أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم المطير - أنا أدعو المرأة للتحرر من الحجاب ..!















المزيد.....


أنا أدعو المرأة للتحرر من الحجاب ..!


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1205 - 2005 / 5 / 22 - 11:18
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


مسامير جاسم المطير 906
أحدهم من المسلمين المتدينين جدا يدعو لي أمام الله سبحانه وتعالى أن أموت سريعا وأن لا يشفيني سريعا من مرضي لأنني كرست نفسي وقلمي وحياتي كلها ، داخل السجون وخارجها ، للدفاع عن حقوق الإنسان وعن حقوق المرأة العراقية ولأنني لا أغمض عيني عن أفعال الأعداء وأخطاء الأصدقاء التي يرتكبها الناس من المسلمين وغيرهم باسم الإسلام فان الأحلام تراود هذا الإنسان بموتي كي ارحل عن الدنيا ويبقى هو وأمثاله يحمل وقار العقل حتى ولو كان لا يعرف من الإسلام شيئا غير ما يسمعه من بعض الجاهلين .. يا لللعنة فهم يسيئون إلى الإسلام ولا يعلمون .
كتبت المسامير رقم 901 وهي كما يعلم القراء الأذكياء شكل من أشكال الأدب الساخر الذي بدأته منذ عام 1973 وقد ثارت بعض الأقلام ذات الشكل "الإسلامي " من نوع (قلم أبو المساحة ) بالهجوم الحاد على ما كتبت من نقد مشروع بشأن البرلمانيات العراقيات المحجبات وغير المحجبات باعتباري مواطنا عراقيا أمارس النقد الموضوعي كحق حتى لو كان موجها لوجهاء ووجيهات البرلمان العراقي الجديد حالماً منذ الثلاثين من يناير 2005 أن يكون هذا البرلمان صوتا ديمقراطيا حقيقيا خلال 35 أسبوعا وهو عمره المتبقي وان يبتعد عن دائرة الثرثرة يكرس وقته لتوفير الخبز والضياء والدستور وان لا يلتهمه جمّ التشابك الطائفي وان تمارس المرأة البرلمانية ويمارس الرجل البرلمان دورهما ليس كظل روتيني باهت بين الخوف والكسل بل يمارسان دورهما في العمل البرلماني كعيون الفهد المتقدة ضد الإرهاب وضد درقيات الرشاوى والفساد في أجهزة الدولة كافة ، بينما الإرهابيون العفالقة يفعمون أنوفهم بدماء الضحايا المذبوحين بالسواطير من أبناء شعبنا كل يوم ثم ينزع المجرمون قناعهم في الشاشات الفضائية ( العراقية والفيحاء ) متحدثين بدم بارد عن اغتصاب مئات الفتيات ثم يذبحونهن بالسكين الحادة ويلقون أجسادهن في نهر دجلة بينما القتلة يتباهون بأن زوجاتهم وبناتهم محجبات وهم أنفسهم من حجاج بيت الله الحرام أو من أئمة المساجد أو أنهم يملكون " طريقة " دينية معينة ..!
احترمتُ جميع من كتب بدون نور وافر، لا نور الديمقراطية ولا نور الإسلام فأنا أصغي دائماً للرأي الآخر ليس ادعاء بل كثيراً ما غيرت مواقفي وآرائي كلما وجدت صوابا في الرأي الآخر الذي اجّله واقدره حين أجده موضوعيا وعلميا وعصريا .
