فى دمه رسالة نهضوية طليعية فهو فى حالة حوار مع نفسه، ومع المؤلف، أو الإبداع، أو التيار الذى هو بصدد تحليله وتفسيره، ومع القارئ الذى يتوجه إليه، مع ضرورة إلمامه بالمستوى الثقافى، والاهتمامات المعاصرة لهذا القارئ الذى يمثل جمهوراً، أو القاعدة العريضة من الجمهور، وليس القارئ النخبوى. ويدرك "شكرى عياد" أن على الناقد وظائف تداولية تجاه القاعدة العريضة من القراء. تقول آن موريل" عن النقد فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين "أنه لا يفتأ يلامس الميتافيزيقا كما قال "بودلير"، أى المحافظة على قيم مجتمع بعينه أو تغييرها، والتعبير عن فكر ذلك المجتمع"(10). ويخشى شكرى عياد ضياع الهوية القومية للمجتمع العربى والمصرى؛ لذا يقف بتوجس، يدفع بكل قواه الفكرية الآلة التى تتوجه نحو التراث وتقاليده وتشكلها رؤى الحداثة، وتمردها على كل ما هو ثابت ومستقر. ولو أننا تفحصنا الظواهر والتيارات التى استقرأ ورصد من خلالها د. شكرى عياد تيار الحداثة فى صورته العربية، لوجدنا تتبعه لها يتلخص فى مجموعة من التيارات كما يراها وتتلخص فى:- (1) أن الحداثة العربية بحسب ما يقول الواقع التاريخى فرعاً من فروع الحداثة الأوروبية. (2) تبدأ "الحداثة السريالية" مع ظهور جماعات من الأجانب المحليين، وفئة صغيرة من المثقفين وطلبة الجامعات من المصريين، كانت الماركسية قاسماً مشتركاً بين معظمهم، ثم تميزت جمعية "الفن والحرية" وأصدرت مجلة شهرية بإسم "التطور" 1940م، وأصدر "سلامة موسى" "المجلة الجديدة" سنة 1928م، وكانت هذه الجماعات ترى أن الحداثة فى الأدب والفن تعنى التجريب المستمر، وأن كل خلق فنى جديد يقابل بالتوجس والاشمئزاز طالما يهدد النظم الثقافية التى تثبت قدم المجتمع، وخاصة فى البلاد الأوتوقراطية، وأن الحرية الفنية التى وصفها البعض فى ألمانيا بالفن المنحط تعّد من قبل مروجيها رجعية وسجوناً للفكر، وأن الفن مبادلة فكرية وعاطفية تشترك فيها الإنسانية جمعاً، وأنهم لن يقبلوا أية حدود مصطنعة من شأنها أن تعرقل حرية الفن وانطلاقاته. ويعلق شكرى عياد بأن وقع هذه البيانات على القارئ المصرى تعد صدمة قوية، فأين "ابن البلد" الذى لا يتعصب للدين أو الجنس أو الوطن، وأن هذا المزيج من الثورة الاجتماعية، والفن الثورى، يمكن أن يكون مقبولاً ومعقولاً فى بيئة غربية، ومحدود التقبل فى البيئة العربية بالنسبة للنخبة، أو المجموعة التى تروج له، وليس لعامة الشعب، لكنه يرى أن جماعة "الفن والحرية" جعلت الأدب تعبيراً عن هم فكرى، ومغامرة فى المجهول لكل تيار جاء بعدها، لا مجرد صياغة لأفكار معروفة سلفاً، وبذلك بدأ الأدب العربى المعاصر رحلته الطويلة نحو اكتشاف الذات(11). ولنا أن نقف هنا مع تعقيبه الذى لا يرفض الدعوة فى جوهرها، بل يلتمس بعدها الفكرى العميق، الذى يعد مرحلة فى تطور تناول المبدع لذاته ولإبداعه، وتسجيل موقفاً بينياً متردداً للناقد الذى يخشى الانفلات غير المحسوب، لكنه يسجل النقاط المضيئة للتيار الجديد، فيتنازعه روح الناقد المحافظ، وروح المبدع المتحرر. (3) يتكئ شكرى عياد على مقولة جمال باروت فى وصفه "للواقعية الاشتراكية" التى واكبت ثورة 1952م فى مصر "أن المكان الذى احتفظت به الستالينية القوميات والثقافات القومية جعل الواقعية الاشتراكية أكثر قبولاً لدى الوطنيين والقوميين العرب، فكل مذهب حداثى آخر كان يشى بمنبته الأوروبى وينذر بمسخ الطابع القومى والروح القومية، ومازال بعض الباحثين العرب يعد "الواقعية الاشتراكية" قسماً من الحداثة"(12) ويعلق "شكرى عياد" بقوله "مع أن أكثر الأدباء فى الاتحاد السوفييتى والدول الاشتراكية كانوا يرونهما نقيضين بل عدوين(13). اشتركت "الواقعية الإشتراكية" مع "الحداثة السريالية" فى أن كلتيهما كانت تهاجم الأشكال الأدبية السائدة، كان مفهوم الحداثة عند التحليل الأخير كما يقول شكرى عياد: محاولة مستحيلة للبحث عن معنى بعد أن فقدت الحياة معناها بغياب فكرة الله، أما الواقعية الإشتراكية فكان لديها إيمانها البديل، الإيمان بانتصار الطبقة العاملة فى العالم كله، وقيام المجتمع الإشتراكى الذى يضمن السعادة للمجتمع. ولقد ظهر المزج بين الأفكار الوجودية والماركسية فى الإبداع الشعرى المصرى والعربى، وفى الخمسينيات والستينيات كان الجو مناسباً للواقعية الإشتراكية لأن تحل مكان الصدارة فى النقد الأدبى بهذه المبادئ الزادنوفية مثل البطل الإيجابى النابع من صميم الشعب، والوعى الإجتماعى الشامل، ورسالة الأدب فى الحياة، والتخلى من بقايا الرومانسية المريضة الذابلة. فى مصر حلم النقاد والمفكرون باشتراكية لا علاقة لها بواقع الستينيات وما بعدها، ووصفوا مذهب الواقعية الإشتراكية وقتها بإهماله للجانب الروحى فى الإنسان وطمس الخصائص القومية للثقافة(14). ولقد لاحظت فى هذا المسح الذى يرسم معالمه "شكرى عياد" للمشهد الأدبى والنقدى، أن هناك ثمة تداخل أو منطقة ضبابية، ذلك حين تعرض الواقعية الإشتراكية على هذا النحو، برغم الاختلافات الجوهرية بينها وبين تيار الحداثة، حتى وإن ادعى بعض الباحثين هذا، ربما عرض لها شكرى عياد من باب الوجود فى هذه اللحظة التاريخية لا من باب الاشتراك مع تيار الحداثة فى السمات، لكننى أتصور أن الواقعية الاشتراكية قلقة فى هذا المقام. (4) ثم يتحدث شكرى عياد عن نكسة 1967م تحت عنوان "الجيل الضائع" ويرصد لمجموعة من الأدباء الشبان كانت مجلة "الطليعة" قد نشرت استطلاعاً موسعاً عن آرائهم، وعنونته بـ "هكذا تكلم الأدباء الشبان" فيقول بعد تحليله لآرائهم "يمكن أن يلاحظ إذن أن ثمة اتجاهاً غالباً بين هؤلاء الشبان نحو التعامل مع مطلقات ميتافيزيقية: "الإنسان، "الحرية"، "الذات المتفردة"، والتنافر فى الوقت نفسه – مع الواقع السائد، وليس هذا الواقع مقصوراً على النظام السائد فى مصر، ولو أن بعضهم وجد فى نفسه الجرأة الكافية لكى يدينه إدانة صريحة – ولكنه واقع العالم المعاصر الذى يصادر حرية الإنسان ويمتهن كرامته فى كثير من بقاع العالم(15). يصف شكرى عياد هذا الجيل الجديد بأنه صاحب قَدر تاريخى، وبدأ يلعب بالقلم حين كان الجو مليئاً بالصياح والتهليل، وعندما ثبت القلم بين أصابعه كان الجو مليئاً بالصراخ والعويل، وكان عليه أن يحمل أوزار السابقين، ويسير بلا دليل. وهنا ينبغى أن أشير إلى فراغ وحس مريرين عاناهما الأدباء الشبان فى تلك المرحلة، لم يقف أمامه الناقد طويلاً ليحدثنا ما هو المنتج الإبداعى، وما هى سماته التى يمكن أن تعبر عن هذه اللحظة المتصدعة، فى ظنى أنه فراغ قلق تطلب إبداعاً متمرداً. (5) تظهر الحداثة من جديد على سطح الواقع الأدبى والثقافى مع جيل جديد أكثر سذاجة كما يصفه شكرى عياد، جيل مستعد لأن يفرح بالقنوط والعدمية (16). لم يبدوا اهتماماً يذكر بالسياسة، يكفيهم أنهم يتحدون مجتمعهم بطريقتهم فى الكتابة، ويتحدث عن التربة اللبنانية وكونها الأكثر مناسبة لنمو الحداثة العربية، ويتحدث عن مجلة "الأداب" وأنها حملت لواءين لواء "الشعر الحر"، ولواء "الوجودية" ويقدم "شكرى عياد" "الحداثة" بوصفها مذهباً أدبياً وفكرياً، لا مقولة زمنية