أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بشار العيسى - مصيدة الكشتبان















المزيد.....

مصيدة الكشتبان


بشار العيسى

الحوار المتمدن-العدد: 1207 - 2005 / 5 / 24 - 10:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كنا نحن القادمين من الجزيرة والفرات وأرياف حلب الضحايا الدائمين لمصيدة قدرية باعتبارها ضريبة دخول مدينة حلب دون قلعتها، تعرف بلعبة الكشتبان أو المصيدة الحلبية باعتبارها يانصيب حلب الوطني الخاص باهل الارياف.
ما بين باب الفرج حيث كراجات التكاسي والسوق العمومي وكاراج الانطلاق حقل ألغام اجباري لمن يأتي حلب أو الخروج منها، حيث أقام بعض المهرة في فنون التحايل والاختلاس والايقاع بالبسطاء من العامة والغرباء موائدهم الشيطانية والتي هي عبارة عن طربيزة خشبية صغيرة وثلاث كؤيسات أكبر حجما من كشتبان الخياط وزر زهر صغير يضعه المعلم تحت احداها أمام بصرك ويطلب منك المراهنة على مكان وجودها اذا عرفت ربحت واذا أخطأت خسرت مبلغ الرهان.
اللعبة بسيطة تقوم على الخفة والشطارة والمهارة اليدوية للمعلم الصياد كما تعتمد على سذاجة وبساطة الزبون الطريدة وجهله بتشعبات اللعبة واطرافها الموزعة في زوايا الشوارع المفضية الى بعضها بمن فيهه أولئك المتجمهرون كزبائن وفضوليين من أمام المصيدة يلعبون ويربحون مبالغ يسيل لها اللعاب. واللعبة من الخبث أكثر مما يمكن أن تذهب اليه شكوك الطريدة التي تنشد أول ما تنشد الى النغمة الحميمية في زعيق الصياد المغري بالربح هذا المترنم الذي يعلو حينما وتخفض حسب ايحاءات كودية. تقوم العناصر المتواطئة بزوايا الشارع بتحديد طريدة محتملة من بين سائر السابلة بلفت نظره الى الجمهرة القائمة من حول النداء المغري بالربح السهل والمجان يستثيرفضول الطريدة فيقترب بحذر سرعان ما يتلاشى حينما يرى آخرين قدموا لتوهم مشدوهين باللعبة فيراهنون على احدى الكؤيسات التي يضع المعلم تحتها الزهر فتخرج له وقد ربح العشرة ليرات ولغيره المئة وللآخر الخمسن وكلما وضع الزهر يحدس مكانها فتخرج فتغامر الطريدة بمبلغ صغير فتربح وتغامر بأكبر فتخسر وتعيد الكرة فتخسر ويعد غيره فيربح وتعيد هي بمبلغ كبير لانه يرى بعينه أين وضع الزهر فيخسر وهكذا الى أن يخسر ما بجيبه وبعضا مما بعقله، ورغم أن القادمين الى حلب ينصح كل الآخر تفادي الوقوع في المصيدة الا أن الجميع يقع الناصح والمنصوح وابن عمه لان بساطة اللعبة وحبكتها القائمة على المتعاونين أعقد وأدهى بكثير من حذر وشكوك الطريدة والمراقب المدقق يتوصل الى الخبث الانساني المتوارث منذ مئات السنين جعلت من الخداع والخديعة عملية مركبة تقوم على فوائد متبادلة وأطراف متعددة تتجاوزاللعبة القائمة على الخفة بحد ذاتها الى استنفار متواطئين في عمليات الرصد والترويج والايقاع ببني البشر باعتبار الجميع ضحايا خسارة مشتركة كما هم طالبو فوز مرغوب.
تذكرت هذه اللعبة بعدما غبت عن حلب أكثر من ستة وعشرين عاما بالتمام والكمال لربما تغير نوع الطربيزة ومكانها ولباس المعلم ونوع الطريدة او الطرائد لكنها بقيت تدار بالآلية ذاتها والذهنية عينها شبكة من المتواطئين يهيجون رغائب انسانية بالفرح والربح والنجاح فينجر البسطاء المخدوعون بالضرورة وأحيانا بالتمني الى مصيدة السلطان، هذه في معرض الترويج أن البلد أصبح ساحة أمان والسفارات ملاجيء وطنية تقدم لمواطنيها التائهين جوازات السفر مهما كانت أوضاعهم ليعودوا الى ساحات الطفولة ومراتع الشباب حيث الأهل والأحبة في الانتظار لمن لا ينتظره ضباط كبار مخصصة للمقامات العالية بسيارات القصر الجمهوري برفقة أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي العريق في المعارضة الاستاذ حسن عبد العظيم.
من عادة النظام السوري كلما ضاقت به الأحوال الجدّ في البحث عن مخارج وقتية سريعة ريثما يلتقط انفاسه ويسترد زمام المبادرة في الهجوم ونكون مخطئين أن نرى بلاهة مصطفى طلاس في كل رموز وأركان السلطة السورية على تواضع ومحدودية البعض الذي أنيطت به مهمات ديكورية فقط لا غير لكن النظام سلطة وأي سلطة من الذكاء تفوق معارضيها ولذا أصبحت هي في السلطة والمعارضة في الهامش تستجدي اصلاحا وبعض ماء الوجه.
في كبوة التمديد للحود والقرار1559 وجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتفاضة استقلال الشعب اللبناني أثار الاتحاد الاوربي في وجه اتفاق الشراكة مع سوريا شروطا تتعلق باطلاق سراح المعتقلين وأخرى بتحسين جدي لمسائل تتعلق بحقوق الانسان. وبحكم تجربة سابقة ناجحة للنطام في دمشق لقطع دابر الاحتجاج بانتهاكات حقوق الانسان بادرت وزارة الخارجية الى الترويج لقرار يقضي باعطاء جوازات السفر لكل السوريين الموجودين في الخارج دون شروط او قيود مع حق العودة الى الوطن والمغادرة بحرية كدلالة كبيرة على انفراج هائل في الرضوخ لكل المطالب التي تستقيم وشروط أوربا لتوقيع اتفاق الشراكة.
تركت السلطة بذكاء عبء الترويج للمصيدة ـ ذات الحدين : الهاء القائمين بأمر اتفاق الشراكة والايقاع ببعض السذج الذين صدقوا واجتازوا الحدود بالنية الصادقة ـ على عاتق متواطئين ضحايا ومروّجين في الأزقة بفتح المزاد، مزاد العودة الظافرة الى الوطن باعتباره حقا وباعتباره شجاعة وقرارا صائبا وفتح باب المزاد بالمطالبة المجانية بالعفو عن المنفيين ، عفو السلطة عن ضحاياها وصل في بعض الأحيان الى استجداء العفو،يا للمفارقة، استجداء المجرم العفو عن طريدة نفذت من مخالبه للايقاع بها لصالح الصياد المنتشي بطلبات العفو في حين كان المفروض أن يدفعوا السلط تطلب العفو من الجميع.
بالتأكيد تراخت يد السلطة الأمنية بعض الشيء أو أنها قررت ان ترخي السوط أو تغلفه أو تربطه بجزرة للبعض ممن تخت أسنانهم ولم يعودوا قادرين حتى على مضغ اللقمة اذا لم تمزج بماء وجوههم. ولأن الضرورات تقتضي وللسلطة بداهة الذكاء في أن تغير بعضا من وسائلها وأحيانا تنحني لتمر العاصفة ولتخلق فينا وهم الركون الى أنها تغيرت أو قد تتغير ولا بد من انتطار عملية الاصلاح بشتى الأوهام التي نختلق لها معاذيربالحرس القديم والجديد الى أن اصبح البعض منا بقصد أو بغيره أطراف غير منظورة في ملهاة السلطة ومصيدتها .
