أحمد ضحية
(Ahmed M.d. Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 22:10
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
هل سيدخل البشير أميركا بسلام آمنا؟
أحمد ضحية
توطئة:
في الأيام القليلة الماضية تواترت الأنباء – ولا تزال تتواتر- عن حصول البشير على فيزا لدخول الولايات المتحدة الأميريكية. رافقت هذه الأنباء أخبارا عن تنديد الخارجية الأميريكية, بطلب السودان حضور إجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك, كما أرتفعت أصوات الممثلين في هوليوود, وأصوات المنمات الأمريكية و النشطاء السياسيين, مطالبة بمنع البشير من الوصول إلى "سمرقند" نيويورك.
وعلى "الضفة الأخرى" من "أرخبيل العالم", أعلنت خرطوم البشير تمسكها بسفر البشير إلى نيويورك, تمسك سيدنا أبوبكر (رض) "بعقال البعير!".
في هذه الأثناء خرج البشير نفسه بالأمس, في تلفزيون السودان متحديا أميركا والمحكمة الجنائية والعالم, ومؤكدا أنه سيعبر الأطلسي من المغرب "آمنا لا خوف عليه ولا هو بحزين!"
هذه الأصوات وأصداءاها تواترت, في ظل أوضاع حرجة ومعقدة, يعانيها السودان والعالم والإقليم العربي والأفريقي.
السودان:
ففي الداخل السوداني, كل الملفات الساخنة مفتوحة: ملف العلاقات مع الجنوب, ملف دارفور, ملف الشرق, ملف أبيي, ملف جنوب النيل الأزرق,ملف جبال النوبة و(كردفان كملف محتمل).. ملف التحول الديموقراطي ومعالجة إختلال موازين السلطة والثروة؟ وحيث أن نظام البشير قد ظل يغلب الحل الأمني بصورة قاطعة, ليس من المأمول البت في هذه الملفات, إلا بإسقاط النظام وحلفائه بالكامل بإقتلاع النظام من جذوره, وإعادة تأسيس وبناء الدولة السودانية من جديد؟
من الجهة الأخرى نجد ملف عنف الشرطة (وهو ملف لا يقل أهمية عن ملف ممارسات جهاز الأمن منذ 30 يونيو 1989 حتى الآن) إزاء الإحتجاجات, كملف يتوجب على المعارضة تحريكه, بعد أن كثرت حوادث إغتيال الشرطة للمعتقلين, تحت وطء التعذيب –أحداث الجريف ومجزرة نيالامؤخرا- وما أرتبط بهذا الملف من قهر للنساء وفساد وإفساد للقضاء, بعد أن حول نظام البشير –القضاء والشرطة- إلى أزرع للإستبداد وإزلال للشعب وترويعه, وأدوات لتصريف الرؤى الإسلاموية المختلة للإسلام السياسي. و يقف في قلب كل هذه الملفات, ملف الأزمة الإقتصادية الخانقة, في ظل تردي بلغ بالسودان عنق الزجاجة, ما دفع –ولا يزال يدفع- بمواطني الخرطوم بالأمس, وقبلها مدني ونيالا وكوستي, وعدد من مدن السودان, الخروج في تظاهرات حاشدة ضد الأوضاع الفاسدة القائمة.
الإقليم الأفريقي:
منذ أن هدد تنظيم حركة "الشباب" الصومالية الأصولية, التابعة لتنظيم القاعدة في 30/10/2009بمهاجمة عاصمتي أوغندا وبوروندي, للثأر من الهجمات الصاروخية, التي شنتها قوات حفظ السلام, التابعة للإتحاد الأفريقي, على العاصمة الصومالية مقديشو. حتى بات واضحا, أن قارة أفريقيا الفقيرة, التي تناهشها الفقر والجوع والمرض, بسبب فساد السياسيين وإستبداد الحكومات والحروب الأهلية, مقبلة على أيام أحلك من ظلامها الدامس الذي ضل سالكيه! فقد صرح تنظيم الشباب الجهادي المتعطش لسفك الدماء:
."سنجعل شعوبهم تبكي، سنهاجم بوجومبورا وكمبالا، سننقل قتالنا إلى هاتين المدينتين وسندمرهما"
في هذا السياق يجيء هجوم تنظيم الشباب للمركز التجاري بنيروبي (وست غيت) في اليومين الماضيين تنفيذا لما سبق وهدد به, وأستبقه بالفعل بعملية أوغندا! ولربما يتكرر ما حدث مؤخرا في نيروبي في دول أفريقية (صليبية) أخرى.