وحسب، ومن خلال رصده لحركتين حداثيتين تعاقبتا على الحياة الأدبية والفنية بمصر: الحداثية السريالية المتمثلة فى جماعة "الفن والحرية" والحداثة الجديدة التى تمثلت فى الأدب، وعبر عنها الشعر الحر يحدد لهما الناقد شكرى عياد صفات جوهرية واحدة، أهمها رفض الأشكال الأدبية المتعارفة – ومن ضمنها اللغة – طلباً للتعبير الحر عن مكنونات النفس، ومن هنا فمادتها هى الأحاسيس المباشرة المتفردة البكر، تحاول اقتناصها باللغة الخاصة بها، غير مبالية بالمنطق أو بما يسمى حقائق الحياة، وإنما يتجه الأدب هذه الوجهة حين يفتقد اليقين ويرى العالم الخارجى أشباحاً لا حقيقة لها"(17). ولقد لاحظت أن شكرى عياد عند حديثه عن الحداثة العربية لا يفرق بين تيارى الحداثة وما بعدها، وتلك سمة تناول النقاد فى ذلك الوقت، لقد انداحت لديهم الحداثة وما بعدها فى تقنيات واحدة ومتداخلة، وهو الشئ الذى كان يجب أن يلتفت إليه شكرى عياد، وهو ما أوجد بعض اللبس فى تقييمه للحداثة وخاصة فى قضية افتقاد التقنيات. ويورد شكرى عياد مقولات خالدة سعيد عن الحداثة، وتوصيفها لها، إذ تقول: "وهكذا تطلع الشعر والنص الإبداعى عامة إلى النهوض بالدور الفلسفى والفكرى والاجتماعى وبالدين أو الأسرارى (وليس الدين). وإذا كانت الحداثة حركة تصدعات وانزياحات معرفية – قيمية فإن واحداً من أهم الانزياحات وأبلغها هو نقل المقدس والأسرارى فى مجال العلاقات والقيم الدينية والماضوية إلى مجال الإنسان والتجربة والمعيش"(18). ويوضح هنا شكرى عياد العلاقة الملتبسة والتصدعات داخل الذات العربية بين "الأنا الأبوية" وهى المقدسات الموروثة و"أنا الإبن،" التى تعد امتداداً للأولى ونقضاً لها فى الوقت نفسه. ويرجع شكرى عياد جميع المبادئ الفكرية والفنية التى تمثلها الحداثة العربية إلى مقولة جماعة "البشير" "نحن أبناء ضالون" فلقد كانت هناك محاولات دءوبة لمحاولة اكتشاف الذات، وهناك شعور بحتمية التغيير، والذات المقصودة هنا هى بالضرورة ذات مجتمعية" أعم من كونها قومية أو دينية. يرى شكرى عياد أن حداثيين مجلة شعر يقدمون حلاً مستلهماً من الثقافة الغربية، وهى الثقافة الإنسانية العامة، بمعنى أنها ربطت القيم كلها بالإنسان، لا بمطلق غيبى وتدرجت هذه الثقافة فى النظرة إلى الدين حتى أرجعته إلى الإنسان. كل هذه السمات أو الرؤى تتبناها مدرسة "شعر" من الحداثة الغربية، كما تتبنى لغة شعرية غامضة، صادرة من أعماق الشعور أو اللاشعور، وكما تتبنى قصيدة النثر، لأنها ترفض الإيقاع النمطى الجاهز، وتتبنى إيقاعها الخاص المعبر عن نفسية قائلها، إنها إذ تبحث عن ذات مجتمعية لا تجد سبيلاً أفضل من الغوص فى الذات الفردية. ويرى الناقد الكبير أن: * التجارب الحداثية تسمح للكاتب بالتعبير عن رؤيته الخاصة، لكنها تجعله غير مفهوم للجماهير التى يريد أن يكتب لها. يقول عياد: (هل نقول إذن أن الحداثة العربية انطوت على شئ من خداع النفس؟ هل نقول إن هذه الحداثة إذ تصف نفسها بالثورية لا تريد فى الحقيقة إلا أن تتخذ واجهة مناسبة أمام النظم الثورية فى العالم العربى؟ هل نقول إن شعراء الحداثة العربية، وهم شعراء النخبة (واقع لا يمارون فيه) إنما يقدمون زاداً كلامياً لهذه النخبة (بمختلف انتماءاتها الطبقية (الوطنية) تغذى به سُخطها على واقع اجتماعى تعلم – رغم تمنعها فيه – أنه فاسد ومرشح للانهيار؟ هل نقول أكثر من هذا – إن دعوى "عربية" الحداثة – هذه الحداثة – دعوى زائفة، لأنها لا تزيد على أن تنقل إلينا مفاهيم الحداثة الغربية، بل مفاهيم حداثة معينة، حداثة الغريب واللافت والمثير، بعد أن انقضى عهد رواد الحداثة الحقيقيين"(19). ولقد عرضت فى هذه الفقرات مجمل آراء وموجز عرض شكرى عياد لتيار الحداثة العربية، وسأحاول مناقشة فحوى القضايا التى طرحها الناقد من زوايا أخرى مغايرة. أولاً ينبغى عند نظرنا للمشروع النقدى لكل عالم جليل مثل شكرى عياد أن ننظر إلى رؤيته النقدية فى لحظته التاريخية الخاصة، وأن نضعه فى السياق الثقافى العام الذى جعل له هذا التوجه، وهذا الاختيار المتردد والمحافظ الذى أبداه عياد تجاه الحداثة، لقد مثل عياد الرعيل الثانى من النقاد بعد أساتذته الرواد "طه حسين" و"العقاد" و"أمين الخولى" وغيرهم، وجاءت مساهماته النقدية فى لحظة تاريخية وقف فيها بين منعطفين، فلقد كان هناك جيل ثالث من النقاد الذين تفتحت أعينهم وثقافتهم فى ظل الحداثة الغربية، والذين تبنوا منجزها النقدى وعرفوا به وترجموا لأعمال كبار نقاد الغرب ومدارسهم الأدبية والنقدية، كأنه كان يشعر أن هناك إعصاراً غربياً مغامراً ومدهشاً، بإمكانه أن يطيح بكل موروثاتنا وتقاليدنا الفنية، التى لم تنزل فى طور التثبيت وإرساء الدعائم. لذا وقف شكرى عياد موقفاً محافظاً "متردداً"، يريد التغيير، ويقدم له بمنطق المدرك تماماً لطبيعة الفن ومجاوزاته، رؤية متطلعة إن سار معها دون تحفظات لقبل بحتمية الحداثة العربية، وكونها منتج مغاير فى بعض التقنيات والسمات عن نظيرتها الغربية. لكن يبدو أنه كان يريد التغيير لكن فى تؤدة، وبعد أن ينال التراث العربى، وما استحدثته النهضة الأدبية الحديثة من أنواع أدبية جديدة مثل الرواية والمسرحية والقصة القصيرة حقه كاملاً فى الفحص والدراسة، وفى رعاية حقيقية، واهتمام من الدارسين النقاد. كما يجب أن ننتبه إلى شخصية شكرى عياد الحذرة دائماً، التى لم تجعله يستريح للتعميم أو الإطلاق أو اليقين، وكأنه لا يستريح إلى إجابة واحدة، كما تحدث عنه تلاميذه من النقاد(20). إن المتتبع لرصد شكرى عياد لكل مظاهر تيار الحداثة ذاته، فى شكليه اللذين تحدث عنهما، أو ما واكبهما من تيارات أخرى ساعدت على تشكيل الحداثة وتبلورها، بل وكونها التيار السائد فى الحركة الإبداعية فى مصر ولبنان، كان له أن يتصور وصول عياد إلى نتائج أخرى غير ما توصل لها، فلقد توقف أمام نقاط مضيئة تبرز جوهر الفن وتجدده فى الحداثة السريالية، والحداثة فى لبنان ومصر، وفى انتشار ظاهرة الشعر الحر، والبيانات التى ظهرت مع مجلتى "الآداب" و"شعر" فى لبنان. لكن غيَّرته على التراث العربى، وعدم تحمله حتى لدعوة أطلقها "يوسف الخال"(21) لإعادة تقويم التراث توقظ لديه رغبة الرفض لكل ما هو جديد من شأنه أن يقوض هذا الكيان الذى يعده مكمن هوية، إن نالها أى مساس قد ينعدم الوجود ذاته. فمفهوم التأصيل أو الأصالة عند "شكرى عياد" ينصب على فهم التراث فهماً مستقلاً، ولا ينضوى على عداء الآخر ولا التوجس منه، وهو غير معنى بالتغنى المطلق بالأسلاف، لكنه يدعو إلى مجهود علمى يعلم أنه شاق، ويجب أن يتصف بالموضوعية والأمانة، فى نظرات كلية وشاملة، غير مقتطعة، ولا موظفة من أجل الاستناد عليها من أجل إثبات مواقف سابقة(22). وتتبنى الحداثة مفهوماً "متأثراً" بالغرب فى حين الأصالة هى كل ما يجئ من الذات، لا من أماكن قد تُرد إلى أصول تاريخية واجتماعية، وترى الحداثة العربية الجمع بين الذات والمناطق المضيئة فى التراث العربى والعالمى. ويتساءل شكرى عياد سؤاله الجوهرى وهو بصدد تقييمه لتيار الحداثة:هل استطعنا أن نجعل هذه الأنواع والمذاهب التى اقتبسناها من الغرب معبرة عن وجودنا الحقيقى (لا وجوهنا المستعارة)؟