انتهت الدورة النقابية الرابعة والعشرون بانتخاب أعضاء مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية. جرت هذه الانتخابات هذا العام في ظروف سياسية دولية وعربية وداخلية معقدة وصعبة، في ظروف اشتداد هجوم وعدوانية وغطرسة الإمبريالية الأمريكية ضد شعوب البلدان النامية، وتهديدها المستمر بالعدوان، بذريعة مكافحة الإرهاب، وفي ظروف تتزامن أيضاً مع العدوان الصهيوني الوحشي البربري المستمر على الشعب الفلسطيني، ومحاصرة المدن والقرى واستباحة الأرض والشعب، الذي يناضل ببسالة وتضحيات كبرى نادرة دفاعاً عن النفس والأرض . و تلقى سياسة العدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني التأييد المطلق والدعم السياسي والمادي والعسكري من قبل أمريكا قلعة الإرهاب الدولي والعدوان ضد الشعوب في العالم، وأيضاً في ظروف التهديد الأمريكي بالتحضير للعدوان ضد الشعب العراقي، ويترافق ذلك مع الضغط المستمر على سورية لابتزازها. ومع كل هذه المجازر التي يرتكبها الصهاينة ، فإن صمت الأنظمة العربية لا يزال مستمراً، رغم نداءات ومناشدات بطلب المساعدة والدعم السياسي وغير السياسي .
أما فيما يتعلق بالوضع الداخلي فسورية تعيش الآن أزمة مركبة سياسية واقتصادية، فمن الناحية السياسية لا يزال الإصلاح السياسي الذي أعلن عنه الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم حول احترام الرأي الآخر وحقه في التعبير عن نفسه لا يزال يراوح ويتعثر حتى الآن، وتمارس ضغوط على القوى الوطنية الديمقراطية بأشكال مختلفة. تقتضي المصلحة الوطنية دعم وتقوية وتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة المخطط الأمريكي العدواني في المنطقة، واتخاذ تدابير جدية لوقف العمل بقانون الطوارئ، وإصدار قانون ديمقراطي للأحزاب وقانون صحافة ديمقراطي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين العشرة معتقلي الرأي، وعن كافة المعتقلين السياسيين الآخرين .
أما بالنسبة للأزمة الاقتصادية في البلاد، فهي تزداد وتتعمق، ولم تجد الدولة حتى الآن حلولاً عملية لها، ويتأثر بها العمال الذين هم أوسع شرائح المجتمع عدداً، والإصلاح الاقتصادي المنشود، يجب أن يكون هدفه الأساسي حماية وتطوير الاقتصاد الوطني عموماً، وتجسين وتطوير قطاع الدولة وتعميق دوره في قيادة الاقتصاد الوطني في البلاد وتحسين المستوى المعاشي للعمال ... فالصناعات الأساسية كصناعة النسيج تعاني من الركود ومن المعلوم أنه يوجد مخزون من منتجات النسيج المختلفة في قطاع الدولة والقطاع الخاص، يقدر بالمليارات، الأمر الذي أدى إلى تقليص عملية الإنتاج وإلى تسريح قسم من العمال وإلى زيادة البطالة و تدهور الحالة المعاشية للعمال وأسرهم بصورة عامة .وعند الحديث عن الحركة النقابية ومهامها وبرامجها، فلا يمكن عزل قضايا الطبقة العاملة ومطالبها الاقتصادية عن ما يجري من أحداث سياسية في الوضع العربي .
معروف تاريخياً أن الطبقة العاملة السورية لها تاريخ مشرف بمساهمتها بالنضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي قبل الاستقلال وبعده، ضد كل المشاريع والمؤامرات الاستعمارية التي استهدفت سورية .وعندما وقع الانفصال المشؤوم عام 1962م ، وقف العمال ضد الانفصال ونزلوا إلى الشوارع دفاعاً عن الوحدة بين سورية ومصر، وتعرضوا للقمع والاعتقال من قبل سلطات الانفصال .