في المأزق اللبناني اهتزت النظام أو كاد حين أودى بالسلطة غيها الطغياني الىهزيمتها المذلة بالاضطرارالىالخروج من لبنان بتضافر عاملي الضغوط الدولية وانتفاضة استقلال لبنان، وللشروط التي رفعتها في وجهه السوق الأوربية المشتركة ومطالبته باطلاق سراح المعتتقلين واصلاحات حقيقية في مجال حقوق الانسان، فوتت المعارضة السورية ـ بسذاجة ونأمل أن يكون كذلك ـ اقتناص الفرصة كما فوتتها أثناء أحداث 12ـ13 الكردية سنة 2004، خاصة بعد الاعتداء بالغوغاء على رموزها وحركتها الرمزية أمام قصر العدل بهراوات قطيع الطلبة حينما جعل البعض، ساسة وكتاب ومثقفين من الاعتداءات على العمال السوريين قضية وطنية للالتفاف من حول اغراءات السلطة ومن وهم الدبابة الأمريكية حجة أن باب المسجد كان مغلقا وكفى الله المؤمنين شر القتال لتسيل أكثر من ماء بينهم واسترضاء السلطة بالتمترس من خلف عدم الاستقواء بالمطالبة الامريكية بالديمقراطية في سوريا او غيرها حجة للتنازل الدور الوطني المفترض لهم دفعا لما يمكن فهمه يتقاطع والضغوط الخارجية، ومن ملهاة جوازات السفر وسيلة استجداء للمقامات السلطوية عفوا كريما عن ضالين هربوا من بلدهم التجاء بساحات أمان ليكونوا عونا لرفاقهم وأحزابهم وشعبهم للضغط على السلطة وللعمل والمساهمة في الساحة الدولية الضرورية لتوفير الشروط والمقدمات المساعدة للتغير الوطني الديمقراطي لهذه السلطة الفاسدة المدمرة التي تحمل في ملفاتها الأمنية والمالية جرائم بحق الشعبين السوري واللبناني وبحق المعتقلين والسياسين الملاحقين والهاربين وأسرهم وبحق الثروة الوطنية وتخريب البيئة، جرائم تحتاج فيها السلطة الى آلاف الدعاوي وأمهرالمحامين لتحصل هي على العفو من الشعب بل الشعوب من أهالي الشهداء ومعتقلي السنين الطوال والمنفيين ومن الحجر والبشر.
كان على هؤلاء بدل الاحتفال بالطبل والزمر واستجداء العفو واستنخاء الذين لم يسقطوا لجرهم الى مصيدة الكشتبان مثلما حدث لمحمد فايز الحرش وحازم الجندي ونزار رستناوي وأحمد مسالمة واضاءة المسرح لاعتقال علي العبد الله واختفاء الشيخ الخزنوي فضلا عن عشرات الطلبة في جامعة اللاذقية، كان الأجدر بهؤلاء، الباعة في سوق الهال المطالبة والاصراراشتراط العفوعن السلطة اطلاق سراح المعتقلين والذين عددهم كل يوم الى ازدياد وفيهم المناضل عبد العزيز الخير والشجاع عارف دليلة والنماذج الوطنية الخارجة من صفوف هذه السلطة وخيراتها الى مغامرة انقاذ ما تبقى من الوطن مثل رياض سيف ومأمون الحمصي وفي المقدمة منهم المعتقلين الكرد الصابرين باصرار على أن تعود سوريا لأهلها جميعا دون تمييز ودون عنصريات مقيتة.

أيار2005 باريس



#بشار_العيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الكردية والضرورة الديمقراطية في سوريا
- هزيمة التماثيل/الخروج السوري من لبنان
- رسالة إلى بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية المحترم
- المحفل العربي على ايقاعات التنافس السوري المصري
- رحيل رمــز الديمقراطيــة في غابــــة البنادق
- سوريا، الهروب الى الماضي من الاستحقاقات القادمة
- عندما تغادر قوى اليسار مواقعها، تنتفي حاجة المجتمعات اليها ـ ...
- تأملات المفكر التركي اسماعيل بيشكجي في عنصرية النخب العربية ...
- هوس الحوار ونخوة المصالحة,لقاءات لندن وباريس نموذجا لاختزال ...
- انتزاع الشرعية بالعصيان المدني - قدر النخبة الكردية أن تقود ...


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بشار العيسى - مصيدة الكشتبان