فمنذ أن تم حصار تنظيم القاعدة في اليمن والعراق وأفغانستان, حتى أصبحت غرب أفريقيا(خصوصا تشاد ونيجيريا) وشمالها(خصوصا موريتانيا والجزائر) ومنطقة القرن الأفريقي (الصومال), ملاذا آمنا للتنظيمات الجهادية, كبوكو حرام في نيجيريا, حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا, الشباب المجاهدين في الصومال و أنصار الدين الطوارق على الحدود الجزائرية, وغيرها من التنظيمات المتفرعة من تنظيم القاعدة, في بلاد المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا.
منذها وأفريقيا تشهد عنفا وإرهابا متزايدا, خصوصا بعد تفجر الصراع في مالي أواخر العام الماضي, الذي أبرز للسطح مرة أخرى, الخطر المتزايد الذي تواجهه أفريقيا, من قبل التنظيمات الجهادية التابعة للقاعدة, وإحتمالات إنتقاله إلى دول الربيع العربي, كما حدث في سوريا (تنظيم دولة العراق والشام).
ما يلقي على الحركات الوطنية والحركة الجماهيرية المعارضة للنظم الإستبدادية, في الدول المرشحة لتحولات ديموقراطية, عبئا ثقيلا بالإستقواء بمثل هذه التنظيمات, في معارضتها للنظم المستبدة الفاسدة القائمة, كما حدث في التجربة السورية وتداعياتها, ما أسهم في إستمرار نظام بشار الأسد وأعطى زرائعا لإستمراره.بعد أن تعقدت المعادلة, فأصبحت (الأسد أو الإرهاب)!
في الحالة السودانية ليس مستبعدا أن يستقوى نظام الخرطوم الآيل للسقوط بمثل هذا النوع من التنظيمات الإرهابية, الذين هم في الأصل حلفاء للإسلامويين في المنطقة, خصوصا بعد السقوط المريع لحليفه نظام الأخوان المسلمين في مصر, وتعقد ملف علاقاته مع النظام المؤقت الحالي الذي أعاد ملف السودان مرة أخرى لجهاز المخابرات المصري!
الإقليم العربي:
تقف الحرب الأهلية السورية شاهدا آخرا, بعد حرب الإبادة في كل من جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق, على مدى خطورة النظم الإستبدادية العقائدية والإسلاموية, ووشائج الإستبداد التي تربط بينهما كصنوان! يقضيان على آمال الشعوب وتطلعاتهم وحقوقهم في الحياة الحرة الكريمة, والحق في السلام والأمن والإستقرار والتنمية, ولعب دور في صياغة أحلام وآمال الأمة والدولة, وفقا لتصوراتهم كشعوب, وليس وفقا لصياغات النظم الإستبدادية, سواء إتخذت من الإسلام أداة آيديولوجية, أو إجترحت أدواتها من الأفكار القومية أو العقائدية العنصرية.
وهنا تدلل التجربة المصرية على القدرة الهائلة للشعوب, على فضح وتعرية هذا النوع من النظم, متى عادت لمصادر إلهامها الوطني! بعد أن مثلت تجربة حكم الأخوان المسلمين, تهديدا خطيرا للنسيج الإجتماعي, وتهديدا مباشرا لكيان الدولة ووحدتها, وخطرا على مصير الشعب ومؤسساته المستقرة, في تجربة متصلة تفوق السبعة آلاف سنة, وليس فحسب بل تهديدا للإقليم العربي, وربما الأفريقي الذي مارس السودان دور الجسر(الكوبري) الذي عبر عليه الإرهاب إلى أفريقيا منذ 1989 لدى قيام الحركة الإسلاموية بزعامة الترابي بالتخطيط والإعداد لإنقلاب البشير في30 يونيو, الأمر الذي إنتهى بالسودان إلى ما آل إليه حاله الآن, الذي يغني عن كل سؤال!
فالسودان الذي تمخضت فيه تجربة الإسلامويين عن فصل ثلثه, وربما فصل أجزاء أخرى لاحقا - في حال إستمرار هذا النظام- مثل نموذجا مخيفا للشعب المصري, وأشعلت تجربته المخاوف على الأرض والتاريخ والثقافة والموارد ومؤسسات الدولة الراسخة في ظل حكم مرسي!
