أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشيد المغربي - زعزعة عقيدة مسلم والأمن الروحي للمغاربة















المزيد.....

زعزعة عقيدة مسلم والأمن الروحي للمغاربة


رشيد المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 4218 - 2013 / 9 / 17 - 20:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تخيل لو قرأت خبرا عن اعتقال شخص مسلم في فرنسا بتهمة زعزعة عقيدة مسيحي، سيكون الخبر نكتة مضحكة تثير سخرية الكتاب والمعلقين، لكن في أوطاننا التي لازالت تعيش متأخرة بقرون يبدو الأمر عاديا أن يتم اعتقال شخص بتهمة زعزعة عقيدة مسلم، بل يوجد فصل في القانون الجنائي المغربي وهو الفصل 220 يقول: "ويعاقب بنفس العقوبة (الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة 100 درهم إلى 500 درهم) من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أوالمياتم.." وهذا الفصل عادة ما يتم لي عنقه وتوسيعه ليشمل حالات لا تدخل فيه على الإطلاق مثل حالة المسيحي المغربي محمد البلدي الذي تم اعتقاله يوم 28 غشت والحكم عليه بموجب هذا الفصل يوم الاثنين 2 شتنبر بسنتين حبسا و5000 درهم غرامة. فالشاب البالغ 34 من عمره لم يمارس الإغراء ولا استغلال أي مؤسسات للتبشير بل كان مؤمنا مسيحيا لديه مطبوعات مسيحية في بيته تم حجزها لتأكيد التهمة وهو شيء يدعو للاستغراب فهل غريب أن نجد مطبوعات مسيحية في بيت شخص مسيحي؟ ولنفترض جدلا أن هذه المطبوعات كانت للتوزيع هل الفصل 220 يتحدث عن توزيع المطبوعات أم عن استخدام الإغراء واستغلال الضعف؟ كمسيحي مغربي أدين بشدة هذا الاعتداء الغاشم والاستخدام التعسفي للقانون لقمع حرية العقيدة في المغرب، فالحكم الصادر في حق محمد البلدي هو حكم سببه اعتناقه المسيحية لا أقل ولا أكثر، وقد اتصلت بعائلته التي أكدت لي أن رجال الدرك وحتى رجال القضاء في المحكمة قد ساوموه على إيمانه المسيحي بأن يتخلى عنه مقابل إطلاق سراحه، ولكنه بقي مصرا على أنه مسيحي رغم إلحاح عائلته التي طلبت منه أن ينكر إيمانه ولو بالظاهر فقط ويبقيه في الخفاء حفاظا على مستقبله ولكنه كان يمتلك الشجاعة الكافية ليقول لهم أنه مسيحي وأنه متمسك بإيمانه المسيحي ومستعد للتضحية من أجله. مما دفع بالقاضي إلى معاقبته على هذا الإصرار بحكم عقوبة الحبس سنتين ونصف من أجل جرم تغيير الدين! في حين أن المغرب من الدول التي أمضت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص صراحة على أن من حق أي شخص أن يعتنق الدين الذي يشاء ويغيره، ويدعو إليه ويمارس شعائره (وهذا الحق يضم حقه امتلاك مطبوعات دينية) حيث تقول المادة 18 "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة." فامتلاك المطبوعات سرا أو جماعة وممارسة الشعائر المسيحية حق شخصي تكفله المواثيق الدولية وليس من حق أي كائن كان أن يحجر على المغاربة حقهم هذا بدعوى الأمن الروحي أو بدعوى زعزعة عقيدة مسلم.

