|
حكومة بنكيران لا تجيد إلا شيئا واحدا سياسة تنغيص حياة المواطن
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 12:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يبدو أن حكومة بنكيران مصرّة على تعنتها لتنغيص حياة المواطن المغلوب على أمره. وذلك بالرغم من تحذير أكثر من جهة في عدة مناسبات ، من مخاطر هذه السياسة على الطبقات الشعبية، وبالرغم من تحذيرات العديد من القوى السياسية الديمقراطية والمنظمات النقابية والجمعوية دون جدوى. لقد ظهرت بجلاء الآثار السلبية للخطوات التي تسير عليها الحكومة في ضرب القدرة الشرائية للطبقات الشعبية. كل المؤشرات تفيد أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية الحكومية مازالت قائمة على المزيد من التفقير، وآخرها قرار المقايسة وما خلفه بسرعة من آثار على أسعار بعض المواد وما سيترتب على أخرى، ومن آثار على منظومة الطلب مما سيؤدي إلى انكماشه وآثار هذا على العرض نفسه الشيء الذي سيؤثر سلبا على الإنتاج. هذا في وقت ظلت الحكومة تولي ظهرها لمطالب القضاة ومطالب المحامين ومطالب النقابات والمعطلين، و لكل التحذيرات والنصائح التي طرحتها القوى السياسية. إنها في واقع الأمر هجمة شرسة على معيشة الطبقات الشعبية ، وتنكر مفضوح لصون كرامة الشعب المغربي وحقه في العيش الكريم.
وتكمن خطورة تداعيات سياسة الحكومة فيما قد ينجم عنها من توترات اجتماعية في ظل وضع اجتماعي هش يشكو من اختلالات بنيوية تهدد المجتمع.
ويتزامن هذا مع اختلاط الألوان السياسية وضبابية المشهد السياسي المغربي ، ولم يعد المرء يميز بين حزب معارض وحزب حاكم ،ولم يعد يفهم كيف بنقابات توقع "سلما اجتماعيا" ثم تصدر بيانات نارية حول الزيادات، فقد انفلت "رأس الخيط" واختلطت كل الأوراق .
ولعل آخر مشهد لإظهار الغضب المستطير، نصف ساعة من الحصار الجماهيري للوزير الأول، عبد الإله بنكيران، وسط شارع محمد الخامس عقب مروره صحبة سائقه الخاص، ولم يتخلص من الحصار إلا بعد استدعاء قوات التدخل السريع التي انهالت على المعطلين ضربا مخلفة عدة ضحايا. متظاهرون من المعطلين حاصروا الوزير الأول و رفعوا شعارات تطالبه بالرحيل، وتحمله مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع جراء السياسات التقشفية وسياسات الغلاء المتبعة من قبل الحكومة.
و بعد ذلك قامت مجموعة من المتظاهرين، بخوض شكل احتجاجي أمام مقر صندوق المقاصة عبروا من خلاله عن استنكارهم و شجبهم الزيادات الأخيرة التي عرفتها أسعار المحروقات "تحث مظلة نظام المقايسة".
منذ تولي حكومة بن كيران مقاليد تدبير الشأن العام،لم تأتي بأي شيء يذكر لتحسين مستوى عيش المواطنين، بل على العكس من ذلك زادت من تأزيم الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية،وذلك عبر العديد من الزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية في حياة المواطن المغربي في ظرف قياسي و عدم الوفاء بالتزاماتها و التزامات الحكومة السابقة و خاصة فيما يتعلق بملف الأطر العليا المعطلة مما زاد من محنة هذه الفئة اجتماعيا.
وقد قام أحد الاقتصاديين بتركيب السيناريو التالي: "لنفترض أن مواطنا عاملا متزوجا وله 3 أبناء صغار، ليس له أب أو أم يتحمل مصاريفهما أو شخص مريض مرضا مزمنا أو مرضا عاديا يحتاج لمصاريف إضافية، سنحاول حساب مصاريفه الشهرية بالنسبة للمصاريف المتوسطة الضرورية والأقل من المتوسطة وبالنسبة لمصاريف الأسرة الفقيرة جدا في المدينة في الدخول المدرسي مقارنة بالشهر العادي مثلا ... وقد حصلنا على البيانات التالية حسب كل فئة، ويبدو من خلال هذا أن الحد الأدنى للأجور لا مكان له هنا، بل لا يمكن للعامل الذي يحصل على الحد الأدنى للأجور أن يعول أسرة نهائيا .. وأن أسرة بدخل متوسط وتريد أن تعلم أبنائها تعليم محترما في مؤسسات حرة جد متوسطة و في مستوى التعليم الابتدائي، تحتاج إلى م بين 18 ألف درهم في الشهور العادية و27 ألف درهم مع الدخول المدرسي. فالسؤال المطروح هو من أين يدبر العمال المغاربة والأسر المتوسطة بقية مصاريفهم الضرورية وكيف يدبرون مصاريفهم الغير قارة أو مصاريف المناسبات والسفر والتكافل العائلي ولمن له والدين أو غيره مما لا يمكن تصور أسرة مغربية من دونه".
لقد بدأت تلوح في الأفق ب"بشائر" انفجار شرارة الغضب الشعبي مع الشروع في تطبيق نظام المقايسة.. ففي أولى ردود الأفعال على قرار الحكومة قرر حزب الاستقلال تنظيم وقفات احتجاجية على امتداد كافة التراب الوطني لمواجهة ما أسماها بـ"السياسات الحكومية الفاشلة" احتجاجا على قيام الحكومة بتنفيذ قرار الزيادة في المحروقات. كما أكد الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة، من جهته، رفضه الشديد لهذه الزيادة غير المباشرة. وفي السياق ذاته قرر حزب الاتحاد الاشتراكي تنظيم تجمعات جماهيرية بالرباط يوم 5 أكتوبر المقبل للاحتجاج وإطلاق مشروع جبهة اجتماعية جماهيرية للنضال ضد السياسة اللاشعبية التي يقودها حزب المصباح.
