|
حول -مبادرة منظمات المجتمع المدني لتسوية الأزمة السياسية-
عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)
الحوار المتمدن-العدد: 4222 - 2013 / 9 / 21 - 16:23
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
مبادرة الإتحاد الثانية التي قبلت بها جبهة الإنقاذ ، وقبلت بها حركة النهضة ، هي خلاصة المفاوضات وتقريب وجهات النظر التي قادها الرباعي الراعي للحوار الوطني. ثمة تحفظات وشروط غير مسبقة هنا وهناك. وثمة تنازلات متفاوتة "القسوة" من الطرفين. وبطبيعة الحال، سيكون هنالك على الدوام معارضين ومنددين ورافضين لكل ما ينتجه الحوار الوطني، إنطلاقا من الرفض المسبق لمنطق الوفاق مع حركة النهضة بوصفها مورطة في الإغتيالات وقبل هذا وذاك هي حركة لا تعترف بالتعدد، بدليل رفضها للوفاق وتهربها من الحوار وتشبثها بالفشل وإمعانها في سياسة السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع .
والحقيقة أن حماقات الإغتيالات السياسية التي ارتكبتها حركة النهضة بنية كسر شوكة الجبهة الشعبية، وإضعاف المعارضة قد أدت إلى نتائج عكسية تماما، حيث تحول الحراك الإجتماعي الجاري منذ سنة ونصف إلى تمرد شعبي عارم مطالبا بإسقاط الحكومة بدأ يوم إغتيال الشهيد شكري بلعيد، وبلغ ذروته في إعتصام باردو الذي نجح في شل حركة الحكومة .. وفي الخلال وتفاعلا مع حركة الشارع تشكل مشهدا سياسيا جديدا مختلفا بالكامل مع مشهد غداة إنتخابات 23 أكتوبر 2011 ، حيث تمكنت المعارضة من بناء قطب ديمقراطي مدني هو الأوسع على الإطلاق في تاريخ تونس الحديثة ، وبدا أن جبهة الإنقاذ بكل مكوناتها، والإتحاد العام التونسي للشغل وأهم المنظمات الوطنية تقف جميعها في صف واحد لإنقاذ تونس من الغرق. وبدا في الضفة المقابلة أن حكومة علي العريض والأحزاب التابعة لها تقف في مأزق العجز عن مواصلة الحكم .. هذا الوضع هو الذي فرض على حركة النهضة الاكتفاء بممارسة "عنف الدولة" باستخدام الأجهزة الأمنية والمحاكمات، ووقف العمليات الإرهابية في الشعامبي، ولجم السلفيين و وقف عنف المليشيات و إخماد صوتها. وهو ذات الوضع الذي فرض عليها الإعتراف ببقية الفاعلين السياسيين والجلوس على طاولة المفاوضات مع جبهة الإنقاذ أي مع "الكفار والماسونيين وأعداء الإسلام والتجمعيين" في إطار للحوار الوطني يقوده إتحاد الشغل أي "أزلام النظام البائد".
ورقة العمل التي وافقت عليها حركة النهضة تتضمن تلخيصا لمطالب المعارضة منذ عشرين شهرا والتي كان للشهيد شكري بلعيد السبق في المطالبة بها وهي أربعة أساسية : أولا : تشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية. (وهذا له عدة معاني : يعني إقرار بعدم كفاءة حركة النهضة. ويعني عجزها عن قيادة المرحلة الانتقالية. ويعني سقوط فلسفة "الغلبة". ويعني في الأخير قدرة المجتمع التونسي على التصدي لمشروع الإستبداد الديني ).
ثانيا : تحديد مهام المجلس التأسيسي في ما هو تأسيسي، وتحديد أشغاله في مدة محددة في الزمن بدقة ووضوح. وهذا أيضا يعني تحقق ما طالب به الشهيد شكري بلعيد وأغلب الطبقة السياسية ، أي إنتهاء خرافة "المجلس التأسيسي سيد نفسه" و منع إستثمار حركة النهضة لنتائج إنتخابات تأسيسية وتحويلها إلى بيعة دائمة.
