|
القرآن دستورنا
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4220 - 2013 / 9 / 19 - 18:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرئي للكافة أن شعار جماعة الإخوان المسلمين مؤلف من مصحف في القلب يحميه سيفان متقاطعان على خلفية خضراء مكتوب أسفلها كلمة ’وأعدوا‘. كما هو واضح بشكل فج وعتيق، المصحف في المخيلة الإخوانية بمثابة دستور الجماعة والسيفان وسائل القوة المسلحة لفرض ما قد جاء فيه، واللون الأخضر رمز الخير الذي سوف يتحقق حتماً إذا طبقت الشريعة السماوية بينما الكلمة ’وأعدوا‘ ضرورية للإبقاء على الحماسة والمعنويات مرتفعة، استمرار التأهب والاستعداد واليقظة، ومنع الانشقاق والصراع الداخلي وتفرق الكلمة وضياع الهمة والبأس بين أمة المسلمين ومن ثم الوقوع فريسة سهلة للأعداء الطامعين. تصور تقليدي وبدائي جداً للغاية المرجوة من الجماعة البشرية. لكن ثمة تصور أكثر تقليدية وبدائية بكثير من ذلك هو تصور الجماعة السلفية المصرية للغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة: أن يعبد الله ويمتثل حرفياً- دون أي اعتداد بالرمز- لكل كلامه.
بحسب هؤلاء السلفيين المتدينين، كلام الله السليم غير المحرف لا يزال محفوظ في مكانين اثنين لا ثالث لهما: (1) الكتاب، أي القرآن الذي يحوي كلام الله نصاً ومعناً؛ (2) السنة، المؤلفة من أحاديث وتصرفات رسول الله، التي حتى لو كانت نصاً كلام النبي البشري وسلوكياته الشخصية، إلا أنها معناً إيحاء وإلهام أكيد من السماء لأن الرسول في النهاية لا ينطق عن الهوى. على هذا، في تفسير الإسلاميين عموماً والسلفيين منهم على وجه الخصوص، يجب أن لا يؤخذ على محمل الجد والإلزام المطلق سوى هذين الكلامين فقط وكل ما عدا ذلك يؤخذ منه ويرد إليه، أو يقبل التعديل والتغيير بالحذف والإضافة أو حتى الاستبدال والاستغناء عنه بالكامل إذا اقتضى الحال. بالطبع مواد الدستور- أي وكل دستور وضعي على الإطلاق- لا هي قرآناً من الله ولا سنة عن رسوله. لماذا، والحال كذلك، يقبل الإسلاميون أن يتحكم مثل هذا الكلام البشري- الدستور- في حتى البعض القليل من شئون دنياهم، في الوقت الذي لم يفرط الكتاب- كتاب الله- من شيء، أي وكل شيء على الإطلاق؟!
في الحقيقة، في مكنون أنفسهم ومعلنها أحياناً الإسلاميون بكل أنواعهم لا يقبلون أن يعلو فوق أو يتحكم في الكلام المنسوب إلى الله أي كلام أو نص آخر، خاصة عندما يكون من قول أو وضع بشر هم حتماً أسرى لمصالح وانحيازات وشهوات وأهواء ضالة ومضللة. في الأصل، الإسلاميون لا يعترفون بدساتير؛ هم، على النقيض، يرونها واحدة من بدع الغرب الاستعماري ووسائله التي قد أسهمت بنصيب وافر في إضعاف وإنهاء الخلافة العثمانية قبل نحو تسعين سنة، ثم في ضياع وتشرذم وهوان المسلمين جميعاً فيما بعد. في يقين الإسلاميين، كل الإسلاميين، الأمة الإسلامية هزمت والمسلمون هانوا وتخلفوا لما ’ابتعدوا عن شرع الله‘ وتوقفوا عن تطبيق ما قد جاء في الشريعة الإسلامية مستقرئاً من كتاب الله وسنة رسوله ونموذج الصحابة والخلفاء الراشدين والسلف الصالح. في الواقع التاريخي، الدساتير البشرية المختلفة سواء في تركيا أتاتورك أو مصر محمد علي أو دول قومية أخرى هي التي احتلت مكان الشريعة، حين استولى قضاة علمانيون من خريجي كليات الحقوق على منصات القضاة الفقهاء الشرعيين الأوائل خريجي المؤسسات الدينية كالأزهر وخلافه.
لماذا، بعد كل هذه الجرائم التي قد فعلتها ولا تزال الدساتير العلمانية بحق الشريعة الإسلامية التي أصبحت حدود تطبيقاتها لا تتعدى الآن قضايا المرأة المسكينة وبضع أحوال شخصية لا تسمن ولا تغني من جوع بعدما كانت تحكم وتأمر وتفصل وتبت في كل شئون وأحوال الناس طولاً وعرضاً، سلماً وحرباً، لا يزال الإسلاميون سواء ’المودرن‘ من جماعة الإخوان المسلمين أو ’الرجعيين‘ من الجماعات السلفية راضون ببقاء الدستور بل ومتمسكون بالمشاركة في وضعه، إلى حد الاستحواذ هم وحدهم بشراهة منقطعة النظير طوال تاريخ إعداد الدساتير المصرية لأكثر من مئة عام بوضع واحد لم يعمر أكثر من ستة أشهر، ولم يدخل منه حيز التنفيذ حكم واحد؟!
لماذا، رغم كل ما قد لحق مؤخراً بالإسلاميين ودستورهم ونظامهم بعد 30 يونيو لا يزال حزب النور السلفي مصمم بهذا الشكل على المشاركة في لجنة الخمسين لوضع مشروع دستور جديد، والتمسك بابتزاز بما يسميها ’مواد الهوية‘ الإسلامية للدولة؟! هل مثل ياسر برهامي أو يونس مخيون قد آمن أخيراً- بعد مئة عام من إسقاط الخلافة ومعها الشريعة الإسلامية عمداً- بفلسفة الدساتير الوضعية أم هي، كالعادة، الخديعة والمكر والتقية والحيلة حتى حين؟! لو كان الأمر بيد ياسر برهامي أو يونس مخيون حقاً هل كانا سيكتفان بمواد الهوية الإسلامية، أم كانا سيقولان بالفم المليان: "القرآن دستورنا"، شاء من شاء وأبى من أبى! ماذا يجعلهم يقولون غير ذلك الآن؟
هل يمكن أن يكذب الإسلاميون؟ ولماذا؟
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حاكموا لهم إلههم، أو أخلوا لهم سبيله
-
إطلالة من الخارج على المزبلة السورية
-
معاقبة التدخل القطري في الشأن المصري
-
إمارة قطر، محمية أمريكية أم شوكة عربية؟
-
وهم أسلمة الكافر بطبعه
-
في آداب الصراع المسلح بين الدولة والثوار
-
الدولة الرب
-
الإخوان لا يتعلمون الدرس
-
على طريق الإصلاح الديني-3
-
على طريق الإصلاح الديني-2
-
على طريق الإصلاح الديني
-
المقدمة إلى الإصلاح
-
ليبرالية مفلسة من داخل الصندوق
-
خرافة الليبرالية الإسلامية والتفكير من داخل الصندوق
-
ليس دفاعاً عن الإخوان
-
مشكلة ضمير البرادعي
-
عن فوائد الحروب
-
ليبراليون في بيادة العسكر
-
عن ديمقراطية الإسلام السياسي الموعودة
-
2- الإسلام السياسي يُحارب، لا يُسترضى
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|