لقد خاضت الطبقة العاملة نضالاً مزدوجاً نضالاً ضد الاحتلال من أجل الاستقلال الوطني، ونضالاً من أجل حقوقها ومطالبها وحرياتها النقابية، ومن أجل تأسيس النقابات لتدافع عن مصالحها ومطالبها الاقتصادية والاجتماعية . وقد حققت الطبقة العاملة وحركتها النقابية خلال مسيرتها الطويلة من بداية القرن الماضي حتى الآن مكاسب عديدة هامة في مجال تشريع القوانين العمالية، ( قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية )، وكذلك المرسوم /49/ القاضي بمنع التسريح التعسفي للعمال، ولا تزال بحاجة إلى تعديل وتطوير بعض أحكام هذه القوانين العمالية، بما يخدم مصلحة أداء أفضل للعمل، والعمال، ولكن العمال في الظروف الحالية يعانون صعوبات جدية في حياتهم المعاشية وأعمالهم، فالأجور لا تزال متدنية، لا تلبي الحاجات الضرورية للعامل وأسرته، ( الحد الأدنى للأجر لدى الدولة لا يزال ثلاث آلاف ليرة سورية هذا بعد الزيادة الأخيرة ) ، والبطالة منتشرة وتزداد سنة بعد أخرى (بلغ عدد العاطلين عن العمل المسجلين لدى "هيئة مكافحة البطالة" الرسمية حتى الآن /640/ألف عامل) ، ولا تتوفر الشروط الصحية في معظم أماكن العمل، من تهوية وإنارة ونظافة، إلى جانب وعدم تأمين الوجبات الغذائية المجانية في المهن والأعمال الضارة بصحة العمال . ويتعرض العمال للتسريح التعسفي رغم وجود المرسوم /49/ القاضي بمنع التسريح التعسفي لهم، ولا يجدون من يقف بوجه أصحاب العمل ليدافع عنهم ويضع حداً لتعسف أرباب العمل ، فالنقابات في هذا المجال غائبة ولا يشعر بها العمال . ويلجأ أصحاب العمل في القطاع الخاص إلى تدبير مخالف للقانون، إذ يطلبون من العامل لدى مباشرته العمل التوقيع على وثيقة إبراء ذمة معدة مسبقاً ( صيغة واحدة موجودة لدى جميع أصحاب العمل )، تنص على أن ( العامل قبض كامل حقوقه من تعويض التسريح والإجازات السنوية والساعات الإضافية، والأعياد والعطل الرسمية، وأنه لم يعد له أي حق لدى صاحب العمل )، ويضطر العامل بسبب الحاجة للعمل والعيش أن يوقع على هذه الوثيقة المخالفة للقانون، وإذا ظهر من العامل أي تحرك للمطالبة بحقوقه القانونية يسرح فوراً من العمل، ( تحت وطأة وثيقة براءة الذمة الموقعة من قبله ورغماً عنه ) .
إن واجب النقابات ,وخاصة الاتحاد العام , العمل على استصدار مرسوم أو قرار من وزير العمل ينص على أن كل عقد عمل أو تسوية أو مصالحة عن الحقوق العمالية التي تجري بين العامل وصاحب العمل يجب أن تصدر من النقابة ومن مديرية العمل والشؤون الاجتماعية، وبتحقيق ذلك نضع حداً لتعسف أصحاب العمل في القطاع الخاص وضمان حقوق العمال وحفظ كرامتهم . إن عددا من الحقوق والمكاسب التي حققها العمال بنضالهم، والتي ضمنها قانون العمل، يجري التجاوز عليها حاليا . فقد حدد القانون ساعات العمل اليومية بثماني ساعات بينما يعمل العمال الآن /12/ ساعة في معظم معامل وورش ومحلات أصحاب العمل، رغم مخالفة ذلك للقانون، يضاف إلى ذلك فترة ساعتين للذهاب والإياب من العمل . هذا يجري عندنا في سورية في الوقت الذي أصبح العمل في أوربا الرأسمالية /7/ساعات يومياً منذ عشرات السنين، و العطلة الأسبوعية للعمال يومين،( هذا غيض من فيض في تردي واقع الطبقة العاملة السورية )، ولا يزال كثيرون في القطاع الخاص لا ينفذون قرارات زيادة الأجور التي أصدرتها وزارة العمل( قرار العام الماضي،والقرار الأخير الصادر بتاريخ 1/6/2002) .