غير أن ما كتبه بعض الأخوان في الأسبوع الماضي لم يكن موضوعيا ، فقد تجاهل الكتاب المحترمون – لا استثني أحدا - طبيعة المجتمع العراقي وطبيعة سلطة الأب والزوج على العائلة وطبيعة دعاة الإرهاب منذ بداية الثمانينات والحملة الإيمانية التي قادها صدام حسين ورهطه من المفسقة والفاسدين الذين أرادوا أن يفرضوا " شرفهم " على المجتمع العراقي على اعتبار أنهم من الأشراف النبلاء من آل المجيد وغيرهم ..! تماما مثلما أراد تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن إثبات خلافته الراشدة الخامسة على أفغانستان والعالم الإسلامي كله وانه وكيل الله على الكون الأرضي . أول دعواته كانت ليس فقد " تحجيب " المرأة بل تحويلها إلى سلعة بيتية للطبخ والتنظيف و " المتعة الجنسية " . صاحبَ كل هذه الدعوات في عراق صدام حسين وفي أفغانستان بن لادن استشراء موجات الإرهاب الدموي في العراق وأفغانستان ثم توسعت إلى العالم كله ابتداء من 11 سبتمبر حيث سادت " ثقافة العنف " لدى الكثير من الإسلاميين بديلا عن ثقافة التسامح والحرية والبناء والتعايش بين الأجناس والأديان والدول والأفكار والإيديولوجيات معارضين ومتعارضين مع كل ثقافة حضارية أنتجها العقل البشري في عصر العلم والتكنولوجيا وفي عصر السعي الطبي لإطالة عمر الإنسان وهو أجمل وأعظم ما خلقه الله من الكائنات .
وقد بدا واضحا أن مرض ثقافة العنف قد اتسع في العراق بعد سقوط صدام حسين – وليس نظامه وتنظيماته اللذين لم يسقطا بعد – والعنف هنا لا أقصده بالسيارات المفخخة وأعمال التخريب ونسف المنشآت النفطية وغيرها حسب، بل برزت أشكال من العنف المتعدد الإشكال . ففي داخل العائلة اتسع العنف بين الزوج والزوجة – يمكن الرجوع إلى المحاكم الشرعية لمعرفة نسبة زيادة حوادث الطلاق – وكذلك العنف المذهبي ويمكن معرفة ذلك من الصراعات المسلحة العديدة بين الأحزاب والقوى الإسلامية ذاتها وصارت كل جهة تدعي أنها تمثل الإسلام وحدها وتكفر الطرف الآخر حتى صار عندنا في الوقت الحاضر ألف دين إسلامي بدل الدين الواحد الذي دعا إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلّم . وقد جرى هذا بوضوح في مدينتين مقدستين عند الشيعة في كربلاء والنجف الاشرف مثلما جرى حول الكعبة المشرفة في السعودية ومثلما جرى في طهران ومدينة قم المقدسة ومثلما جرى داخل وخارج الجامع الأزهر ومثلما جرى في الجزائر المقدسة بدماء مليون شهيد . وغير ذلك مما يثار الآن من خلافات شديدة بين الأحزاب والقوى السنية والشيعية مما ينذر بخطر كبير يهدد وحدة المجتمع العراقي وسلامة مواطنيه . وقد أصبح المواطن العراقي ( اللامنتمي ) عاجزا عن معرفة من هو المسلم الحق ومن هو الحزب الإسلامي الحق ومن هي المرجعية الإسلامية الحق .
في نفس السياق صار الحجاب " إشكالية " كبرى تواجه المجتمع العراقي وهي لا تنجو من ثقافة العنف أيضا . ففي المنازل تشتد الإشكالية بين المرأة ورب العائلة الذي يريد أن يهيمن على أبنته وزوجته عن طريق " توظيف " مبادئ الدين الإسلامي – كما يفهمها هو - في قضية " فرض " الحجاب التي شملت حتى بعض النخب ليس قناعة بل خوفا من اعتبار المرأة السافرة كافرة خروجا على الدين ، وقد غدت الثقافة الدينية " احتكار "ا لدى فئة معينة من الناس المتدينين وبعض المتدينين خوفا وغيرهم من المتدينين كذبا .