(23). أتصور أن الإجابة بداخل شكرى عياد كانت تقع فى منطقة حائرة، فلقد تميزت للحداثة العربية بمجموعة من السمات جعلتها تختلف إلى حد ما عن الحداثة الغربية، ولقد قمت بدراسة سابقة(24) أوجزت فيها بعض السمات للحداثة العربية، تتلخص فى مفهومات مغايرة عن نظريتها الغربية مثل: (1) أكد الحداثى العربى على مفهوم الرؤية فى الفن، وسعى المبدع الحداثى العربى إلى إعادة نظر شاملة فى منظومة المفهومات والنظام المعرفى، أو ما يكوَّن صورة العالم فى وعى الإنسان، ومن ثم يمكن أن يقال أن الحداثى العربى لا يرفض التراث لكن يعيد النظر فى المراجع والأدوات والقيم والمعايير، ويوقظ مناطق مسكوتاً عنها فى هذا التراث القديم تتسم بالتمرد والمغايرة للسائد. (2) أكد الحداثى العربى على الأصالة، وهى لديه تعنى شيئين أولهما أن تنبع من ذاتك، وثانيهما أن تنبع من جذورك الممتدة عبر الزمان والمكان. (3) دعت الحداثة العربية إلى الابتعاد عن قيمة الرسالة فى العمل الأدبى، وعِدَّت الأدب كفاحاً من أجل الحرية، حرية الفرد ومن ثم المجموع. (4) قدمت الحداثة العربية مفهوماً للزمن مغايراً للمفهوم الغربى، فهو عند الغرب مفهوم أفقى، لا معاد، سائر أبداً إلى الأمام، أما المفهوم العربى للزمن فهو دائرى، أزمنة متشابكة ومتداخلة. ورغم حرص شكرى عياد على إعطاء صورة بانورامية كاملة عن الواقع الأدبى والنقدى فى مصر ولبنان، ليس فيما يختص بالمذاهب الحداثية فقط ولكن بكل ما يرفدها، أو يهيئ على بزوغها كتيارات أدبية، مثل شيوع الواقعية الإشتراكية، أو ظهور الجيل الضائع، والتربة السياسية والثقافية التى أوجدت سمات فنية وفكرية خاصة، إلا أن النتائج التى توصل إليها مرتبطة بمقدمات صيغت لإبراز وتشكيل موقف خاص من الحداثة، أنه منطق يصاغ لكى يذهب صاحبه ذلك المنحنى ويخلص لتلك النتائج. كما اتسمت مقدمات عياد بكونها غير مستوعبة لكل التيارات التى شكلت التيار الحداثى بمصر، مثل أن يغفل عياد النتاج الشعرى لقصيدة النثر منذ أربعينيات القرن العشرين فى إبداع "حسين عفيفى" وهو لم ينضو تحت التيار اليسارى، أو الجماعات التى ظهرت فى مصر مثل "إضاءة 77" أو "أصوات"، والإصدارات التى ظهرت مواكبة لتوجهاتهم فى الأدب والفن مثل مجلات "الكتابة الأخرى" و"الجراد" وغيرها، والسمات الفنية والتشكيلية التى ميزت هذه التيارات الإبداعية، والتداخل الذى تم فى الوسط الأدبى والنقدى بين تيارى الحداثة وما بعدها. - كما كان هناك تناقضاً بين بعض مقدماته وتسلسل عرضه، ثم التعليقات النهائية التى يختم بها مقالاته أو مباحثه، حتى يبدو فى بعضها توفيقياً دون مقدمات ودون أن يمهد لذلك، مثل أن يبدو فى نهاية المقالة الأولى كأنه يريد أن يمسك العصا من المنتصف، يهاجم ويرفض الحداثة العربية ثم ينقل ما بها من إيجابيات، كما يتعامل مع بعض المقولات لنقاد الحداثة ومبدعيها بمنطق أن خصمه "رجل قش" “Straw man” أبرز سماته الهشاشة، ولذا من السهل استبعاده، مثل ما فعله مع مقولات أدونيس(25)، والأمر لا يناقش من خلال عرض مقتطف صغير من مقولات أدونيس ثم تقويضه هكذا فى يسر، أتصور أن الأمر كان يتطلب مناقشات وبحوثاً أكثر استفاضة وموقفاً أكثر وضوحاً وليس متأرجحاً على هذا النحو. ويستند شكرى عياد فى رفضه للحداثة على كون الحداثة العربية فرعاً من الحداثة الغربية، وليست وليدة لمجتمعها العربى، وإلى الفجوة القائمة بين الإبداع تحت تيار الحداثة وبين الجمهور، وانحصارها بين النخبة المثقفة، وعدم وجود قاعدة عريضة من الشعوب