إذن إزاء المشهد المصري والسوري تتحول أزمة التحول الديموقراطي, في دول أخرى كالبحرين والكويت, إلخ.. لأصداء متلاشية في سياق معادلات الإقليم العربي والمخاطر التي تتهدده, مع تنامي النفوذ الإيراني ومخالبه التي إمتدت حتى البحر الأحمر, لتعبر بوارجه الحربية وترسو في بورتسودان!
أميركا والعالم والسودان:
وبينما يعج المشهد السياسي بكل هذه الوقائع والأحداث, تتوالى التوصيفات للرئيس أوباما برجل البيت الأبيض "الضعيف ", على خلفية تردده في إتخاذ موقف من الثورات: الليبية, الثورة السورية, وثورة 25 يناير المصرية في بدايتها, بل وموقفه من ثورة 30 يونيو المصرية في أيامها الأولى, ومؤخرا وليس آخرا تردده في تنفيذ ضربة عسكرية لسوريا على خلفية الأسلحة الكيمياوية.. يأتي هذا التوصيف للرئيس أوباما ب "الضعيف" في الواقع في إطار الكيد السياسي في الداخل الأميركي والخارج للدفع بأميركا للغرق مرة أخرى في مستنقعات الشرق الأوسط, ومجاهيل أفريقيا.
فهذه المواقف وغيرها من القضايا, التي رجح فيها أوباما إعطاء الفرص كاملة للحلول السياسية, بدلا عن الحلول الأمنية, ليست دليلا على الضعف. فالرجل جاء إلى البيت الأبيض ليجد تركة مثقلة بالمشكلات الإقتصادية والأزمات مع كل العالم, بدء بالعراق وإنتهاء بأفغانستان و معتقل غوانتانامو الرهيب, الذي عمل على إغلاقه! كما عمل على إعادة الجنود الأمريكان إلى وطنهم, وتجفيف منابع الإرهاب في كل من اليمن والعراق وحلحلة أزمة العلاقات الأميريكية الإيرانية, التي يقف ملف إيران النووي وأسلحتها الإستراتيجية, التي تهدد مصالح أميركا في الشرق الأوسط, حجر عثرة إزاءها.
إلى جانب سعيه لتجميل الوجه الأميركي, الذي قبحه الجمهوريون! هذه المفاصل الأساسية للتركة التي ورثها أوباما, من أسلافه الجمهوريين, وهي تركة قادت لتراجع الإقتصاد الأميركي مقابل تمدد النفوذ الإقتصادي الصيني.
كما جوبه أوباما بثورات الربيع العربي, وما تطرحه من صياغات جديدة في مناطق المصالح الأميريكية, والملف الفلسطيني وأمن إسرائيل. إلى جانب الضغوط الداخلية وإستطلاعات الرأي, التي رجحت عدم رغبة الشعب الأميركي في إرسال أبناءه مرة أخرى للحرب خارج الحدود الأميريكية, بعد تجربتي العراق وأفغانستان.
وفي الوقت نفسه ما يثيره الناشطون السياسيون والمنظمات الأمريكية, ومجموعات الضغط بغضها وغضيضها, من قضايا.. ومن جهة رغبة أوباما نفسه في إختطاط سياسة خارجية قائمة على الحلول السياسية, وألا يتم اللجوء إلى القوة إلا بعد إستنفاد كل فرص الحل السياسي, وفي هذا الإطار كانت المغازلات الإيرانية – الأميريكية مؤخرا حول قضية الملف النووي الإيراني, وترويج عدد من وسائل الإعلام أن الرئيس الإيراني الجديد (روحاني)أكثر إعتدالا من سلفه (نجاد) على الرغم من أن هذا الزعم ليس صحيحا, فأوراق الملف النووي بيد مرشد الثورة الإسلامية في إيران (خامنئي) فهو الذي يحل ويربط, كمرشد الأخوان المسلمين في مصر على عهد مرسي!وكالترابي قبل المفاصلة!