في المدارس والجامعات ودوائر الدولة تم استخدام العنف الديني والمذهبي لإجبار النساء على الحجاب من دون رؤية دينية واضحة لموضوعة الحجاب التي بدأت بالآية القرآنية الكريمة (
"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" ) الآية 59 من سورة الأحزاب . فصار " المفسرون " يفسرونها كما يشاءون بينما الآية نفسها لا تحمل أي نص جبري كما هو واضح فيها ويتناسون عن عمد ختام الآية نفسها ( وكان الله غفورا رحيماً ) . وقد مورس الإرهاب اللادني نفسه في كثير من المدارس والجامعات ضد الفتيات كما مورس " العنف " في منتزه الأندلس بالبصرة مع طالبات كلية الهندسة حين مارست جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واضعة نفسها بوليسا إلهيا احتكاريا لا يخضع لقانون ..حاشا لله أن يكون لديه بوليس وهو الغفور الرحيم ..!
في كل الحوادث غاب " أدب الحوار " وأصبحت السكّينة الحادة هي الوسيلة" التعليمية " لكل فتاة أو امرأة ترفض الحجاب حتى ولو كانت صابئية أو مسيحية مما خلق في المجتمع العراقي حالة انحسار دور المثقف العراقي ودور المنظومة الفكرية والوجدانية الحرة في مناقشة قضية الحجاب كما يجري حاليا في كل بلدان العالم الغربية والشرقية .
صار من المستحيل على المثقف العراقي أن يتفاعل مع هذا الموضوع وصار أي إنسان عراقي غير قادر على الحوار والتعبير والمكاشفة حول موضوعة الحجاب لأنه سرعان ما يجري تكفيره وسرعان ما يواجه بالتهديد والوعيد والشتم بأقل الاحتمالات . هذا ما جرى معي في السنوات الأخيرة حين دافعت عن حقوق المرأة في السفور والحجاب رغم أنني أفضل السفور على الحجاب الذي يدعي البعض أن النصوص القرآنية – حسب تفسيراتهم - تجبر النساء على التحجب باعتباره فرضا دينيا مقدسا غير قابل للحوار عندما أثير الموضوع نفسه في فرنسا حين اتخذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك قراره بحظر الحجاب في المدارس والجامعات الفرنسية وقد كان شيخ الجامع الأزهر محمد سيد طنطاوي وهو رجل مسلم قد ( أيد حق فرنسا في تبني قانون منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية ) ولم يعارض شيخ الأزهر في تلك الفترة غير 16 نائبا من أعضاء مجلس النواب المصري.. وبكل الحالات لم يقطعوا رأسه ولم يختطفوا بنته - لا سمح الله -
في الأسبوع الأخير قرأت العديد من المقالات الهجومية – التهديدية ضد مقالة كتبتها حول البرلمانيات العراقيات المحجبات في الجمعية الوطنية العراقية اللاتي رأيتهن متمسكات بـ " ثقافة اللامبالاة " في مناقشات المجلس وسمحت لنفسي بتوجيه التبجيل للبرلمانيات النشيطات من المحجبات وغير المحجبات بينما انتقدت المحجبات الصامتات في مكان وجد أصلا للكلام والحوار وليس للصمت ، وممن يتمسكن بـاللامبالاة في وقت يدعي فيه الجميع أنهم يريدون بناء مجتمع مدني ..!! وقد أثار استغرابي أن جميع المقالات لم تناقش شريعة الحجاب بل أمتلات بالاتهامات الباطلة وبسوء فهم واضح وغريب لمحتوى مقالتي التي عجز الكتاب المتهجمون عن الحوار الحر المفتوح معها وعن الجدال بالتي هي أحسن كما دعا إلى ذلك القرآن الكريم .
مما أثار غرابتي أيضاً أن المهاجمين جميعا كانوا من المقيمين في الدول الغربية التي تتمتع فيها المرأة بحقوق كثيرة بما فيهن النساء المسلمات . لم يستطع أي أحد من المهاجمين أن يبرهن ولو بمقدار سنتمتر واحد عن أضرار " السفور " في المجتمع بما فيهن العراقيات غير المحجبات المقيمات في هذه الدول وهن بمئات الآلاف كما لم يتطرق أي احد من المهاجمين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في كردستان العراق التي تخلو إلى حد واسع من الإرهابيين والتكفيريين . كما أود الإشارة إلى حضوري في اجتماعات الجالية العراقية فأجد الكثرة من العراقيات السافرات يمارسن حياتهن الاعتيادية بكفاءة ومقدرة ويواصلن نضالهن من اجل نصرة وطنهن والدفاع عن شرف المواطنة العراقية وأغلبهن من المسلمات .
