|
التكييف القانوني للجريمتين الدولية والسياسية
ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 22:02
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الجريمة الدولية هي من الجرائم التي حددها العرف الدولي و ترتكب ضد مصالح دولة و تحدث اضطرابا في العلاقات الدولية. ان تحليل الجرائم وأسبابها يسمى بعلم الجريمة، وفي تقاطع مع تخصصات إنسانية عديدة، منها علم النفس وعلم الاجتماع والأخلاقيات، وهو يخرج عن التحليل القانوني الصرف، وان كان للقوانين وكيفية تطبيقها الأثر في تفسير مسببات الجرائم. والعنصر الخارجي الاخر هو عدم النظر الى مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية على أنها رادعة للجريمة في شكل فاعل بسبب ضعفها وبطئها. هذه العناصر ليست الدافع للجريمة إنما تظهر الجريمة للوجودة. كل ذلك لا يعفي المشرع من تأدية وظيفته لتفعيل المعاقبة على هذه الجرائم معاقبة فاعلة، وامكانية الوقاية منها. الأساس القانوني للجريمة الدولية هو مصدر تجريمها أي وجود نص قانوني يصف الفعل على أنه جريمة إذ الأصل في الأفعال الإباحة إلا اذا كان هناك نص قانوني يجرم هذه الافعال . ففي النص القانوني الجنائي الداخلي يحدد النص التشريعي الأفعال المحظورة التي يعد اقترافها جريمة من الجرائم و تتعدد هذه النصوص بتعدد الأفعال التي يحظرها القانون و تسمى نصوص التجريم وعليه لا يمكن اعتبار أي فعل من الأفعال جريمة إلا إذا انطبق عليه أحد هذه النصوص و معنى ذلك أن النص التشريعي المكتوب هو وحده الذي يحدد الجرائم و العقوبات ويعد المصدر الوحيد للتجريم حيث تستبعد المصادر الأخرى كالعرف و قواعد العدالة و مبادئ الأخلاق. من المعروف أن القانون الدولي الجنائي هو قانون عرفي بعد أن فشلت كل المحاولات حتى الآن في تقنينه ولهذا فالجرائم الدولية ليست أفعالا منصوصا عليها في قانون مكتوب كما هو الحال في الجرائم الداخلية وإنما هي أفعال بينها العرف فقط و يبقى العرف الدولي مصدرا للتجريم في الجرائم الدولية حتى و لو نصت المعاهدات على تجريم بعض الأفعال باعتبار أن هذه المعاهدات لا تنشئ الجرائم و إنما تكشف عن العرف الذي حرمها و هكذا فإن القاعدة الشرعية المكتوبة لا تجد مكانا في القانون الدولي الجنائي إذ يعني التمسك بالقاعدة جزئيا إنه لا جريمة دولية بلا قانون مكتوب يحددها و يبين العقوبات المقررة لها. - مفهوم العنف و الجريمة مفهوم متفق عليه في جميع دول العالم , و لكن أشكال العنف و الجريمة تختلف من مجتمع لآخر, فما يعتبره مجتمع ما مقبولاً قد لا يعتبر مقبولاً في مجتمع آخر, وذلك وفقاً للمعايير الدينية و الأخلاقية و القيم و المباديء التي يتخذها المجتمع ليسير عليها , و التي على أساسها تنص القوانين , وكل من يخالف هذه المباديء و القوانين يعتبر مخالف للقانون , ويتوجب إنزال العقوبة المقررة عليه , و الذي ينصها نفس المجتمع , وبالتالي فإن بعض أشكال العنف و الجريمة تختلف من مجتمع لآخر ,و لكن هناك عدة أشكال متفق عليها كأنواع من العنف و الجرائم في جميع أنحاء العالم. إن المسؤولية الدولية هي الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي على عدم احترام أحد أشخاص هذا القانون لالتزاماته الدولية، وهذا التعريف يشمل الى جانب