لذلك تفضل أميركا أوباما, تدمير السلاح الكيميائي ودعم المعارضة السورية غير الإسلاموية, إذ تتحسب على ضوء التجربة العراقية من إنفجار صراع طائفي سني متطرف – شيعي , إلخ .. ما يهدد مصالحها في المنطقة. وهو موقف مشابه للموقف الأوربي بشكل عام ودول الخليج -بإستثناء قطر- التي تسعى لبناء مركز إسلاموي موحد بديل –السودان- للمركز الإسلاموي المصري, الذي أطاح به السيسي إلى مزبلة التاريخ! وبطبيعة الحال لا يروق التوجه القطري - كمصدر تمويل للحركات الإسلاموية- فيما يخص السودان الذي سبق أن أستهدفته أميركاعسكريا (مصنع الشفاء), فضلا عن دعم السودان لحماس, وتهديد الأخيرة للأمن الإسرائيلي, ما جلب الضربات الجوية الإسرائيلية, ليس لمهربين السلاح في الشمال والشرق فحسب, بل طالت حتى منطقة الشجرة بالخرطوم!
إذن على ضوء ما سبق كله, يمثل سودان البشير المستند على الدعم القطري – خصوصا بعد إنهيار تجربة أخوان مصر- تهديدا جديا للأمن الإقليمي والدولي, وهو ما لا يتسامح معه الغرب! وما لا تتسامح معه مصر السيسي التي جاهرت بأنها ستفتح أبوابها على مصراعيها, للمعارضة المسلحة وغير المسلحة, لو نمى لعلمها دعم السودان أو إيواءه للإرهابيين المصريين من فلول الأخوان!
وفقا لماسبق ذكره, وبإفتراض أن البشير سيمضي إلى نيويويورك, وهو الرائد الذي لا يكذب أهله, هل ستقف الأجهزة العدلية الأمريكية – أميركا دولة مؤسسات وقانون ومقر للجمعية العامة للأمم المتحدة- مكتوفة الأيدي؟.. بل هل ستعبر طائرة البشير الأطلسي الذي تتشاركه العديد من الدول الغربية, دون أن يعترضها معترض؟
هل سيعبر البشير الأطلسي كطارق إبن زياد:
سواء كان الرجل بالأمس جادا أو هو يهزي كعادته, على الملأ بتصريحاته يوم أمس, ولسان حاله يقول (أنا الكيك وأنا الشافو خلو!) فمما لا شك فيه أن تصريحاته ولسان حاله يضاف إلى رصيده المثقل ب(الدراب).فإذا أفترضنا أن أميركا أعطته فيزا و(معاها الأمان وكمان بوستين), ضمن صفقة تحت الطاولة, فما كان الداع إذن لمحاولة رئيس الوزراء الأثيوبي – بإيعاز من أميركا- لإقناع البشير بسحب جواز سفره من السفارة الأمريكية؟ إن مجرد فكرة منح البشير فيزا لأميركا, هي فكرة مستفزة جدا للشعب الأميركي والمنظمات الحقوقية, إذ تتعارض تماما مع قيم الشعب الأميركي, التي في أحد أوجهها إحترام حقوق الإنسان وتقديم منتهكيها للعدالة. والرجل (ما شاء الله عليه) مثقل بإتهامات لا تعد ولا تحصى بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والإغتصاب الجنسي والقتل خارج نطاق القانون والقضاء وجرائم الحرب. فهو المسئول الأول بعد الترابي – عراب المشروع الإسلاموي- عن ما أرتكب في الهامش عموما من فظائع وفي دارفور بشكل خاص.
إذن بإفتراض أن الرجل سيعبر الأطلسي إلى نيويورك آمنا مطمئنا, يضع ذلك العالم بأجمعه والغرب بصورة خاصة أمام سؤال المصداقية في القوانين والمؤسسات المنوط بها حماية حقوق الإنسان ومعاقبة منتهكيها.
كما سيضع عبور الرجل الأطلسي آمنا, النشطاء السياسيين بمواجهة مصداقية رعاية أميركا لنشر ثقافة الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان وسيادة القانون وإستقلال المؤسسات والسلطات. وهو التحدي الذي ستواجهه أميركا نفسها من الجهة الأخرى. وقبل كل هذا وذاك يمثل عبور الرجل للأطلسي آمنا أكبر حالة إستفزاز لأرواح الملايين من الضحايا والشهداء في هذه الحقبة القاتمة من تاريخ السودان, وهو إستفزاز لا يقل عن ما سيلحقه عبور الرجل من أذى بالضمير الإنساني, الذي عبر عنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قانونا في الحريات والحقوق.
على أية حال يا خبر الليلة بقروش , بكرة ببلاش.
برينسس آن- ميريلاند
09/24/2013
#أحمد_ضحية (هاشتاغ)
Ahmed_M.d._Ahmed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