|
المدرسة والمسألة المعرفية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 20:45
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لم يمض على الدخول المدرسي هذه السنة اكثر من اسبوع ، والتلاميذ والطلبة عادوا بعد استراحة الصيف مرة اخرى الى حياة الكد والجد ، بعدما قضوا مدة مدة كافية في الراحة والترفيه عن النفس ، وهذه دورة تتكرر كل عام ، وتتكرر معها الآلام والآمل ، والمتاعب والمطامح ، لأن الدخول المدرسي حينما يأتي لا بد وان تأتي الايام طيّة حبلى بالمعاناة والمعضلات التي اصبحت تقسم ظهور الآباء والأبناء على حد سواء . واعتياد الناس حينما يواجهون الدخول المدرسي ، يفكرون في لوازمه وتبعاته المادية والشكلية ، يفكرون ويناقشون مسألة شراء الكتب والأدوات المدرسية وغلاءها والزيادة في اثمانها ، وكذلك الثياب الجديدة التي يصر الابناء على شراءها ليظهروا امام زملاءهم وأساتذتهم بمظهر حسن ، كما يتذاكر الناس في مسألة قرب المدرسة او بعدها ، وانشغالهم بنقل الاطفال او مرافقتهم ، ومن الناس من يناقش كذلك مستوى المدرسة ومستوى الاساتذة وجديتهم وكفاءتهم . هذه كلها قضايا واقعية ومطروحة تفرض نفسها عند كل دخول مدرسي ، وتستحق المناقشة ، لأنها جزء من الهموم اليومية التي تلازم حياة الناس . ولكن هل هذه هي القضايا الاساسية التي ينبغي الاشتغال بها ونحن على ابواب كل دخول مدرسي ؟ اين هو حظ المسألة المعرفية من المناقشة التي اصبحت تعرف انحدارا خطيرا في نظامنا التعليمي ؟ اين هي مكانة المسألة التربوية في العلاقات والبرامج التعليمية ، هذه المسألة التي اصبحت ’مغيبة بشكل فظيع احدث قطيعة بين التربية والتعليم ، الى درجة ان نظامنا التعليمي اصبح يركز على المحفوظات والمعلومات والمقررات ، اكثر مما يهتم بصياغة شخصية الانسان وتربية وتهذيب سلوكه وترقية ذوقه . اين هو نصيب المسألة الاخلاقية في مناهج التدريس وعند رجاله ، الذين اصبح قسم كبير منهم يقدم صورة سيئة للنشء وسمعته لا تشرفهم ، وهم الذين ينبغي ان يكونوا محل قدوة حسنة في الخلق والاستقامة تقتدي بها الاجيال الصاعدة . فاين نحن الآن من قول الشاعر " قم للمعلم ووفه التبجيل – كاد المعلم ان يكون رسولا " هذه وغيرها كلها تساؤلات مشروعة في هذا المقام ، تستدعي وقفة اكثر من هذه ، ولكن لنعود الآن فقط للمدرسة والمسألة المعرفية . ان الهدف الاساسي للمدرسة والوظيفة الكبرى للتعليم ، هما بناء معرفة متكاملة عند الانسان ، وتأسيس المنهج العلمي في تفكيره حتى يملك التصورات الصحيحة ، ويكتسب ادوات التحليل ، والقدرة على الانتاج والإبداع في مختلف مجالات العلوم والمعرفة الثقافة . وهذا امر لا يمكن ان يتحقق الاّ ببناء اساس هذا النهج منذ المراحل الاولى للتعليم الاولي والأساسي ، الى نهاية مراحل التعليم العالي . ولكن للأسف ، ما زالت البرامج والمناهج المتبعة في النظام التعليمي المغربي ، من الادنى الى الاعلى ، مبنية على الحفظ والتلقين المباشر ، وتكديس المعلومات ، لنطالب التلميذ او الطالب بعد ذلك باسترجاعها واستذكارها ، ورد المعلومات والمحفوظات الى اصحابها كما هي حرفيا وبكل تقيد وانضباط ، وهذا منهج عقيم ،عاقر ، جامد وعديم الجدوى ، لا يخرّج لنا مفكرين ومجتهدين و’نبغاء ، بقدر ما ينتج لنا حفظة ومقلدين جامدين ، لا يكادون يخرجون عن النص او المتن الاّ لينسجوا حوله حاشية باهتة مشوهة ، وفي هذا ما فيه من ترسيخ عقلية الجمود والتحجر الفكري ، وقتل شروط الابتكار والإبداع والنبوغ العقلي والاستقلال الفكري . وهذا ما يفسر ليس فقط نظامنا التعليمي التربوي ، بل وفشل المشروع الاجتماعي ، وغياب اي مشروع تنموي حقيقي . والآن ونحن وفي بداية هذا الموسم الذي بدأ منذ اربعة ايام فقط ، لابد لنا من وقفة قوية تحضرها كل الطاقات والفعاليات المهتمة بشؤون التربية والتعليم والمعرفة ، للقيام بمراجعة جذرية شاملة لنظامنا التعليمي ومناهجنا وبرامجنا التعليمية ، بل لابد من ثورة حقيقية على المؤسسات والأنظمة والعقليات التي تنظّر وتؤصّل للجمود العقلي والتحجر الفكري ، لنبني على انقاضها اسس وشروط معرفة صحيحة تقوم على العلم والمنهج والبحث والتفكير والتحليل ، لنتطلع الى المستقبل ونواجه تحدياته ، بدل الانطلاق في دهاليز الجمود التي تؤدي بنا في نهاية المطاف الى ظلمات الجهل واللامية الفكرية والثقافية . واذا كان الله تعالى يقول : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات " ، فينبغي ان نبحث في نظامنا التعليمي عن سبل هذا العلم الذي يرفع مدرستنا وطلابنا درجات عليا نحو المجد والتقدم والرقي ، ولكن تبقى البداية دائما من محاضن الطفولة ، ومن حجرات الدراسة . وينبغي الاّ ننسى كذلك انه لا امل في تحقيق تنمية مستدامة الاّ عن طريق القضاء على الامية ، وبناء عقلية علمية ومنهجية .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
-
تنزيل الماركسية
-
تذليل المفهوم القروسطوي للدين
-
فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
-
المثقف الماركسي والوعي الطبقي
-
دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
-
الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
-
الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
-
الاخوان الفاشيون
-
الإستعارة في اللغة السياسية
-
- امرأة عند نقطة الصفر -
-
الطب والامبريالية في المغرب
-
حين يصبح الانقلاب والتزوير مشروعا
-
منظمة -- حزب -- تيار
-
ادوات اشتغال المخزن
-
دراسة تحليلية لماهية المخزن -- المخزن عقيدة وليس مؤسسة .
-
جدل عن غياب العاهل محمد السادس خارج المغرب
-
الطريق الاستراتيجي الثوري للدولة الفلسطينية
-
المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية
-
بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت
المزيد.....
-
ترامب يكشف موعد اتصاله مع رئيس وزراء كندا ويؤكد: -سيدفعون-
-
الصين لديها ورقة رابحة في مواجهة رسوم أمريكا الجمركية.. ما ه
...
-
أمراض يشير إليها تضخم الغدد اللمفاوية
-
روسيا تنشئ أنظمة تبريد تساعد على تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمو
...
-
روسيا تستخدم الدرونات لمراقبة مسارات السكك الحديدية
-
روسيا تختبر منظومة جديدة مضادة للدرونات
-
البول الأسود.. اضطراب نادر يسبب مشاكل صحية خطيرة
-
الدنمارك.. اكتشاف نوع جديد من الفطريات تحوّل العناكب إلى زوم
...
-
روسيا تنتج بطاريات الليثيوم الأيونية للطائرات المسيرة
-
أمراض تسمى -القاتل الصامت-.. ما هي وكيف نكتشفها مبكرا؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|