هناك إهمال وتقصير كبير في مؤسسة التأمينات الاجتماعية فهي لا تسجل جميع العمال العاملين في معامل وورش القطاع الخاص , بل تسجل جزءا منهم ولا تسجل هذا الجزء برواتبه الفعلية , فالرواتب المسجلة تتراوح بين 3-4 آلاف ليرة سورية بينما تتراوح أجور الكثير منهم بين /8-10/آلاف ليرة سورية شهرياً وقد يصل بعضها إلى 15 ألف ليرة, وهذا مخالف للقانون ويضر كثيراً بمصلحة العمال لدى بلوغهم سن الشيخوخة والتقاعد .
إن الفساد موجود أيضاً في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وهو يضيع على المؤسسة سنوياً مئات الملايين من الليرات من جراء عدم تسجيل كل عمال القطاع الخاص وبرواتبهم الفعلية , ويجب على المؤسسة أن تفرز عناصر جيدة من ذوي الأخلاق والإخلاص بالعمل , وتحدد مكافآت سخية للمفتشين الذين يزورون المعامل لضبط العمال غير المسجلين وتسجيلهم .على أن النقابات والاتحاد العام للعمال تشارك مؤسسة التأمينات الاجتماعية في الإهمال والتقصير وتتحمل المسؤولية في عدم التحقق من سير عمل مؤسسة التأمينات . لذلك نطالب بما يلي :
1- العمل على استثمار أموال التأمينات الاجتماعية المجمدة لدى صندوق الدين العام والمبالغ الفائضة سنوياً لتأمين مساعدات للعاطلين عن العمل وخدمات إضافية وبيوت راحة للعمال وعائلاتهم .
2- إعادة النظر بالنظام الضريبي وإعفاء الحد الأدنى للأجور من ضريبة الدخل .
3- العمل على زيادة اجر الحد الأدنى المقرر قانونا إلى الضعف وزيادة الأجور بما يتناسب وتكاليف المعيشة , وإيجاد قاعدة قانونية تضمن زيادة الأجور بالارتباط بارتفاع الأسعار أو التضخم النقدي .
4- تعديل قانون العاملين الأساسي بما يلبي حاجات العمل والعمال، وبحيث يتضمن أيضاً إلغاء سقوف الأجور والحوافز، وإلغاء المادة /138/ من قانون العاملين الأساسي .
5- لقد مضى على صدور قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية عشرات السنين، وحدثت خلال هذه المدة تطورات كبرى وهامة في مجال التطور العملي والتقني ( أنظمة الأتمتة، وأجهزة التحكم في توجيه عمل الآلات، والحاسب في عمل المؤسسات والمعامل المختلفة )، لذلك أصبح من الضروري تعديل قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية بما يتناسب والتطورات العملية والتقنية، وبما يحقق آلية أفضل في العمل والإنتاج، ويساهم في تحسين المستوى الصحي والمعاشي للعمال والشغيلة، ومن الضروري أن يشمل التعديل إعطاء عمال القطاع الخاص التعويض العائلي أسوة بعمال الدولة .
