|
الأمـــازيغية والمقاربــات الثـــلاث
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 1205 - 2005 / 5 / 22 - 11:42
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تتصارع داخل الساحة السياسية مقاربات متعددة حول مسالة التعامل مع الأمازيغية، مقاربات تختلف في منطلقاتها وأيضا في الأهداف المتوخاة منها، ويمكن اختزالها في ثلاثة اتجاهات: الأولى تعددية والثانية أحادية والأخيرة مقاربة دولتية. وسنحاول في الورقة التالية الوقوف على مميزات وخاصيات كل مقاربة على حدة وكذا على استراتيجية ونوعية الوسائل الإجرائية للوصول إلى تحقيق الأهداف المرسومة.
ـ المقاربة التعددية: تتأسس المقاربة التعددية على التنوع الثقافي والتعدد اللغوي، وهي مقاربة تتسم بالتعايش بين مختلف الثقافات وخصوصا منها تلك المتواجدة داخل الساحة الوطنية على شكل مواثيق أو تعاقدات متفاوض في شأنها تسمح للجميع بالتواجد في إطار محدد مطبوع بالضوابط التي تؤطره. وتقدم المقاربة التعددية سياسيا على أساس بناء دولة ديمقراطية متعددة الثقافات، تتميز بوجود آليات قانونية ومؤسساتية لتدبير التعددية الثقافية واللغوية. وتحرص الأجهزة الإيديولوجية للدولة من إعلام ومدرسة وغير ذلك على تمثيل مختلف الثقافات المتواجدة داخل المجتمع. فالأمازيغية هي جزء من الثقافة الوطنية في تفاعل مع الثقافات الأجنبية، والتنوع هو مصدر غنى المجتمع وعامل تقوية للنسيج الاجتماعي والسياسي. وتتميز هذه المقاربة بوجود لغات وطنية وأخرى رسمية في تعايش وتكامل بينهما ضمن نظام فيدرالي أو ما شابهه من الأنظمة التي تقر بـ"الجهوية الديمقراطية"، حيث تميز الوثيقة الدستورية بين اللغة الواحدة أو اللغات الرسمية واللغة أو اللغات الوطنية، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال كسويسرا وبلجيكا وكندا. وتبقى مسألة الأبجدية الرسمية لكتابة الأمازيغية موضوع اختيار يتم الحسم فيه ضمن تعاقد اجتماعي، فهناك الخيار الهوياتي المتجسد في حرف تيفيناغ الذي يرمز إلى تجذر الهوية الأمازيغية وعمق حضارتها في بلاد "تامزغا" وإلى استقلالية شخصيتها لكونه يشكل الحرف الطبيعي للأمازيغية.. أما الخيار الاستراتيجي فيجسده الحرف اللاتيني بوصفه حرفا كونيا، يستعمل في كل بقاع العالم، لكونه مرتبطا بالعلوم والتكنولوجيا المتطورة.. فتبني هذا الحرف قد يعود بالايجاب على الأمازيغية باعتباره سيسهل عليها مأمورية اقتحام عالم وسائل الاتصال المتقدمة (الانترنيت..) والتواصل والتفاعل أكثر مع الحضارة الغربية.. فالأمازيغية هي مسألة ثقافية وليست سياسية صرفة رغم الجدلية القائمة بين الاثنين أي الثقافي والسياسي، ينحصر الدفاع عنها في تنظيمات المجتمع المدني في شقه المهتم بالحقوق الثقافية واللغوية، كما ينظر إلى الهوية، حسب هذه المقاربة، على أنها هوية ذات أبعاد متعددة تتعايش في ما بينها.