فالاحتجاج تحول إلى ظاهرة قوية في المغرب خلال شهور أبريل ومايو ويونيو، وقد تتسع دوائره في الأيام القادمة بفعل استمرار تردي الأوضاع ، مما يطرح عدة تساؤلات حول المهمة الموكلة إلى حكومة بنكيران.
ويرى الكثير من المحللين أنه في حال فشل حكومة بنكيران في تدبير الشأن العام المغربي والاستجابة لتطلعات المغاربة ، سنكون أمام تكرار سيناريو حكومة عبدالرحمن اليوسفي باعتباره احتمالاً وارداً، لكن سيكون الوضع مختلف لأن عدم نجاح حزب العدالة والتنمية في الحكومة أو عرقلة عمله الحكومي ستدخل البلاد في مواجهة المجهول، فليس هناك بديل على الأقل في العشر سنوات القادمة لأن الدولة تعاني من مشاكل كبرى، إذ إن معدل النمو الذي وصلت إليه الحكومة السابقة يعتبر مهما نسبيا لكنه لا يصل إلى كل المغاربة، ما يعني أن الصورة هي وجود الأغنياء جداً والفقراء جداً فليس هناك طبقة وسطى، وموت الطبقة الوسطى، معناه الدخول في مرحلة ما يسمى بالدولة الرخوة. ولا أحد يعرف الآمال والانتظارات من حكومة بنكيران في حالة الإحباط إلى ماذا يمكن أن تتحول؟ من رئاسة الحكومة إلى الوزارات المنتدبة ومجلس النواب.. لا تكاد تخلو مداخل البنايات الحكومية من جموع المحتجين الدين اضطرتهم الاكراهات المهنية أو ارتفاع ضغط المشاكل الاجتماعية إلى مواجهة المسؤولين عن القطاعات المعنية ، لكن الإشكال الأكبر أن لا أحد من الوزراء أعد ما يواجه به هدا الحجم المتزايد من مطالب المواطنين المشروعة. وقد انضم مغاربة الخارج إلى طابور احتجاجات الداخل. ففي الوقت الذي نعاين فيه تنظيم وقفات احتجاجية في مختلف مدن المملكة للاحتجاج على "السياسات الحكومية الفاشلة"، قررت الحكومة رفع أسعار الطاقة في البلاد. ويتهم الكثيرون الحكومة بتدبير الشأن العام بطريقة بدائية أضاعت على المغرب فرصة استثمار الأوضاع الصعبة لدى منافسينا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وجعل المغرب قبلة للاستثمارات ما كان سيعزز خلق مناصب الشغل وجلب العملة الصعبة. ولعل أكبر فشل هو فشل عبد الإله بنكيران الذريع في ترجمة شعار حزبه القائل "صوتك فرصتك ضد الفساد والاستبداد" على أرض الواقع بعد أن أصبح رئيسا للحكومة، بل لعل السمة البارزة ، هي تطبيعه مع الفساد بالتمام والكمال. خلاصة القول إن المغرب هو بلد الفرص الضائعة بامتياز، ورغم أنه يتغير لكنه لا يتطور . إنه بلد الفرص الضائعة، لأنه فوت عليه فرصة تاريخية كانت بالإمكان أن تكون فيصلا بين ماضي الفساد، وبين مستقبل لا يبغي دون مطلب الكرامة والحرية أية خيارات أخرى. أما أن المغرب يتغير لكنه لا يتطور، فكثيرون علقوا آمال كبيرة على انتخابات 25 نونبر2011 التي أفرزت فوزا لحزب العدالة والتنمية، فتشكلت حكومة من سوء حظها أنها جاءت في سياق سياسي استثنائي إن لم نقل في لحظة تاريخية خطأ، فأطلقت وعودا حالمة لكن ؟ ماذا تحقق بالمغرب بعد هذا التغيير؟ سوى لائحة طويلة عريضة من الانكاسات والاحباطات المتتالية على جميع الأصعدة والمستويات.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطول شريط تخصصه القاعدة للمغرب يستهدف النظام الملكي هل هي ال
...
-
تزوير العملة جريمة اتسعت بالمغرب
-
بين مقهى فاخرة وأخرى مقهى فاخرة ما سرّ تناسل مقاهي من هذا ال
...
-
يتساءل المواطن المغربي المغلوب على أمره: هل منظومتنا القضائي
...
-
التصاعد الصاروخي للوافدين من جنوب الصحراء على المغرب فرض اعت
...
-
ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر قضية ظلت مطمورة في سلة مهمل
...
-
أصدقاء ملك المستقبل للمغرب
-
قسمة ضيزى
-
لا وجود لعلاقات تجارية بين المغرب وإسرائيل ... لكن
-
المغرب : كان الأمل سابقا أما اليوم فضباب فوق ضباب
-
جذور تهميش وإقصاء جيل من المغاربة لم يفرح بشبابه
-
تقنين زراعة الكيفّ في المغرب... إلى أين؟
-
هل ولج المغرب نادي مالكي الغواضات الحربية؟
-
هل هناك ربّان يدير اللعبة السياسية في المشهد المغربي اليوم م
...
-
حميد شباط العدو الأول للحكام الجزائريين
-
الجزائر ...والانحدار إلى المجهول
-
كيف يتم خداع الجماهير؟
-
خصام العلم والأخلاق والسياسة
-
مغاربة يقاتلون بسوريا هل هي ظاهرة أو مجرد حالات معزولة
-
الهروب من السجون والمعتقلات من الحماية إلى اليوم
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|