نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1205 - 2005 / 5 / 22 - 11:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن نمارس الأستذة والفذلكة والجهبذة ونقول,ومايدركه الصغار أحيانا, أن للإعلام رسالة ,ومهمة,وبُعد سايكولوجي عميق ,وغير مرئي يشارك في صياغته علماء كبار في النفس البشرية هدفه قولبة الرأي العام وفق تصور موجود سلفا لاستثماره في المعارك السياسية الحامية الوطيس ,هذه الأيام, على غير صعيد ,وفي أكثر من مكان .ولا يخطئن أحد الظن أن الإعلام الغربي, ومهما قيل عن هامش حريته الواسعة,واستقلاليته الكبيرة يخرج عن هذا المعيار والميزان والإطار,ولايستخدم في أيدي الساسة وصناع القرار.ومن هنا أيضا, كان الخبر الأساس والرئيس الذي يريد هذا الإعلام أن يوصله هو الخبر الأخير, لأنه الخبر الأكثر بقاء وثباتا في ذهن الإنسان, ,بعد أن يكون قد أرهق ,ونسي ما جاء بالرا في نشرة الأخبار, وهذه واحدة من ألاعيب الإعلام المهني والذكي. لذلك,أيضا ودائما, كانت الناس تقاطع نشرات الأخبار فور ظهور صور الجنرالات المرعبين كخبر رئيسي وهام ,وتقاطع كليا هذه المعلقات المخيفة الصماء,والذي كان حريا بهم البدء بخبر فيه تلطيف للجو ,وإغراء للمشاهد بالبقاء مسمرا أمام شاشات التلفاز.ولذلك حين نشرت صحيفة الصنTHE SUN اللندنية واسعة الانتشار,وهي بالمناسبة من الصحف الصفراء, صور صدام حسين وهو شبه عار كانت بالتأكيد تريد توصيل رسالة هامة ,ذات أبعاد مختلفة ,سربت عمدا ,ولا تغرنكم دهشة كوندي السمراء,ولا استنكار جورج بوش,أو نفي دونالد رامسفيلد ثعلب البنتاغون المكّار,فلا ينتظر أحد نتائج التحقيق الذب فتحه الجيش الأمريكي, أو كلام رمسفيلد الذي صدع الرؤوس مع أسياده في الكلام عن خرق معاهدة جنيف,التي لم يبق فيها مكان لثقب واحد من كثرة الخروقات,طالما أن الذباب الأزرق لا يستطيع اختراق السجن الموجود فيه صدام والخروج بما يحلو له من الصور و"البوزات".تماما كما كان خبر تدنيس القرآن الكريم, الذي سحبته نيوزويك فيما بعد, هو لتوصيل رسالة نفسية بالدرجة الأولى تمهيدا لتلقي أي صدمات عقائدية ,ووجدانية تمس جوهر التفكير في هذه المنطقة المسكونة بالميثيولوجيا ,وقصص الغيب,وذلك على دفعات تمهيدا لتعويم كل المقدسات,والانقضاض عليها مرة واحدة في نهاية المطاف.
إن البحث عن الإثارة والربح هو عنصر في هذه القضية,ولكن لابد من التسجيل هنا أن عنصر المفاجأة في الموضوع مفقود تماما طالما أن الأقمار الصناعية تستطيع أن تصور كل شيء في أي مكان وزمان,واستطاعت – مصادفة – تصوير عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق المرحوم رفيق الحريري ,وتستطيع أن تتجسس على مكالمات الزعماء ,والدخول إلى غرف نوم المشهورين ومخادع أصحاب الشأن المقفلة السرية العزلاء.وتأتي هذه الصور في هذا السياق والمنظور,وليس من المستغرب أبدا وجود صور أكثر سخونة وحرارة من هذه التي تبدو محتشمة ومحافظة أمام تلك المحفوظة لمناسبات قد تكون أشد إثارة.