هنا أقف وقفة تساؤل أمام الفصل 220 من القانون الجنائي فصياغته صياغة متناقضة في داخلها ومخالفة للمواثيق الدولية كليا في ظاهرها أما التناقض داخلها فهو يعود للمصطلحات المستخدمة فالعقيدة شيء قلبي والإيمان بها في القلب ولا يمكن زعزعته إلا بشيء له علاقة بالإقناع، قد ينكر الشخص إيمانه ويقول شيئا مخالفا لما في قلبه تحت الإكراه لكن هذا لا يغير ما في قلبه مثلما حصل في الإسلام نفسه حين أنكر عمار بن ياسر إسلامه بلسانه ولكنه بقي مسلما في داخله، ويعتقد علماء الإسلام أن قصته هي سبب نزول آية سورة النحل "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" (النحل 106) وبالتالي ربط زعزعة العقيدة بالإغراء أمر متناقض إذ كيف يغير المال اعتقاد شخص والاعتقاد أمرداخلي لا خارجي؟ أما بالنسبة لتناقض هذا الفصل مع المواثيق الدولية فتوضيحه يكون بضرب هذا المثل: هل لو ساعد شخص مسلم فقيرا في فرنسا وقدم له في المسجد المأكل والمشرب رأفة به واعتنق هذا الشخص الإسلام تأثرا برحمة هذا الشخص يحق لفرنسا أن تعتقل هذا الشخص لأنه استخدم الإغراء واستغل حاجة الشخص للأكل لاستمالته للإسلام؟ طبعا لو اعتقلته فرنسا سيعتبر ذلك مخالفا للمواثيق الدولية، لكن اقلب المثل وضع بدل الشخص المسلم شخصا مسيحيا في المغرب، تحت هذا الفصل يمكن اتهام أي مسيحي بالإغراء لزعزعة عقيدة مسلم حتى لو كان هذا المسيحي يحسن للناس رحمة بهم لا طمعا في إيمانهم بالمسيحية أو تحويلهم، وبالتالي فهو قانون تعسفي يظلم المسيحيين ولا يحميهم. فوق هذا كله هذا القانون يجرم استخدام المال لإغراء الناس واستغلال ضعفهم أو حاجتهم وبالتالي هو يجرم ضمنا مسألة المؤلفة قلوبهم والتي هي جزء لا يتجزأ من الإسلام، فالإسلام أجاز استخدام المال لاستمالة الناس وإغرائهم بدخوله: حيث يقول القرآن "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ" (التوبة 60) فالصدقات تعطى للناس لاستمالة قلوبهم للدخول في الإسلام وهو ما يسمى "تأليف القلوب" ، وقد عرف الشيخ ابن باز المؤلفة قلوبهم بقوله "أما المؤلفة قلوبهم فهم الذين يضعف إيمانهم ، فيعطون ما يقوي إيمانهم ، من رؤساء العشائر ، وسادات الناس ، أو كفار يرجى إسلامهم" (موقع ابن باز) إذن المؤلفة قلوبهم هم أناس يتم إغراؤهم بالمال ليصيروا مسلمين أو ليبقوا مسلمين، وقد قام نبي الإسلام بإعطاء بعض الشخصيات من مال المسلمين لكي يحولهم للإسلام مثل: صفوان بن أمية و أبو سفيان بن حرب. فلماذا يجرم القانون المغربي فعلا هو من الأسس التي قام عليها الإسلام؟ أم أنه حلال على المسلمين استمالة الناس بالمال وحرام على غيرهم فعل ذلك؟ وهنا لا أقول أن المسيحيين يقومون بذلك أنا فقط أتساءل عن التناقض الذي وقع فيه المشرع المغربي. واليوم في كل البلدان الغربية يتم إعطاء امتيازات لمن يعتقنون الإسلام فمنهم من يعطى زوجة ومنهم من يعطى تذكرة للحج مجانا ومنهم من يتم تعليمه في المملكة العربية السعودية مجانا أو يتم صرف مكافآت لهم أو يتم تعيينهم في وظائف دينية بمرتبات دائمة ومع ذلك لم يُعتقل أي مسلم بتهمة زعزعة عقيدة مسيحيين عن طريق الإغراء واستغلال المال في سبيل ذلك، لأنه من حق الناس أن يغيروا أفكارهم ومعتقداتهم ويعتنقوا ما شاؤوا مهما كانت أسبابهم ومبرراتهم ولا دخل للدولة في ذلك، فالأمر قرار شخصي بين الإنسان وخالقه وهو وحده سيحاسب على هذا القرار.