العربية يمكنها أن تتذوق تفهم هذا المنتج الإبداعى وفق الحداثة. ويتناسى أن نمط التذوق السائد له قوة ذاتية مؤثرة ومستقرة، وأن تغيير هذا النمط التذوقى يواجه دائماً بالرفض، ولا يجد له جمهور من المتلقيين، بل أن الجمهور عادة ما يتسم رفضه أولاً بالعنف، وبعض مظاهر التشدد، إلى أن تستسيغ الذائقة هذا الجديد تدريجياً، بعد فهمه والاعتياد عليه، وربما إدراك فلسفته، ليتحول هو ذاته المرفوض فى السابق، إلى نمط تذوق سائد مرة أخرى، ليكتسب سلطة الاستقرار والاعتياد وهكذا. ولكن ربما كانت مأساة الحداثة مع التلقى أنها لا وصول فيها إلى نمط سائد أو قائم يمكن الركون إليها، فالحداثة فى ذاتها مغامرة مستمرة فى التجريب المتجدد الذى لا وصول فيه، وهنا قد أتفق مع شكرى عياد فى أن التلقى العربى يريد نوعاً من راحة الوصول التى لن تهبها الحداثة لمتلقيها العربى، وهو لم يعتد كل هذه الحرية فى الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية أو الاقتصادية، فكيف سيعتادها فى الفن بيسر ودون صدمة. كلنا يدرك أن المجتمع العربى لم يمر بالتطورات الفلسفية والفكرية وما يستتبعها من النظريات العلمية والنفسية والثقافية العامة التى تتابعت على المجتمعات والحضارة الغربية، هذه التطورات التى استغرقت أكثر من ثلاثة قرون لتصل بالمجتمعات الغربية إلى التيار الحداثى فى الأدب والفن والثقافة، تتابعت هذه المذاهب الأدبية والنقدية على مصر والوطن العربى فى أقل من سبعين عاماً كما يذكر د. شكرى عياد. ولا شك لدىَّ أن الناقد لا بد أن يلتفت إلى طبيعة العصر الذى كان يحياه فى أواخر القرن العشرين. وإلى أدوات الاتصال التى أصبحت تحكم العلاقات الدولية، وإلى ثورة الاتصالات التى تطورت بما لا يسمح بأدنى قدر من الانعزال، وأنه إذا لم يكن المجتمع نفسه قد مر بهذه التطورات لكنه ألمَّ بها من خلال الدراسة والإطلاع، وعرفها وعرف الكثير من تفاصيلها، سواء الإبداعية أو ما تعرَّض لها بالتفسير والتقييم النقدى من مؤلفات. وبالرغم من ذلك لم يناقش د. شكرى عياد طبيعة العصر ومنجزه الحضارى من حتمية التواصل والتأثير والتأثر. - ولقد عرض د. عياد مجموعة من الظواهر والسمات العامة والأحداث الكبرى التى حدثت بالمجتمع المصرى واللبنانى، وسبق أن أوجزها البحث فى مقدمته، ولقد كان من شأن هذه الظواهر أن توجد نوعاً من الفراغ، خاصة بعد تقويض الحلم العربى بعد نكسة 1967م، ونوعاً من إرادة التغيير، وعدم الرضا عن كل الأشكال الفنية السابقة، التى لم تعد قادرة على استيعاب تجارب جديدة حياتية مادية، ووجدانية نفسية وفكرية استجدت على المبدع المصرى والعربى. لقد شعرت النخبة المبدعة الناقلة لهذه المستجدات التى توالت على المجتمع المصرى، أن ما هو متاح من قواعد وأشكال فنية غير كاف لإستيعاب المتغيرات، وفرضت رغبتهم فى التجديد وجودها، وتوجها، وبالفعل وجد المصريون والعرب بغيتهم فى هذا الوافد من الحضارة الغربية، ذلك الذى أتاحته أدوات الاتصال السريعة والمتنوعة، ولقد أظهر هذا الجديد قصور الماضى، وإبان قصور الحاضر عن استيعاب المتغيرات التى يعيشها المبدعون فى الشرق الأوسط، ولقد وجدوا فى هذا الوافد إجابات جاهزة تعبر عن لحظتهم ومأساتهم التى ربما فى أول الأمر لم يكونو قد أدركوا أبعادها فى صورة مكتملة، ولكنهم كانوا يشعرون بنقص ما، ومأزق حقيقى، وفراغ فكرى ونفسى يواجهونه، وفيه تتقلص وتتقزم أشكالهم الفنية المعهودة، وطرائقهم التشكيلية عن مواجهته أو التعبير عنه، لقد شعروا بضرورة المجاوزة لكل ما هو مقعَّد ومؤطَّر، وله