|
يوميات نصراوي: رسالة لشباب التغيير ونبذة من تاريخنا!!
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 15:47
المحور:
المجتمع المدني
يوميات نصراوي: رسالة لشباب التغيير ونبذة من تاريخنا!! رسالة لشباب التغيير
الى ابناء الناصرة من تنظيم شباب التغيير... انتم اشرف ورثاء لهذا التاريخ.. من نشاطاتكم المختلفة تثبتون انكم فصيل مناضل وثوري يحمل هموم شعبه ووطنه. لا اناقشكم على مواقفكم، اعرفها واعرف مصداقيتكم. المصداقية تعني ايضا الخيار السليم في الوقت العصيب، والاصطفاف في الجانب السياسي والاجتماعي الأفضل في ساعات الحسم المصيرية. حتى لو كان في ذلك ما يتعارض مع مشاعركم. اعرف انكم لم تختاروا طريقكم رفضا للفكر الذي نشأتم ونشأنا عليه، بل غيرة على ما ترونه تجاوزا لما شكل ثقافتكم وفلسفتكم الثورية. لي تجربة طويلة، ومواجهات لم تكن سهلة، لكني لم أتردد يوما في القضايا الجوهرية من الاصطفاف والمساهمة في الحفاظ على الجسم الذي كان انشاؤه حلما نصراويا انجز لشعب الناصرة ولشعبنا الفلسطيني كله نصرا كان يبدو مستحيلا، ترك طابعه القوي على مجتمعنا الفلسطيني داخل الخط الأخضر وخارج الأخضر أيضا. لا ادعوكم للتنازل عن قائمتكم، واتمنى لكم ايصال عضو او اكثر للبلدية وسارى بذلك تتمة لإنتصار الجبهة الديمقراطية في الناصرة وفي كل بلداتنا العربية وهزيمة لكل القوى الانتهازية ، التي تقومون انتم بدور هام في نقدها ورفض نهجها واضعاف تأثيرها وتعميق الفكر الثوري. لا خطأ ان يستمر تنظيمكم .. ان يقوى ، ان يتسع، ان يكون رافدا وطنيا نقيا من كل الحسابات التي نشهدها في تنظيمات قامت على الدولارات النفطية وعلى استبدال الهوية الوطنية والدينية بهويات انفضح مصدرها وفسادها، ولم تعد تستحق ان تسوق . الناصرة تخوض معركة هامة، ليست للناصرة فقط، انما على مستقبل الجماهير العربية برمتها. كيف تكون الناصرة تكون الأقلية العربية. الرسول العربي الكريم قال:"مثلما انتم يولى عليكم"؟ .. والناصرة هي الوجه التمثيلي والمضمون القيادي النوعي للجماهير العربية، هل تريدون ناصرة تائهة بين منظري قطر ورابعة مصر وقوائم لو جمعنا كل مرشحيها لما اجتازوا وعيي أي عضو من اعضاء تنظيمكم؟ نريدكم جزءا من هذه المسؤولية، موقفكم من مرشحي الرئاسة في الناصرة سيكون معيارا لمصداقيتكم. لا تضحوا بما قمتم من أجله، سياسة نظيفة وموقف ثوري لا يقبل المساومة على المستقبل. قراركم هام، قراركم هو مصداقيتكم في الوقت الصحيح. اسمحوا لي ان اهديكم لمحة صغيرة من تاريخكم تاريخنا .. تاريخ شعبكم ، بدونه كانت ستنجح سياسة رئيس الحكومة الأول بن غوريون كما عبر عنها مستشاره لوبراني الذي قال ان العرب سيكونون "حطابين وسقاة ماء في دولة اسرائيل" وحين افشلنا مشروعه جاءت و"ثيقة كينغ" لاخضاعنا لقيادات عميلة ولها صبغة وطنية، دسناها تحت اقدامنا أيضا واعطيناهم شعبا صامدا فوق ارضه، مثقفا احتل صدارة الثقافة في العالم العربي، نسبة الاكاديمين فيه لا تخجل اي شعب، وانتم جزء من النهج الذي قبل التحدي وكان دائما في الطليعة !! مرحى للإنتفاضة!!