الدولة التي هي شخص القانون الدولي الرئيس، والمنظمات الدولية بعد الاعتراف لها بالشخصية القانونية الدولية في حدود نطاق الاهداف والمبادئ التي انشأ من أجلها من حيث التمتع بالحق في أن تكون مدعية أو مدعى عليها، بسبب الأضرار التي تلحقها بالأشخاص الدولية الأخرى أو تلحق بمصالحها، فإذا ما أخلت دولة بإحكام معاهدة سبق لها أن تقيدت بها فأنها تتحمل المسؤولية الدولية الناشئة عن هذا الإخلال ، وتلتزم من ثم عن تعويض الدولة التي لحقها ضرر جراء هذا العمل. لقد كان إقرار المجتمع الدولي لنظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية عام تحولاً مهماً في تطور القضاء الجنائي الدولي بعد الاجماع الدولي على ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة وانتهاكات حقوق الانسان التي تصنفها المواثيق والاعراف الدولية على انها جرائم ذات طبيعة خاصة تجعل من الضروري معاقبة مرتكبيها لأن المضي في ارتكاب مثل هذا النوع من الجرائم بات يشكل انتهاكاً جسيما للحد الأدنى من الحقوق والضمانات التي أجمعت المواثيق الدولية على احترامها وعدم المساس بأي منها. المعروف أن الجريمة الدولية تستمد ركنها الشرعي من خلال قواعد القانون الدولي الجنائي والذي مصادره متعددة منها المعاهدات الدولية والعرف الدولي الذيً يؤدي دورًا كبيراً في تجريم بعض المظاهر الضارة بالمجتمع الدولي مثل جرائم الحرب وجرائم انتهاكات حقوق الانسان والابادة الجماعية والتي تشكلت لها محاكم جنائية دولية مؤقتة مثل محكمتي نورمبرج وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية ومحكمة جرائم الحرب ليوغسلافيا السابقة لعام لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في البوسنة وكوسوفاعام 1991. يجب إنشاء مؤسسة دولية ودائمة غايتها تدبير العدالة الجنائية الدولية، حيث لا تشكل المحكمة الجنائية الدولية الحالية ، سوى نموذجا صوريا لهذه المؤسسة, لكون غياب العضوية الدولية الشاملة للمحكمة يجعلها عرضة للتدخل السياسي، بحيث أن مسؤوليها قد يتفادون، أثناء مزاولة ولاياتهم القضائية، تهميش المرشحين المحتملين لنيل العضوية فيها، أو إحراج الدول القوية الأطراف,وثمة مشكلة تنظيمية يتضمنها قانون روما الاساس تكمن في ربط مزاولة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بسلطة مجلس الأمن الذي يكبل قدرة المحكمة على ممارسة اختصاصها القضائي بطريقة تساوي بين جميع الدول. من جانب اخر نجد القانون الجنائي الدولي يعاني ازمات نتيجة لتبنيه لحلول ظرفية تتضاءل عن مواجهة الأسباب البنيوية للجريمة ومقتصرة على تضخيم الأوهام حول فعالية العقوبات الرادعة. لا بد من إعادة النظر في الإجراءات العملية الخاصة بالنزاهة والحياد والاستقلالية القضائية إذا كان يجب تحقيق غاية الحد من الأثر السياسي في الممارسة القضائية الدولية. إذ يجب ألا تمول كل عملية في مجال العدالة الجنائية الدولية، أو داخل المحاكم، إلا من مصادر تشرف عليها الدول الأطراف، التي أنشأت الإطار القانوني، أو ساهمت في إنشاء المحكمة، لا من مصادر خاصة، أو من دول معنية بمصلحة ما، أو من كيانات ذات انتماءات حكومية متعددة. كما يجب ألا ينحدر قضاة المحكمة ومسؤولوها من الدول المنخرطة أو المعنية بالنزاعات العسكرية، أو الصراعات السياسية. إن حاجة المجتمع الدولي أصبحت بالغة الأهمية في ترسيخ وتطوير مجموعة من القواعد القانونية التي تتضمن المعاقبة على الجرائم الدولية وانتهاكات القانون الدولي الانساني من أجل المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، والعمل على عدم إفلات المجرمين من العقوبة بسبب ما يتمتعون به من حصانات. وبدأ المجتمع الدولي بتطوير تشريعات دولية من خلال الاعتماد على ميثاق الأمم المتحدة مستخدماً سلطات مجلس الأمن طبقاً للفصل السابع لحالات تهديد الأمن والسلم أو الاخلال بهما أو وقوع أعمال عدوان، حيث أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات منها القرار لعام لمحاكمة المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الانساني في يوغسلافيا السابقة وكذلك القرار لعام المتعلق بجرائم الابادة الجماعية الحاصلة في رواندا. المعروف أن جرائم الحرب يقصد بها الجرائم السابقة للقتال والتي تكون مبررًا في اشعالها لا الجرائم التي تقع اثناء المعركة ويحصل فيها ارتكاب مخالفات لقوانين الحرب.الحرب العالمية الثانية وما حصل خلالها من جرائم مروعة وخطيرة حدثت محاكمات عديدة لمجرمي الحرب جوبهت بالكثير من الصعوبات والمعوقات واستمر حصول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان خلال النزاعات الدولية وحتى الداخلية منها، التي جرت وحتى أواخر القرن الماضي حيث حصلت جرائم وأعمال إبادة جماعية جعلت المجتمع الدولي يطالب بمحاكمة مرتكبيها أمام محاكم جنائية دولية، ورغم وجود محاكم ولجان تحقيق جنائية دولية ولكن موضوع تنفيذ العقاب على مرتكبيها كان ولازال أحد المشاكل المعقدة نتيجة التداخل بين سلطات القضاء الجنائي الدولي والقضاء الجنائي الوطني وكذلك نتيجة للمواقف السياسية للدول الكبرى لاسيما الولايات المتحدة وتأثير هيمنتها على مجلس الأمن مما جعل أمر إحالة أو معاقبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية يخضع للاعتبارات السياسية أكثر من خضوعه للاعتبارات القانونية. إن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان بدأت تأخذ طابعاً دولياً ولم تبق داخل حدود سيادة دولها ، بعدما حصل من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في النزاعات الحاصلة في رواندا ويوغسلافيا السابقة ، إذ شكلت محاكم ولجان تحقيق جنائية. أما الجريمة السياسية فقد حرمتها مختلف الدول التي تعمل على محاربتها مع ذلك فهي جريمة داخلية ينص عليها التشريع الوطني و تختص بها المحاكم الوطنية و هي بمثل هذه المفاهيم تختلف عن الجريمة الدولية التي تمس المصالح الدولية و تجد مصدرها في العرف الدولي و المعاهدات الدولية التي تستند إلى هذا العرف و يرجى أن تنشأ محاكم دولية للنظر فيها. كما يرى علماء الاجرام المحدثون إن المجرم السياسي يؤلف النموذج الحي والصادق للمجرم العقائدي ، ويجب النظر إليه كصنف قائم بذاته من أصناف المجرمين ويتميز عن غيره في شعوره الصادق العميق بان الفعل الذي اقترفه إنما هو واجب يمليه عليه ضميره ويأمره به وجدانه كجزء من الرسالة التي التزم بها ، ورغم صعوبة وضع تعريف دقيق لمفهوم الجريمة السياسية لان مفهومها نسبي ومتغير وفق الظروف التي) ويلزم ضرورة معالجة