ـ المقاربة الأحادية: تقوم المقاربة الأحادية على أسس اقصائية اتجاه الآخر أي غير ديمقراطية في منطلقاتها وأهدافها، تسعى إلى تكريس سيادة ثقافة أحادية الجانب وإبراز نموذج مجتمعي معين يتسم بصفاء ثقافته وسمو لغته واطلاقية هويته كما هو الحال بالنسبة إلى "القومية العربية" أو مثيلتها "القومية الأمازيغية" أو "دولة الخلافة"، فهي إذن مقاربة غير ديمقراطية لأنها تقوم في أسسها على تغليب ثقافة على أخرى.. أما على المستوى الثقافي واللغوي فينظر إلى الاختلاف كعامل يساهم في إضعاف الوحدة، لأنه في منظور هذه المقاربة إما نتاج الثقافة الكولونيالية يجر وراءه رواسب تقف ضد استقلال وتحرر المجتمع.. أو أنه مؤامرة أجنبية تستهدف زعزعة أركان وحدة المجتمع.. فـ"القومية العربية" تقوم على ثقافة ولغة واحدة، تتسم بسمو اللغة العربية على اعتبار أنها أداة للتواصل بين مختلف الأقطار الساعية إلى تحقيق الوحدة العربية أي أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، كما أن الثقافة العربية الإسلامية هي منطلق المشروع القومي العروبي الذي يلعب فيه الدين الإسلامي دورا رياديا مقارنة بباقي الديانات (المسيحية واليهودية) المتواجدة داخل هذه الأقطار. فالتعريب هو إحدى الوسائل الأساسية لترسيخ هذه الثقافة العروبية عبر الأجهزة الإيديولوجية للدولة. أما "القومية الأمازيغية" فنجدها تتسم هي الأخرى بسمو اللغة الأمازيغية على اعتبار أنها لغة وطنية لكون الأمازيغ هم السكان الأولون لمنطقة شمال إفريقيا، في حين أن باقي اللغات هي دخيلة جاءت إما نتاج الفتح الإسلامي أو توسع الاستعمار.. والهوية هي صافية صفاء خالصا. إن الأمازيغية، حسب هذه المقاربة، هي قضية سياسية بالدرجة الأولى، حرفها الطبيعي هو تيفيناغ، وتحبذ أغلبية الفاعلين كتابتها بالحرف اللاتيني لكونه حرفا كونيا. أما مشروع الأمازيغ فهو تحقيق "قومية أمازيغية" تعيد لايمازيغن أمجادهم التاريخية وبطولات مماليكهم الشهيرة في وطن "تامزغا" الممتد جغرافيا من نهر سيوا بمصر إلى الطوارق والنيجر، بمعنى أن لها مصطلحات رديفة لـ"القومية العربية". وتتحدث الأشكال النضالية لتحقيق هذا المشروع محليا في حركات وتنسيقات جهوية ووطنية، ودوليا في الكونغريس العالمي الأمازيغي كإطار يجمع أمازيغيي شمال إفريقيا ودول الشتات. نفس الأمر نجده حاضرا لدى أصحاب مشروع "الدولة الإسلامية" الذين نجدهم يتقاطعون بشكل كبير مع دعاة "القومية العربية"، ذلك أن العربية هي لغة فوق جميع اللغات نظرا لقدسيتها، فهي لغة القرآن ولغة الجنة، ومن ثم وجب اعتماد حرفها لكتابة الأمازيغية، في حالة الاعتراف بهذه الأخيرة، خدمة للثقافة الإسلامية أي أن تبقى تحت وصاية العقل العربي الإسلامي مع العلم بأن النص القرآني لا يتعارض مع التعدد الثقافي واللغوي، إذ إن هناك آيات قرآنية تشير بشكل إيجابي إلى هذا التعدد. وينظر إلى الأمازيغية ـ حسب أصحاب هذا المشروع ـ كثقافة ترمز إلى عهد الوثنية..، كما يرمز إليها البعض الآخر بـ"الظهير البربري" أي التسمية التي أعطتها نخبة الحركة الوطنية لظهير16 مـاي 1930، يتم الدفاع عنها اليوم للتعبير عن الفكر العلماني على اعتبار أنها مدخل لإقامة مجتمع علماني.. وتتشكل الهوية من ثنائية الإسلام والعروبة، أما المشروع المجتمعي المنشود فيتمثل في بناء "أمة إسلامية" والتي تتعدد أشكال ترجمتها على أرض الواقع..
