|
الضمير العراقي..الى أين؟
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4220 - 2013 / 9 / 19 - 08:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينشغل المثقفون والصحافيون بالسياسة التي الهتهم عن قضايا اجتماعية واخلاقية خطيرة تزيد في اهميتها عن اعمار وطن،لأننا نستطيع بناء مدن ومجمعات سكنية في سنتين فيما لا نستطيع اعادة بناء قيم واخلاق دمرتها حروب عسكرية وأهلية في عشر سنوات. ان افدح كوارثنا الاخلاقية والاجتماعية هو ما حصل (للضمير العراقي)في السنوات الثلاثين الأخيرة.ولكن لنتفق اولا على تحدبد مفهوم الضمير فهنالك من يصفه بـ(القاضي) الذي يحاسبنا على اخطائنا،وهنالك من يصفه بـ(الحارس) او (الرادع) الذي يردعنا حين نهمّ القيام بفعل غير اخلاقي،او (الرقيب) على السلوك قبل وعند وبعد الشروع بأي عمل،فيما يصفه آخرون بان الضمير هو الصدق والايمان. ونحن نحكم على الاشخاص بقولنا (عنده ضمير)ان كان ذا اخلاق،و(ما عنده ضمير،او ضميره ميت ) ان كان عديم الأخلاق..ما يعني ان كل واحد منّا هو منظومة من القيم الأخلاقية،وأن الضمير هو (رئيس)هذه المنظومة..وان هذا الرئيس هو الذي يحدد أهداف الفرد ونوعية تصرفاته مع الآخرين،فان كانت مطابقة لقيم واخلاق المجتمع الذي يعيش فيه..قال عنه الناس (صاحب ضمير) وان خالفها قالوا عنه(ضمير سز). وما لا يدركه كثيرون ان الضمير هو القوة الفاعلة والمؤثرة في السلوك والمواقف والإتجاهات والانفعالات،ويقظته تشيع فعل الخير والمودّة بين الناس،فيما غيبوبته تؤدي الى الشر والكراهية،وسيادة قانون الغابة في المجتمع فيقسمه الى جماعتين:اقلية قوية تمتلك السلطة والثروة ووسائل الاستبداد تمارسها بضمير قاس متحجر ميت،واكثرية فقراء وضعفاء ومغلوب على امرهم تضطر الى الاذعان وممارسة السرقة والغش والحيلة..بضمير يبرر ممارسة كل رذيلة تؤمن لصاحبه العيش. وتشير الدراسات الاجتماعية عبر التاريخ الى ان ألد ثلاثة أعداء للضمير هي:الحروب والظلم والكراهية..والكارثة انها تجسدت في العراق بأبعد مدياتها..ووجهت ضربات موجعة الى الضمير الفردي والجمعي ايضا.فمعروف عن ان افدح الاضرار الاجتماعية للحرب الطويلة انها تحدث تخلخلا في المنظومات القيمية للأفراد وتضعف الضمير عند كثيرين وتهرؤه عند آخرين..وتدخله في غيبوبة عند اغلبية مطلقة..فكيف بالعراقيين الذين خبروا ثلاثة حروب كارثية على مدى ثلاثا وثلاثين عاما..ورابعة مع الارهاب ما تزال مستمرة..خلفت عشرة ملايين بين اطفال يتامى وارامل ومطلقات زادت نسبتهن في الزمن الديمقراطي! فضلا عن بطالة شباب جامعيين بينهم آلاف المهندسين..فيما اشاع الاحتراب الطائفي والتهجير والصراع السياسي والانتماءات العشائرية والقومية الكراهية بين العراقيين.ما يعني ان ضمير الشاب العراقي الذي ولد في حرب ونشأ في حرب ويعيش الآن اكثر من حرب هو غير ضمير جده الذي ما خبر مثل هذه الكوارث..زد عليها انه يعيش في زمن لم يعد فيه الفساد خزيا..ومعروف عن الفاسد انه (لا ذمّة ولا ضمير). ان احد الاسباب الرئيسة لضعف الضمير عند العراقيين هو غياب الحاكم القدوة.ولنضرب على ذلك مثلا..عبد الكريم قاسم.فقد اكتفى هذا الرجل براتبه الشخصي وما وجدوا في جيبه اكثر من بقايا دينار، ولم يزد عدد افراد حمايته ومرافقيه عن عشرة ،وبنى في اربع سنوات مدنا(اليرموك،الضباط،الثورة،الشعلة..)وبنايات شاهقات وزارة ..التخطيط،مدينة الطب..فاقتدى الناس به وانتعش الضمير..فيما الحكام الحاليون منحوا انفسهم رواتب خيالية وصار تحت تصرفهم ما يشتهون ويتمنون..وهم اذا بنوا نهبوا حصة الأسد..فنافورة صغيرة بناها محافظ بغداد السابق بمليار دولار!! حسب تصريح محافظها الجديد..وكان بين الناهبين أصحاب عمائم ورجال دين..وآخرون صاروا قادة عملوا من القبائح والتناقض بين الأقوال والأفعال والسخرية من الناس والضحك عليهم ونكث الوعود وخلق ازمات تشغلهم عن مآسي حياتهم.وفي زمانهم الديمقراطي وصل عدد من هم تحت خط الفقر 6,4 مليون عراقي حسب المركز الوطني لحقوق الانسان في آب 2013.وكان رئيس الحكومة اعلن ان لديه ملفات تدين سياسيين ومسؤولين كبار بالتورط بفساد مالي واداري اذا كشفها انقلب عاليها سافلها..فأية ضمائر تتولى أمور الناس،واي ضمير يصمت عن نهب المال العام وهم الذين يعلنون انهم يقتدون بسيرة النبي (ص)القائل:لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها.وحال كهذا صار فيه ضمير المسؤول لا يشعر بمعاناة الناس وفواجعهم اليومية..جعل العراقي يقول لنفسه:ما دام المسؤولون بلا ضمير فليذهب ضميري الى الجحيم. من جانب آخر لا علاقة له بالسياسة،توصلت الدراسات الى أن الشخص ذو الضمير السليم يمتلك شخصية سليمة،وأنه يمكّن صاحبه من ان يعيش حياة ممتعة خالية من الشعور بالأثم،ويجعله يتمتع بتقدير عال للذات،ويكون سلوكه مستحسنا..ولا يشعر المرء بأن ضميره سلطة أجنبية أو قوة يطيعها قسرا او خشية،بل يشعر أن ضميره هو مجموعة من المثل والمحرّمات صارت جزءا من تكوينه وذاته الحقيقية..ينصاع له لأنه يريد الأنصياع،لا خوفا او رغما عنه. والضمائر غير الصحية نفسا على انواع..فالضمير الحازم اكثر مما ينبغي يجعل صاحبه تعيسا،لأنه يحدّ السلوك ويقيده اكثر مما تفعله العادات والتقاليد والقوانين،فيحرم نفسه من الاستمتاع بمباهج الحياة المشروعة التي يتمتع بها الاخرون.والضمير التسلطي،الذي يعتقد صاحبه ان رموز السلطة هم اقوياء يجب ان يطاعوا دون تردد،يعاني صاحبه من الشعور بالاثم حتى عندما يخطر له ان يتحدى السلطة.والضمير الاسقاطي،الذي يسقط احكامه الخلقية على الآخرين..يكون عدوانيا لأنه يعتقد ان الجميع يضطهدونه.أضف لها الضمير (السيكوباثي)الذي يتحدى القيم الدينية والاجتماعية والضمير (التبريري) الذي يخرّج فعل الحرام بأسباب يعدها مبررة. وما لا يعرفه كثيرون ان الضمائر غير الصحية تسبب الاكتئاب والشعور باليأس والاحباط،وتصيب اصحابها بامراض بدنية ايضا،اخطرها:الضغط العالي،السرطان..بل انها قد تقتل اصحابها بالسكته القلبية!..ومشكلة العراق أن الشباب الذين سيكون العراق بأيديهم..تلقت ضمائرهم ضربات موجعة من ماضيهم..والأوجع جاء من حاضر افتقدوا فيه القدوة على صعيد سلطة معظم من فيها حيتان ولصوص،وسياسيون معممون اساءوا الى هيبة العمامة وقدسية الدين..وشرعنوا الفساد بطريقة الضرورات تبيح المحظورات،والنفاق بكيّ الجباه ليوهموا الناس بأنها من أثر السجود!..اضافوا لها مجددا زبيبة سوداء!! اننا ننبه الى كارثة حقيقية هي ان الضمير العراقي مرّ في الستين سنة الماضية بثلاث مراحل،الأولى كان فيها يميز بين الحلال والحرام ويخاف الحرام،والثانية:اختلط عليه فيها الحلال والحرام ودفعه التشوش الى ان يتجاسر على ارتكاب الحرام ،والثالثة:صار ارتكاب فعل الحرام عاديا بعد ان شاع الفساد ولم يعد خزيا..اما الرابعة فسيطرق الضمير العراقي بابها ولكم ان تصفوه كيف سيكون!..وكيف سيكون اهله!..ان بقينا عنه غافلين! لقطة من بعيد: نشر غوغول في 14 أيلول 2013 ما يأتي: دفع أمير عربي لم يعلن عن اسمه نصف مليون دولار في مقابل الجلوس مع نجمة سلسلة أفلام " Twilight" كريستين ستيوارت لمدة 15 دقيقة فقط. ووافقت ستيوارت على هذا العرض المغري من أجل جمع التبرعات لضحايا إعصار ساندي الذي تضررت منه العديد من الأسر الأمريكية. وكشف هارفي وينستين عن تفاصيل الاتفاق أثناء تواجده في مهرجان "تورونتو" للترويج لحفله " 12.12.12 " الذي من المقرر أن تذهب أرباحه لضحايا الإعصار. قارن بين الضميرين!!
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراقيون..وكراهة الحاكم - تحليل سيكوبولتك
-
روح فهمه للديج!
-
كيد النساء..و..جواد سليم
-
الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات
-
ثقافة نفسية(90):تفسير الألوان
-
العراق..بلد مخبول!
-
الشاعر حين يكون عبقريا..وسلطويا!.عبد الرزاق عبد الواحد أنموذ
...
-
زواج القاصرات ..في الزمن الديمقراطي!
-
الأخوان..بعد واقعة 15 آب - تحليل سيكوبولتك
-
الموسيقى..في الزمن الديمقراطي!
-
ثقافة نفسية (85): الاعجاب.. حين يكون مرضا نفسيا
-
ايها المصريون..العالم يحيكم!
-
بين امراض الاسلام السياسي واخطاء العلمانيين..أين الحل؟
-
لماذا حقق المصريون ما عجز عنه العراقيون؟
-
علي الوردي..الساخر الفكه
-
لماذا نجح المصريون في تحقيق ما عجز عنه العراقيون-تحليل سيكوب
...
-
ثقافة نفسية(82):المرأة..والضغوط النفسية
-
سيكولوجيا المنطقة الخضراء!
-
ثقافة تربوية(81):الامتحانات بين قلق الأبناء وحرص الآباء
-
مبادرة أكاديمية لحلّ الأزمة العراقية
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|