6- العمل على إلزام أصحاب العمل في القطاع الخاص بتسجيل عمالهم في التأمينات الاجتماعية وبرواتبهم الفعلية، إن واجب النقابات العمل بالتنسيق والتعاون مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية، والقيام بحملة تثقيف وتوعية لإقناع العمال بأهمية وضرورة الانتساب للمؤسسة لأن ذلك في صالحهم، ويحقق لهم مكاسب عديدة وخاصة عندما يبلغون سن التقاعد، علماً أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية لها صلاحيات واسعة في القانون لحماية حقوق العمال وتحسين شروط العمل في المعامل، لكنها مقصرة جداً بواجباتها تجاه ذلك .
7- إلزام كافة مؤسسات ومعامل الدولة، ومعامل القطاع الخاص التي طبيعة أعمالها خطرة، وينتج عنها أمراض مهنية ضارة بصحة العمال، بتطبيق تدابير الأمن الصناعي وإعطاء العمال الوجبة الغذائية المجانية المقررة قانوناً .
8- العمل على استصدار قرار وزاري باعتبار الدعاوى التي يقيمها العمال ضد أصحاب العمل من الدعاوى المستعجلة، من أجل تأمين حقوقهم، لأن دعاوى العمال في موضوع العمل تستغرق أحياناً سنوات حتى تحسم، الأمر الذي يدفع العامل لليأس نتيجة ذلك، ويضطره للمساومة والتنازل عن كثير من حقوقه .
9- العمل على إصدار مرسوم جمهوري أو قرار وزاري ينص صراحة على أن أي عقد للعمل أو المصالحة على حقوق العامل، يجب أن يوثق لدى النقابة المعنية، ولدى مديرية العمل، وذلك من أجل ضمان حقوق العمال، ومن أجل وضع حد لتصرفات وتعسف أصحاب العمل المخالفة للقانون .
10- العمل على تثبيت العمال المؤقتين في مؤسسات ومعامل الدولة المختلفة، لكي يستفيدوا من كافة المزايا والحقوق القانونية التي يتمتع بها العمال الدائمون والمثبتون .
11- قطاع الدولة : الدفاع عن قطاع الدولة، و العمل على إصلاحه وتطويره وجعله قوة اقتصادية قادرة على الصمود والمنافسة في الإنتاج بتخفيض تكاليف إنتاجه المتمثلة بتضخم عدد العاملين الذين ليس لهم علاقة بالإنتاج, والتبذير غير المبرر بالإنفاق، وقادرة على المساهمة في التنمية وتحسين المستوى المعاشي للعمال، وركيزة وقاعدة أساسية للصمود في وجه تحديات العولمة الإمبريالية وحماية الاستقلال الوطني .
إن المسألة المركزية في ضعف الحركة النقابية وعدم قدرتها على المبادرة، واتخاذ مواقف قوية وجدية في الدفاع عن حقوق العمال ومطالبهم وحرياتهم النقابية، هو عدم استقلال الحركة النقابية وتبعيتها للسلطة . فالطبقة العاملة قوة وطنية أساسية في البلاد، وقد يزداد حجمها ووزنها في البلاد سنة بعد أخرى، ويقدر عددها الآن بأربعة ملايين عامل، ولهذا فإن الدفاع عن حقوقها ومطالبها وحرياتها النقابية والسياسية والعمل لتحسين مستوى حياتها المعاشي، هو واجب وطني على القوى الوطنية في البلاد .
إن الاتحاد العام لنقابات العمال، باعتباره القيادة المركزية للنقابات يتحمل مسؤولية كبرى وأساسية، بما لديه من إمكانيات وصلاحيات, و يستطيع أن يساعد على تنشيط الحركة النقابية و تفعيلها والارتقاء بها إلى مستوى أفضل وتحقيق الكثير من حقوق ومطالب العمال وحرياتهم النقابية، إذا تحرر من تأثير السلطة السياسية وتبعيته لها ...
الموقف الديمقراطي
نشرة يصدرها التجمع الوطني الديمقراطي في سورية
تشرين الأول 2002