قوانينه الثابتة، التى لم تعد تصلح أن تعبر عنهم، أو عن لحظتهم المعقدة التى يحيونها، تعلقوا بهذا الوافد، لكنهم طوعوه بما يتناسب مع خصوصية ذواتهم ومجتمعم وحضارتهم. لقد انطلقت رؤية شكرى عياد للحداثة من موقف محافظ غيور على التراث وعلى الهوية الخاصة. أتصور أنه قد وضع تعريف لذاته ورسالته ولدوره النقدى والثقافى يضعه ضمن الرواد الذين شكلوا حراس الثقافة العربية فى رعيلها الأول والثانى، ووضع على عاتقه الاضطلاع بدور حائط صد قوى يغربل – لكنه لا يرفض – كل ما هو وافد من تيارات أو مذاهب غربية. خشية الذوبان فى هذا الكيان العالمى دون خصوصية تميزنا، أو هوية تعتز لتاريخها، أو تنساق دون رؤية وتؤده للاختيار والبحث وتقييم الوافد، خاصة إذا أخذنا فى الحسبان رؤية شكرى عياد لأزمة الإنسان الغربى وخوائه الروحانى. لقد عُد تيار الحداثة "عند شكرى" عياد مداً من التغريب آمن بجوهره لكنه كان يخشى من عواقبه، وفى نهاية هذا العرض من الواجب أن نشير إلى: حرص "شكرى عياد" فى مسيرته النقدية على تأصيل "التواصل الخلاق" بين الحضارات الإنسانية فمنذ بداياته البحثية يدرس فن الشعر لأرسطو، واندياحه فى نظريات البلاغة العربية"(25) ويقدم لهذا الوعى المعرفى عبر تشكله المتلاقح والمنتج. كما حرص على تأصيل ثقافته العربية وتهيئتها لإستيعاب الوافد الإبداعى والنقد الغربى، وبدا ذلك فى اعتماده على ركنين أساسيين فى مشروعه فى تنمية البحث الأسلوبى فى أبحاثه الأخيرة، لقد استند على قراءة التراث العربى واستخلاص العناصر الحية فيه لبعثها فى المباحث الأسلوبية، ثم ترجمة أهم إنجازات الأسلوبية الغربية وتقديم نماذجها إلى القارئ العربى(26). كأنه يؤصل للتواصل الذى ينتقى لا الذى يذوب وينمحى، مثل ما فعل أيضاً فى دراسته القيمة "البطل فى الأدب والأساطير"(27)، وشملت الدراسة الأساطير العربية والغربية. كما يبدو "شكرى عياد" فى كتابه المحورى "دائرة الإبداع متحرراً" من القيود، منطلقاً إلى آفاق نقدية رحبة، متجددة على الدوام، ذلك حين يقرر أن للذوق وظيفة معرفية، وأنه يستند بالضرورة إلى مرجع عام وليس مجرد الهوى الخاص، وأنه ليس مقابلاً للعالمية، بل هو المدى المتسع الذى يستوعب النقد دون قواعد وقوانين تضع قيواداً على الإبداع، ومن ثم تبعد به عن طبيعته وطبيعة النقد، والذوق لديه يستند إلى مرجع عام يعد القيمة أو قيم ما هى الفيصل فى العملية النقدية. والناقد هو الأولى بأن يرى القيمة الجمالية المطلقة فى الأشكال المتغايرة، ويتجاوز الناقد الأشكال المتنوعة للأدب من شعر وقصص وتمثيل إلى قيمتها الجوهرية للإنسان بكل طاقاته ومشكلاته. فى النهاية أتصور أن شكرى عياد كان يمكن أن يكون أكثر انفتاحاً مع الحداثة وقبولاً لها ولمغامرتها لو لم يكن مكبل بالواقع الاجتماعى والثقافى الذى يقع على كاهله بصفته أحد الرواد وأصحاب الرسالات المؤسسة للنهضة التى تؤمن بمفهوم خاص للهوية، وبصفته مسئولاً تجاه القاعدة العريضة من الجمهور الذى يقرأ له، وتجاه الأكاديمية أو الجامعة التى تفرض قيودها، تلك التحفظات التى جعلته متحفظاً تجاه الحداثة، معجباً بجوهر تمردها وتجاوزها. ¬¬¬المراجــع (1) مثل ما يذكره محمود أمين العالم فى مقدمته لكتاب القفز على الأشواك، شكرى عياد، كتاب الهلال، ع 586، القاهرة 1990م، ص5 (2) - أمانى فؤاد: المجاوزة فى تيار الحداثة بمصر بعد السبعينيات، المجلــس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006، ص10. - خالدة سعيد: الملامح الفكرية للحداثة، فصول، مج3، ع3، 1984، ص30. - جابر