أوضاعهم معالجة تختلف عن سواهم من المجرمين الاخرين داخل المجتمعات والبلدان ، النشاط السياسي للفرد والجماعة كان من ضمن الامور التي شملها التطور في حياة الانسان، فحينما احتل هذا النشاط مكانته في المجتمع برزت للوجود الجريمة السياسية، فهي قديمة قدم هذا النشاط ، حيث امتدت جذورها إلى جذور سلطة الدولة وكان سبب وجودها هو التنازع على السلطان بين الافراد قبل تكوين الدولة، ومن ثم الصراع بين الافراد والمنظمات السياسية وبين رجال الدولة على السلطة ، وقد تشعب هذا الصراع بعد ذلك وتطور واتخذ أشكال متعددة واستهدف أمورا عدة ونظم حقوق أوجدتها الحضارة الانسانية. لقد اختلفت الاراء فيما يتعلق بالاغتيال السياسي ولاسيما الاعتداء على حياة رؤساء الدول فمنهم من يرى أنها جريمة عادية وهو الرأي السائد دوليا وداخليا، ولا يعتد بدوافع الجاني أو نواياه ولايهتم بالحق المعتدى عليه وهو الحق في الحياة ، وكون القانون يبسط حمايته على أرواح الناس كافة دون تمييز بينهم من حيث المكانة الاجتماعية . وقد اقر هذا الرأي من قبل معهد القانون الدولي في دورته المنعقدة في أكسفورد عام 1980 واصدر عددا من المقررات حول تسليم المجرمين والجرائم السياسية وقد جاء في المقررات, إن الجرائم التي يتوافر فيها جميع أركان الجرائم العادية كالاغتيال والسرقة والحريق يجب إن لا تحول دون تسليم فاعليها لمقاصدهم السياسية .وقد استقر العرف الدولي على ذلك وجرت بعض الدول في اتفاقاتها ومعاهداتها حول تسليم المجرمين اليباسيين، ومقتضاه قبول التسليم في جرائم الاعتداء على حياة رؤساء الدول، في حين هناك رأي آخر يضفي الصفة السياسية على الاغتيال السياسي ما دامت الغاية التي توخاها الفاعل سياسية، وحجتهم في ذلك إن الاغتيال السياسي في كونه اعتداء موجه ضد رئيس الدولة كفرد ، ولكنه موجه في الحقيقة ضده كجهاز رئيسي من أجهزة نظام الحكم ، فهو من الناحية الموضوعية اعتداء على السلطة العامة ممثلة في شخص المجني عليه. ومهما تعددت الاراء وتشعبت فان الفقهاء يكادون يجمعون على إن من يرتكب جريمة الاغتيال السياسي يجب إن يؤخذ بشدة ، فلا يمنح حق اللجوء السياسي المعترف به في القانون الدولي، ولا أي امتياز من الامتيازات الخاصة بالمجرمين السياسيين والمقررة في القانون الدولي. الصيغ الجديدة للجريمة اصبحت تمثل عدوانا جديا على مصالح أساسية فردية وجماعية لأن الأمر تحول من انحراف أفراد معزولين وعاجزين إلى إجرام واسع النفوذ يتمتع بمستوى غير مسبوق من الحصانة ضد العقوبة وقدرة فائقة على الابتزاز. ويعتبر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات من أهم المبادئ الدستورية، فقد تضمنته أغلب الدساتير لما له من أهمية دولية واقليمية. فالقانون هو المصدر الوحيد والمباشر للتجريم، وهذه الصلاحية لا تقررها إلا السلطة التشريعية، لذا تعتبر أن هذا السلوك يشكل جريمة وهذا لا يشكل جريمة . وبالتالي لا تملك السلطة التنفيذية مباشرة هذا الاختصاص إلا من خلال تفويض يستجيب للقواعد العامة وروح النص التشريعي المفوض. كما أن المبدأ شرط أساسي للأمن والحريات الفردية ومن الضمانات الجوهرية للحقوق الأساسية، فأنماط السلوك البشري ليس لها أن تطالها العقوبة أو الجزاء إلا بنص قانوني يحدد ماديات الفعل