مع الأسف الشديد أن الذين هددوني او هاجموني أو شتموني لم يكتبوا خطاباتهم ومقالاتهم بروح فقهية دينية أو بمحاولة الاعتماد على نص قرآني بل مارسوا في كتاباتهم بفتوى واحدة (الحجاب فرض ملزم ومن له رأي آخر فهو كافر ) وفتاواهم بنظرهم نص مقدس ..! متناسين تماما ادعاءاتهم الحزبية والشخصية بدفاعهم عن حقوق الإنسان وعن حقوق المرأة ..! كما تناسوا عمدا أن كثيرا من الأحكام الواردة في القرآن قد توقف استخدامها منذ زمن بعيد ليس في العراق حسب بل في غالبية البلدان الإسلامية مثل قطع يد السارق وجلد الزانية وحتى عقوبة الإعدام ، لأن مثل هذه العقوبات أصبحت غير ملائمة لعصرنا الراهن وحتى المملكة العربية السعودية تخلت عن الكثير من هذه العقوبات الدينية . لم يعترض أي إسلامي فردا أو حزبا على وقف هذه العقوبات منذ تأسيس الدولة العراقية .
إن أهم ميزة لإنسان العصر الراهن هو البحث عن أفضل أساليب الحياة لتنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ومن واجب المسلم المتدين وغير المتدين السياسي وغير السياسي أن يبحث في أصول الدين الإسلامي وأخلاقياته وفقهه ليس عن عقد وتعقيدات الحياة الإنسانية كما لو كنا في عصر الجاهلية بل عن الحلول الصحيحة الملائمة للعصر الراهن التي تجعل الإنسان محبا لأخيه الإنسان وليسا في حالة اقتتال مما يخالف صراحة الدعوة المحمدية التي ترتكز أساسا على إنسانية الوظيفة الدينية الإسلامية وغيرها . ومن أولى تلك الارتكازات أن لا تتحول الأحزاب الإسلامية إلى أدوات قمعية أو إرهابية وان لا تتحول الشخصية الإسلامية إلى بوليس يحدد كما يشاء حدود المعتقدات والتعاليم الإسلامية واضعا نفسه فوق المجتمع وفوق القانون كما صرح بذلك علنا في الصحافة والتلفزيون احد قادة جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
من الأمور الإسلامية المهمة هي موضوعة حجاب المرأة في عصر صارت فيه المرأة عنصرا مهما إلى جانب الرجل في عملية البناء الاجتماعي والعلمي والاقتصادي والسياسي ، ولم تعد كما كانت طباخة في البيت وأداة لإنجاب الاطفال وتربيتهم وأداة للمتعة الجنسية .
السؤال هنا : لماذا يحجبون المرأة ..؟
يأتي الجواب في الحال لأن المرأة مثيرة للجنس ..
وبعضهم يقول أنها مصدرا من مصادر الفتنة .
بعضهم الأخر يقدم الكثير من الأحكام الأخرى .. لا أول لها ولا آخر . يبتدعون على راحتهم وتنفيسا لعقدهم الكثير من الأقوال ليبرروا ذكورتهم القضيبية بينما لا يحتاجون لأي تبريرات فقد خلق الله المرأة والرجل ليعملوا ويتحابوا ويتناكحوا وينجبوا أجيالا جديدة من الناس . غير أن بعضهم وهم ليسوا قلة يريدون بتفسيراتهم الخاصة أن يخلقوا دعوات وادعاءات خارج الشريعة الإسلامية الحق مجتهدين بالعنف البيتي والمجتمعي متعكزين على بعض الثنائيات القرآنية بصورة غير واعية وكأنهم وحدهم يفهمون ما جاء به القرآن الكريم .
عتبي في ختام هذه المقالة على المثقفين العراقيين الواعين سواء في داخل الوطن أو خارجه ممن يصمتون عن حقوق المرأة العراقية متجذرين في موقف الخوض في قضية من أعقد قضايا الحياة في المجتمعات الإسلامية . أود هنا تذكير مثقفينا بجرأة وعلمية الدكتورة التونسية رجاء بن سلامة مقتبساً بعض أفكارها الإنسانية عن الحجاب وقضيته وارتباطاته الفلسفية والدينية والاجتماعية والسياسية حين تقول في بحث أكاديمي أصيل :
دون الرّجل بتغطية رأسها وجسدها؟ أليست وجهة نظر الرّجل وموقعه كذات هما اللّذان يجعلان لماذا نطالب المرأة المرأة فحسب مصدر فتنة؟ أليس الرّجل فاتنا أيضا من وجهة نظر المرأة إذا عدّت المرأة ذاتا ناظرة والرّجل موضوعا منظورا إليه؟ ألا تقوم قصّة النّبيّ يوسف وقطع النّساء أياديهنّ بسبب جماله الباهر دليلا على أنّ الرّجل أيضا مصدر فتنة للنّساء؟ ثمّ أليست الفتنة أمرا لا مفرّ منه في العلاقات البشريّة، وإن سدّت كلّ الأبواب والمنافذ وأسدلت كلّ الحجب؟ بل أليست الفتنة أمرا ضروريّا وحياتيّا لكي يكون الشّوق ويكون الحبّ؟ ولكي تنفتح إمكانيّات الصّداقة بين الرّجل والمرأة، أي إمكانيّات تأجيل الرّغبة أو إفراغ العلاقة من الرّغبة؟ إذا كان الهدف من فرض الحجاب على المرأة هو إخلاء الفضاء العامّ من الرّغبة، ونشر نوع من الأخلاق الصّفويّة فيه، أفليس من شأن هذا المشروع أن يبوء بالفشل، بما أنّ حجاب المرأة يختزل المرأة في كونها أنثى، وتذكير الحجاب بأنّها ممنوعة محرّمة يؤجّج هذا الاختزال ويغلق أبواب الصّداقة والزّمالة والتّعارف اللّطبف الخالي من التّأثّم والخوف؟

ولا بدّ في الوقت نفسه أن نطرح على نحو مختلف قضيّة الاجتهاد وإمكانيّات فتح أبوابه على مصراعيه. فكيف يمكن أن نجذّر الاجتهاد في النّصّ القرآنيّ فيما هو أبعد من الاجتهاد في تأويل الآيات؟
فربما حان الوقت لكي نعدل عن الاجتهاد في الآيات إلى الجهد النّفسيّ والعقليّ لتحديد علاقتنا بالنّصّ المقدّس : إنّه نصّ تعبّديّ يمكن أن يتّخذه المؤمنون للعبادة، وربّما أمكنهم استلهام بعض مبادئه الكبرى لتطوير منظومة حقوق الإنسان لا لرفضها(الرّحمة والمسؤوليّة الفرديّة...) ولكن لم يعد بالإمكان اتّخاذه مصدرا للتّشريع في مجال المعاملات بين البشر.
إنّ أغلب المثقفين العرب وأغلب الأحزاب السّياسيّة الدّيمقراطيّة والجمعيّات غير الحكوميّة النّاشطة في مجال حقوق الإنسان تتلعثم عادة ولا تصوغ برنامجا واضحا لفصل الدّين عن السّياسة وفصل الدّين عن التّشريع. فكيف يمكن صياغة ونشر ثقافة مدنيّة تعتمد هذا الفصل وتوضّح ضرورته القصوى؟ هذه الثّقافة لن تهدّم الدّين بل ستساعد المؤمنين على عيش تديّنهم على نحو آخر، على نمط غير نمط الهوس الذي يجعلهم يرفضون التّاريخ ويمتهنون المرأة. علينا ربّما أن نجذّر ونعمّم حجّة زوال الحكم بزوال العلّة. زالت المجتمعات التي كانت الأحكام القرآنيّة والفقهيّة قادرة على تسييرها في كلّ ما يخصّ العلاقات بين أفرادها نساء ورجالا، فعلينا أن نقبل على تبنّي المكاسب المدنيّة التي حقّقتها الحداثة في اتّجاه المساواة والحرّيّة، وعلبنا أن نطرح إشكاليّة التّعارض بين أحكام الشّريعة ومنظومة حقوق الإنسان، وأن نخضع التّجربة الدّينيّة إلى معياريّة حقوق الإنسان لا العكس، لأنّ العكس هو ما نشهده اليوم من تمسّك بأبنية اللاّمساواة والهيمنة الذّكوريّة باسم الثّوابت الدّينيّة والمقدّسات. العكس هو تبرير عنف الهيمنة، وإيجاد مسمّيات ملطّفة له.