عصفور: معنى الحداثة فى الشعر المعاصر، فصول، مج4، ع3، 1984، ص35. (3) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، عالم المعرفة، ع177، الكويت، 1993. - شكرى عياد: أزمة الشعر المعاصر، أصدقاء الكتاب، ط2، القاهرة، 2000م. - شكرى عياد: اتجاهات البحث الأسلوبى، أصدقاء الكتاب، ط3، القاهرة، 1999م. - شكرى عياد: تجارب فى الأدب والنقد، دار الكتاب العربى للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م. - شكرى عياد: دائرة الإبداع، دار الياس العصرية، القاهرة، 1986م. (4) شكرى عياد: تجارب فى الأدب والنقد، 304، 308. (5) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية. (6) المصدر السابق: 73. (7) المصدر السابق: 73. (8) المصدر السابق: ص 70. (9) المصدر السابق: ص 73. (10) آن موريل: النقد الأدبى المعاصر، ترجمة إبراهيم أوليجان، محمد الزكراوى، المركز القومى للترجمة، القاهرة، ط1، 2008، ص149. (11) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية، ص23 بتصرف. (12) جمال باروت: من العصرية إلى الحداثة، قضايا وشهادات الحداثة2، نيقوسيا، شتاء 1991، ص 161 : 164. (13) شكرى عياد: الأدب فى عالم متغير، القاهرة، 1971م. (14) شكرى عياد: المذاهب الأدبية، 41. (15) المصدر السابق: 44 : 59. (16) المصدر السابق: 59 : 73. (17) المصدر السابق: 63. (18) خالدة سعيد: الملامح الفكرية للحداثة، فصول، ص34. (19) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية، 69. (20) جابر عصفور: فى مقدمته لشركى عياد، مختارات من أعماله، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998، ص11. (21) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية، ص70. (22) السابق: ص 15. (23) السابق: ص 64. (24) أمانى فؤاد: المجاوزة فى تيار الحداثة، 48، 49. (25) شكرى عياد: المذاهب الأدبية والنقدية، 67، 68. (26) شكرى عياد: كتاب أرسطو طاليس فى الشعر ودراسة لتأثيره فى البلاغة الغربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993م. (27) شكرى عياد: اتجاهات البحث الأسلوبى. (28) شكرى عياد: البطل فى الأدب والأساطير، أصدقاء الكتاب، القاهرة، 1998م. (29) شكرى عياد: دائرة الإبداع، 13، 34.
#أماني_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدلية الواقع والفن في المجموعة القصصية - الكراسي الموسيقية-
...
-
قراءة في كتاب - الحكاية في التراث العربي - للأستاذ -يوسف الش
...
-
تراجيديا الوجود في ديوان -كأنه يعيش- للشاعر أشرف عامر
-
كم من حق سلبتمونا......
-
أليات بناء المشهد في رواية - ليالي البانجو- للروائي يوسف أبو
...
-
بينية السرد بين الواقع والأوهام في رواية - بلد المحبوب - للر
...
-
سرد التصوف ..ولغته في ديوان الملحقات للروائي -عبد الحكيم قاس
...
-
الرمز الشفيف في رواية - روح محبات- للروائي -فؤاد قنديل-
-
أيهما أشعل القمر..
-
المادة الثانية... مادة حاكمة
-
غلظة الصحراء
-
ليال....تتحدي النقاب
-
تسألني الأماكن ..عنك
-
الثقافة المصرية بعقلية رجل أمن
-
غرابة الأدب..غرابة العالم وغربة الروح دراسة في كتاب الأدب وا
...
-
البورترية في النص الروائي عند خيري شلبي -موال البيات والنوم
...
-
أسطاسية أسطورة عدل موازية للروائي الكبير خيري شلبي
-
الأنترنيت وأليات السرد في نص -في كل أسبوع يوم جمعة-للروائي إ
...
-
التماهي بين الموجودات في أدب خيري شلبي
-
الإنسان والفن..والوحوش
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|