|
فكرة المقاومة بين التسطيح والطوباوية وامل التحرر
سليم عبد الله الحاج
سوريا
(Rimas Pride)
الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 02:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعتبر لفظة المقاومة من اكثر المصطلحات التي تعرضت للتسطيح و التنميط في تكونية العقل العربي لانها ارتبطت مباشرة بالبعد الايديولوجي السياسي و استراتجيات العلاقات الدولية اكثر من اي شيء اخر .. واذا كانت السياسة اشبه بحركة فوضوية متعددة المسارات فكل المفاهيم المتعلقة بها ستفقد رصيدها الفكري و الثقافي و ربما حتى الاجتماعي لان ما يحكم تماسكها لاداء وظيفتها قد تغيرت درجات صلابته و يمكن ان نشبهها في اغلب الاوقات بكتلة لغوية يمكن توظيفها بشكل صحيح في الخطابات و الشعارات الا انها خاوية من ناحية المعنى و فكرة الخواء هذه لا تنطلق مما قد يعتقد انه ازمة تغير الدلالات بتغير السياقات وانما يعود الى مشكلة داخلية في "كمون" المصطلح بذاته بعد ان تعرض لسلسلة من الاستغلالات الخاطئة تسببت في تشويهه و ارتهانه لحالة الاستعمال اكثر من اي يفرض بنفسه طبيعه توظيفه .. ان هذه المعضلة شاعت بين عدة افكار و مفاهيم اخرى في الخلفية الثقافية للشعوب العربية ولا نجدها الا عندهم فمثلا كلمة مقاومة التي تحدثنا عنها لو وضعانها في اطار ثقافات شرقية و غربية اخرى سنجدها عبارة عن لبنة اساسية ضمن منظومة متكاملة التطور وهو على عكس حالتنا فالفكر العربي عانى منذ القدم من طغيان ازمنة الظلام و التجهيل الممنهج على ازمنة النور المحدودة ولم يلبث ان يحقق تقدما حتى يعود سنوات الى الوراء ليبدو منطقيا ان يتعرض حمله للتهاوي وخسارة الوزن في هذه المسيرة الشاقة غير المنتهية عندما نتكلم اليوم عن المقاومة فاننا سننادي مخزونات هشة معينة في الذهن تشكلت عبر سنوات من التطورات السياسية التي عايشها الشرق الاوسط و شمال افريقيا ، فالاغلبية الساحقة من وعاء الواعين او غير الواعين في هذه المجتمعات ستعني لهم المقاومة مجموعة المواقف و الافعال المناهضة للمستعمر الاجنبي و الساعية لطرده و تحرير الارض من وجوده السياسي والعسكري والسلوكي بما يؤثر على انطباع العلاقة التي كانت بين الشعب المستعمر ومستعمره دون الغوص في اعماق الظواهر البشرية و الثقافية التي نشأت خلال فترة التأثر والتأثير بين الطرفين .. أي بتصور بسيط المقاومة في منظورهم اشبه بوسيلة للاستيقاظ من كابوس لا يكونون قادرين على ايجاد تفسير عقلاني لما يحدث خلاله ، اي باسقاط بسيط نجد فكرة المقاومة عبارة عن قطيعة مفاجئة و غير معرفة بين مرحلتين تاريختين متصلتين و هو مظهر الخلل في التعامل مع المصطلح .. و الحق ان مسألة الفهم السطحي لا تقتصر على العامة من المهتمين بشؤونهم بعاملي التبسيط و التهوين و انما شملت فئات نخبوية رأت ان التحرر من الحركة الاستعمارية عبر المقاومة هو حدث استثنائي في منحى التاريخ ولكنها لم تتوانى فيما بعد الى توظيف المقدمات الخاطئة المتعارضة مع منطقهم في تبرير نتائج مستقبلية تمثلت في بناء اوطان عرجاء وهذا هو صميم ما نسميه موت المفاهيم على مذبح الحماس و الايديولوجيات يعد هذا القالب البدائي لنمذجة فكرة المقاومة اقرب للفطرية منه الى اي شيء اخر فهو على علاته يعتبر ارقى بكثير من الغرق في وحل اللاعقلانيات الذي شهده الوعي العربي في مرحلة ما بعد تحرره من الاستعمار الاجنبي و دخوله ساحة تكوين دول و مصارعة تحديات دولية اشد وطأة على رأسها ضياع فلسطين وبروز مشاريع تفتيت المنطقة على اسس عرقية و دينية .. لقد اصبح ذكر المقاومة اشبه بالسلعة المقدسة التي يتداولها الباعة و الزبائن في مزاد علني ليقدموها قربانا يحل جميع اشكاليتهم المستعصية ، بمعنى ان الكثير من الاعمدة المثبتة لبناء الفكر الوجودي العربي تحولت الى اوثان تكفل زمن الانكسارات و الهزائم ببث الروح فيها ليصنع الوهم منها .. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في احد كتبه المستنيرة ان الانسان ما قبل الدخول للحضارة قابل للتغيير اكثر من الانسان الذي فقد فرصته و خرج من الحضارة اي ان تعامل الانسان العربي المستعبد تحت ظل الاستعمار مع كل الاطروحات كان قابلا للتحديث و التجديد على الرغم من سطحيته ومن ذلك المقاومة اما الانسان العربي في العصر الحالي فقد تطورت افكاره بشكل خاطئ يمزج بين العدمية و الطوباوية الاختزالية في ظل بيئة ملوثة بامراض الاستبداد و التغريب و التطرف على انواعه وهذا يؤدي ان لا امل في تصحيح المسار قبل انفجار شامل يهدم كل الخلفيات السلبية ان التبني الخاطئ للافكار و استيعابها بعقل سياسي معتل جعل فكرة المقاومة جاهزة لتنطبق على معاني اخرى مثل المشاريع السياسية الضيقة .. الارهاب .. التخوين و شرعنة بقاء الدكتاتوريات .. لانها لا تملك لنفسها لا حولا ولا قوة تمكنها من التموضع في مكانها الصحيح كظاهرة من التصدي لحركة المجتمع الرتيبة في واقع اولي لتدفع به نحوالعبورلواقع جديد او بصيغة اخرى التدخل العاقل المدروس لمحاولة تغيير مجرى التاريخ فتتجاوز فكرة انتظار التحول المفاجئ المسببة للشلل و الجري وراء السراب . ويجب التذكير ان من اسباب ايماننا بربيع الشعوب هو اعتقادنا الراسخ انه لابد من صدمة ايجابية تهز منظومة التفكير لكل عربي تزيحه عن بواعث السطحية والتوهم التي عاشها في زمن القمع و الكبت وتضعه امام الحقيقة لتختبر كفاءته الحضارية .. ان وصول ثورات الشعوب الى دول اقيم نظامها السياسي على "وثن المقاومة " مثل سوريا هو دون مبالغة من اهم الانجازات في التاريخ العربي المعاصر على الاطلاق وستكون بادرة هامة جدا لتحرير كل الافكار الاسيرة و اعادة وضعها في مختبر التنمية و التطوير على طريق التحديث ..
#سليم_عبد_الله_الحاج (هاشتاغ)
Rimas_Pride#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا والف لا لتمديد عهد الفساد و الهدر
-
معضلة الديموقراطية في الجزائر
-
مصداقية أميركا في اعقاب الاتفاق حول الكيماوي السوري
-
لماذا يجب ان نتحرر ؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|