حياة حرّة من قيود الدين...[3]... تنوّع... تعدّد... وخصوصية

إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 19:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

حياة حرّة من قيود الدين...[3]
-----------------------------
●-;- تنوّع... تعدّد... وخصوصية
إنّ السؤال عن معنى الحياة يبرز خلال بداية مرحلة الرشد من حياتنا، ومنتصفها ونهايتها. خلال مرحلة مراهقتنا وفترة العشرينات من العمر، يكون سعينا خلف المعنى مصبوغاً بنوع من الإلحاح والضرورة لأنّنا _ولكي نعيش حياتنا_ علينا أن نعثر على عمل ذو معنى، أهداف ذات معنى، وعلاقات ذات معنى. بعد أن نتجاوز مرحلة الصبا والمراهقة وندخل عهد الرشد والبلوغ، حيث نكون قد خضنا تجربة تعدّد الخيارات وتنوّعها، عندها يجب أن نقوم بإعادة التقييم وأن نعيد النظر فيها ثمّ التغيير. أخيراً، وعند نهاية حياتنا، علينا النظر إلى الخلف، مع شعور بالرضى كما نأمل جميعاً، لنرى كيف قضينا حياتنا وكيف عشناها.
عندما نكون شباباً في مقتبل العمر، جميعنا نأمل بجواب سهل وبسيط على سؤالنا حول المعنى. نحن نريد معرفة معنى الحياة، نريد أن نكتشف واقعاً فريداُ ومحدّداً يجيب على جميع أسئلتنا. بعض الناس يظنّون أنّ الجواب يكمن في السعي خلف التجارب السارّة والممتعة. آخرون يعتقدون أنّه يكمن في السعادة والنشوة المغلّفتان بالحب الرومانسي. إلا أنّ هناك آخرون يعتقدون، بعد زمن طويل من عمليات التأمّل والتدريب الروحاني، أنّهم سيكتشفون واقع أو حقيقة جوهرية في النهاية. إنّهم يعتقدون أنّ وعيهم سيلتصق بهذا الواقع أو هذه الحقيقة بطريقة مميّزة حيث أنّها سترشدهم وتوجّه حياتهم بشكل كامل.
لطالما سحرتني وأدهشتني هذه النظرة الأخيرة. إلا أنّني بطبيعة الحال لم أعد أعتقد بإمكانية العثور على جواب سهل. علينا أن نواجه احتمال عدم وجود هدف أو معنى عام وشامل للحياة. فليس لمساعينا كلّنا هدف واحد. ويمكن لحياة أي شخص فينا أن تكون ذات معنى حتى من دون وجود معنى شامل وعام. فالحياة يمكن أن تكتسب معنى لها بطرق عديدة ومختلفة.
أولاً، ليس هناك هدف واحد معيّن _الحرية، تطوير الذات، السعادة، لذّة مشبعة، التحرّر من المعاناة والألم، نشوة صوفية تأمّلية_ يجب أن يكون هو الهدف المهم الوحيد. وبدلاً من ذلك قد نجد تنوّع كبير للمعاني، عدّة أهداف مهمّة وذات معنى دون الحاجة لأن يكون أحدها هو الجواب النهائي أو الهدف الأهم.
ثانياً، قد لا تكون هذه الأهداف ذات معنى أو مغزى لسبب معيّن ووحيد. بل إنّ الطرق والأساليب التي يقدّم فيها الأشخاص أو الأشياء أو الأحداث أسباباً لأهدافنا قد تكون متعدّدة ومتنوّعة بشكل هائل. بعض الأمور قد تكون جميلة، وبعضها قد يكون رائعاً. بعض الأشخاص قد يكونون محترمين ويستحقون الاحترام، وبعضهم قد يستحقّ حبّك و أن تقدّم حياتك من أجله.
ثالثاً، المعنى قد لا يكون عاماً، أي قد لا يكون هو نفسه بالنسبة لجميع الناس. فالمعنى الذي تراه أنت لحياتك قد لا يكون هو نفس المعنى الذي يراه صديقك لحياته. قد يكون المعنى خاصاً ومحدوداً للغاية، مزيج غريب من الأمور والأشياء المختلفة، وجميعها ذات قيمة كل منها بشكل مختلف عن الآخر، وكل واحدةً منها تناسب شخصاً معيناً دون غيره.
على الأرجح أنّ حقيقة عدم وجود جواب بسيط ومحدّد قبولها أسهل بالنسبة إلى البشر خلال منتصف حياتهم وأواخرها. فنحن نكون أقدر على احتمال _خلال هذه المراحل من حياتنا_ الفروق الدقيقة والتعقيد، كما أنّنا نكون أقل رومانسيةً وخيالية. فعلى عكس سنّ الصبا والشباب، حيث تكون قوّة الشباب واندفاعه في أوجها، قد يكون للعمر فائدة كبير بل أفضلية حتى في مسعانا المعاصر.
إنّ غابة الحياة تعرض أمامنا سبلاً عدّة. بعضها يقودنا لنقع في يد أعداء شرسين كالخوف من الموت الذي _إذا لم نقهره ونتغلّب عليه_ فإنّ سعينا لن يوصلنا إلا إلى اليأس والإحباط. سبل أخرى تقودنا إلى أصدقاء مزيفين، كالدين مثلاً، الذي يقدّم لنا أوهاماً نجد راحتنا وطمأنينتنا في حضنها، إلا أنّ هذه الأوهام قد تعيق رحلاتنا وتؤخّرها بشكلٍ دائم. كما أنّ هناك سبلاً تقودنا إلى الغواية، أجوبة بسيطة وناقصة، حيث أنّ مداهنتها وتملّقها قد يعمل على تأخيرنا لبعض الوقت. لذا علينا أن نتعلّم من السبل الأخيرة قدر الإمكان، وأن نحمل هذه المعرفة معنا عندما نغادرها. إنّ الخروج من هذه السبل ومغادرتها هو أمر حتمي ولا مناص منه، إلا أنّ هذه الأجوبة البسيطة وغير الكاملة هي قطع أو أجزاء من شيء أكبر، أكثر تنوّعاً، وأقرب إلى الحقيقة التي يقع أمر اكتشافها على كاهلنا نحن.

حياة حرة من قيود الدين [1]... المعنى من الحياة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=352301
حياة حرة من قيود الدين [2]... المعنى، السعادة، والحقيقة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=356940

#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات