|
السيد ظاهر البندنيجي .. سيرة و ذكريات
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 01:15
المحور:
سيرة ذاتية
بسم الله الرحمن الرحيم السيد ظاهر البندنيجي .. سيرة و ذكريات
بقلم/أحمد الحمد المندلاوي
***هو السيد ظاهر بن السيد عبد الواحد بن السيد خليل البندنيجي(1) عالم موسوعي،وشاعر بأربع لغات:(العربية،الكردية،الفارسية،التركية)،و هو من علمائنا وشعرائنا الكبار المنسيين،يرجع نسبهم الى الإمام الهمام أبي محمد الحسن بن الامام علي بن أبي طالب(عليهما السلام)، فهم سادة حسنيون تجلببوا بالعلم والزهد والتقوى منذ نشوئهم،أما تاريخ قدوم هذه العائلة الكريمة الى مندلي فمجهول ولكن توجد في خزانة ورثة السيد ظاهر المذكور وثائق تؤيد بأن السلطان العثماني سليمان القانوني عند فتحه العراق سنة 1534م – 941هـ،قد أصدر أمره بانشاء جامع في مندلي وعين أحد افراد أسرة البندنيجي اذ ذاك متولياً على الجامع المذكور،والذي يسمى الآن (الجامع الكبير) الواقع في محلة السوق الكبير المسمى محلياًبـ(بازار كه ورا)، ويستدل من هذا إنَّ هذه الأسرة كانت تسكن مندلي قبل هذا التأريخ وهو سنة 1534م – 941هـ (2) ،حيث كانت مندلي آنذاك خضراء يانعة ومنتجعاً للعلماء،والشعراء لكثرة بساتينها،وصفاء جوها و خرير شلالاتها و أريج قداحها،هذا ما تشهد لها متون الكتب.ولد شاعرنا السيد ظاهر في هذه المدينة الجميلة مندلي/ في محلة قلعة بالي سنة 1902م – 1326هـ،ودرس مبادئ القراءة والكتابة في كتاتيبها والعلوم الأولية في المدرسة الرشدية العثمانية في مندلي، وتخرج منها في سنة 1914م، ثم درس الفقه واللغة على قاضي مندلي السيد أحمد فائق الأعظمي، وعلى المرحوم عبد الوهاب أفندي النائب،فبرز في آداب اللغة العربية بما فيها علم العروض،وبالمناسبة كنّـا مجموعة من الشباب أواخر الستينات ومعنا أمين المكتبة العامة الاستاذ المرحوم علي جمعة،والحاج غائب والحاج نافع من رواد مضيفه الذي أصبح شبه منتدى ثقافي لنا،وجذبنا اليه باسلوبه الرائع،ومجاملاته اللطيفة وأحاديثه الشيقة،مع كبار الشعراء منهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري .
السيد الظاهر و نهمه للقراءة السيد الظاهرمعروف بين أقرانه و أصدقائه و أهل البلدة بنهمه الشديد للقراءة، له مطالعات شخصية كثيرة،وهو رجل موسوعي،حدثنا مرة عن تصنيفه للكتب وكيفية مطالعاته لها فقال:عندي ثلاثة تصانيف للمطالعة،الكتب العلمية البحتة عند الصباح،والقصص والأشعار لدى الظهر،وفي المساء قبل النوم لدي مجموعة سميتها فاكهة الكتب للمطالعة،و هي تبحث عن عادات الشعوب،والنوادر،والأمثال وحتى قصص الأطفال والتراجم المختصرة و غيرها،و يقضي بذلك أكثر من عشرين ساعة بالمطالعة يومياً حتى في سنيه الأخيرة، كان لايقوى على حمل الكتب التي يستعيرها من المكتبة العامة فيستعين على ذلك بشخصٍ يكريه لحملها الى منزله وبالعكس،وكان يضع علامة صغيرة جداً بالقلم الأحمر على الزاوية اليسرى العليا من الكتاب الذي أتمَّ مطالعته،فلم نعثر في المكتبة العامة على كتاب يخلو من هذه العلامة،وبذا قد طالع صاحب السيرة جميع الكتب الموجودة في مكتبة مندلي العامة و البالغ عددها "40 " ألف كتاباً فقط من هذه المكتبة ،و يمكن إعتباره أول مطالع ليس على مستوى القضاء،بل على مستوى المحافظة "ديالى"إن لم نقل على مستوى العراق . السيد الظاهر عالم موسوعي هذا وكان السيد الظاهر عالماً موسوعياً يتقن أربع لغات حيّة إجادة تامة قراءةً وكتابةً و هي:العربية و الكردية والتركية والفارسية إضافة الى اللغة الكردية "اللهجة الفيلية"، ويمارس كتابة الشعر في اللغات الأربع بشكل متوازن،وأحياناً بعد نظم القصيدة بالعربية يقوم بترجمتها الى اللغتين الأُخريينِ "الفارسية و التركية" بادئاً بالأولى،وأصبحت العلاقة بيننا وطيدة عندما أحس بي بأنني أهوى الشعر،وأتذوقه ولي آنذاك محاولات متواضعة أولية في هذا المجال،أخذ ينشد عليَّ قسماً من أشعاره الكثيرة باللغتين العربية والفارسية، ومنها قصيدة (النوروز) الربيع التي سنذكرها في ذيل هذه المقالة ،كماكان له آراء خاصة في بحور الشعر لا سيما بحر السريع وأصل تفاعيله:(مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن)(3)،كما كان له آراء خاصة في بعض تفاسير القرآن المجيد،وكذلك في كتب التاريخ والسير، ولا يسمح المجال لذكر بعض تلك الآراء ،ومناقشاته في هذا الباب . كان صديقاً لوالدي،كانا بنفس العمر،و معاً يدرسان مبادئ القراءة والكتابة في كتاتيب مندلي،على يد الملا مير ولي . مكتبة عامرة بالكتب والتحف وللسيد صاحب السيرة" ظاهر البندنيجي" خزانة عامرة بالكتب والمجلات و الوثائق ،والتحف من السيوف والأزياء التراثية،ورثها عن آبائه حيث انه وريث العلماء والشعراء فلذا تراه قد درس الكتب الموجودة فيها،وحفظ الشيء الكثير منها كما وانه قد راسل كثيراً من المجلات العربية كالهلال والمقتطف وغيرهما . السيد ظاهر إماماً وخطيباً وشاعراً أما على مستوى المهنة والعمل فانّه يعتبر من الملاكين الكبار في القضاء، حيث يملك بساتين كثيرة ورثها عن آبائه واجداده، و يشرف عليها و بذا فهو يزاول مهنة الزراعة والبستنة ،وله سوق كبيرة في البلدة قرب الجامع،كما بقي مدة إماماً وخطيباً في جامع مندلي الذي تولاه حسب الوراثة،حيث كان جده السيد خليل الزاهد المشهور والمدفون في الجامع نفسه ؛يعتني بهذا الجامع كثيراً وقد سار شاعرنا السيد ظاهرعلى طريقة جده المذكور، وبعد ان عينت الأوقاف للجامع خطيباً تركه،وانتخب عضواً في مجلس الإداري لقضاء مندلي عشرات المرات، ولما بدأت الهجرة من مندلي لانقطاع مياهها تركها وذهب الى بغداد وسكن بها،حيث عين في وزارة الخارجية كمترجم من العربية الى الفارسية وبالعكس وفي سنة 1936 م حتى 1941م بقي بهذه الوظيفة، وبعده نقل الى وزارة الداخلية لتعيينه كاتب تحرير لقضاء مندلي، وكذلك في خانقين ثم نقل منها الى مندلي وبقي فيها موظفاً الى ان أُحيل على التقاعد،وأخذ يشرف على أملاكه،وللسيد مواقف مشهودة مع الأهالي بصورة عامة لا سيما مع فلاحيه و سركاره "أحمد أبو طاهر" أو سركال(4) و سركار: هو الوكيل المطلق عن المالك الأصلي، هنا نذكرحادثة طريفة للسيد مع وكيله: أقبل عدد من أشخاص مناوئين له"لوكيله" يذكرونه بسوء لدى السيد فعلم ان هؤلاء يضمرون حسداً و نفاقاً لصاحبهم ،فأمر باستدعاء وكيله غداً لدى دائرة التسجيل العقاري "الطابو" ليسجل أحد بساتينه الجيدة باسمه رداً على أخلاقهم السيئة تجاه صديقهم فألقمهم حجراً ،وأعطاهم درساً لا ينسى بل لكل من يضمر شراً للآخرين (5)،والسيد ظاهر المعروف بـ"أبي عدنان" ليس بغريب على الأذهان اذ إنَّـه شاعر وأديب وكاتب وذو علم غزير ومعرفة ممتازة اذا جالسته وتباحثت معه رأيته عبقرياً فذاً لبقاً ذكياً يأتيك بالشواهد تلو الشواهد حتى يقنعك ، يحفظ نوادر كثيرة،وطرائف مستطرفة وملحاً حلوة،وله مآثر طيبات في البلد في الجود والسؤدد وله سمعة طيبة ، محمود السيرة، ومحبوب من العشيرة، جميع السكان يودونه، وشعره سلس، ذو عبارات منسجمة،ويمتاز بالعاطفة الصادقة والمعاني الجزيلة والوصف الرائع،وكان ينشد قسماً من أشعاره الدينية في الجامع الكبير،وكانت مساجلاته الشعرية معروفة مع الشاعر المندلاوي ناصر الحاج حسين آغا،والشاعر ملا نامدار تيموري القره لوسي،وملا أحمد غيرهم من شعراء المدينة،وكانت المساجلات تتم باللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية، هذا وقد توفي السيد ظاهر البندنيجي في 23/1/1971.وآثاره محفوظة لدى ولده الأصغر الاستاذ السيد سعدي الباقي من أولاده الثلاثة (عدنان،علي،سعدي)،آملين نشرما يمكن منها على يده الكريمة،خدمة للعلم والتراث . نماذج من شعره: بقي لنا أن نذكر نماذج من شعره،فهذه أبيات من قصيدة بعنوان: "بين الحق والباطل" أيُّ حالٍ هذا الذي انا فيه أيُّ نهجٍ هذا الذي انا انهجْ كنت في كل زلـة ذا تناد بينما الجم الهوى لي واسرجْ ثم لم اغد ذا تقى واستماع حيث داعي الهوى دعاني واحرجْ فيم ابقى مذبذباً بين حـق لا يمارى وبين بين وبهرجْ وطالما أنشدني السيد هذه القصيدة باللغتين العربية والفارسية،ثم أخبرني بأنَّه في كل عام جديد ينظم قصيدة جديدة بمناسبة قدوم يوم نوروز في 21/آذار/1970م وهي بعنوان: فصل الربيع مرحى فقد جاءَ الربيعُ و مرحباً بالقادمِ فصلٌ بـه هوجُ الرياحِ تبدلـــتْ بنسائمِ وبدت بـه الأشجارُ فاتنةً بحسنِ كمائمِ وتبرجـت أغصـانُها، وتزينتْ ببراعمِ نصغي لزقزقـةٍ وشدوٍ لا لصفرِ قشاعمِ أهلاً بـه وبصحوه و بهائـه المتعاظـمِ أهلاً بـه وبوبلِـه وسحابٍـه المتراكمِ فصـل الفتوةِ ،والمفاتنِ والشبابِ العارمِ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- مندلي تسمى قديماً بـ(بندنيجين)، و منها لقب صاحب السيرة. 2 – مندلي عبر العصور/عمران موسى البياتي 3- لقد صحح لي قصيدة بعنوان العيد ألفتها بعد نكسة حزيران 1967م: العيدُ أقبلَ والأفراحُ في فَتَـنِ والقدسُ تشكو من الآلامِ والفِتَـنِ لا بوركً العيدُ مادامت مساجدُنا تشكو من الوحشةِ العزلاءِوالوًسَنِ لا بوركً العيدُ مادامت كنائسُنا أجراسُــها عطّلٌ خرساءُ لم تًرِنِ 4- انظر سركال:خطأ شائع و الصحيح هو سركار أي صاحب/رئيس/مسؤول/رب العمل يقابله اصطلاح:مراقب عمل في يومنا هذا"والكلمة كردية الأصل تتألف من مقطعين هما :سر يعني رأس،و كار يعني عمل" 5-حدثني بذلك المرحوم جابر نادر،لقربه منه. أحمد الحمد المندلاوي موسوعة مندلي الحضارية
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سألتُ يوماً ..
-
ستونَ منْ مهجِ الشّبابْ
-
ذاتي الكئيبة..
-
رسّامُنا الصَّغير..
-
مدينة كانت هناك!!..
-
مرثية خانقين
-
هاهنا في كربلاء طفٌّ جديدٌ..
-
كتان كتانه:سفيرة الغناء الكوردي الفيلي
-
ثورةُ الزّهرةِ البريّة
-
مرثيّة حي مندلي
-
اللغوي نعمت علي في الذاكرة
-
هذا العراقُ و مجدُهُ ..
-
مذكرات جدار..
-
جراحي ما لها مرفأ..
-
القمر لا يظمأ ..
-
نخلة كركوش..
-
ليلة التهجير وتمزّق الأثير
-
حوار في الحافلة
-
تكريم متأخر لإمرأة مجهولة
-
حسين صفر المندلاوي..شاعر الحكمة و الحنين
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|