الإجرامي ويبين عناصره وأركان الجريمة. كما يحدد العقوبة المقررة على مرتكبها حتى يكون الفرد على بينة من خطر سلوكه وعلى علم سابق بنص التجريم والعقاب الذي يمنعه من إتيان الفعل المجرم. ترتبط قاعدة أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص كأهم شرط يقيد ممارسة الدولة حق العقاب ، إرتباط وثيق بمبدأ فصل السلطات ، ويترتب على هذا الارتباط عدم اقتصار هذه القاعدة على ما تنص عليه بل تتعداها لتشمل كل القواعد الجزائية، وكذلك تنفيذ العقوبات إن أول نتيجة للمبدأ الشرعية هي أن القوانين وحدها قادرة على تحديد العقوبات، بالنسبة لكل جريمة، وان الحق في تشريع القوانين الجزائية لا يمكن أن يخوّل إلا المشرّع الذي يمثل كل المجتمع المرتبط بالعقد الاجتماعي. يترتب عن هذا المبدأ بالنسبة للمشرّع، ضرورة ممارسة فعلية للسلطة المخوّلة له. فلا يحق له أن ينيب عنه سلطة دستورية أخرى، كما يجب عليه أن يراعي بعض الضوابط العامة والخاصة التي تغلق الباب في وجه الأجهزة الأخرى وتمنعها من التدخل، ومن بينها:ضوابط التجريم والعقاب وتحديد توابع مبدأ الشرعية. إن أساس قاعدة الشرعية الجزائية هو ضمان الحريات الفردية ضد تجاوز السلطتين القضائية والتنفيذية لاختصاص كل منهما. فالمبدأ لا يسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ أي إجراء في حق الأفراد ما لم يكونوا قد ارتكبوا أفعالا ينص القانون على أنها جريمة، ولا أن تصدر نصوص جزائية تجرم بمقتضاها أفعال لم تبادر السلطة التشريعية بتجريمها. كما أن المبدأ يعتبر شرطاً أوّلياً لانعقاد اختصاص القاضي الجزائي، فهو الذي يقرر على أساسه إما الوقوف عنده أو التمادي في البحث عن بقية الأركان التي يتطلبها قيام الجريمة فبانعدامه تنعدم الجدوى من مواصلة البحث عن بقية الأركان القانونية. إذا كان الأصل أن تصدر نصوص التجريم والجزاء بقانون من السلطة التشريعية غير أنه قد تطرأ ظروف استثنائية تستدعي تحركاً تشريعياً سريعاً لسد النقص في القانون أو التشريع ، مما تضطر معه السلطة التنفيذية أن تطلب من السلطة التشريعية أن تصدر لها تفويضاً قانونياً محدداً في زمانه ونطاقه، لمواجهة الظروف الطارئة بالسرعة الممكنة. فإذا ما استجابت السلطة التشريعية لذلك، وأصدرت قانونا بالتفويض للإدارة في الإطار المطلوب، فيكون من حق الأخيرة أن تقوم بالزمن المحدد وفي الموضوعات المحددة أن تصدر أوامر لها ذات قوة قانون التفويض. إلا أن الفقه وجه نقداً لهذه الإحالة للسلطة التنفيذية، إذ أن تدخل السلطة التنفيذية في الميدان الجزائي يمس بمبدأ الشرعية. كما أنّ الأوامر الترتيبية تضع مبدئياً أحكاماً تقنية لا تحمي أيّة قيم اجتماعية، لكن السلطة التنفيذية تضطلع بدور هام في وضع النصوص المتعلقة بالمخالفات التي تتميز العقوبات فيها بتسليط الخطايا التي هي من نظر الإدارة، بينما تقضى التراتيب الإدارية من سلطة وضع العقوبات السالبة للحرية ، ويكون لها دور في تحديد الجريمة ويبقى وجوب الرجوع للنص التشريعي من أجل توقيع العقاب. ثمة حاجة ملحة لتعبئة سياسية وثقافية حول متطلبات إصلاح القانون الجنائي لتخليصه من عيوبه الراهنة واستعادة طبيعته المتميزة كأداة للحد من العنف ولحماية المصالح الأساسية للمجتمع وأفراده . ان الترابط الحاصل على الصعيد العالمي الذي يستلزم تطوير قضاء عالمي واستحداث قانون جنائي دولي قادر على مواجهة الظواهر الإجرامية المعاصرة.