أما النقطة الأخرى في هذا المقال فهي تتعلق بمصطلح الأمن الروحي الذي يحاول الترويج له بعض المتلاعبين بالكلمات لكي يتجنبوا مواجهة مسألة حرية العقيدة، ما معنى الأمن الروحي للمغاربة؟ إنه ببساطة شديدة الحجر الفكري والعقائدي على عقول المغاربة لكي لا يتأثروا بأفكار أخرى غير الإسلام في مذهبه المالكي، يعني انعدام حرية التفكير والعقيدة، مصطلح الأمن الروحي مصطلح مضحك لا يستخدمه إلا المغاربة للضحك علينا وكأننا نعيش في كوكب آخر، هل يستطيع أي بلد من البلدان المتقدمة أن يعتقل شخصا ما بحجة الأمن الروحي لبلده؟ وحدها السلطات المغربية تستطيع القيام بذلك ثم يأتي المتاجرون بالكلام ليتلاعبوا بالمصطلحات بادعاءات كاذبة أن المغرب يحترم حرية الفكر والعقيدة ولكنه يريد الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة! ما رأيكم أن نخترع مصطلحات مشابهة له: قمع الصحافة بحجة الأمن الإخباري للمغاربة، وقطع الأنترنت بحجة الأمن المعلوماتي للمغاربة..وهكذا؟ إنها الرجعية والتخلف يختبئان خلف مصطلحات لا وجود لها عند المفكرين في العالم الحر لكن يوجد من يدافع عنها في بلداننا التي عودتنا القمع من البيت والمدرسة إلى الحكومة، فالحكومة تريد أن تكون وصية على أفكارنا ومعتقداتنا وهي من تختار لنا الدين وحتى المذهب داخل هذا الدين، وتحجب عنا ما عداه وتعاقب من كلمنا عن غيره بحجة أنها تحمي أمننا الروحي، ألا ينفجر المرء ضاحكا من كثرة الألم حين يرى الناس يُنهبون في واضحة النهار من قطاع الطرق والسرقة والاغتصاب وكثرة الجرائم بينما الشرطة والداخلية والمخابرات مشغولون بما يزعمون أنه أمننا الروحي؟ بل حتى النيابة العامة والمحكمة أيضا مشغولان بأمننا الروحي! أمنوا أجسادنا وممتلكاتنا قبل أن تؤمنوا أرواحنا.

هل من يعتنق المسيحية يهدد أمننا الروحي؟ أخبروني كيف؟ هل حين يذهب المهاجرون المغاربة للبلدان الأروبية وأمريكا وكندا وأستراليا ولا تكون هناك حكومة مغربية تؤمن أرواحهم تجدهم يرتعدون من الإرهاب الروحي والفكري؟ هل ياترى المغاربة الذين يموتون في قوارب الموت يهربون من الأمن الروحي إلى أماكن انعدام هذا الأمن الروحي؟ لا تضحكوا على الشباب فهو يقرأ ويقارن ويفكر ويحتقركم كلما رأى كيف تلعبون بأفكاره بحجة حماية أمنه الروحي.

أخيرا أتساءل: لماذا لا يعاقب القانون المغربي من يتهم اليهود بتحريف كتابهم بتهمة زعزعة عقيدة اليهود المغاربة؟ لماذا لا يعاقب القانون المغربي من يتهم المسيحيين بأنهم كفار بتهمة زعزعة عقيدة المسيحيين المغاربة؟ لماذا لا تحافظ الحكومة على الأمن الروحي لليهود المغاربة ممن ينعثوهم بأنهم إخوة القردة والخنازير وأنهم يعبدون عزيرا وجعلوه ابن الله؟ لماذا لا تحافظ الحكومة المغربية على الأمن الروحي للمقيمين المسيحيين على أراضيها أو الزائرين وخطب الجمعة تنادي في المساجد: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم؟ هل وحدهم المسلمون يحتاجون لمن يحافظ على أمنهم الروحي؟ إذا كان الأمن الروحي ضمن مسؤوليات الحكومة فعليها أن تضمن الأمن الروحي لكل من يوجد على أراضيها لا أن تحافظ على أمن البعض وتترك البعض الآخر عرضة للإرهاب الروحي.



#رشيد_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرائة في مقال -ماذا تبقى من قياديي حركة 20 فبراير؟- لجريدة ا ...
- المسيحيون المغاربة وشهر رمضان
- هل يجوز الاستهزاء بالأديان؟


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشيد المغربي - زعزعة عقيدة مسلم والأمن الروحي للمغاربة