ولنعد إلى الفرضيّة التي أشرنا إليها في مقدّمة هذا البحث، وهي أنّ "حقوق الإنسان ليست فقط وسيلة للدّفاع عن الأفراد، بل "صيغة للعلاقات بينهم". ولنتساءل : كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والمساواة، والحال أنّ الحجاب رسم للبنى العلائقيّة القديمة على الأجساد، والحال أنّه الشّارة أو الوصمة التي تميّز المرأة، وتذكّر بأّن هذه الأنثى التي تعيش الآن هي نفسها الأنثى القديمة : التي تمثّل موضوعا لمبادلات رمزيّة أو بضائعيّة بين الرّجال، والتي يمتلك جسدها الرّجال، والتي تعتبر فاتنة إلى أن تحتجب، آثمة إلى أن تثبت العكس؟ هل يمكن بناء المساواة على إيديولوجيا جنسيّة تجوهر الفوارق بين النّساء والرّجال وتجعل الاختلاف الجنسيّ لا الاشتراك في المنزلة البشريّة أساسا لبناء المجتمع؟
كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والمواطنة، والحال أنّ الحجاب يختزل المواطنة في الأنثى، أو يختزلها في انتماء دينيّ أو سياسيّ- دينيّ؟ كيف تمكن المشاركة المشتركة الحقيقيّة في المجال العاّم عندما تكون المرأة مشطوبة ملغاة، وعندما تجد رجالا ونساء يرفضون المصافحة والاختلاط والخلوة؟ هل ستكون المرأة استثناء في عالم المواطنة، مواطنة من نوع خاصّ، حاملة لشارة خاصّة؟
كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والكرامة، والحال أنّ الكرامة أهليّة ومسؤوليّة والحجاب ردع لا مسؤوليّة؟ ألا يفترض الدّاعون إلى الحجاب في المرأة والرّجل ضحيّة وجلاّدا في الوقت نفسه : يفترضون في المرأة هشاشة تجعلها ضحيّة لغرائز الرّجل، وفي الرّجل هشاشة تجعله ضحيّة لفتنة المرأة، بحيث أنّ الحجاب يأتي ليعوّض الوازع العقليّ والمسؤوليّة؟ أليس الحجاب الأثوابيّ حاجزا مادّيّا يدلّ على غياب الحواجز الأخرى لدى الرّجل والمرأة؟ ألا يعني الحجاب اختزالا للكائن البشريّ في البيولوجيّ، والحال أنّه كائن لغة وثقافة، والحال أنّه الكائن الذي يخلق الوسائط بينه وبين المتعة، وسائط الكلام والغزل والشّعر وتأجيل تحقيق المتعة؟
كيف يمكن التّوفيق بين الحجاب والحرّيّة، أو بالأحرى كيف يمكن الحديث عن حرّيّة المرأة في اختيار حجابها، والحال أنّ الحرّيّة تتطلّب المساواة؟ كيف يمكن المطالبة بالحرّيّة مع إسقاط المساواة؟ طبعا لسنا من أنصار الحلول الأمنيّة لمشكلة الحجاب ولكلّ المشاكل، والدّليل على ذلك مطالبتنا الدّائمة بفتح المنابر للحوار بين أنصار الحجاب ورافضيه، وبين أنصار الخصوصيّة الثّقافيّة وأنصار كونيّة حقوق الإنسان، ولكن يحقّ لنا أن نتساءل : أيّ مغالطة فكريّة أو لامبالاة أخلاقيّة تكمن في إسقاط المساواة عند المطالبة بالحرّيّة، بحيث نسمح لأنفسنا بالمطالبة بحرّيّة المقيّد في اختيار قيده، أو بحرّيّة المرأة في بيع جسدها، وهو ممّا يعدّ اليوم من الأشكال الجديدة للعبوديّة؟ ثمّ إذا كان الحجاب شطبا للجسد لا لباسا له، فكيف يمكن أن ندافع عن حرّيّة المرأة في شطب نفسها؟ كيف يمكن أن يجتمع عصران مختلفان ونموذجان مختلفان للمطالبين بحقّ المرأة في حجب جسدها : عصر الحريم والخدور وعصر المساواة، نموذج القوامة، أي عبوديّة المرأة الحرّة، والنّموذج الدّيمقراطيّ؟
أختم هذا المقال بأوّل ما فكّرت فيه عندما شرعت في كتابته. فكّرت في رسالة فرويد التي اكتشفت مؤخّرا والتي يتحدّث فيها عن الأشياء أو الخرق البالية المقدّسة reliques وعن حائـط المبكى : ففي سنة 1930 أرسلت منظّمة صهيونيّة إلى فرويد عريضة تدين العرب إثر انتفاضة قتل خلالها 100 مستعمرا يهوديّا. رفض فرويد إمضاء هذه العريضة وقال إنّه كان من الأجدى بناء الدّولة اليهوديّة على أرض أقلّ امتلاء بالّرموز التّاريخيّة وقال أيضا : "لا يمكن لي أن أتعاطف مع تديّن يسير في اتّجاه سيّء، تديّن يحوّل جزءا من حائط هيرود إلى شيء عتيق مقدّس..."
نحن أيضا لنا حيطان مبكى نلوذ بها فرارا من التّاريخ ومن المصير، ومن هذه الحيطان تصوّراتنا عن المرأة والشّرف، ولنا خرق مقدّسة نتمسّك بها بكلّ ما أوتينا من عنف قداسيّ، ومن هذه الخرق حجاب المرأة. حيطان المبكى والأشياء المعبودة أشعلت وما زالت تشعل الكثير من الحروب وتتسبّب في قتل الكثير من النّفوس، وخرقة الحجاب المقدّسة أدّت وما زالت تؤدّي إلى وأد النّساء : إلى وضعهنّ في وعاء القبر أو البيت أو الحجاب.
ــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 18 – 5 - 2005



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا اكتب عنك .. اكتب عن الوطن ومعاناته ..!
- مسامير جاسم المطير 903
- مسامير جاسم المطير 901 - البرلمان العراقي معرض للملابس الفول ...
- وطن الدراويش .... ورموز الإنقاذ البعثي
- وزراؤنا لا يقربون الكومبيوتر ..!
- الشهيد العراقي لا يعادل ثمن قطة ..!
- أسوأ عقيدة سياسية هي الطائفية ..!
- عيش وشوف يا معيوف ..!
- هاشم الشبلي ديمقراطي بالرضاعة ‍..!
- الثقافة العراقية بين فضاء البراري والقضبان الطائفية ..!
- ديمقراطية للكَشر ..!
- إلى الوزراء الديمقراطيين الجدد
- الإرهابيون المراهقون .. والمراهقات ..!!
- عيش وشوف يا معيوف ..!!
- حكايات عن بعض الشعائر الدينية ..!
- أدمغة الشعوب لا تغسل ولا تباع ولا تشترى ..!!
- أمّا الدكتورة رجاء بن سلامة فجميلة حقا ً..!!
- مظفر النواب .. قضيته ليست بيتزا ..!
- عراقيون بالثقافة .. عراقيون بالفيدرالية ..!!
- عتاب إلى الرئيس جلال الطالباني ..!!


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم المطير - أنا أدعو المرأة للتحرر من الحجاب ..!