ثالثا : الصلاحيات الكاملة لحكومة الكفاءات . وهذا يعني تنقية المناخ الوطني من كل مظاهر العنف: كحل المليشيات التي تمنع الذهاب إلى إنتخابات عادية . ومراجعة التعيينات الحزبية التي تفرغ عملية الاقتراع من محتواها الديمقراطي باعتبارها سيطرة حزبية على أجهزة الدولة .
رابعا : ضبط روزنامة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أي الإلتزام بالقيام بمهام محددة زمنيا عكس عملية السطو والتحيل التي مارستها حركة النهضة منذ إنتخابات 23 أكتوبر ، حيث لا شيء له أجل .
لا شك أن التقييمات ستختلف حول هذه الورقة التي سماها الآتحاد "مبادرة منظمات المجتمع المدني لتسويــة الأزمة السياسية". قد يقال أن حركة النهضة عازمة مرة أخرى على ربح الوقت وشل حركة الإحتجاج بقبولها بهذه المبادرة . وقد يقال أن هذه الحكومة غير شرعية علاوة على تورطها في الإرهاب ولذلك يجب أن ترحل دون شروط . وقد يقال إن إتحاد الشغل لعب دور الكومبارس، وخذل الحركة الشعبية العارمة التي كادت تسقط الحكومة. وقد يقال أن جوهر هذه المبادرة هو إعادة ترتيب الوضع السياسي بما يسمح بنفوذ اللوبيات الأساسيّة التي تشكل الخارطة الإقتصادية ، وعليه فإن المستفيد منها هم رجال الأعمال التجمعيين. وقد يقال أن الخاسر هي الجبهة الشعبية التي جمعت نضالاتها ونضالات الشعب ووضعتها في سلة أزلام النظام القديم ... وقد يقال ما يقال . أنا تقديري أن القراءة الموضوعية لورقة العمل هذه، تقتضي النظر أولا وأخيرا إلى (مصلحة البلد). وهذا لا يعني تكرارا لهذه العبارة الممجوجة التي صار تكررها أشد الأطراف إنتهازية وبعدا عن الوطنية . بل يعني باختصار شديد حل المعادلة التالية : كيف يمكن منع قيام إستبداد جديد بقيادة حركة النهضة التي لا تؤمِنُ بالحرية ولا بالديمقراطية ولا بمدنية الدولة ولا بحقوق الإنسان، دون الانزلاق في دوامة العنف ؟ أي كيف يمكن للتوانسة أن يتغلبوا على الإرهاب إذا كان الإرهاب هو الحاكم مع أقل ما يمكن من الخسارات ؟ بالنظر إلى مخاطر العنف الذي قد ينسف كل ملامح بلادنا المدنية، وكل مكتسبات المجتمع وأولها الدولة التونسية المهددة بالانهيار فيما لو خيرنا منازلة المجرمين بدلا من محاورتهم . ومن هذا المنطلق أعتقد أن مطالب المعارضة الأربعة التي ذكرتها قد تحققت من خلال "مبادرة منظمات المجتمع المدني لتسويــة الأزمة السياسية"، وهذا يمثل إنتصارا نوعيا للمعارضة الديمقراطية. يبقى أن هذا الانتصار سيظل نظريا ، وتحوله إلى واقع مشروط بنجاح جبهة الإنقاذ في إدارة المعركة السياسية/التفاوضية. مشروط أيضا بقدرتها على المحافظة على نبض الشارع وعدم تفريطها في ورقة المقاومة المدنية التي هي أساس المشهد السياسي الجديد. ومشروط بتماسك جبهة الإنقاذ والتزامها بالقواسم المشتركة بين كل مكوناتها. ومشروط في النهاية بغلق باب الطمع السياسي الذي ستفتحه حركة النهضة لاصطياد بعض الأطراف المريضة بالسلطة.
#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)
Boughanmi_Ezdine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعا عن التاريخ، في الرد على فوبيا-اليسار
-
الشيخ راشد الغنوشي و مرجعية السياسة التركية
-
أن تمنح الحكم للإسلام السياسي ، كأنك منحت سلاحا لمجنون
-
الإنتقال الديمقراطي في تونس : مقتضيات التحالف مع القطب الليب
...
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|