لاشك, كانت الصور محزنة ,ومزرية, ومحرجة بآن لرجل هوى من عل ,مخطئا في كل الحسابات,وبغض النظر عما قام به من تجاوزات كبرى ,ولن نمارس التشفي والغل – لا سمح الله- وهذه ليس من عادات الكرام, ضد أي مخلوق بائس كان ضحية لتصورات وعقائد عفا عليها الزمان ,ولم يتمكن من تجاوز أفكار الطفولة السياسية ,أوتحري الوعي ومسار الرأي العام,ولذلك كان لابد للكارثة أن تقع.ومن غير المناسب إطلاقا توجيه الإهانات الشخصية ,والتحقير والازدراء لأي كان,والكلمة الفصل في النهاية هي للقضاء العادل, الذي يعطي كل ذي حق حقه ,بعيدا عن التهويل,والشطط,والمهاترات,وهناك من الأدلة ,والوثائق,والشهادات الحية التي تدين الرجل آلاف المرات.ولكن الموضوع يتعلق بأبعاد أخرى ,ورسائل تبعث في أكثر من اتجاه لعل أهمها على الإطلاق أن لا حصانة أبدا لمن يخالف القياصرة الجدد ,وأن هؤلاء المحاطون بالأبهة والسطوة الصولجان ماهم في النهاية سوى بشر عاديون نحن نعزهم ونذلهم متى نشاء, وهذه هي حقيقتهم ,وحقيقة آخرين يختبؤون وراء مظاهر السلطات ,ولابد سيتذكر هؤلاء صور صدام هذه قبل الإتيان بأية حركة,لا سيما أنهم قد بدؤوا يتناسون مناظر صور سقوط التمثال بفعل تقادم الزمن ,ونعمة النسيان التي يتحلى بها الإنسان.وهذا في النهاية مصير كل من تسول له نفسه اللعب بالنار,أو حتى رش رذاذ الماء على الأمريكان ورميهم بالورد والريحان.ورسالة أخرى للمتلقي الغربي أننا نؤدي رسالة حضارية كبرى ,ولا تعتقدن أبدا أن هؤلاء الأجلاف,وإن كانوا زعماء, فهم في النهاية ليسوا مثل رجال الدولة العظام الذين تعرفهم وماتوا وهم بعزهم ,مرفوعي الرأس أمثال غاريبالدي,وبسمارك,وتشرشل ,وديغول ,وجورج واشنطون,وكتب التاريخ اسماءهم بأحرف من نار.والأهم من هذا كله ,أيها البريطاني,هذا هو سبب الحملات العسكرية والاجتياح,وجود أنواع مرعبة من هؤلاء الناس وصفته إحدى الصحف بأنه هتلر هذا الزمان.
وبعيدا عن تباكي من ركب موجة"حقوق الزعماء" المغرية والرابحة,وصاريتباكى ويتأسف على ما أصاب صدام من ضرر وجرح إنسانيته التي أفنى الرجل أعماره وهو ينتهكها,متناسين الملايين الذين يجترعون الذل والهوان يوميا. وبالنسبة لهذه الصور وتأثيراتها الآنية, التي قد تبدو غريبة بعض الشيء على المواطن المنكوب في هذه الأصقاع, الذي ماتعود أبدا أن يرى زعماءه الأبرار بهذه الوضعية التعيسة,ولا يعرفهم سوى من وراء الزجاج المصفح ,وسيارات الشبح ,والبذات الماريشالية المرصعة بالنياشين والأوسمة, ومحاطا بهالة من الصرامة والورع والتقوى والبطانات والقداسة التي وصلت حد عبادة الأصنام,وقد تذهله ,وتبهره هكذا صورللحظات.ولكن من الناحية المجازية البحتة ,فإن البورنو السياسي الذي شاهده هؤلاء "الغلابة"جعل من أفلام الإباحية الزرقاء مشاهد محافظة صارمة أمام تلك الخلاعة والانحلال السياسي الواضح ,ولهول ماشاهد في حياته التعيسة من سوءات,وفضائح, وعورات, وستربتيز سياسي كان يمار س كله على الملأ وفي وضح النهار,وصار جزءا من حياته اليومية التي يتابعها صباح مساء.والستربتيز Stripteaseهو أداء حركات مثيرة "تعذب" المشاهد, وتلوعه أثناء عملية خلع اللباس ,وإظهار المفاتن ,وفضح العورات. وإذا كان هذا يمارس في الملاهي في آخرة الليل ,فإن البورنو السياسي يمارسه الأعراب في رابعة النهار ,وعلى شاشات التلفاز,وفي مختلف وسائل الإعلام. فهم مكشوفون ومفضوحون ومعروفون للعيان ولم يبق هناك من ستر وغطاء,ولاحتى ورقة توت أو جوز أو رمان. وفي الحقيقة,فقد رأى الناس منهم أكثر بكثير مما نشرته صحيفة الصن الصفراء, وملّوا من متابعة كل هذه الصور والأفلام التي لم تعد تثير فضول أحدا على الإطلاق.فبين العورة والعورة هناك أكثر من عورة تخدش الحس الوطني العام ,وتسيء للحياء ومرهفي الإحساس, وتاريخ الأوطان بشكل عام .ولن تؤثر بهم أية صور ومهما كانت فاضحة ومهينة وشنعاء ,بعد أن "تمسحت" جلودهم وتعودوا على مناظر القرف والإسفاف.
ولقد صار البعض من نجوم البورنو السياسي الذين تتهافت عليهم العروض و"السيناريوهات" ومؤسسات الانتاج.وفي الحقيقة, لقد أبلى بعض من ساسة الأعراب بلاء حسنا في هذا المجال ,حتى انتقلت هوليوود وصارت كل "المسلسلات"تنتج,تسجل فيها لقطات مثيرة تنفجر لها الأدمغة في خلوات,ومنتجعات في قلب الصحراء بدون الحاجة للديكورات,وتكاليف الإنتاج باهظة الأثمان.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