ـ المقاربة الدولتية: تقوم المقاربة الدولتية على المنظور الرسمي في التعامل مع المسألة الأمازيغية، كثقافة في تفاعل مع باقي الثقافات الوطنية الأخرى وخاصة العربية. وتعمل الدولة حسب هذه المقاربة على إيجاد آليات لتدبير مسألة التعددية الثقافية واللغوية وفق المنظور الذي رسم للأمازيغية. ويمكن أن نسوق في هذا الباب نموذج المغرب والجزائر في تعاملهما مع الأمازيغية على اعتبار أن ظروف إحداث كل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب والمفوضية السامية للأمازيغية بالجارة الجزائر كانت متشابهة إلى حد ما. فالأول اعترف بها لفظيا في خطابي العرش وأجدير عام 2001 دون أن تجد لها بعد مكانا في النص الدستور، وأحدث في هذا الإطار منشأة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية طبقا لمرجعية الفصل التاسع عشر من الدستور كآلية لتدبيرها(أي الثقافة الأمازيغية)، ورسم لها الملك محمد السادس هيكلة خاصة بها، إذ عين داخلها ـ إلى جانب بعض الوجوه الفاعلة في الحقل الأمازيغي ـ ممثلين عن بعض القطاعات الحكومية (الداخلية، التعليم..). وقد حدد خطاب الملك بمناسبة وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وظائف هذه المنشأة في الحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها، وتعزيز مكانتها في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني الذي من شأنه أن يعطيها دفعة جديدة كتراث وطني يعد مبعث اعتزاز لكل المغاربة. وتتسم منشأة المعهد بعدم تمتعها بالاستقلال المالي والإداري، كما أن قرارات مجلسها الإداري ترفع إلى الملك للحسم فيها على اعتبار أن مجلسها يتسم بطابعه الاستشاري، يشتغل أهلها إلى جانب الملك في معالجة القضايا المرتبطة بالأمازيغية. أما الثاني فقد أحدث، عام 1995 وفق مرسوم رئاسي زمن حكم الجنرال لمين زروال، المفوضية السامية للأمازيغية بالجزائر التي عرفت تمثيلية مجموعة من الفعاليات الأمازيغية وعلى رأسها آيت عمران محمد.. وقد حدد دور هذه المفوضية في إحياء وتطوير الأمازيغية بشكل علمي يجعلها قادرة على الانضمام إلى محفل اللغات العالمية.. وقد جاء إنشاؤها ـ كما هو معلوم ـ بعد الأحداث الشهيرة التي عاشتها الجارة الجزائر في بداية التسعينات والتي كان أبرزها "إضراب المحافظ"..، لكن هذه المقاربة سرعان ما أظهرت محدوديتها لكون مطالب وانتظارات أمازيغيي الجزائر لم تصمد أمام مسكنات حكام الجزائر. إن السمة الأساسية لهذه المقاربة هي تحكم الدولة في عملية تدبير التعدد الثقافي واللغوي من خلال آليات قانونية ومؤسساتية تضعها وفق توجهاتها.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنامي الأصوات السياسية والمدنية المطالبة بالإصلاحات الدستوري
...
-
الباحث أحمد عصيد، يعرض تصوره حول مسألة ترسيم الأمازيغية في ا
...
-
محمد حنداين، نائب رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، يشرح أسبا
...
-
نص رسالة الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة إلى عميد المعهد ا
...
-
مومن علي الصافي، عضو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يتحدث
...
-
أحمد أرحموش، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، يعلق عل
...
-
أحمد الخر، ناطق رسمي باسم جمعيات أولياء ضحايا القمع بمخيمات
...
-
عليا المرابط يعود من جديد إلى الواجهة السياسية وصورة المغرب
...
-
هل ينجح البوليساريو في فتح جبهة موالية له داخل المغرب؟
-
ملاحظات حول الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
-
العلمانية الحل الأمثل لمواجهة الاستغلال السياسي للدين
-
إدريس البصري، وزير داخلية الحسن الثاني، يشرح معاناته من أجل
...
-
-عسكريون يتربعون على -مملكة البحر
-
الحركة الأمازيغية والمسألة الهوياتية بالمغرب
-
سؤال الإدماج والإقصاء داخل النظام السياسي بالمغرب
-
هل يعـرف المغرب حربا حول الهوية؟
-
الملك محمد السادس يعين ياسين المنصوري على رأس جهاز المخابرات
...
-
حميدو العنيكري يضع هيكلة جديدة للإدارة العامة للأمن الوطني
-
العائلـــة الحركيـــة الحليف الدائم للمخزن
-
المطالبون بالإصلاحات السياسية بالمغرب ينتظرون دستور محمد الس
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|