وفي هذا السياق يمثل تشكيل المحكمة الجنائية الدولية إنجازا تاريخيا يجب تعزيزه بتمكين المحكمة من الوسائل الضرورية للاضطلاع بمهامها وتوسيع صلاحياتها لتشمل جرائم كالإرهاب والاتجار بالمخدرات والسلاح وأنشطة الجريمة المنظمة متعددة القوميات، وكذلك الجرائم ضد البيئة والصحة العمومية. إن الدول الفردية قد تأخذ على عاتقها تنفيذ مبدأ التقاضي على الصعيد الدولي، الذي لا يعترف بوجود الحدود في السلطة القضائية في حالات الجرائم الدولية، لكن ذلك قد يشكل خرقا لمبدأ السيادة بين الدول، وقد يسبب توترات ونزاعات دبلوماسية. إذ ان الفوضى القضائية الناشئة عن ممارسة الدول الاختصاص العالمي، على حساب الإنسانية، تلغي مقاضاة الجرائم الدولية في المحاكم الدولية. لا شك أن الحد من الامتداد السياسي في مجال القضاء الدولي، يتعارض مع واقع الهيمنة الإمبريالية في الظروف الراهنة على الأقل. يجب أن تكون العدالة الدولية ، لا الانتقام الشامل،إذ يلزم تظافر كل الجهود للحفاظ على السلام الدولي وقيام الديمقراطية في دول العالم ، بناءً على سيادة القانون على الصعيد الدولي. وما لم يكن هذا هو الشرط الرئيس للعدالة الجنائية الدولية,فإن ممارسة الاختصاص القضائي الدولي ستبقى رهينة سياسات القوى الدولية. ان الاختلاف بين القانون الداخلي و الدولي يرجع إلى أن المشرع الوطني قادر على متابعة و تجريم الأفعال التي تصيب المصالح الجديرة بالحماية و عدم الأخذ بالقياس على الصعيد الداخلي أمر تبرره حماية الحريات الفردية من تعسف الإدارة أو تحكم القضاء أما في القانون الدولي الجنائي فلا حرج من اللجوء إلى القياس نظرا لغياب المشرع القادر على تجريم الأفعال الصادرة و متابعتها . إذ أننا بصدد قانون عرفي يتطور و يتغير باستمرار و من أمثلة الأخذ بالقياس على الصعيد الدولي تجريم استعمال الأسلحة النووية تجريما قاطعا قياسا على تجريم الأسلحة التي هي أقل خطرا منها .
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الادارة الاستراتيجية
-
منظمات المجتمع المدني صمام أمان للديمقراطية
-
ألإمبراطورية ألامريكية إلى أين
-
لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه
-
التصدي للازمات وادارتها
-
ألإرهاب السياسي
-
الارهاب الدولي
-
إشكالية مكافحة ألإرهاب
-
ادارة ملف الازمة في العراق
-
فشل ألاحزاب العراقية المتنفذة في ادارة ملف الازمة
-
دور منظمات المجتمع المدني في تصحيح المسار السياسي للدولة
-
الديمقراطية الممتهنة
-
ألإستبداد الفكري
-
الاستقرار السياسي
-
لكي لاننسى
-
الدولة والتنمية السياسية والاقتصادية
-
مرتكزات العدالة
-
رسم السياسات العامة للدولة
-
المساهمات الدولية لمكافحة ألإرهاب
-
بروز حركات الاسلام السياسي في الساحة
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
-
كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقا
...
-
-المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على
...
-
5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس
...
-
مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|