ربيع 1989- أخذنا مجموعة شعارات وانطلقنا نحو السوق. مقابل الجامع الأبيض فردنا شعاراتنا فوق صدورنا. بعض الهتافات انطلقت من هنا وهناك.الجمهور أحاط بنا، حوار، تحيات، وجوه تعبق بالمعاناة ، تعابير الغضب تسمع بقوة، كلمات تعج بالقهر، تضامن جارف مع انتفاضة الحجارة. تفاؤل . مطالع أناشيد. إن ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، يجعلنا نشعر كم نحن صغار أمام البطولات الفردية والجماعية لأهلنا وأشقائنا في المناطق المحتلة. عبر المتضامنون مع أهلهم عن الغضب العارم . أمام الغضب العادل لا يجد الإنسان ما يقوله. يفقد مطالع الكلام، أو لا يسعفه ذكاؤه بالكلمة المناسبة. كان سوق الناصرة، المعروف باسم "سوق الروم" ايضا مكتظا كالعادة أيام السبت. كان الغضب مكتظا في صدورنا... فجأة وجدته أمامي.. شرطي تعلو كتفيه شارات لا افهم معناها، اوحت لي انه ليس أقل من ضابط. للوهلة الأولى ارتعشت. هل حقا ارتعشت؟ ربما بقايا برد؟! كانت شمس بداية الربيع تبعث الدفء.. بل وتكاد تميل إلى الحرارة قليلا. - أنت تبدو مسؤولا عنهم. بادرني الضابط بقوله. نظرت في عيون رفاقي، نظرت في عيني الضابط، مضت لحظة الارتعاش، شعرت بالحيوية، أجبته متأملا تفاصيل وجهه، مستغربا كيف يمكن لوجه بشري أن يخلو من التعابير: - من حقك أن تفكر بما تشاء. - هل تعرف أن عملكم يعرقل الهدوء والنظام؟! لم أميز صيغة السؤال بكلامه، ربما هو يقرر ذلك. بحثت عن تعبير في وجهه، عله يوضح لي الإطار الذي يقصده. لم أجد ما يوضح لي صيغة كلامه، أجبته بهدوء مفتعلا نفس الأسلوب: - لا أظن. عملنا مشروعا .. ربما عملكم ليس كذلك.. قاطعني: - هل تعرف أن ما تقومون به هو عمل غير قانوني؟ صيغة السؤال واضحة.. أما وجهه فلا يوحي بشيء. - إن كنت تريد رأيي، ما نقوم به هو قانوني. من حقي كمواطن أن أعلن عن موقفي من حدث يمسني شخصيا كانسان ويمس شعبي. - ما تقومون به هو عمل ممنوع. - انسانيتي تفرض علي أن أحتج على جرائم القتل. - هذا ممنوع!! من الواضح انه بدأ يحتد. - والقتل مسموح ؟! هل تكسير للعظام مسموح وقانوني؟! - عملكم هو الممنوع. - كل ما هنالك إننا نعبر عن إنسانيتنا. - هذا يحتاج إلى تصريح. - والقتل بالجملة .. أيجري بتصريح؟! احتد صوته، توترت عضلات وجهه ، تكاثر الناس حولنا كان السبب.اسمعوه ما لا يرضيه.. قال بعنجهية: - لست هنا لأجادلك. - لم أدعك لمجادلتي. - لا تتواقح. - ابتعد عني ودعني أعبر عن موقفي الإنساني. - أنت عنيد ووقح. صاح محتدا. بلعت ريقي شاعرا بالعطش والغضب. نظرت نحو الوجوه المكتظة المحيطة بنا. رأيت الغضب في السمات، التأييد في النظرات، المؤازرة بالهمسات، التشجيع بالحركات. احد المحيطين بنا مد لي زجاجة مرطبات ، ربما عرف ما أشعر به. ربما هو تعبير عن موقفه. شربت نصفها دفعة واحدة وأعطيتها لرفيق بقربي. شيء ما أطربني، ارتفعت معنوياتي. ازداد عنادي. قلت ضاحكا: - للناس رأي آخر.. انفجر غاضبا: - هات هويتك.. - بسيطة .. تفضل. أخذها وسجل ما أراد من تفاصيل، ردها لي، ثم تكلم بهدوء مثير: - أطلب منك أن تطوي الشعارات وتخلي المكان! أجبته بهدوء مقلدا هدوئه: - هذا رأيك.. رأيي أنا يختلف. - آمرك أن تطويه.. هذه أل "آمرك" جعلتني أجيب بحدة: - يمكن طي الشعار، لكن كيف أطوي إنسانيتي؟ تكاثر الناس حولنا وبسرعة جعله يتردد في سرعة رد فعله. غير أن الحدة صارت واضحة في كلماته وحركاته. - معك دقيقتان.. اطو شعارك واذهب من هنا. فضلت الصمت انتظارا لانقضاء الدقيقتين. بدأ تجمهر الناس بالتكاثر. كان هذا هو هدفنا منذ لحظة وصولنا ورفع شعاراتنا. كانت فرق أخرى موزعة في أماكن مختلفة من مدينة الناصرة ترفع نفس الشعارات، في ساحة العين ، في ساحة الكراجات ، في منطقة العمارة (جنوب الناصرة) ونحن هنا في السوق.. كانت انتفاضة الحجارة على أشدها، كان القتل اليومي لأبناء شعبنا وتكسير عظام المنتفضين يشكل صورة مرعبة للواقع الفلسطيني. كانت خطتنا ان ننطلق بمظاهرات من عدة مناطق في الناصرة، لتلتقي في الشارع الرئيسي مشكلين مظاهرة ضخمة تضامنا وتأييدا لانتفاضة الحجارة ضد الاحتلال. تجمهر الناس حولنا أغضبه. صرخ محاولا دفع القريبين للتفرق كل في سبيله. إلا أن صراخه زاد من الاكتظاظ ونرفزته ضاعفت التحدي. صار في النفوس غضب وفي الجو حدة... لفت انتباهي وجوده مع فرقة من خمسة أو ستة أفراد شرطة يقومون بتسجيل تفاصيل هويات بقية الرفاق والأصدقاء من حاملي الشعارات وحتى تفاصيل هويات بعض المارة المتضامنين علنا معنا والمتجمهرين حولنا تأييدا لنا. لمحت فتى يافعا يتقدم من الشرطي ويطلب منه أن يسجل اسمه وانه ليس بحوزته هوية بعد بسبب صغر جيله. الفتى يصر أن يسجل أسمه والشرطي يغضب ويصرخ به أن ينصرف.المنظر لفت انتباه الجمهور الذي بدأ يصفق للفتى الذي شعر نفسه كالطاووس يستعرض ريشه، أو جرأته... صدر هتاف.. ثم هتاف آخر.. تردد بأصوات قليلة.. ثم ازدادت الحناجر عددا وقوة.. كثرت الهتافات.. صار التجمهر حولنا كبيرا.. والجو ازداد تكهربا !! - انتهى الوقت. اطو شعارك واطلب من زملائك ان يطووا شعاراتهم وأن يتفرقوا. - انا هنا امثل نفسي. عملنا قانوني، ليس من عادتي تفريق التظاهرات وطي الشعارات. - ساعتقلك اذن! أمسكني بذراعي. - انت تسدي لي معروفا كبيرا.. في غزة والضفة تقتلون وفي أحسن الأحوال تكسرون العظام والرؤوس... سحبني من ذراعي بحركة تشير الى فراغ صبره من "وقاحتي"، رافقته وسط الاحتجاج... وجدت نفسي مندفعا بالهتاف لسقوط الاحتلال، هل هو هتافي أم هتاف رفاقي؟! لا أدري!! انفجر الغضب. مئات الحناجر ترعد بالهتافات والأناشيد، كنا كما أذكر خمسة عشر أو عشرين متظاهرا، لكن حناجر لا عد لها ، حناجر شعب بكامله انطلقت تؤكد أن "شعبنا شعب حي ودمه ما بصير مي" وان الاحتلال لن يدوم... أذكر أن يد الشرطي كانت مطبقة على ذراعي.. لا اعرف كيف افلت منه، كل ما أذكره اني كنت أهتف مع الهاتفين مندفعين بمظاهرة عفوية غاضبة تضم المئات نحو الشارع الرئيسي لمدينة الناصرة...
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات نصراوي: أزاهر بأريجها هذي الدنا تتعطر*
-
لمن نسلم الناصرة؟!
-
يوميات نصراوي: نوستالجيا انتخابية
-
انتخابات الناصرة: رامز جرايسي متهم باستمرار الاستيطان؟!
-
لنحسم المعركة الى جانب القوى المدنية الحضارية في الناصرة
-
انتخابات السلطات المحلية العربية: الى أين ننزلق؟!
-
يديعوت:عملاء مخابرات يهود تزوجوا نساء فلسطينيات بهدف الوصول
...
-
يوميات نصراوي: وداعا موسكو
-
يوميات نصراوي : مع محمود درويش في موسكو
-
انتخابات بلدية الناصرة: يجب وقف الصراع بين الجبهة وعلي سلام!
...
-
إذاعة الشمس منبرا ومدرسة إعلامية مميزة تحتفل بعيدها العاشر
-
اسرائيل مستقبل مشكوك فيه
-
يوميات نصراوي: يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح
-
الدكتور محمد البوجي* يحاور الكاتب والناقد نبيل عودة حول معنى
...
-
يوميات نصراوي: خمسة زهرات تقتل بوحشية
-
الناصرة عشية انتخابات بلدية: يجب احداث نقلة نوعية
-
حين تصبح القبيلة دولة..!!
-
يوميات نصراوي: المعلم والطالب
-
يوميات نصراوي: عن الثقافة والتهريج
-
وفاة الشاعر الفلسطيني ابن الناصرة جمال قعوار
المزيد.....
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|