|
حذار من الهرة السوداء
رعد اطياف
الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 21:05
المحور:
المجتمع المدني
الحنين إلى الماضي مرض عضال، وقلما استطاع احدنا التخلّص منه ، والتخلّي عن تلك الحميمية التي يتركها في أعماقنا ، ونحن نسترجع شريط الذكريات ، ذلك المستودع المشحون بآلامنا وأفراحنا ، وطقوسنا السرية التي لم يطّلع عليها احد سوانا ، لكنّنا نندفع بشكلٍ لا أرادي لاسترجاع طفولتنا و ملاعب صبانا ، و خيالنا الذي لا يحده خطوط حمراء ، على الأقل في مراحلنا الأولى . أول ما استوطن خيالي الطفولي قصة الهّرة السوداء " أم سبعة أرواح " ، وكانت هذه القصة تمت بمباركة والدتي المسكينة ، التي كانت تلوّح لي كثيراً بأن هناك هرة سوداء كبيرة تمتلك سبعة أرواح ، تسرق الأطفال الأشقياء . ولا اخفي عليكم كم كنت خائفاً في نومي ، وأنا أستحضر هذه القصة ، التي شكّلت لوالدتي جرعة ناجحة لإجباري على النوم . كان الملاذ الوحيد لتبديد مخاوفي ذلك الحضن الدافئ ، ولمجرد إن أمرر انفي تحت فوطتها ، تنساب إلى روحي رائحة لم أألفها من قبل ، و أغفو على بحيرة من الصمت ، وبعدها فلتذهب كل هررة الكون السوداء إلى الجحيم . وهكذا ، أمي التي نسجت لي أسطورة الهرة " المتوارثة في ثقافتنا الشعبية " وحدها من تستطيع إسكات هذه المخاوف .. وهل هناك حضن غير حضنها يزلزل كل شياطين الكون ؟ ما علي إلا استنشاق هذه الرائحة الغريبة ، حتى تغدو الأشياء لحظة أبدية عصيّة عن الوصف . اليوم بعد بلغنا أشدنا وبلغنا مبلغ الرجال ، امتزجت مخيلتنا بآلاف الحكايا ، لكن من يخفّف وحشتنا وقلقنا ولحظات التيه التي تعترينا في كثير من الأحيان ؟ بعضهم يقول الرب ، بالتأكيد سيكون الرهان الأكبر لديهم في هذه اللحظات الصعبة ، و لكنّ هذا الإله كما تعلمون شديد العزة ، ويحتاج إلى وسطاء كثر وشفعاء محترفين للوصول إلى مرضاته ، و المؤسسة الدينية تحفل بهؤلاء الوسطاء المحترفين ، الذين خوّلوا نوابهم للعمل على راحة الخلق ، ونوابهم الأحزاب الدينية و السياسية المحترمة ، ستلعب دور الإله بحرفية هائلة ، وكما تعلمون أبرز هذه الأحزاب هي الإسلامية ، هناك حزب شيعي و أخر سني ، وبمقتضى التباين المذهبي ، سيكون الشعب متعدد الأمهات ، أم سنية ، وأخرى شيعية ، والسنة لهم قلقهم الخاص واغترابهم الخاص وتطلعاتهم الخاصة ، كذلك الشيعة . لكن يبدو إن أسطورة الهرة هي المرشح الوحيد في مثل هذه المعمعة ، ولأول مرة يتوحد المذهبان في اختيار أسطورتهم التي تسكت شقاوة أبنائهم ، وهانحن عدنا بخفي حنين لأسطورة الهرة السوداء ، لكن هذه المرة تتقمص الهرة روح واحدة لكلا الفريقين ( وهذا اتفاق أخر) . الأم السنية سترعب أبنائها الأشقياء بهرة شيعية سوداء ، قادمة من عمق التاريخ ، والقسوة والألم والحرمان والتنكيل والتهميش والقتل على الهوية ، هرة تحرق الأخضر واليابس ، فحذار من هذه القطة السوداء ! الويل لكم إن لم تنتخبونا ! وألام الشيعية دائماً ماتذكّر أبنائها بهرة سوداء ترتدي الطربوش الأحمر وشنب مفتول إلى الأعلى ، وفي بعض الأحيان ترتدي عمامة هارون الرشيد ، أو لباس معاوية ، وسيف صلاح الدين ، تفترس الغافلين والطيبين والمساكين ، وأنيابها بارزة بوضوح ، تفترس كل من يعتلي عرش السلطة . ويبقى الشعب مرعوباً من هاتين الهرتين إلى اجل غير مسمى ، أو حتى تضع الحرب – السنية الشيعية – أوزارها ، ويصل هذا الشعب لمرحلة الفطام المذهبي ، لتختفي هررنا السوداء إلى الأبد . شخصياً أنا مرعوب جداً ، وبودي الرجوع إلى هرتي " أم سبع أرواح" ، على الأقل لم تلوثها المذهبية القذرة ، صدرت من أم حنون ، أم أصيلة فقدت زوجها في سن الخامسة والعشرين ، على يد صدام، لكنها لم تلوث ذاكرتي بهرة مذهبية .
#رعد_اطياف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل أتاك حديث العراق؟!
-
الأخر وفق الرؤية الكونية
-
فلسفة البكاء!
-
العبور المقدس
-
تأملات هراتية
-
براءة الله
-
الكونية بين العقل والآيديولوجيا
المزيد.....
-
شاهد.. مسيّرة إسرائيلية تلقي قنابل على خيام النازحين بجباليا
...
-
محام مقدسي يروي للجزيرة نت ما شاهده على أجساد الأسرى
-
خطط ترامب لترحيل اللاجئين جماعيا.. تكلفة باهظة وصعوبات في ال
...
-
الأمم المتحدة تطالب بتسهيل دخول المساعدات لغزة
-
لجنة برلمانية تناقش «حق الحصول على المعلومة» مع ممثلي المجتم
...
-
السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام شخص تعزيرا وتكشف عن جري
...
-
إيطاليا ومحاولات إقناع أوروبا بالتطبيع مع الأسد.. كيف تنعكس
...
-
الأمم المتحدة: المشاهد شمال غزة -مروعة-
-
بشار الأسد: تأمين متطلبات العودة الآمنة للاجئين السوريين أول
...
-
فتح تحقيق في تعذيب جهاديين فرنسيين في العراق
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|